يقول لطفي حداد في مقدمة كتابه "رياض الترك؛ مانديلا سورية": "أعترف أنني ترددت كثيراً قبل إتمام هذا الكتاب ودفعه للنشر... فالحديث عن سجناء الرأي في البلاد العربية ما يزال من المحرمات... ومهما كانت النية طيبة والإرادة صالحة، فإمكانية أن تفسر الأمور بشكل خاطئ وعدائي وتهجمي... مخيفة إلى درجة أنني لم أجد في السنوات العشر السابقة أي كتاب مطبوع يتكلم بشكل مباشر عن سجين سياسي أو سجين رأي في بلد عربي. لكن الأوضاع حالياً قد تغيرت، وصفحات الانترنت والجرائد بدأت تمتلئ بالمواضيع المتعلقة بالسجن السياسي وسجناء الرأي وحقوق الإنسان العربي. أرجو أن يقرأ الكتاب كشهادة إنسانية نتعلم منها، :ي لا نعود إلى سنوات القمع الأسود" كما يقول رياض الترك، ونفهم الأبعاد السياسية لتاريخ العقود الثلاثة الماضية في بلد عربي".
من هنا يأتي هذا الكتاب الذي يتناول صفحات من تاريخ سجين سياسي أو سجين رأي. وهو لا يتناوله كزعيم سياسي، رغم أنه يربط حياته كاملة بالسياسة وفكره السياسي، وإنما كوطني سوري وديموقراطي سلمي وسجين رأي، وشاهد على حقوق الإنسان في بلد عربي، كما أن الكتاب لا يتناول رياض الترك كشيوعي ويساري، رغم أنه يؤمن بماركسية جدية وطنية سورية خاصة خلقها التأمل الفردي الممتد على مدى عقدين في زنزانة انفرادية، وإنما يتناوله كمفكر سوري من الطراز الأول ورمز صادق للأجيال القادمة في الزمن الصعب، فهو بألم صامت، وجد أن المقاومة السورية من أجل وطني أجمل، وهو، بثمن باهظ، حامل آمال عشاق الحرية في وطن عربي محروم منها... تواضعه وبساطته ثمرتان نضجتا عبر السنين الطويلة من الانفراد بنفسه، حيث صحح أخطاءه وطلب من الذي يستطيع الغفران أن يغفر له خطاياه... فاغتسل الحقد في قلبه وتحول إلى فهم عميق للآخر المختلف... وبصبر عجيب خرج من ليله الأسود إلى الحرية في "السجن الكبير" ليكسر كل يوم، بحريته الداخلية، قضباناً أكثر نحو شمس أكثر إشراقاً.
يفضل رياض الترك أن يترك حياته الداخلية لنفسه وما يريده في "البحث في ماضي الاستبداد ليس رغبة في التشفي والتشهير لكي لا تعود سنوات القمع الأسود إلينا مجدداً... وهو رغم بعض الاعترافات الإنسانية العميقة إلا أنه يقول عن نفسه: "أنا وفكري السياسي واحد فإذا أردت أن تعرّف الناس عليّ، أخبرهم عن مواقفي السياسية. أما أنا نفسي فشخص زائل وواحد من ملايين"... ويقول لطفي حداد... وهكذا تدرجت فكرة هذا الكتاب من بحث واسع في حقوق الإنسان وسجناء الرأي في الوطن العربي (وقد تم في هذا الكتاب جمع آلافاً من الصفحات والتقارير والمقالات والمحاضرات والحوارات في كل البلاد العربية)... إلى دراسة سجين رأي واحد يمثل صورة نزيهة لحرية الموقف السياسي وثمنه في هذا الوطن.
ومن يقترب أكثر من هذا السجين السياسي وسجين الرأي رياض الترك يكشف فيه البساطة، وفي نفس الوقت يكتشف صلابته، ويتعجب بشغفه بالديموقراطية، ويستغرب كونه أمنياً أول لحزب سياسي لأكثر من ثلاثين عاماً (قضى عشرين عاماً منها في السجن، وتخلى في نيسان 2005 عن هذا المنصب) يكبر فيه، من يقترب فنه أكثر، موقفه السياسي واندماجه بحزبه.
وفي صفحات هذا الكتاب هناك مقابلات ومحاضرات وحوارات متعلقة به جمعها لطفي حداد من الصحف والمجلات المطبوعة والإلكترونية، بالإضافة إلى ذلك هناك مختصراً عن وقائع المحاكمة الأخيرة لما تسلط من أضواء على تفكيره ومواقفه، بالإضافة إلى عدة فصول عن مواقفه الخاصة. وفي النهاية عرض سريع لتفكير الحزب الشيوعي السوري الذي تغير اسمه إلى حزب الشعب الديموقراطي السوري مع تأثير فكر "الترك" الواضح في أطروحته.
نبذة النيل والفرات
إذا أردت مشاركة هذا الكتاب فشكرا لك, ولكن رجاء لاتزيل علامتنا المميزة
مع الشكر مقدما
No comments:
Post a Comment