تتفرد رحلة المستشرق الاسباني أدولفو ريفادينيرا التي سجلها في كتابه "من سيلان إلى دمشق" عن مثيلاتها من رحلات المستشرقين والمغامرين في اكتشاف الشرق بأمرين، أولهما أن الرحالة صاحب الكتاب اسباني الجنسية، على عكس أغلب أصحاب الدراسات والرحلات كانوا إما من الفرنسيين أو الانكليز، ولذلك اختصر الشرق أوروبا دائماً بهذين العنصرين (الانكليزي والفرنسي)، أما الأمر الآخر فيعود إلى توازن هذه اليوميات التي تفتقد الانبهار الكبير بهذا الشرق، وتتجنب في نفس الوقت ازدراء ما يراه أو يعاينه كاتبها الذي يسجل بما يشبه التوثيق مشاهداته، خلال الرحلة التي قام بها وهو في الثامنة والعشرين من عمره، لتسلم عمله والاقامة في دمشق، في ثاني رحلاته إلى هذه المدينة كدبلوماسي، ومن ثم كعضو مراسل للأكاديمية الاسبانية التي اختارته بعد وقت قصير من استقراره في دمشق.
امتدت رحلة أدولفو ريفادينيرا عالم اللغات الذي يتقن خمساً منها بينها العربية، من سيلان إلى دمشق قرابة الثلاثة أشهر، فقد بدأ رحلته في 28 أيار/ مايو 1869، ووصل في نهايتها إلى دمشق في 25 آب/أغسطس 1869، وقد اختار طريق البحر من مدينة كولومبو إلى الخليج العربي، وطريق البر من بغداد إلى دمشق، وخلال رحلته من بغداد إلى دمشق مر عبر بغداد فالموصل فكركوك وديار بكر ونصيبين، ثم حلب فحماه وحمص، وفي كل محطة كانت له وقفه، وتكلم بشيء من الإيجاز عن تلك المحطات التي توقف فيها، وقدم معلومات تاريخية ومقارنة واستعراض لأهم الشعوب والممالك التي عاشت في تلك المدن وما بقي منها، ولولعه بالآثار توقف أمام كل أطلال صادفته في طريقه، وقصد بعضها عامداً ليعاين عن قرب بقايا الأبنية والقصور، وخاصة فيما يتعلق بالمدائن وآثار بابل ونينوى، ووصف بدقة الأزياء التي يرتديها الناس الذين مر بهم، والفقر والحرمان الذي يعيشه الأهالي بسبب نظام الجباية الذي مارسته الحكومة العثمانية في الأراضي العربية التي كانت تديرها، مبدياً إعجابه بالنظام الانكليزي لإدارة المستعمرات في الهند، وفي كل مكان وصل إليه كان حريصاً على رصد حركة الأسواق والأسعار، والبضائع المعروضة والمنتجة محلياً، وما يستورد في هذه المدينة أو تلك، بالإضافة إلى رصد اجتماعي دقيق للعادات التي تميز كل مدينة عن الأخرى، وخاصة تلك التي تحوي خليطا عرقياً أو دينياً، ويبدو أن معرفته بلغة البلاد التي مر بها وفرت عليه الكثير من الوقت، فكان ينطلق مباشرة بعد استراحة قصيرة للتعرف إلى الناس والسؤال عما يود معرفته، ويدوّن مباشرةً ما توصل إليه، ويحرص على تسجيل كل النشاطات الإنسانية، مما جعل عمله أقرب إلى البحث الانثربولوجي العام، الذي يقدم معلومات هائلة عن كل مراحل الرحلة التي انطلقت من مدينة كولومبو عاصمة سيرلانكا الحالية، إلى مقصدها في دمشق.
دبي- حكم البابا
أو
إذا أردت مشاركة هذا الكتاب فشكرا لك, ولكن رجاء لاتزيل علامتنا المميزة
مع الشكر مقدما