لم يكن إياد شاهين (مرّت ذكرى رحيله الرابعة أمس) بضحكته المجنونة إلا متمردًا فقيرًا على زمنه، وكانت خطواته المترنحة إحدى معجزات البقاء على قيد الحياة عنوة، ومن يعرفه سيصدق أن موته ليس مفاجئًا أبدًا... كان موته آخر سخرية اقترفها وهو يدندن نقائضه المباغتة.
في الجامعة، كانت كتلة الفقر تجلس بيننا عابثة بكل العابرين، بالوجوه والأرداف والكلمات، وكانت حكايات إياد شاهين تنتشلنا نحن القادمين من أطراف العاصمة من وهم جبروتنا في انتزاع مكان لنا في هذا العالم البشع الذي يسمى دمشق، بالرغم من كل الفتنة والعشق، ولكنها حقيقة العابثين حينها الذين كانوا يراهنون على حقهم في الابداع... كان أمل دنقل أحدنا يلملم بقايا السجائر المرمية من افواه الآخرين، وإياد شاهين بيننا أيضًا يبحث عن أي بنطال معلق على مشجب يرتديه ويمضي، ووسط كل هذا الصخب البشري يخرج إياد أصابع قدميه من جوارب ممزقة هازئًا بالمدينة وتاريخها.
في نفق كلية الآداب مرر إياد شاهين حكاياته الأولى الساخرة، وقصائده على أسماعنا... الطالب الهارب من كلية طب الأسنان إلى حيث يتسكع طلاب الصحافة والآداب بين فتيات هائمات بالشعراء الثرثارين، وحفظة القصائد الممنوعة، وكاسيتات مظفر النواب، ومحرمات بوعلي ياسين في الدين والجنس والسياسة.
لم يكن بين هؤلاء من يحلم بإصدار ديوان شعر، أو نشر قصيدة في جريدة، كان الهيام أعلى من أولئك المعتلين منابر القصيدة والجريدة، وكان سيل الانتقاد يطال كل أسماء الصف الأول حتى تم الطلاق، وبدأت حياة جديدة في البحث عن معنى آخر للصدمة والتعبير، فكان "كورتاج" أول ديوان اليتم الذي طبعه إياد شاهين في بيروت، ووزّعه كما يوزع ضحكاته العالية المعتوهة دون إهداء وتوقيع.
في حياة إياد شاهين خصوصية ابن الجولان النازح الذي حمل فقره وعناده وأكذوبته في العودة، لكنه بعد أن فقد وطنه "الجولان" بقي معلقًا بهاجس وحيد أوديبي، وهوس ممتد حتى نهاية الوجع
كان (كورتاج) خلاصة حكمة إياد شاهين المجنونة، وصرخة الفوضى التي ترتب نفس القارئ والمتابع والناقد
في 10 تموز/ يوليو 2013، مات إياد شاهين كما يجب أن يموت، وحتى موته المشتهى كان حاضرًا في الحرب التي تطحن بلادًا بحالها... بلادًا مجنونة وبشعة وجميلة عميقة وضحلة... كان يقرأ الشعر والخمر واللغة والبلاد ونحن... نحن الذين صفعنا على أقفيتنا ورؤوسنا... ومات.
(عبد الرزاق دياب - ultrasawt.com)
or