شكلسة وتزبيط أبوعبدو البغليان
إن تدمير مجموعات بشرية تاريخية على يد دولة من الدول يعد تتويجاً لعملية معقدة لا يمكنهاأن تتطور إلاّ في بيئة سياسية واجتماعية خاصة، ولاسيما في سياق متعدد الإتنيات. أما التصفية الجسدية التي تعرض لها السكان الأرمن داخل الإمبراطورية العثمانية فتم تصورها كشرط ضروري لبناء الدولة ـ الأمة التركية، ضمن إطار مشروع يرمي إلى جعل التركيبة الإتنية متجانسة في آسيا الصغرى. وعليه قامت لجنة الاتحاد والترقي، خلال عامَي 1915 ـ 1916، بتطبيق برنامج واسع لعمليات ترحيل شعوب غير تركية، إسلامية ومسيحية، وقد خصت كل مجموعة من المجموعات المستهدفة بمعاملة خاصة تبعاً لقدراتها الجماعية المفترضة على الاندماج في برنامجهاالراميإلى تتريك آسيا الصغرى.
وعلى امتدادالعمليةالتي أدت إلى إبادة الأرمن العثمانيين، كان من نصيب مئات الآلاف من المرحلين الذين وصلوا صدفة الى سوريا أو بلاد ما بين النهرين، أن يزدحموا في عشرات معسكرات الاعتقال الخاضعة لإشراف الإدارة الفرعية الخاصة بالمرحلين والمنشأة في حلب خلال خريف 1915. هذاالجهاز، ذوالنهج الرسمي، كان تابعاً لإدارة إسكان العشائر والمهجرين، وخاضعاً لوزارة الداخلية ومكلفاً تنظيم عمليات الترحيل ووضع ممتلكات الأرمن تحت تصرف المهجرين، أي، بكلام آخر، إسكانهم في أماكنهم. فهو الذي نسق، على سبيل المثال، ترحيل المهجرين المسلمين الروملليين وشراكسة فلسطين إلى آسيا الصغرى في المناطق التي أخليت من سكانها اليونان أو الأرمن (3). وبعبارة أخرى، أنيط بإدارة إسكان العشائر والمهجرين تطبيق سياسة "المجانسة الديمغرافية" التي حددتها لجنة الاتحاد المركزية. وكان لديها، تحت سمتها الرسمية، استعداد لإسكان نازحين مسلمين مقتلعين، كما كُلفت أيضاً، ومن باب أولى، استئصال السكان الأرمن وتنسيق ترحيلهم، وهذه عبارة ندرك اليوم معناها بحسب تعيين موضع الأشخاص المستهدفين. وعندما نلاحظ التسلسل الزمني لتحركات السكان المسلمين التي نظمتها بطريقة تسلطية، نلاحظ عملية شبه متوازية ومتزامنة مع تنظيف الأرمن من مناطق وصول المهجرين الذين رحّلتهم إدارة إسكان العشائر والمهجرين (4). إن علاقتها بلجنة الاتحاد والترقي نمت عنها طبيعة مهمتها بالذات القائمة على تتريك المكان، وعلى اختيار مديرها، مفتي زاده شكرو [كايا] بك، وهو أحد كوادر الشبان الأتراك المقربين من محمد طلعت (5)، وقد أوفدته جمعية الاتحاد والترقي إلى ولايتَي أضنه وحلب خلال صيف 1915، أسوة بالعديد من زملائه الاسطنبوليين، حين اقتضى الوضع تدخلاً عاجلاً وتطبيق السياسة التي حددها المركز الاتحادي.
أو