شكلسة وتزبيط أبوعبدو الفينيئي
في كتابي هذا، أمضي مع القارئ الكريم في رحلة بحث عن أشخاص يُظنّ للوهلة الأولى أنهم غرباء وفدوا من وراء البحار، فلا هم ينتمون إلى صيدا ولا هي تعرفهم. ثمّ يتكشّف أثناء رحلة البحث هذه كيف توطَّدت علاقتهم بصيدا وأهلها، وكيف تركوا بصماتهم على صفحاتٍ من تاريخها الحديث.
عُنيتُ في هذا الكتاب بذكر أسماء وسير تلك الكوكبة من ""الأميركان"" الذين جاؤوا – مطلع القرن التاسع عشر الميلادي- من وراء البحار والمحيطات، وسكنوا صيدا، فكانت لبعض منهم ممرًّا، وللبعض الآخر منهم مستقرًّا.
أحبوها وألفوها، فآوتهم جدرانها زمن حياتهم، واحتضنهم ثراها بعد وفاتهم.
تحدَّثتُ في كتابي هذا عن المبشِّرين ""الأميركان"" الذين خصّوا مدينة صيدا بالذكر في كتاباتهم ومؤلَّفاتهم، فسطّروا بعضًا من أخبارها، ووثقوا لأحداث قُدِّر لأرض صيدا أن تكون مسرحًا لها. كما تركوا في بعض أحيائها وساحاتها بصماتهم الدينيَّة والعلميَّة... وقصدتُ من وراء ذلك أن أعرض بإيجاز ظروف نشأة طائفة ""الإنجيليين"" في صيدا – هذه الطائفة التي لم يكن لها سابق وجود في المدينة - مع تعريف مقتضب بكنيسة هذه الطائفة ومدرستها وبعض المرافق التابعة لها.
كما ضمّنتُ الكتاب شيئًا من التأريخ، وباقة من سير الأعلام وتراجمهم، مع ذكر لبعض الأخبار، وحديث موجز عن بعض المكتشفات والآثار.
باختصار، لقد اشتمل كتابي هذا على توليفة لطيفة من عناوين ومباحث تتصل بالتاريخ والدِّين والآثار والتراجم، صغتها في قالب سلس سهل، مزجت فيه بين أدب الرحلة، والرواية التاريخيَّة، وذكر سير الأشخاص وتراجمهم، مع التركيز على جهودهم في ميادين الدِّين والتعليم والتطبيب.
وقد خلصت من خلال رحلة بحثي إلى الكشف عن عائلة إدي
(Eddy)
، هذه العائلة الأميركية التي حلّ بعض أفرادها بيننا - نحن معشر الصيداويين- فسكنوا بجوارنا داخل أسوار البلدة القديمة، وأوجدوا لأنفسهم موطئ قدم فيها، وباتوا جزءًا من تاريخها الحديث، وواقعها الدِّيني والاجتماعي، ونشاطها التعليميّ.
لقد حرصتُ في معالجتي لمباحث هذا الكتاب على التوازن في الاعتماد على المصادر والمراجع. فحرصتُ أثناء تسطيري لتراجم المبشِّرين ""الأميركان"" وأخبارهم، وعرضي لجهودهم ومنجزاتهم، أن أعتمد على مصادر عربيَّة وأخرى أجنبيَّة، والاستناد إلى مراجع خطَّها يراع كُتّاب مسلمين وآخرين غير مسلمين، فأتى بعضها زاخرًا بالإشادة والتبجيل، بينما نضح البعض الآخر بالتشكيك والتهويل. أما أنا فقد توسّطت بين هؤلاء وهؤلاء، فتجنّبت لغة الحكم والقضاء، واكتفيت بالعرض الموضوعيّ الموثّق، وتركت لعقل القارئ وذكائه وفطنته أن تحكم على القوم ومنجزاتهم."
أو