نسخة محسنة عالية الدقة
كان فوزي القاوقجي واحداً من أبناء الأمة العربية الذي أعتلى مسرح الأحداث المعاصرة خلال الفترات المثيرة من إنبعاث الشعور بالقومية، والحربين العالميين وما تخللهما من حركات تحررية، وقد ظل يقاتل، في كل أرض عربية طغى عليها الإستعمار منذ أن وعى الفكرة العربية وهو لا يزال ضابطاً في صفوف الجيش العثماني إلى بداية الحرب العالمية الأولى وحتى معركة ميسلون 1920 حيث أعاد ومعه ضباط طيران أسرى من الفرنسيين.
وتحت القناع الواقي وهو المركز الرفيع الذي كان يشغله في الجيش الفرنسي بعد الإحتلال كان لإعلانه ثورة حماة التاريخية 1925 الفضل في عدم تمكن المستعمِر من القضاء على ثورة جبل الدروز وجعلها ثورة عامة تشمل معظم البقاع السورية.
وكان آخِر من ترك ميادين الثورة 1927 وظل مشرداً عن سورية حتى 1947 حيث ظل يمسك بعنان فرسه كلما سمع صيحة عربية طار إليها، فأقام في المملكة العربية السعودية بضع سنوات ساهم في بناء القوات العسكرية الحديثة فيها، وعاد إلى بغداد 1932 ليصبح معلماً للفروسية وأستاذاً لتدريس الطوبوغرافيا في الكلية العسكرية.
وفي أواسط حزيران 1936 قاد حملة من المتطوعين عبرت بادية الشام لتنجد ثورة فلسطين ضد جحافل الإنكليز، وبعد الهدنة عاد إلى العراقّ يترقب مغامرة جديدة ضد المستعمرين، فقاد فريقاً من المتطوعين السوريين والفلسطينيين والعراقيين في حرب العراق 1940 ضد بريطانيا وسجل إنتصارات لم يسجلها الجيش النظامي.
وظل بعيداً عن الوطن العربي حتى عهدت إليه جامعة الدول العربية عام 1947 بقيادة فريق من قوات إنقاذ فلسطين، وبعد نهاية المرّحلة الأخيرة والمؤلمة لحرب فلسطين قرر الإنسحاب من على مسرح الأحداث.
المذكرات التي دوّنها القاوقجي على مراحل كانت السلاح الذي غنمه من الميدان الحربي، وفي الجزء الأول منها يكشف بأمانة إلى جانب التضحيات والبطولات اليد الخفية التي تسيِّر السياسة والأخطاء التي يمكن أن يستوحى منها العبر والدروس، وسيتابع القاوقجي في الجزء الثاني ذكريات الكفاح العربي في فلسطين ونتائجه المؤلمة...
والمذكرات ليست بالمعنى الدقيق ترجمة لحياته بل مجموعة ملاحظات اقتطفها من اختبارات طويلة وتجارب عميقة في موضوع القضية العربية، وقد تتضارب حولها الروايات والآراء وتصطبغ بالآراء الذاتية، والأحكام السريعة إلا أنها تصلح مادة للمؤرخين وفي كل ساعٍ لإقتناص الحقيقة.
أو