بعد روايته الأولى " المخطوط القرمزي" التي عبقت بالحب والعشق وبنفح الأندلس عبر شخصية أبي عبد الله الصغير كتب لنا أنطونيو غالا روايته الثانية " الوله التركي" التي لم تستطع أن تبتعد كثيراً عن مؤثرات ثقافته ودمه الأندلسيين، عبر لقاء شخصية الرواية الرئيسية، دسيدريا بزميل سوري لارتورون في الجامعة وعبر قراءاتها عن تاريخ هذا البلد في أمانة سر معهدها وزيارتها له:" كانت سورية بالنسبة لي في غاية الإدهاش. قرأت في أمانة السر، الهادئة عادة، كثيراً عن تاريخها. كنا نطير في أقصى المتوسط إلى أقصاه الآخر. من بلاد هي ذيل لأوروبا لا ينسلخ عنها وفيها الكثير من أفريقيا، (هو بالنسبة إلي نوع من التمرين العام) إلى بلاد أخرى، هي أيضاً على حافة أوروبا وعتبة آسيا. من مساجدنا التي تحولت إلى كاتدرائيات إلى كاتدرائياتهم التي تحولت إلى مساجد. من تراكم ثقافاتنا إلى تراكم ثقافاتهم. قال لنا طبيب سوري، رفيق لارتورون في الجامعة بينما كان يحدثنا عن بلاده: أشكر لكم رد زيارتنا لكم الذي ستقومون به، فقد جئنا نحن السوريين اليوم لنتعلم من أجدادنا الأسبان. الصحيح هو أنهم أجداد الجميع. هناك مهد الإنسان، في وقت لم تكن قد تمايزت فيه اللغات والأعراق في بابل. هناك المدن الأولى في العالم، وعلى شرف المدينة الأولى تتنافس حماه ودمشق وحلب وثلاثتهن مدن سورية. في حماه، التي تعاقبت على أرضها نيّف وعشر مدن، أبكاني أنين النواعير التي تلعب بنور العاصي ومائه. كان مساءً وردياً، ولخرير الماء. هذا اللون وكان نور الغروب مسموعاً. هضبة حلب الرمادية (الشهباء)، حيث خيم إبراهيم، تقوم على أنقاض حضارات أقدم منه بكثير، ودمشق المتقلبة، التي لا تتبدل، الحيّة كالحياة والمتكيفة معها أكثر من روما وبيزنطة (ارتعشت يدي وأنا أكتب بيزنطة) هي الحيّة المنبعثة من ذاتها. الحقيقة هي أن الذي جرى معه هذا إنما كان الكاتب، أنطونيو غالا، وليس دسيدريا، ومن هنا يأتي التداخل الجميل لسيرة الكاتب الشخصية مع بنائه الروائي أو الشعري، فهو أيضاً قد كتب أيضا " قصائد سورية". وشخصية دسيدريا، التي خرجت من أعماق أنطونيو غالا لترسم حالة من العشق والوله على حافة التفرد، وحافة الجنون، خرجت الحقيقة من تراكم الموسيقى والشعر العربيين والغناء العميق الأندلسي في ذاكرة الكاتب
أو