كندة السوادي: كاتبة وصحافية سورية من أصل عراقي مقيمة حالياً في ألمانيا.
الأمر الذي جعلني أرتجف من الخوف، وظننت بسببه، أن كل شيء سقط بين ركبتي الآن، هو فكرة خرقاء.
من اليوم فصاعداً، لن يسمح لي بالاتصال هاتفياً أخر الليل، كما إنه سيغلق الموبايل نهائياً، لأنه خبيث، ويعرف جيداً بأنني أنتشي بإزعاجه أيضاً، كأن نتحدث عن أمراض نفسية محتملة تعتريني وهو الوحيد الذي يعلم. الفكرة مرعبة بشدة سأخرج من منزلي مثلاً دون أن أقصد حي ركن الدين. سأحتار مطولاً قبل أن اقصد، إمعاناً في تعذيب نفسي ربما. سوق (البزورية)، أو( خان اسعد باشا) وحجتي الواهية لن تنقذني مطلقاً من اليأس. أنا هنا كي أتمكن من سماع صهيل أحصنة الغابرين التي يخيّل إلي أنني أسمعها بوضوح حين أستدعي أرواح المكان الغابرة. ولأنه لن يتوقف عن إشغال بالي بكل هذا السعار، قررت أن أغادر الخان. تناولت محمّرة على الصاج. تمنيت لو كان مقهى (ع البال) قريباً فالصاج حرك شهيتي نحو كأس شاي. ماذا لو قرر هجري إلى الأبد.. لكن الفكرة حزينة أيضاً..سأفقده شخصياً وسأذكره بحسرة..
في الواقع سيحرمني هجرك لي التحدث مجدداً مع الذكور لأنني خجولة جداً أو هكذا ظننت، بعد أن اعتدت على مشاركتك إياي غرابتي كما كنت تصف أخر كل حديث فارغ وبلا معنى معك.
لكن الحمّى التي سرت ببطء مدروس من المجاري البولية حتى خلف رأسي هي من أوقعتني في براثن البطانيات الشتوية في عز الصيف، ومن الهلوسات التي أذكرها هذه الأيام بمتعة بالغة أحياناً، الحلم الذي يتنازع فيه عليّ ملاك وشيطان. شيطان يرتدي قناع ملاك مضطرب.
قلت:" روحي لعنده بين الرجل ومرته، مافي كرامة ولحمة وطنية "
على مايبدو أن ملاكي هذا يكثر من مجالسة النسوة اللواتي أعرفهن!، وشيطان متنكر بالبراءة يهتف بأذني بحماسة: الغالي. مايرخص. ما يرخص.. ولا اعرف هذا بأي سرفيس يتنقل عادةً؟
حسمت الموضوع في المنام فطردت الاثنين من ملكوت الحب الذي اسرح فيه وحدي،هكذا أخرجت جبيني من تحت الأغطية لأطلع بالحل الذي اعتقدته ذهبياً في فك الاشتباك مع هلوساتي ، سألتصق بضهره. أي سألتصق به. جسدياً أقصد. مثل قرد صغير مذعور،ماذا سيفعل؟ نعم لن يقدر على نزعي منه مهما حصل. إذا ما التصقت به بهذه الطريقة المحرجة. سيمشي بين الناس مطأطأ ومرتبكاً بالجسد الأنثوي المتعربش به بكل أمومة الأدغال..
غداً سأذهب أليه والتصق بصدره، كضماد منتهي الصلاحية ثم وضعت نصاب عيني الحركات التي سيقوم بها ووضعت أيضاً الخطة( أ ) و (ب) وصولاً إلى أخر الأبجدية، حتى لو سيهشم وجهي في ذروة استفزازي الماجن له، لن ابتعد عنه خطوة واحدة:. حبيبي بلا حيونة! لا تهجرني أرجوك .أرجوك.. هذا ما سأقوله له. هذا هو هو الحل!!
بعد ان جرّبت الوقوف دون أن استند على طرف السرير، ذهبت مستسلمة إلى بيت العائلة. قرعت باب أمي التي كانت تحمل صحناً مليئاً بالخيار. سقطت محتوياته كلها من هول الصدمة، على البلاط الملمع. اعترف إنني مريضة، ووددت أن أضيف مريضة به..
لكن هلع أمي انتشلني فجأة إلى حكم العقاقير بجسدي.
خمسة أيام وأنا أهلوس به كمريدة حديثة، حتى صنعت من اسمه فضيحة عشق تدوي في أرجاء بيت العائلة لكن في اليوم السادس تأكد الطبيب إنها حمّى الكلية المتضررة من سخونة البول المتدفق من غياهب الجحيم لا أكثر. وليست حمى العشق كما رغبت .. أذكر تلك الأيام البائسة، لكني لم افهم بعد كل هذا التشرد والمرض والتهديد والكذب والوعيد والترجي، كنت أشبه ماذا بألمي، على وجه التحديد؟ يقولون عادة: وحيد كشجرة، مشرد ككلب سلوقي بائس، أو حزين كأرملة فقيرة. سأكون مدعية الآن إذا قلت انه يشبه القدر. لن أتورط بهذا القول بكل الأحوال. بعدها خرج وجهك الرائع من روحي مع هذا السائل الرائق كالعسل البارد المصفى حين تبولت بتدفق نياغارا الهائل. وفي إحدى ساعات الغروب بينما كنت جالسة مع صديق في خانة العشاق المفترضين.. أتاني اتصال من شخص يتمتع بمنصب ثقافي مهم. لنقل انه رئيس تحرير صحيفة في البلد. سألني: أين أنتِ؟. لم أتوقف عن سرد الأسباب و النق والاحتجاج الشديد على سوء المعاملة وعدم منحي عمداً الفرصة التي استحق. لم يردعه كل هذا عن العرض. سأعتمد عليك هذه المرة، وأضاف: شرفي يا خانم، استلمي شغلك، يدوب التلج. ويبان المرج.
فلحت كثيرا على أن يكون مرج عملي الصحفي جميلاً ومشذباً. صرت أخلع كل عشبة ضارة من جذورها، اقصد جملة في غير محلها. لم أكن أفكر بأي أمر بشكل مطول، لقد فٌلح عليّ كذلك ؟!. ربما بالبيجاما القطنية ووجبة ساخنة أخر نهار العمل الشاق، حسناً ماالداعي لهذا الحديث الآن ؟. تذكرون كيف كنت أتساءل مراراً: أشبه ماذا بهذا؟.لقد كنت أشبه فردة حذاء. ليس أي حذاء بل فردة بعينها:
كنت في طريق عودتي إلى البيت، أحلّق في السرفيس بأحلام غامضة، اتصل بي صديق يعمل مصوراً صحفياً، قال لي: هل تصنعين معروفاً معي. وترافقينني لتغطية عرض مسرحي في مدينة الزبداني.لا بأس في السياحة من وقت لأخر، قلت لنفسي، قبل أن أنزل من السرفيس وأوقف تاكسي وأتوجه إلى الزبداني. كان العرض من النوع الممل الذي يحمل توقيع أستاذ قدير في المعهد العالي للفنون المسرحية.الكرسي لم يتحمل تململي الذي صار واضحاً للعيان رفسني من عليه أخيراً وأدرت ظهري للممثلين في منتصف المشهد وخرجت من الصالة بكل قلة ذوق وتحدٍ، لحق بي صديقي، ولأنه ضجر أيضاً من المسرحية المخيبة للآمال، قفزنا مثل سائر السياح بين أرصفة البلدة الهادئة ضاربين عرض الحائط بجدية العمل الصحفي.. والبرستيج الثقافي أمام أهل البلدة الدراويش، ابتاع الشاب كيس موالح وعلكة، دخنّا سيجارتين، ثم أن وجهي (الفوتوجينيك) ألهمه بجلسة تصوير. قرر أن يجرّب فحولة الكاميرا مجدداً، بينما كنت انزل من أعلى الرابية، كما في فيديو كليب، تحت عنوان (حسناء تمشي بخفر على المنحدر ). توقفت عند حذاء ازرق نسائي له وردة صغيرة في مقدمته، جلست القرفصاء وكنت أتأمل مشهد خاص بي وحدي. كان هذا الحذاء يشبهني يوماً. صغيراً وجميلاً ومهملاً للأسف، أما صديقي فقد كان مستغرقاً في التقاط صور بلهاء لفتاة جميلة تجلس القرفصاء، وتتأمل فردة حذاء بالٍ، ربماألقى به أحدهم من سور البيت الملاصق للممر الضيق، ولما انتبهت لما يفعله، ضحك بخبث وطفق يركض، كدت اركض وراءه، كي اصفعه. الأحمق جاء مبكراً في اليوم التالي، ناثراً صور الفضيحة على سطح مكتب الكومبيوتر، صار يضحك كالبقرة المجنونة مع الزملاء. لم أوضح لهم الحادثة، فقط ابتسمت. ثمة صورة أخرى تجاهلها. الصورة التي كنت لحظتها،ادفع بالحذاء الجميل
أو