Showing posts with label إدواردو أوتالورا مارولاندا. Show all posts
Showing posts with label إدواردو أوتالورا مارولاندا. Show all posts

Thursday, February 3, 2022

إدواردو أوتالورا مارولاندا - مادوليا


ن شقته في الطابق السابع في مبنى سكني يقع وسط العاصمة الكولومبية بوغوتا، اختار الكاتب إدواردو أوتالورا مارولاندا لنفسه تحديا إبداعيا يحاكي من خلاله تيار الواقعية السحرية، الذي أبدع فيه مواطنه الحائز جائزة نوبل للآدب غابرييل غارسيا ماركيز، فعلى الرغم من أنه لم يدخل قط إلى بيت للدعارة، وعلى الرغم من حساسيته من البيئة البحرية، إلا أنه كتب قصة تجري أحداثها في هذين المسرحين على وجه التحديد، وفي زمن لم يعشه قط. أما النتيجة، فهي رواية نشرت أخيرا في إسبانيا تحت عنوان «ماديولا» ( بري- تيكستوس، 136) الحائزة جائزة خوان مارش سنسيو للرواية القصيرة 2012 ونقلتها إلى العربية دار كنعان في دمشق، بينما التقط نصها مسرحيون كولومبيون شباب وحولوها إلى عمل مسرحي عرض على إحدى خشبات مسارح بوغوتا.
أوتالورا (بوغوتا، 1981) يعرف أن النقص في التجربة الحيوية قد لا يكون لصالح الكاتب الشاب، ولكنه يخاطر مبررا ذلك بالقول: «أغذي نفسي مما يمكنني أن أتخيله. لا حاجة لي للعيش فيه». في «مادوليا» يروي الأديب الشاب قصة رائعة لبائعة هوى متقدمة في العمر يبرعم الحليب من ثدييها من جديد بعد أن فاتها قطار العمر لإطعام فتاة بعينين يلفهما اللون الأبيض وجدت نفسها يتيمة منذ لحظة الولادة الأولى. رواية سوريالية تنطوي على تأثر واضح بأسلوب السرد الأدبي الذي انتهجه العديد من الأدباء الأمريكيين اللاتينيين، وعلى رأسهم غابرييل غارسيا ماركيز. «أردت الإجابة على سؤال ما الذي كان ليفعله- ماركيز- كي يروي حكاية؟»، كما يقول اوتلورا. «المرء يتشكل ككاتب انطلاقا مما يكتبه الآخرون»، على هذا النحو بدأ إدواردو يلعب لعبة محاكاة غابو، وراح يفك شيفرة بناء عباراته وجمله الساحرة. «وبينما كنت أمارس هذه التمارين، لمعت في ذهني شخصية مادوليا، مفسحة في المجال لتقاطع ظاهرتين: حب للغة وللشخصية الغريبة التي خطرت على بالي»، كما يتذكر إدواردو، الذي يصف بطلة الرواية بالغريبة لأنها أدخلته في مغامرة حدودها حدود الخيال، وإلى حالة جامحة من الابداع.
إدواردو أوتالورا، خريج الفلسفة والحاصل على درجة الماجستير في الكتابة الإبداعية، كان أستاذا للتنمية المستدامة في كلية العلوم الزراعية والأدب والتاريخ والفن، لكنه بات منكبا بالكامل حاليا على ما يحب وأصبحت لديه روايتان جاهزتان للنشر، لكنه يشعر بنوع من الأسى حيال واقع النشر في مسقط رأسه ويقول: «إسبانيا، على الرغم من الأزمة، تعد فرصة عظيمة للكتاب المتحدثين باللغة الإسبانية، وخارج هذا الإطار، فإنه ليست هناك بدائل كثيرة للكتاب الشباب الكولومبيين». وعلى الرغم من أنه انتقل من الشقة المتواضعة التي استلهم فيها مادوليا، إلا أنه لا يزال يفكر «بأشياء غريبة» مثل «ما الذي يمكن أن يحدث لو اختفى الرقم ثلاثة من لوحة مفاتيح الهاتف؟»، حوادث من هذا القبيل تولد عوالم الأديب الشاب، حيث يؤكد أن «هذه هي أمكنة الخيال التي لا يحدث ما يحدث فيها إلا مع كاتب ولا تتولد إلا في مخيلته».
نحن أمام رواية يقطر منها الأبيض مهما كانت زاوية النظر إليه، لكنه ليس بياضا حليبيا نقيا، بل كثيفا يلف الجميع ويدخله في حالة سكر عندما يلامسه». بهذه الكلمات يبدأ ملخص «مادوليا»، التي تنطوي على قصة «مثيرة للقلق» يلتصق فيها طفل حديث الولادة، لغياب شخصية الأم، بذلك الثدي السخي لعاهرة تقرر إطعامه، حكاية تجمع بين عناصر من الرومانسية، والترحال الروحي، والخيال والإثارة والتشرد، رواية قصيرة نسبيا لفتت انتباه أعضاء لجنة تحكيم جائزة خوان مارش سنسيو، وحظيت باحترامهم لاعتبارات تتعلق بـ»جودة جوهرية»، وهو الشرط النهائي لاختيار الفائزين بهذه الجائزة في عام 2013 التي أكملت 21 عاما من عمرها.
بصرف النظر عن المدارس الأدبية التي ربما تنتمي لها المخطوطات المقدمة لهذه الجائزة، والمعايير «المستقلة»، لكن «المتباينة»، التي يمكن أن تستوعب آراء لجنة التحكيم، تبقى مادوليا «قوية» من حيث لغة الاستعارة التي تحتضن الرواية بأكملها، وكانت بالتأكيد واحدة من أفضل الأعمال المرشحة للجائزة، ذلك أنها بحسب لجنة التحكيم، تتوافق مع شرائع الواقعية السحرية الاسبانية الأمريكية، وتمتلك عنصرا يميز قصة الكولومبي حتى عن الكتاب الكولومبيين الذين تغذى على تجاربهم الأدبية مثل غابرييل غارسيا ماركيز، لأنه ليست هناك حاجة للاستعارة الاجتماعية تقف وراء هذا النوع الأدبي، ما يعني أن هناك واجبا أخلاقيا ومطالبة بإيصال رسالة، وذلك لأن الوظيفة التي كانت ذات مرة تضطلع بها مدرسة الواقعية السحرية كقناة انتقال وتواصل في تاريخ سياسة القارة الأمريكية، من خلال استعارة يرى البعض أنها انتفت مع وصول الديمقراطية إلى هذه البلدان.
أما الشخصيات في هذه الرواية، فإنها تترك نفسها لترى بوضوح لأن مارولاندا لا يمتلك ذلك الميل إلى خلق مثل تلك الشخصيات التي إن بقيت بعيدة عن الصور النمطية، إلا أنها قطعا ليست نقطة الاستناد القوية والوحيدة في الرواية، فاستنادا إلى رؤية مؤلفها، فإن «قوة إغراء العبارات» تكمن في إظهار مدى جرعة الخيال فيها ضمن عملية الإبداع الأدبي اللامتناهية.
«مادوليا» تروي فصول أزمة تعصف في ميناء يمر في أزمة أصلا، أزمة تأتي، تحديدا، عن طريق الوفرة المتفجرة بسبب طفلة حديثة الولادة تلتصق، بسبب افتقارها لأم، بالثدي السخي لبائعة هوى تقرر تغذية الصغيرة. على هذا النحو يمضي كل حدث في هذه القصة، التي يفيض فيها كل شيء: الزمن، الشخصيات، الأبيض وحتى الأحمر، لكن قبل كل شيء، الكلمات. «مادوليا»، في الوقت عينه، رواية زاخرة بالمحتوى والوفرة، وفرة المعنى والمبنى على حد سواء.

إضاءة
ولد إدواردو أوتالورا مارولاندا في بوغوتا (كولومبيا) عام 1981. عندما أنهى دراساته في الفلسفة، أدرك أن ميله لا يسير باتجاه صرامة البحث ولا صلابة الحجة والبرهان، وهكذا كرس اندفاع الكاتب وزخمه لإبداع مشاريع أدبية. وفي سيرورة سعيه إلى تكوين نفسه بهذا المعنى، عاد إلى مقاعد الدراسة وحصل على درجة الماجستير في الكتابات الإبداعية من جامعة كولومبيا الوطنية، التي تخرج فيها عام 2010، بينما يوزع وقته، حاليا، بين الكتابة والعمل مدرسا جامعيا، بينما تعد رواية «مادوليا» باكورة أعماله الروائية.
القدس العربي

أو

إذا أردت مشاركة هذا الكتاب فشكرا لك, ولكن رجاء لاتزيل علامتنا المميزة
مع الشكر مقدما