نبيل أبو صعب - مذكرات الجنرال كاربييه في جبل العرب
"قرأت كتاب " مذكرات كاربييه في جبل العرب " و الذي قام بترجمته إلى العربية نبيل أبو صعب , و أعدت قراءته و تأملت فيه و فيما يرمي إليه . فاتضح لي مثلما يتضح لكل قارىء يمتلك حساً نقدياً و معرفة مقبولة بالتاريخ بهتان ادعاءاته و ضعف ادائه , و فشله في تزوير الواقع امام الرأي العام , و حتى الفرنسي منه , و امام بعض المثقفين و الصحفيين الفرنسيين الذين انبروا لكشف أضاليل الاحتلال الفرنسي و ناصروا الحركة الوطنية و كفاحها الوطني .
فقد كتبت أليس بوللو تصف حقيقة الضباط و الموظفين الفرنسيين زمن الاحتلال الفرنسي لسورية و منهم حاكم الجبل _ كاربييه _ قائلة :
((أعتقد أننا أفرغنا في سورية قمامة بلدنا الفرنسي , فواكه البرجوازية الجافة , و فواكه الطبقة الوسطى التي ما زالت في بلادنا فجة أكثر مما يمكن تحمله . و لو كان لدينا الاهتمام الكافي بهيبتنا لما سمحنا لهؤلاء الذين لا يزالون في أولى مراحل المدنية أن يكونوا صورتنا المصدّرة إلى الخارج , و الأسوأ من هذا كله هو أنهم هنا يحتلون أرفع المناصب الهامة ... يعتقدون بأنهم حكام مطلقو التصرف , و يجب أن تسير أمامهم الجوقات و الحرس أينما ساروا , فيثبتون بذلك أن الحس السليم و الذوق ينقصانهم ...)).
لقد كان كاربييه رمزاً من رموز الوقحة و الفجة للاحتلال الفرنسي و لا مجال هنا للاستشهاد بأمثلة كثيرة و كثيرة عن ممارساته اليومية التعسفية بحق السكان الذين يزعم في هذا الكتاب أنه يحبهم , فيذيقهم كل أنواع الذل و الهوان من ضرب و شتم و إهانة و عمل مجهد و طويل في رصف الطرقات أو كنسها مما حدا بالمجاهد و الشاعر الشعبي المرحوم علي عبيد للقول واصفاً حالة الجبل آنذاك :
حالة جبلنا اليوم كله خجالي أكبر رجاله في الطرق صار كناس
مجرد فساد إنسان صاحب جهالي ضرب و إهانة و كسر أحجار بالفاس
و تعودوا يا شيخ عا هالفعالي حتى الغرامة من ثمن ست البساس
( و ست البساس هنا هي قطة الضابط موريل ) .
أراد هذا الرجل الظالم في كتابه هذا أن يقلب الحقائق و يزور الوقائع و يكرر كذبة نابليون بونابرت ثانية عندما ادعى أنه إنما جاء إلى مصر ليحرر شعبها من جور المماليك و انه اعتنق الدين الاسلامي الحنيف , غير أنهما ( نابليون و كاربييه ) لم يتمكنا من خداع الشعب من جهة و من تطويعه و قهره و منعه من الثورة و رفع راية التحرر من الاحتلال الفرنسي في مصر و سوريا من جهة أخرى .
و الشواهد التي تصور تناقضات المؤلف كثيرة , و في كل صفحة ما يدل على أن الثورة كانت تموج ليس تحت الرماد فقط , بل و في عيون الشباب و الشيوخ و السكان كلهم و الذين أثاروا الذعر و القلق دوماً في نفوس رموز الاحتلال و قادته فهو يقول :
(( بيد أني كنت قلقاً , إذا كان يجري الإعداد للانتفاضة السورية في كل مكان ...)) و في مكان آخر يكتب :
(( و لكن قادة اللجنة السورية زادوا من التحريض لأنهم كانوا يعرفون أنه بدون مساندة هذا العنصر المحارب ( أي الجبل ) فإن حركتهم ستؤول إلى إخفاق مؤكد . و فوق ذلك تردد في كل مكان أن الجبل سوف يثور ))
و يقول الشاعر الشعبي علي عبيد مبشراً بالثورة القادمة :
إن طعتني أصبر لما عقب نيسان
لياما يبيّن صيفها من شتاها
و انا أشوف بمنظر العقل يا فلان
لا بد من يوم يلعلع حداها ...
و في صفحات كثيرة تبدو مخاوف كاربييه واضحة جلية , و ترسم ملامح الثورة القادمة حتى في مخيلته , و لن يفوت القارىء اكتشاف الرعب الذي كان يشعر به كاربييه حينما يكتب عن أولئك الأطفال الذي منحتهم الإدارة الفرنسية منحاً دراسية في دمشق و بيروت لتزرع فيهم بذور الثقافة الفرنسية الاستعمارية , و الذين سرعان ما غادروا مدارسهم و توجهوا إلى الجبل : ((... وعند أول خبر عن انتفاضة سلطان شعروا بالقلق , و بدأ هؤلاء جميعاً من دمشق و بيروت و عادوا سيراً على الأقدام , إلى الجبل حيث البارود يغني ...)) .
من جانب آخر , لم يفطن كاربييه في أحيان كثيرة إلى ما كانت تخطه يده و هو يزيف الواقع و يصور السكان و كأنهم قبلوا بالواقع و استسلموا للعدوان , و في غفلة من عقله , و ربما بسبب عجزه عن تزوير كل شيء تحدث عن العلاقة الحميمة التي تجمع ما بين السكان , مثل حديثه عن العلاقة المتينة بين الحضر و البدو , و بين مختلف الطوائف الدينية الإسلامية و المسيحية , فقبيلة " السردية " البدوية كانت مع سلطان الأطرش , و من لم يستطع الالتحاق بالثورة و حمل السلاح كان يقوم بواجب وطني آخر كالمحافظة على بيوت الثوار و مواشيهم و أرزاقهم و إخفاء أمتعتهم الثمينة في بيته كي لا تصادرها سلطات الاحتلال .
لم تكن مخاوف كاربييه من اندلاع الثورة دون سبب , فهو يعلم أن سلطان الأطرش كان قد طلب من الملك فيصل القدوم إلى السويداء و جعلها مقراً للثورة على الفرنسيين بدلاً من الاستسلام لإنذار غورو , و يعلم أن المحاولات في هذا السبيل كانت جادة , فقد ذهب ثلاثة آلاف فارس إلى درعا لملاقاة فيصل و دعوته إلى السويداء و عندما لم يتم لهم لقاؤه , ذهب وفد منهم إلى فلسطين لمفاوضته هناك و دعوته , و العودة معه إلى الجبل للغرض نفسه . لذلك يصور كاربييه للقارىء الفرنسي مدى الجهود التي بذلها للتقرب من السكان , لكسب ودهم و محبتهم له , فهو يكتب :
(( و لعل أحبائي الدروز , يعلمون أني مقيم على ثقتي بهم , لأن الهدوء ظل مخيماً على الجبل ))
غير أنه كان يدرك في قرارة نفسه , أن الإعداد للثورة كان يجري على قدم و ساق في الجبل , كما في سائر أنحاء سورية , لذا فقد وضع نصب عينيه أن وظيفته الرئيسية لا تتجاوز لجم الثورة و قمع السكان , و إجهاض قدراتهم الاقتصادية , لعله يبعد شبح المصير المحتوم للاحتلال فيحاول إقامة علاقة ودية مع الذين يصفهم قائلاً : ((...كان ثمة بريق وحشي يشع من كل العيون , و بدل أن يجمّل الكحل الأجفان فقد زاد نظراتها وحشية و حماسة و شراسة ...)) . و في مكان آخر يكتب عن مستقبليه : ((يبدون و كأن ناراً داخلية تأكلهم )).
و كان يدرك معنى حركاتهم و رقصاتهم فيكتب : (( ... و أمامهم كان رجل يتنقل بتناغم مناسب و هو يلوح بفنية عالية بسيف دمشقي قديم , و كانت أيدي الراقصين المضمومة تمتد نحوه و كأنهم يتوسلون إليه حقيقة أن يهبهم سلاحاً للانطلاق إلى القتال ...)).
و في مكان آخر يكتب : (( لقد اتخذ هذا الرقص مظهراً أكثر وحشية بسبب من هذه الثياب الداكنة التي تصعب رؤيتها أيام المعارك وسط خبث اللجاه و عبر جنبات الجبل و صخوره ... وقد جاءته هذه الفكرة عندما كان يزور قرى القسم الجنوبي من الجبل التي تبعد عن منطقة اللجاة نحو خمسين كيلو متراً , لكن شبح الثورة القادمة الذي ظل يلاحقه جعله يتخيل ما سيحدث .
و لا بد من الإشارة إلى مخطط محكم و مدروس رسمته إدراة الاحتلال في الجبل و غيره بعد تقسيم سورية إلى دويلات بغيضة , تمثل في خداع السكان بإعلان استقلال هذه الدويلات و إقامة الاحتفالات بمناسبة يوم الاستقلال لإجبار السكان قسراً على المجيء إلى السويداء من قرى الجبل كافة و الإقامة فيها بضعة أيام , و تنظيم وجبات الطعام و إثارة التنافس بين السكان على تقديم الأفضل و ذلك بهدف دفعهم إلى هدر إمكاناتهم الاقصادية و إنفاق ما يدخرونه من مال و مواد غذائية كي لا توظف فيما بعد في خدمة الثورة , فنرى كاربييه يقول : ((... إن كل قرية صرفت مبالغ طائلة لكي تثبت من خلال هذا العرض لقوالب السكر و الزجاجات ذات الأشكال المتعددة التي تم شراؤها مسبقاً , و ستحاول كل خيمة أن تتفوق على جارتها ... )) .
لقد عجز كاربييه عن بناء كتابه بناءً يساعد القارىء على الاقتناع و لو بفكرة واحدة من أفكاره الموهومة و مزاعمه عن حب السكان له , لأن واقع الحال كان يكذّبه دائماً لذا نراه يتناقض في الفكرة الواحدة ذاتها أحياناً , فعلى الرغم من تصويره للحفاوة و الكرم اللذين كان يلقاهما عند زيارته لقرى الجبل , انطلاقاً من عادة إكرام الضيف , يعود ليعترف بالقول : (( و في الحقيقة , فإنه لم يقدم لي كل هذه المائدة المنتظرة منذ زمن طويل , إكراماً لي بل لأجله هو , و لأجل تفاخره هو ... )) .
ختاماً أرى , و باختصار , أن نشر هذا الكتاب , و على الرغم من أن كاتبه كان واحداً من أبشع رموز الاحتلال في ذلك العصر , سيكون ذا نفع و فائدة لقيمته التوثيقية , و لن يسيء لتاريخ السكان جميعاً أيما إساءة , كما لن يضر بالوحدة الوطنية التي نستند إليها في مواجهة كل التحديات الراهنة و التي يراهن شعبنا على تمسكه الدائم بها . و أهمية الكتاب تنبع من أنه يبرز هذه الوحدة الوطنية دون أن يقصد الكاتب ذلك ...
كما لم يتمكن الكاتب على الرغم من محاولاته الكثيرة من طمس تلك الروح الوطنية التي كانت تخطط , تحت ظل بنادقه و سياسته الإرهابية , للثورة .
د. فندي أبو فخر
فقد كتبت أليس بوللو تصف حقيقة الضباط و الموظفين الفرنسيين زمن الاحتلال الفرنسي لسورية و منهم حاكم الجبل _ كاربييه _ قائلة :
((أعتقد أننا أفرغنا في سورية قمامة بلدنا الفرنسي , فواكه البرجوازية الجافة , و فواكه الطبقة الوسطى التي ما زالت في بلادنا فجة أكثر مما يمكن تحمله . و لو كان لدينا الاهتمام الكافي بهيبتنا لما سمحنا لهؤلاء الذين لا يزالون في أولى مراحل المدنية أن يكونوا صورتنا المصدّرة إلى الخارج , و الأسوأ من هذا كله هو أنهم هنا يحتلون أرفع المناصب الهامة ... يعتقدون بأنهم حكام مطلقو التصرف , و يجب أن تسير أمامهم الجوقات و الحرس أينما ساروا , فيثبتون بذلك أن الحس السليم و الذوق ينقصانهم ...)).
لقد كان كاربييه رمزاً من رموز الوقحة و الفجة للاحتلال الفرنسي و لا مجال هنا للاستشهاد بأمثلة كثيرة و كثيرة عن ممارساته اليومية التعسفية بحق السكان الذين يزعم في هذا الكتاب أنه يحبهم , فيذيقهم كل أنواع الذل و الهوان من ضرب و شتم و إهانة و عمل مجهد و طويل في رصف الطرقات أو كنسها مما حدا بالمجاهد و الشاعر الشعبي المرحوم علي عبيد للقول واصفاً حالة الجبل آنذاك :
حالة جبلنا اليوم كله خجالي أكبر رجاله في الطرق صار كناس
مجرد فساد إنسان صاحب جهالي ضرب و إهانة و كسر أحجار بالفاس
و تعودوا يا شيخ عا هالفعالي حتى الغرامة من ثمن ست البساس
( و ست البساس هنا هي قطة الضابط موريل ) .
أراد هذا الرجل الظالم في كتابه هذا أن يقلب الحقائق و يزور الوقائع و يكرر كذبة نابليون بونابرت ثانية عندما ادعى أنه إنما جاء إلى مصر ليحرر شعبها من جور المماليك و انه اعتنق الدين الاسلامي الحنيف , غير أنهما ( نابليون و كاربييه ) لم يتمكنا من خداع الشعب من جهة و من تطويعه و قهره و منعه من الثورة و رفع راية التحرر من الاحتلال الفرنسي في مصر و سوريا من جهة أخرى .
و الشواهد التي تصور تناقضات المؤلف كثيرة , و في كل صفحة ما يدل على أن الثورة كانت تموج ليس تحت الرماد فقط , بل و في عيون الشباب و الشيوخ و السكان كلهم و الذين أثاروا الذعر و القلق دوماً في نفوس رموز الاحتلال و قادته فهو يقول :
(( بيد أني كنت قلقاً , إذا كان يجري الإعداد للانتفاضة السورية في كل مكان ...)) و في مكان آخر يكتب :
(( و لكن قادة اللجنة السورية زادوا من التحريض لأنهم كانوا يعرفون أنه بدون مساندة هذا العنصر المحارب ( أي الجبل ) فإن حركتهم ستؤول إلى إخفاق مؤكد . و فوق ذلك تردد في كل مكان أن الجبل سوف يثور ))
و يقول الشاعر الشعبي علي عبيد مبشراً بالثورة القادمة :
إن طعتني أصبر لما عقب نيسان
لياما يبيّن صيفها من شتاها
و انا أشوف بمنظر العقل يا فلان
لا بد من يوم يلعلع حداها ...
و في صفحات كثيرة تبدو مخاوف كاربييه واضحة جلية , و ترسم ملامح الثورة القادمة حتى في مخيلته , و لن يفوت القارىء اكتشاف الرعب الذي كان يشعر به كاربييه حينما يكتب عن أولئك الأطفال الذي منحتهم الإدارة الفرنسية منحاً دراسية في دمشق و بيروت لتزرع فيهم بذور الثقافة الفرنسية الاستعمارية , و الذين سرعان ما غادروا مدارسهم و توجهوا إلى الجبل : ((... وعند أول خبر عن انتفاضة سلطان شعروا بالقلق , و بدأ هؤلاء جميعاً من دمشق و بيروت و عادوا سيراً على الأقدام , إلى الجبل حيث البارود يغني ...)) .
من جانب آخر , لم يفطن كاربييه في أحيان كثيرة إلى ما كانت تخطه يده و هو يزيف الواقع و يصور السكان و كأنهم قبلوا بالواقع و استسلموا للعدوان , و في غفلة من عقله , و ربما بسبب عجزه عن تزوير كل شيء تحدث عن العلاقة الحميمة التي تجمع ما بين السكان , مثل حديثه عن العلاقة المتينة بين الحضر و البدو , و بين مختلف الطوائف الدينية الإسلامية و المسيحية , فقبيلة " السردية " البدوية كانت مع سلطان الأطرش , و من لم يستطع الالتحاق بالثورة و حمل السلاح كان يقوم بواجب وطني آخر كالمحافظة على بيوت الثوار و مواشيهم و أرزاقهم و إخفاء أمتعتهم الثمينة في بيته كي لا تصادرها سلطات الاحتلال .
لم تكن مخاوف كاربييه من اندلاع الثورة دون سبب , فهو يعلم أن سلطان الأطرش كان قد طلب من الملك فيصل القدوم إلى السويداء و جعلها مقراً للثورة على الفرنسيين بدلاً من الاستسلام لإنذار غورو , و يعلم أن المحاولات في هذا السبيل كانت جادة , فقد ذهب ثلاثة آلاف فارس إلى درعا لملاقاة فيصل و دعوته إلى السويداء و عندما لم يتم لهم لقاؤه , ذهب وفد منهم إلى فلسطين لمفاوضته هناك و دعوته , و العودة معه إلى الجبل للغرض نفسه . لذلك يصور كاربييه للقارىء الفرنسي مدى الجهود التي بذلها للتقرب من السكان , لكسب ودهم و محبتهم له , فهو يكتب :
(( و لعل أحبائي الدروز , يعلمون أني مقيم على ثقتي بهم , لأن الهدوء ظل مخيماً على الجبل ))
غير أنه كان يدرك في قرارة نفسه , أن الإعداد للثورة كان يجري على قدم و ساق في الجبل , كما في سائر أنحاء سورية , لذا فقد وضع نصب عينيه أن وظيفته الرئيسية لا تتجاوز لجم الثورة و قمع السكان , و إجهاض قدراتهم الاقتصادية , لعله يبعد شبح المصير المحتوم للاحتلال فيحاول إقامة علاقة ودية مع الذين يصفهم قائلاً : ((...كان ثمة بريق وحشي يشع من كل العيون , و بدل أن يجمّل الكحل الأجفان فقد زاد نظراتها وحشية و حماسة و شراسة ...)) . و في مكان آخر يكتب عن مستقبليه : ((يبدون و كأن ناراً داخلية تأكلهم )).
و كان يدرك معنى حركاتهم و رقصاتهم فيكتب : (( ... و أمامهم كان رجل يتنقل بتناغم مناسب و هو يلوح بفنية عالية بسيف دمشقي قديم , و كانت أيدي الراقصين المضمومة تمتد نحوه و كأنهم يتوسلون إليه حقيقة أن يهبهم سلاحاً للانطلاق إلى القتال ...)).
و في مكان آخر يكتب : (( لقد اتخذ هذا الرقص مظهراً أكثر وحشية بسبب من هذه الثياب الداكنة التي تصعب رؤيتها أيام المعارك وسط خبث اللجاه و عبر جنبات الجبل و صخوره ... وقد جاءته هذه الفكرة عندما كان يزور قرى القسم الجنوبي من الجبل التي تبعد عن منطقة اللجاة نحو خمسين كيلو متراً , لكن شبح الثورة القادمة الذي ظل يلاحقه جعله يتخيل ما سيحدث .
و لا بد من الإشارة إلى مخطط محكم و مدروس رسمته إدراة الاحتلال في الجبل و غيره بعد تقسيم سورية إلى دويلات بغيضة , تمثل في خداع السكان بإعلان استقلال هذه الدويلات و إقامة الاحتفالات بمناسبة يوم الاستقلال لإجبار السكان قسراً على المجيء إلى السويداء من قرى الجبل كافة و الإقامة فيها بضعة أيام , و تنظيم وجبات الطعام و إثارة التنافس بين السكان على تقديم الأفضل و ذلك بهدف دفعهم إلى هدر إمكاناتهم الاقصادية و إنفاق ما يدخرونه من مال و مواد غذائية كي لا توظف فيما بعد في خدمة الثورة , فنرى كاربييه يقول : ((... إن كل قرية صرفت مبالغ طائلة لكي تثبت من خلال هذا العرض لقوالب السكر و الزجاجات ذات الأشكال المتعددة التي تم شراؤها مسبقاً , و ستحاول كل خيمة أن تتفوق على جارتها ... )) .
لقد عجز كاربييه عن بناء كتابه بناءً يساعد القارىء على الاقتناع و لو بفكرة واحدة من أفكاره الموهومة و مزاعمه عن حب السكان له , لأن واقع الحال كان يكذّبه دائماً لذا نراه يتناقض في الفكرة الواحدة ذاتها أحياناً , فعلى الرغم من تصويره للحفاوة و الكرم اللذين كان يلقاهما عند زيارته لقرى الجبل , انطلاقاً من عادة إكرام الضيف , يعود ليعترف بالقول : (( و في الحقيقة , فإنه لم يقدم لي كل هذه المائدة المنتظرة منذ زمن طويل , إكراماً لي بل لأجله هو , و لأجل تفاخره هو ... )) .
ختاماً أرى , و باختصار , أن نشر هذا الكتاب , و على الرغم من أن كاتبه كان واحداً من أبشع رموز الاحتلال في ذلك العصر , سيكون ذا نفع و فائدة لقيمته التوثيقية , و لن يسيء لتاريخ السكان جميعاً أيما إساءة , كما لن يضر بالوحدة الوطنية التي نستند إليها في مواجهة كل التحديات الراهنة و التي يراهن شعبنا على تمسكه الدائم بها . و أهمية الكتاب تنبع من أنه يبرز هذه الوحدة الوطنية دون أن يقصد الكاتب ذلك ...
كما لم يتمكن الكاتب على الرغم من محاولاته الكثيرة من طمس تلك الروح الوطنية التي كانت تخطط , تحت ظل بنادقه و سياسته الإرهابية , للثورة .
د. فندي أبو فخر
http://www.mediafire.com/view/?lpl33410pe54n49
الكتب المرفوعة:حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html
الكتاب محمي بباسورد، الرجاء تنزيل أحدث نسخة من
Acrobat Reader
لتتمكن من تصفحه. (أبو عبدو
الكتب المرفوعة:حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html
الكتاب محمي بباسورد، الرجاء تنزيل أحدث نسخة من
Acrobat Reader
لتتمكن من تصفحه. (أبو عبدو
No comments:
Post a Comment