Showing posts with label الياس صالح اللاذقي. Show all posts
Showing posts with label الياس صالح اللاذقي. Show all posts

Thursday, January 13, 2022

الياس صالح اللاذقي - آثار الحقب في لاذقية العرب


تصوير: مكتبة التاريخ العثماني


«آثار الحقب في لاذقية العرب»، مخطوط جديد يقع في جزئين لمؤلفه «العلامة الياس صالح اللاذقي»، تنشره «دار الفارابي»، إيماناً منها بأن العلم الذي يحفظ على القراطيس المخبأة، يبقى النفع منه مقتصراً على قلة قليلة جداً ويبقى مهدداً بالضياع في أية لحظة. والدار بعملها هذا، تخرجه إلى النور العذب الجميل، فتغني المكتبة العربية عامة، والتاريخية منها خاصة، وينتفع جميع القراء بما يحتويه من علم.

يتناول مؤلف هذا المخطوط، تاريخ مدينة اللاذقية، بالارتباط مع لوائها من جهة، ومع ما حولهما من جهة أخرى، منذ أقدم العصور إلى أواخر القرن التاسع عشر، وما يحتويه له أهمية بالغة لاعتبارات كثيرة، أهمها:

1 ـ إن المؤلف هو ابن اللاذقية، والمنطقة التي يكتب عنها حدد بنفسه إطارها. فهي تمتد من شمال طرطوس جنوباً، إلى حدود الجبل الأقرع شمالاً، ما يبلغ طوله سبعين ميلاً؛ ومن الغرب إلى الشرق نحو خمسة وعشرين ميلاً، أي ما مساحته 1750 ميلاً مربعاً(2). وهذا التحديد ليس أمراً شكلياً، فتحديد المكان واحد من مستلزمات البحث العلمي الرصين.

2 ـ إن المنطقة المشار إليها، هي جزء من الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وقد شكل عبر التاريخ ـ في مختلف مراحله ـ ممراً طبيعياً، يصل قارات العالم القديم بعضها ببعض. ومن هذا الساحل ومما هو حوله في جهاته الأربع، نشأت امبراطوريات كبرى، في التاريخ القديم والوسيط والحديث. فهذا الساحل، كان وما زال وسيبقى ممراً للتجارة الدولية في كل اتجاه. كما أنه سيبقى من أهم ممرات العالم إلى مختلف أنحاء هذا العالم على الإطلاق. ومن أجل السيطرة عليه، أو لإبقائه حراً محايداً سيتزايد عليه الصراع أكثر فأكثر، بين أهله من جهة، ودول العالم من جهة أخرى، وفيما بين هذه الدول من ناحية ثالثة. ولا سيما عندما يقرر أبناؤه أن تكون مقدراته بين أيديهم بدون منازع. خاصة بعد الكشف عن أن سواحله غنية بالبترول والغاز الطبيعي والمياه العذبة.

3 ـ إنّ صاحب المخطوط، قد حدد الزمان الذي يكتب فيه عن هذا اللواء. وهذا أيضاً واحد من مستلزمات البحث العلمي. وفي صياغته لهذا التاريخ، فقد جمع بين ما هو مطلوب منه ـ على حد تعبيره ـ كمؤرخ من جهة، وبين إحساسه كمواطن عادي بما يحتاج إليه من معارف تاريخية عن مدينته ووطنه وما هو حوله من جهة أخرى. هذا الشعور، قد عبر عنه بشكل واضح في مقدمة مؤلفه. وهو بشعوره هذا لا يمكن أن يكون إلّا صادقاً، لسبب بسيط، وهو أن المعارف التي سعى وراءها وساقها لمواطنه، كان هو بحاجة إليها قبل غيره. علماً أن ما كتبه، لم يكن هدفاً بحد ذاته، بقدر ما هو محاولة لصياغة ذاكرة مواطنه وتزويدها بالمعارف الصحيحة عن المنطقة التي يعيش فيها.

4 ـ إنّ الياس صالح اللاذقي، لم يكن ذلك الإنسان العادي، عندما كان يكتب هذا التاريخ. فهو أكثر من شخصية في رجل واحد، بحكم ما كان يتقنه من لغات وما شغله من مناصب، وما قام به من مهام. هذا بالإضافة إلى ما كان يتمتع به من حضور سياسي واجتماعي ورسمي في الوسط الذي كان يعيش فيه.

5 ـ إنّ القسم الأكبر من المخطوط، يتعلق بفترة الحكم العثماني. وتتميز كتابته عن هذه الفترة بدقة استثنائية لسببين: الأول، لأن المؤلف يتقن اللغة التركية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، كان عضواً في محكمتها الابتدائية، وبحكم موقعه هذا، كان مطلعاً عن كثب، على ما كان يرد إليه من الإدارات الرسمية من تعليمات وأوامر عليّة؛ وما كان يصدر عن هذه الإدارات من مقررات واستفسارات، وما كان يفعله الولاة والموظفون من أجل الحفاظ على مصالحهم الخاصة. والثاني، وهو أن المؤلف قد ولد في مرحلة تداعيات النظام العام للسلطنة؛ وعاش في قلب مرحلة المحاولات، التي قامت بها من أجل إصلاح ذاتها؛ كما أنه شهد بعض الحروب التي شنت عليها من قبل الروس، وبعضها الآخر الذي شنته هي على رعاياها في لواء اللاذقية؛ كما أنه كان في قلب مرحلة انتقالها من «نظام الايالت» المتداعي، إلى «نظام الولاية»، الذي شارك في تطبيقه من موقعه الوظيفي.

6 ـ إنّ الفترة التي كان الياس صالح اللاذقي، يكتب فيها تاريخ لواء اللاذقية، كان الروس يعملون على تضمينه جزءاً من خطتهم العاملة لوصولهم إلى المياه الدافئة، بالاستيلاء على القدس، والعبور منها باتجاه الشمال، نحو اللاذقية عبر وادي البقاع وجبل لبنان فحمص؛ معتمدين في ذلك أسلوب استمالة وجذب أبناء الطائفة الأرثوذكسية إلى جانبهم وادعاء حمايتهم. ويبدو أن هذه الخطة، لم تكن حتى ذلك الوقت قد تبلورت بشكل واضح. بدليل أنه لم يشر إلى هذه المسألة بسوى أن للروس ـ كغيرهم من الدول ـ وكالة قنصلية في اللاذقية.