تلتقط الروائية اللبنانية إيمان حميدان في روايتها الجديدة «خمسون غراماً من الجنة»، موضوعاً روائياً شائعاً ومتداولاً ومطروقاً من قبل في الرواية العربية المعاصرة والحديثة، ألا وهو موضوع العثور من قبل أحد الشخوص الروائية، أو أحد أبطالها المركزيين على لقية أو كنز، أو تدوينة سردية ووثائق ورسائل ومعلومات، لتكون عماد العمل الروائي المنوي كتابته ومفتاحاً باهراً في وسعه فتح مغاليق كثيرة وإزاحة ستائر مسدلة على عوالم ماضية ومندثرة. وهكذا يتم بطريق المصادفات الحياتية، وما أكثرها، العثور على حياة أخرى منسية في حقيبة أو غرفة أو في مكان آخر، في وسعه حفظ القرينة والدليل والمعلومة المنسية.
الروائية إيمان حميدان في روايتها هذه تلج هذا العالم لتكتشفه ومن ثم تبني عليه رؤاها وأخيلتها الفنية والجمالية والتعبيرية، في نسق سردي مختلف وجذاب، وفيه تمايز عما سبق وقيل في هذا المضمار من الكتابة، مؤسِسة بذلك عالمها الخاص في الكتابة، ملتقطة زاوية شيقة ومغايرة في عملها الروائي الجديد .
تتحدث الرواية «خمسون غراماً من الجنة» بضمير الغائب، والمتحدث هنا هو مايا، الشخصية المركزية في الرواية التي تتبادل الأدوار مع شخوصها، متحدثة بضمير الأنا، أو بتدوير اللسان في الرواية بين المخاطِب والمخَاطب، الآخرَين، أو بين ضمير الأنا نفسه وأناه الداخلية، في سياق من المونولوغ ليرتفع في مكان آخر ويصبح ديالوغاً مع شخصية ثانية، مستغرقة في شأنها النفسي ومصائبها العديدة، مثل شخصية البطلة مايا التي تفتتح مونولوغها مع اختها عبر التلفون في بيروت، هي المقيمة في فرنسا مع زوجها الذي أصيب بالسرطان وليس لها من حلّ سوى المناجاة البعيدة واللجوء إلى أقرب الناس إليها، لبث معاناتها اليومية ومعاناة زوجها مع الداء الخبيث الذي سيودي به في النهاية، لتقنعها اختها بمغادرة باريس والعودة إلى لبنان النافض عنه تواً، غبار الحرب الأهلية التي امتدت إلى ستة عشر عاماً.
أو