الكاتب والمسرحي والروائي السوري الصديق غسان الجباعي.....وداعا
لا عقلانية؛ بل تغوُّلٌ لا حقوق للإنسان فيه. جبروت، تجبُّر، فوضى، اختلال، زيف أيديولوجي، تفلسف يُشرعن الاستبداد. وهذا ما يرفضه الرسِّام جفان والرسَّامة هند و.. و، فلا يتحوَّل الإنسان إلى حيوان للاستهلاك، بفعل الأساليب القهرية التي تفرضها إرادة القوَّة عليهم. هذا ما يكشفه الكاتب المسرحي والروائي غسان الجباعي في رواية "قمل العانة"، دار شامة 2020. هذا القمل الذي تسبَّبَ مِنْ قبل في هزيمة نابليون بونابرت في روسيا عام 1812 حين حاول غزوها، كون أنَّ جيشه أُصيبَ بمرض "حُمَّى القمل" الذي انتشر في فروات رؤوس عساكره وعاناتهم.
مَنْ سيربح في هذه الرواية: السجين أم السجان، أم العقد الاجتماعي الذي يتفتَّت ويُسحق، ويصير الوطن فردوسًا ضائعًا تسكنه العفاريت والأشباح؟ غسان الجباعي وإنْ مهَّد لفعله، أفعاله، بصورة موحشة لشخصياته وما لحقها من دمار وموت نفسي ومادي في هذه الحرب التي لم تنتهِ، يقص ويسرد ويوتِّرُنا، لنبقى مع (أنا) روائي، يكتب في صيغة حوار ثنائي مآسي الحرب وما جنته على البلاد والعباد. فيتركنا مع لحظات مشحونة بالخوف والرعب تعيشها هند، صاحبة الكندرة الصفراء الرسَّامة المرأة الجريحة التي بلغت سن اليأس، وهي تدخل مع فرج عبد الله مرسم جفان الذي دمَّرته القذائف، في تلك البناية الشاهقة بمدينة داريا والتي تمزَّقت شققها وتراكمت أمام مدخلها، مثل كومة من قشور اللوز، فيما روائح الجثث تفوح من قبوها الذي لا لوحات ولا ألوان ولا فئران- الفئران التي هي الأبقى كما يقول جفان، لأنَّها الأقدر على العيش مع الخراب، عسى أن تجد تلك اللوحة التي رسمها وهي عارية كما ولدتها أمُّها، فلا تقع بيد أحد. وإنَّ جفان الرسَّام الذي كان كلَّما انعقد ماؤه اللزج في رحم هند تمحوه خلسة بالدم! كَمْ مرَّةً رسمها فأجهضت، ثمَّ حبلت، ثمَّ أجهضت، ثمَّ.. وذلك أفضل من أن تموت الأجنَّة ذبحًا بالسكاكين وحرقًا بالنار، أو خنقًا بالغازات السامة، أو وأدًا تحت الأنقاض والركام. وهما في هذا الجو الكابوسي إذا بأحد يطلب منهما: اطلعوا لبرَّا وَلاَّ. ربَّما يكون جفان، وما روَّعها أنَّ هذا الوجه يشبه وجه الفأر: جبينه، أنفه، شارباه الطويلان، حتى شعر عانته يشبه عانة جفان. لتستيقظ من نومها فتجد نفسها عارية في سريرها وهي لا تصدق ما حدث معها عندما ذهبت برفقة فرج لزيارة مرسم جفان، فتبدأ بالتنكُّر وترمي فستانها الذي تمزَّقَ في القبو راوية للكاتب/المؤلِّف: لا يا سيِّدي الكاتب! ليس حلمًا ولا كابوسًا! لم أذهب مع فرج إلى أيِّ مكان.. لم أكتشف أنَّني عارية. وتبدأ هند مع غسان في كتابة الرواية؛ وتسأله: من قال لك بأنَّ اسمي هند!؟ أنا "طهران زهر البان"، أنا لا أحبُّ الكتَّاب العرب، ولا أقرأ إلاَّ الروايات المترجمة. وتبدأ روايتها بالهجوم على الكتَّاب العرب، فمعظمهم تافهون لديهم عقدة اضطهاد مزمنة، منافقون، غير مهنيين ولا موهوبين، جبناء، والمرأة تُدفنُ حيَّة في الحقول والمطابخ وغرف النوم! تُدفن في ثيابها وحجابها وعبوديتها، تخاف الفئران والصراصير ولا تخاف القذائف والقناصين.
(أنور أحمد - ضفة ثالثة)
أو