Saturday, August 6, 2011

الميلودي شغموم - فأرة المسك


يبحث الروائي المغربي الميلودي شغموم في روايته «فأرة المسك» الصادرة عن منشورات الريشة السحرية بمدينة مكناس المغربية، عن أجوبة مستبطنة لأسئلة طالما طرحها زهاء ما يقارب الثلاثة عقود في منجزاته الروائية السالفة. وقد ظل الروائي طيلة مشواره يعبر عن وجوه الفكرة التي يروم إيصالها من خلال بلاغة التشخيص والسخرية والتقنيع. وهي بلاغات وجد فيها الروائي مبرر اكتشافه للحيوات الشخوصية وأسئلتها التي تتضام مع أسئلة القاع ولو بشكل كاريكاتيري ساخر، مجازي، مضمر، عجائبي، لا واقعي. لكن العمق دوما حاضر في الذات والهوية والجذور التي لا يريد الروائي أن يتركها تنطق بالصوت المرتفع، بل أن تتقنع وتسخر وتشخص وتتمرد على أشكال المباشرة، وأن تهمس بخفوت. إن المتن الروائي الشغمومي ينطق من خلال المفارقة والبلاغة والرمز معلنا عن إشراكه للمتلقي في بناء بلاغات التلقي وجمالياتها، وتأسيس فهم مشترك لأسئلة المتن الروائي وأغراضه التداولية.
إن القضية الجوهرية التي يعرض لها هذا المتن الروائي هي تفسخ القضية الإنسانية وتحول مفاهيمها من الآدمية إلى الوحشية، وتبدل النظم التي تؤول يوميا من الواضح إلى المعقد إلى الملتبس إلى المنحرف. لكنه يعابث هذا الموضوع بذات الطريقة التي دأبنا على قراءته بها، وهي إغراق المتون بالمفارقات والمسوخ والعجائبي، ولعلل استدعاء الصوغ العجائبي له هنا مبرر غير القناع الفني، بل القناع الساخر ما دام الأديب قد أصبح بإمكانه أن يقول ما يريد دون لجوء إلى غامض الاستعارات وملتبس الأقنعة. إن أهمية ذلك هنا هو تمكير الكتابة، وتحجيب الفهم، والرغبة في التعبير عن الشيء باللاشيء. ويمكن أن نجمل ملامح الحكاية في هذا المتن كالتالي:
- تحول الكائنات الروائية بخفة وسلاسة من كائن إلى كائن آخر على نهج الطريقة العجائبية، يقول: «كانت قد بدأت تلفها، وتلفني، مئات من أسراب النمل، ثم شاهدت النمل يتحول إلى براغيث، ثم إلى يرقانات، ثم إلى فوهة بركان عاج، ثم رأيت فوهة البركان تتحول إلى حصان أدهم مجنح يطير في أعالي السماء» ص 27.
- تشتت الحكاية والتباسها، وترميزها. وكأن ليست هناك حكاية تستجمع المتن، وتلف شظاياه. تبدو الحكاية هنا غريبة مجنونة ترصد مشاهد غير منسجمة متعارضة بينها بياضات وفجوات. وكأنما الحكي يسخر من الحكي ومن طرقه المنمطة. وكأن الراوي يقول ليس من الضروري أن تحكي الرواية قصة، بل من الضروري أن تهذي بجنون، وتنطق بخبل، وتحارب المنطق. فمنطقها هو اللامنطق، وسرها هو العبث بكل شيء.
- تفتيت المتن في شكل فصول غير مترابطة تحكي عن تحولات كائنات ملتبسة، تكون حينا آدمية ثم سرعان ما تحولها المفارقة الاستعارية إلى مجرد كائنات ممسوخة.
- أغلب الشخوص عبارة عن حيوانات وحشرات حقيرة، وحتى الكائنات البشرية التي يستعيرها الراوي، تتحول بشكل فجائي إلى كائنات حشرية أو تضاريسية أو حيوانية ضاربة بذلك في العمق، النمطية، والنقاء الجنسي، ومؤكدة على مستوى التأويل، أن الإنسان لم تعد له من المعايير والضوابط ما يجعله بعيدا عن الكائنات الممسوخة الحشرية والحيوانية ما دام قد وطأ كل عناصر الآدمية فيه، وفتح الباب على مصراعيه للغريزة، والحيوانية، والتهافت المادي الشره، والظلم، والعدوان.. إن الإنسان قد قتل آدميته، وبالتالي رضي أن تلصق به كل مواصفات الحيوانات والحشرات دون تحفظ أو حذر. إن هذا الصوغ قناع فني ملتبس غرضه الفضح، والنقد، والسخرية، والمفارقة عسى أن يتنبه القارئ إلى وضع يعلن عن نفسه بالصوت المسموع، وتعيد الرواية ترديده بالصوت الوجل الخافت، لكن بطريقة أبلغ، وأحدّ.
إن رواية «فأرة المسك» رواية التنكر بامتياز، لأنها تلبس الشخصيات والأفكار أقنعة متعددة تؤدي بها أدوارا تنكرية تسعى من خلالها إلى قول أشياء بطريقة مباشرة، بطريقة فنية اختار لها الكاتب قناع الغرائبية الساخرة. يقول في الصفحة 44: «ذات صباح، بُعيد الفجر، بدأت الخيل تخرج، تباعا، من دواوين الشعر، من كل دواوين الشعر التي كانت في الرباط والدار البيضاء، وتتوجه إلى شارع النصر. خيل من كل الأعمار. بكل الألوان. من كل الأحجام. خيل. تصطف في الشارع، في نظام بديع، حتى تحتله. ثم تشرع في الركض مصطفة. تذهب إلى نهاية الشارع. ثم تعود. كأنها الأطفال يلعبون لعبة النظام والوقت والنمو. ثم تذهب إلى آخر الشارع. ثم تعود. مئات المرات. آلاف المرات. ثم يبدأ لحن الغلب يقوده بيتهوفن شخصيا. ثم تأخذ في الرقص..». هكذا ليس هناك ما يحد سيمفونية الحكي، وكأنها شلال هادر يتبع قوة الدفع التي تتمايل في مخيلة الراوي. اندفاع قوي لا تهمه اللغة، والانسجام. اندفاع تهمه الفكرة الممسوخة التي حولها الواقع إلى هكذا صورة.
الدار البيضاء - إبراهيم الحجري 

http://www.mediafire.com/view/?29ug71bqbb39yj0


الكتب المرفوعة:حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html

الكتاب محمي بباسورد، الرجاء تنزيل أحدث نسخة من 
Acrobat Reader
لتتمكن من تصفحه. (أبو عبدو


No comments:

Post a Comment