عندما يكون الإنسان في انتظار موته المؤجل ماذا يكون عليه حاله؟ هل يستسلم أم يقاوم؟ هذا ما تطرحه رواية "موتي المؤجَّل" للروائية رجاء رنتيسي، التي يتحول معها بطل الرواية إلى ميت يردد خبر موته في الرواية، "أرى جسدي ملقىً على السرير وأحاول جاهداً أن أنهض به من نومه الأخير فأعجز. أنا لست أنا، وأنا لست هناك. أنا الآن في بداية النفق،... جسدي ملقىً على السرير، وقد اخترقت رصاصة أحدثت ثقباً كبيراً في رأسي...". من هذه النهاية – البداية تتخذ الروائية لنصها مساراً دائرياً، أي أنها تبدأ من حيث تنتهي الأحداث ثم تروح تستعيد الوقائع التي سيؤول إليها حال البطل من فقدانٍ لعذرية روحه وجسده وحياته "إن جسدي قد انفصل عني تماماً، وأصبح وعاءً لروح أخرى لا تشبهني". بطل الرواية هو عامر المنسي يعيش في فلسطين زمن الانتفاضة الثانية، تبوّأ منصب مستشار لإحدى الشخصيات المهمة، وكان عمله معه في الأساس يدور حول التنسيق للقاءات تجمع بعضاً من رجال المجتمع الفلسطيني ونسائه مع غيرهم من رجال المجتمع الإسرائيلي ونسائه. وكانت هذه اللقاءات تُعقد بهدف كسر الحاجز النفسي الذي كثر الحديث عنه بعد توقيع اتفاقيات أوسلو، وإقامة كيان السلطة الوطنية الفلسطينية. استقطبت هذه اللقاءات سجناء سابقين وأكاديميين ومثقفين وطلبة مدارس وجامعات، وحتى ربات البيوت، وكان على عامر المنسي التحضير لتلك اللقاءات، والاتصال بشخصيات مهمة من رؤوساء ووزراء، وأصحاب رؤوس أموال، وأعضاء برلمانات، نكتشف معه من خلالها خداع الغرب وتحيزهم إلى جانب اسرائيل، "أثناء حديث جانبي مع مستشار لوزير في إحدى الدول الغربية - أنه تجرأ بأن أسّر إلي بأن ما نفعله لن يجدي نفعاً، وأن طريقنا الوحيد لحل مشاكلنا هو القوة". هذه الإضاءات وغيرها من كواليس حياة عامر المنسي يكشف عنها السرد بتشخيص الوقائع والأحداث والبحث عن مسبباتها، بحيث يصبح ما يحدث للبطل في مسار حياته من انتهاكات روحية وجسدية عنصر استدعاء ليس للأحداث فقط، وإنما للمواقف الشعورية، والأحاسيس المتضاربة التي تشكل أسئلة تتجاوز أزمة الفرد الفلسطيني في علاقته بالآخر الإسرائيلي، لتغدو أزمة وجودية تهم الفكر والهوية والإنتماء.
or