رواية "تحت سماء الكلاب"؛ إنها عمل أدبي مميز يسرد فيه صلاح صلاح حكايات الألم العراقي وتغلغل المخابرات الإسرائيلية في الأحزاب العراقية وشمال العراق. تلك المنطقة التي اقتطعت من البلد الأم لتقام عليها أوكار الخيانة والعمالة بحجة حماية الأكراد. إنه عمل أدبي وتوثيقي مهم في عصر انقلبت فيه مفاهيم الوطنية، لتوضع بدلاً عنها مفاهيم وقيم جديدة هي قيم التعامل مع الأجنبي باعتبارها الوطنية والبطولة الجديدة.
عمل روائي شفاف يستحق القراءة بجدارة، حيث يضيف المؤلف لبنة جديدة في صرح الرواية العراقية الحديثة.
"الموت.. موت.. الأغنيات.. أغنيات. صوت الجوع يتغير إلى نواح رافديني طويل. تسير السيارة بنا بسرعة، وعيناي ترمقان كل شيء وكأني أسجل للذاكرة انتهاء زمن وبداية أزمان أخرى. وحينما وصلت نقطة الحدود، تركت العالم الأثيري الموغل في حقارته، ولأدخل عالماً جديداً مليئاً باللاحرب واللاحزن، أما الوطن فبقي خلفي يئن من الجراح لمديات غير معرفة وكأنها إلى الأبد.
سلاماً عليك يا رياض إبراهيم. سلاماً أيها الوطن ونحن نفر منك إلى المجهول الآخر، سلاماً يا جبال بخير وشقلاوة. سلاماً لمكتبات الجوع المزمن والكتب المصادرة. البيشمركة ينتشرون على الطرقات. البيشمركة ينامون تحت كل المسميات. شعرت بالاختناق وأنا أقدم أوراقي لمكتب الحدود، أطفالي صامتون، أما زوجتي فكانت مثل حجر الصوان القاسي وهي تضع آخر الشهادات عن الزمن المر. سلاماً أيتها الروح، والبهاء المتطاول لك أيها العراق، لم أكن أدري ولا في علم الغيب هل سأقبلك مرة أخرى أيها الوطن، أم أني سأضيع من جديد في طرقات السفر الملتوية والهائمة. هذه هيماناتنا الجديدة. مسلخ الدروب المتعرجة، ونحن مثل غجر الجبال العارمة، سوف نتوه في المؤانى والطرقات ودروب المهربين المتشحة بالألم.
أنظر إلى زاخو بوجع الأوجاع. أنظر إلى زاخو فأتمثل كل الوطن المعذب. سلاماً يا رياض إبراهيم. سلاماً أيتها الأرض المقدسة، سلاماً ووداعاً يا عشتار الجميلة وأنت يا تموز الأزل، البهاء، الروح، المهدي، الوجود، العدم. التمظهر، الانحلال، وداعاً يا أم آية وقصائد حسن النواب. وداعاً لكل شيء جميل، ولكل الخيانات التي كنت شاهداً عليها وأنت في غفواتك الكبيرة. سار الزمن. واستلمنا الجواز ثم ارتحلنا فوق جسر الآلام، وحينما أصبحنا على الجانب التركي من الجسر، شعرت بالغصص تخنق روحي وأنا أنظر إلى الوطن لآخر مرة، كنت أختنق، أتمرد، أنفعل، أدور، أتمظهر، أنزوي، أذبح ولم أستطع التحمل، فبكيت مثل طفل أوضاع كل ألعابه. مسكت زوجتي أصابعي ثم قبلتني على رأسي، أما أطفالي فلم يكونوا يعرفون لذة عذاب الوطن بعد، فبقوا ينظرون إلى عيوني بقلق شائه، وهي تذرف الدموع في أبدية طويلة"
أو