لقاء
لم يكن على البال مع احد اعمال المبدعة بهيجة حسين دفعنى بشدة الى الغوص
فى أعماق هذا العمل وهى رواية "البيت" الصادرة عن دار الثقافة الجديدة
بالقاهرة 1999 وتعتبر من حيث الحجم رواية قصيرة (إذا جاز التعبير) فهى
تحتوى على حوالى 100 صفحة من القطع الصغير، ولكن بعد ان اتممت قراءتها شعرت
انها كان من الممكن أن تتحول لعمل ملحمى ضخم يحكى تفاصيل العلاقات
الإنسانية فى القرية المصرية على غرار روايات ماركيز، وتحكى القصة مأساة
بطلها طبيب أرمنى "الدكتور روبين" الذى هرب من المذبحة التى جرت لشعبه
بواسطة الجيش العثمانى الى عمق الريف المصرى ليهب سنوات عمره فى علاج
الفلاحين الفقراء حيث امتزج بكل كينونته فى التفاصيل الدقيقة لحياة
الفلاحين التعسة فى مرحلة ما بين الحربين العالميتين حيث الفقر المدقع
والأوبئة والجهل والأفكار الغيبية والقهر الواقع عليهم.
تأخذك
الكاتبة سريعا الى عالمها الخاص حيث تبرز موهبتها الحقيقية كحكاءة قادرة
على رصد التفاصيل اليومية البسيطة مستخدمة لغة جديدة فى العمل القصصى تبحر
بك الى غور الحياة الريفية فتشعر انك امام شخوص حقيقية حية هى تجميع
لذكريات الطفولة وما استطاعت الكاتبة الإحتفاظ بها فى اللاوعى حتى قررت
البوح بما ترسب فى ذاكرتها من أحداث الطفولة مع مخزون عميق لحواديت الجّدات
التى لونت بها عملها وأكسبته عمقا ومصداقية لا نجدها الا لدى القليلين
الذين غاصوا فى أعماق الريف وأذكر منهم محمد روميش فى رائعته "الليل الرحم"
وعبد الحكيم قاسم فى "أيام الإنسان السبعة"، ولكن يبقى لكاتبتنا حرصها على
الدقائق الصغيرة للعلاقات الإنسانية التى ميزت هذا العمل.
فى
الرواية أكثر من خيط للصراع قد يكون أبرزها ذلك الصراع بين الأترك
العثمانيين فى امبراطورية الرجل المريض ورعاياها من الأرمن وأيضا بين بقايا
الأتراك فى مصر والفلاحين من جهة أخرى، ورغم جذورها التركية القريبة من
العرق التركى " ورد هانم وحلمى" ولكن انحيازها كان واضحا ضد العنصر
العثمانى ولم تخف كرهها وعداءها لهم، كما ان هناك خيوط صراع عديدة من بينها
ذلك الصراع بين المجتمع الذكورى القروى والمرأة المستلبة المستكينة، حقا
كان هناك رجال عديدين يحملون فى قلوبهم طيبة طاغية ولكن هذا لا يمنع الطابع
الأبوى والبطريركى عنهم، انهم النسخة المصرية الريفية من العلاقة بين
الرجل والمرأة.
لقد اذهلتنى
بهيجة باستخدامها لغة شديدة الرقة والعذوبة، وبقدرتها الغير عادية على
الإمساك بالتفاصيل وكأنها تحدق فى عيون ابطالها، وبوصفها الدقيق للأشياء
والأماكن عن عشق حقيقى، وكأنها تأخذك من يدك وتدخل بك الى هذه الأمكنة، من
عيادة الدكتور روبين الى بيت الحاج عبدالرؤوف وبيت فهمى وبقية البيوت وحتى
وصفها بالغ الدقة لوباء الكوليرا او الموت الأصفر وكأنها عانت منه وما زالت
تتذكر كل التفاصيل الصغيرة.
تبقى بعض الملاحظات العامة على الرواية الخصها فيما يلى:
- عاب العمل التنقل السريع بين الشخصيات مصاحبا للتنقل بين ضمائر المتكلم مما يؤدى الى تشتيت القارئ وافلات شخصيات الرواية منه.
-
التكثيف الشديد فى رسم شخوصها بدون اعطاء مساحة مناسبة من البناء الدرامى
للشخصيات وتعويد القارئ عليها مما يحولهاا كأشباح خاطفة وشخصيات مبتسرة
ويؤدى الى ارباك شديد للمتلقى.
- تحميل الرواية رؤى سياسية مباشرة والافاضة فى وصف تسجيلى للمذابح ضد الأرمن يمكن ان يتحمله عمل اكثر ضخامة او شكل اخر للابداع.
-
اسقاط الحاضر على الماضى، فوصف الدكتور روبين بأنه كافر ( رغم صدور ذلك من
تركى) وقوله" ابعد يا كافر من هنا..الهانم مش حتنكشف على كافر"، فإن ذلك
يظل مستغربا فى ريف مصر فى تلك الفترة الزمنية.
على
ان ذلك لا يقلل اطلاقا من قدرة الكاتبة ولا ابداعها لعمل ممتع ومشوق يلبى
جميع اساسيات العمل الروائى مع نظرة فلسفية عميقة لقضية الموت والحياة،
وكيف ان الموت حدث ضرورى لتجديد الحياة، وهى تكتب ببساطة وتلقائية كأنما
تتحدث مع نفسها، وأظن من واقع تلك الرواية انها ما زالت تمتلك مخزونا عميقا
من الذكريات التى يمكن ان تبوح بها وتفتح لنا دواليبها لتمتعنا ولكن عليها
ان تغزل الثوب على مهال حتى تكتمل روعة الدانتيلا الجميلة التى تزين
اطرافه.
رياض حسن محرم - الحوار المتمدن
إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html
تحتاج
إلى أحدث نسخة من أكروبات ريدر لتتمكن من فتح هذا الكتاب. إذا طلب منك
باسوورد, فهذا يعني أن نسختك قديمة!! رجاءا تنزيل أحدث نسخة من:
http://get.adobe.com/uk/reader/
No comments:
Post a Comment