Friday, September 27, 2024

ماهر شرف الدين - عند تقاطع الفن والسياسة, ثقافة




عند تقاطع طريق الفنّ وطريق السياسة، وقعت حوادث كثيرة.
في الماضي، كان هنالك شرطي ضخم يُنظّم حركة السير عند هذا التقاطع، لذا كانت حوادث السير نادرة جداً. ناهيك عن أن معظم الفنَّانين العرب، آنذاك، كانوا يتجنَّبون المرور بهذه النقطة الخطرة، وإن مرَّ أحدهم فلكي يؤدّي التحية لذلك الشرطي.
اندلاع "الربيع العربي"، الذي تحوَّل -برعاية دولية- إلى حالة من الفوضى الشاملة على المستويات كافةً، من جهة أولى، واندلاع ربيع الإعلام الحديث، وفي طليعته مواقع التواصل الاجتماعي، من جهة ثانية، أرعبا ذلك الشرطي وجعلاه دائم الغياب عن عمله.
لذلك بدأنا نشهد، وبشكل شبه يوميّ، حصول حوادث اصطدام مروّعة لفنَّانين كنَّا نحسبهم أوفياء للصورة الجميلة التي رسمتها لهم مخيّلتنا الساذجة، ونحن نتابع أفلامهم ومسلسلاتهم ومسرحياتهم عمَّا افترضنا أنه تجسيد لحياتنا، أو ونحن نستمع إلى أغانيهم عن الحب والناس والوطن.
فجأةً، صار بوسعنا رؤية الفنَّان وهو يقود سيَّارته متجهاً نحو ذلك التقاطع الذي -لطول أمد الاستبداد- كدنا نحسب أنه غير موجود. فجأةً، صار بوسعنا رؤية النمرة المميَّزة التي تحملها سيَّارة الفنَّان بتوصية من الحاكم نفسه. فجأةً، صار اجتياز التقاطع أشبه ما يكون باجتياز امتحان في الإنسانية والفنّ معاً.
فنَّانون كُثُر ماتوا على ذلك التقاطع. وفنَّانون قلَّة نجوا. بينما فضَّلت الشريحة الأكبر اختيار طريق التفاف طويل تجنُّباً للمرور بالتقاطع/ المحكّ هذا. مع أنَّ ارتفاع مستوى القهر في مصائر الناس الثائرين على حكومات الاستبداد، جعل تجنُّب المرور بهذا التقاطع -في أعينهم- موتاً صامتاً للفنَّان.
وغنيٌّ عن القول إننا، بكلامنا أعلاه، حين نقول "الفنّ والفنَّانين" فإنما نقصد الممثّلين والمطربين والراقصات، قبل أن نقصد الرسَّامين والنحَّاتين والشعراء والمؤلّفين الموسيقيين. فسياسة الإفقار الثقافي التي انتهجتها أنظمة الاستبداد ضدّ مجتمعاتنا، جعلت تلك المجتمعات تعطي فنَّاً كالدراما مثلاً، أهميةً تفوق بكثير الأهمية التي تعطيها لفنّ مثل الفنّ التشكيليّ. وتالياً ارتفعتْ سويةُ فنونٍ يمكن لبعض أنصاف الأُمّيين أن يكونوا "نجوماً" فيها، على حساب فنون لا تقبل إلا المثقَّفين في صفوفها. علماً بأن حال هؤلاء "الفنَّانين المثقَّفين" أيضاً لم يكن -ويا للأسف- أفضل بكثير من حال الفنَّانين الذين نتحدَّث عنهم، والذين عبرَ بعضهم تقاطعَ الفنّ والسياسة على جثث جمهورهم، بينما هربت أكثريتهم في طرق التفافية طويلة.

أو


 

No comments:

Post a Comment