في روايته "أفواه مُكمَّمة" يرصد الكاتب الكويتي أحمد محمد الطرّاح البيئة الاجتماعية العامة في بلاده، والتي يتوجب على الفرد الذي يعيش تحت سلطتها أن يتخذ أحد موقفين: القبول أو الرفض، فالأفراد في هذه الرواية هم أسرى ظروفهم (العادات والتقاليد) التي يغدو الفكاك منها أقرب إلى المستحيل. تناقش الرواية موضوع السلطة الأبوية في المجتمع العربي، فالأب الذي يبدو ضحية بالولادة سوف يكرر ما عاشه في كنف أبيه ويعيد إنتاج سلطته الأبوية ويفرغها في زوجته وأولاده الذكور والإناث معاً. الأب يوسف الذي أحضره والده من القاهرة إلى الكويت وحرمه من دراسته وحبيبته إثر وشاية من زميل حاقد؛ وزوَّجه بابنة عمه قسراً، سوف يُعامِلْ زوجته وبنيه معاملة مماثلة يفرض على الزوجة السمع والطاعة والحرمان من العمل، ويفرض على الابنة نوع الاختصاص في الجامعة والزواج بابن عمها، ويفرض على الأبناء الذكور نمط حياة لا يجدون فيه ذواتهم، فنجد من أبنائه من يخضع لسيطرته قسراً ويدفع حياته ثمناً لحريته، ومنهم من يتحايل على الظروف ويكسب الرهان والمنصب السياسي الذي يدفعه إليه والده تحت شعار القضاء على الفساد ومساعدة المحتاجين. ما يميز "أفواه مُكمَّمة" هو أن صانعها، أحمد محمد الطرّاح قاربَ عمله هذا من منظور نفسي، تَتَبَّعَ خلاله إشكاليَّة الأب بين الواقع والمثال، وتَتَبَّعَ أثرها على الأبناء، ولهذا الغرض أظهر لنا بنية جديدة للسرد، تعتمد تعدد الأصوات، ضمن وحدات سردية مستقلة، حيث تدلي كل شخصية في الرواية بمواقفها، المواجِهة أو المؤيدة للسلطة الأبويَّة، ويظهر ذلك من خلال لغة أدبية عالية، وفلسفة تمثل الظروف (الأحوال)، وحوارات ترصد الانفعالات وردَّات الفعل سواء على الصعيد الفردي أو المجتمعي. من أجواء الرواية نقرأ: "أحبائي الذين أرادوني شخصاً آخر... لم يعد باستطاعتي التظاهر أكثر؛ وهذا الآخر لا يشبهني. مَن أنا إذن؟ في الحق أنني أجهلُ حقيقتي. وهذا القناع البائس أرهق ملامح وجهي. آه كم أحتاجُ إلى التجرّد من اسمي، من مجتمعي، من أفكاري. كم أحتاجُ إلى التجرّد من جسدي لأعرف ماهيتي. إن الحياة حين تقسو على أحدٍ ما، تصنعُ منه فيلسوفاً بائساً، لا يرى في الموت إلا بطاقة عبور وحسب".
أو
No comments:
Post a Comment