"كان الشعر كالخمر يُشرب في كأس الأغنية ثم بدأ الطلاق؛ صار الشعر رهين الفلسفة أي أنه صار يتجه ضد نفسه. وأصبح سجين علم النفس، فأخذ يغرق داخل ذاته بعيداً عن الآخرين. كأن لهذا الطلاق بعداً طبقياً وملابسات تعكس ملامح طلاق آخر بين الفرد والجماعة".
لعل طلال حيدر-بمنعزل عن مشكلة العامية ومضاعفاتها الإقليمية-هو الأكثر نجاة بين شعراء الحداثة في هذه المأساة. ففي شعره العبقري لا تتزاوج فحسب بل تتوحد كلمات الشعب البسيطة الحية ومشاهد الريف الحميمة مع أرقى مستويات الفكر-مستوى الحكمة الساطعة التي تلخص الفلسفة وتتجاوزها. من يذكر في زحمة الحداثة وضوضائها عمر الخيام؟ طلال حيدر خيام حديث يطرب البسطاء وهو ينقل لهم جنونه الوجودي، ويدهش النخبة وهو يفاجئها، عبر لغة المواويل والحكايات الشعبية، بحساسية شعرية مذهلة وجمالية حديثة تذكر بشعراء أوروبا الكبار. لعله، إذن، باجتراحه هذه "العجيبة"-إعادة الوحدة بين الغناء والشعر-هو الأكثر قدرة على إعلان إفلاس الشعر العربي الحديث وإعادة اعتباره من جديد. فهو إذ يستعيدنا من غربتنا يعيد إلينا شعرنا الهارب الجميل..
أو
No comments:
Post a Comment