أميرة حويجة : ناشطة في تجمّع نساء سوريا من أجل الديمقراطية، وعضو سابق في حزب العمل الشيوعي، وسجينة سابقة في الفترة ما بين 1987 حتى 1991
حين يكون النسيان صعباً في زمانٍ يشتد قسوة، يصبح البوح ضرورة. والبوح في هذا الكتاب وجعٌ إنسانيّ ينطق من كل حرف، وكل كلمة، وكل عبارة تخطّها يد الكاتبة التي دخلت كهف الذاكرة لتقصّ تجربة عاشتها لما يزيد على ثلاثة عقود، تجربة السجن التي لم تنته بخروجها منه، بل ظلت مستمرة منذ عام 1979 حتى الآن، فقررت أن تدخل في الشائك وتكتبها كي تكون “شهادة عن زمان لم يخجل من هزيمة رجال ونساء أرادوا أن يكونوا أبطالاً”.
تقف الكاتبة بجرأة أمام الذاكرة المثقلة، تسائلها، تحاكمها، تستخلص منها، وتكتشف أشياء لم يكن بالإمكان إدراكها في ذلك الوقت، في محاولة منها لتجد نفسها، لتجد روحها التي كانت وما تزال تبحث عنها، ولتفهم “أسباب ودواعي ذلك الذهاب بعيداً عني”.
"يمزج الكتاب بين سيرة الكاتبة الذاتية وسيرة انهيار الحزب الشيوعي السوري، خُطَّ بلغة زجاجية من شدة شفافيتها، حتى أنني كنت أقلّب الصفحات بحذر شديد خوفاً على المشاعر المدونة عليها.. وربما اعتبار "حويجة" الكتاب بمثابة بوحٍ لم تستطيع إخبار ابنتها به جعل كل في الكتاب صادق إلى درجة الخوف.
اعتدنا أن يُحكي أدب السجون على لسان الرجال، ونسينا أن لهؤلاء الرجال زوجات وحبيبات، تحكي لنا أميرة حويجة كيف تعلمن دفن أنوثتهن واتقن الانتظار..حياتهن كانت محطات مع الخيبة من أزواج لم يبخلوا على أنفسهم من المتعة لضروارات حزبية!، ومحاولات لعيش الأمومة التي جعلها السجن تجربة مبتورة يخيم عليها الشعور بالذنب، فالأب غائب أو مغيب والأم معتقلة حيناً ومجبورة على التنقل والتخفي عن أعين الأمن أحياناً أخرى...لم يكن أبطال أميرة أبطالاً إلا لأنهم مجبولين بأنسانيتهم بكل مافيها من شر وخير وقوة وضعف.
اعتقد أننا بانتظار رواية جديدة لا أقصد هنا ب"الرواية الجديدة " المصطلح العالمي الذي ظهر في منتصف القرن العشرين بل أقصد رواية سورية جديدة يكتبها أبناء هؤلاء الذين بسبب الملاحقات الأمنية عاشوا طفولتهم محرومي الأب والأم متنقلين بين المدن والقرى والذين تعلموا منذ صغرهم كيف يغيرون مدارسهم ومدنهم ولهجاتهم وحتى أسمائهم لأسباب أمنية..
وأخيراً أذكر لكم بعض النتائج التي حكت هنا الكتابة عقب خروجها من السجن وابتعادها عن العمل الجماعي الحزبي : خرجت بأمل أن آخذ حقوقي، بعد كل الظلم الذي تأكدت منه، خرجت إلى فراغ، جلتُ في كل أركانه وكان كل شيء يؤكد لي أن هذه الجولات لن تكون بفوائد شخصية إلا إذا دفعت الثمن، وبداية الثمن أن أشعر الجميع بضعفي وعدم حاجتي لأحد، متناقضات تحكم الكثير من العلاقات.
القوة ترهبهم إذا تحلت بها المرأة، لأن قوة المرأة جارحة لرجال لا يجدون ضرورة للصدق في العمل."
(آلاء عامر)
أو
No comments:
Post a Comment