Wednesday, August 31, 2022

فايز قوصرة - أنطاكية العاصي


أنطاكية وسورها العجيب :
 أحببتها حتى أصبحت قطعة من روحي ،وهي التي أوحت لي بكتابة هذا الكتاب(رحلة تاريخية مع نهر العاصي)..فجمعت النصوص التي توثق تاريخ هذا النهر ،والحواضر التي عاشت في جواره ومنها أنطاكية،وسورها العجيب الذي وصفه الرحالة والمؤرخون العرب والأجانب،ومنهم
الرحالة بارتليت الذي مربانطاكية عام 1836 ليصفها، ويرسم معالمها الهامة بقوله :
(( فأنطاكية , ملكة الشرق , كانت قد استكشفت قليلا فقط ! وهي المدينة القديمة التي " تمت فيها تسمية الرسل مسيحيين لأول مرة " – وهي مركز لإحدى الكنائس القديمة المشهورة رفاه ساكنيها وعظمة الأبنية الموجودة فيها , والتي بقي منها الكثير كآثار حتى الآن – أظهرت نفسها لي في مخيلتي بألوان جذابة أخاذة .
. وادي نهر العاصي هنا عريض جدا , تقيه من الجنوب سلسلة من الجبال المخددة , وتنحدر الأرض تدريجيا حتى تغرق في مياهه . تعلو تلك السلسلة من الجبال المخددة , وهي سور حصين بحد ذاتها , جدار ينزل من تلك الأمكنة الشاهقة الى النهر بشكل مفاجئ ثم يحاذي ضفته بحيث يصبح امتداد المحيط العام لكل هذا حوالي سبعة الأميال . كان هناك عدد كبير من الأبراج على اطراف هذا السور , ولا يزال بعضها رافعة رؤوسها الكبيرة أمامنا . هناك في الأرض الممتدة التي تحيط بها تلك المتاريس بقعة احتوت في السابق على جمع كبير من المباني العظيمة شبه المطمورة داخل الحدائق , وهي تمتد على الزاوية الشمالية الغربية . هبطنا مسرعين على الممر الصخري , ثم مررنا تحت أحد تلك الأبراج الكبيرة المتداعية , ودخلنا البلدة من خلال ثغرة في الجدار المتهدم , وبعد عدة لحظات وصلنا الى منزل جرجيس أديب المريح , الذي استقبلنا بكرم بالغ . كان المنزل مشيدا في معظمه من الخشب , كما اكتشفنا , على بقايا السور الروماني المطل على العاصي . 
لم يكن هناك من أثر خارج سورها , فقد انهارت أنطاكية القديمة وتحولت الى كتل من الحجارة القديمة من جراء الزلازل وويلات العصور التي مرت بها . مررنا ببضع شوارع متهدمة وبمسجدين او ثلاثة , وبعد هذا بقليل شاهدنا كنيسة للروم , ولكننا لم نلق شيئا يذكرنا بان الرسل تمت تسميتهم هنا " مسيحيين " . كان تعداد السكان في أنطاكية حينها دون الستة آلاف نسمة وتعداد المدينة والمرفا وسلوقية المليون , وهذا أكثر من سكان سورية في يومنا هذا . هؤلاء هم مسيحيون روم أو مسيحيون سوريون والى هؤلاء ينتمي مضيفنا جرجيس . كانت إحدى البوابات لا تزال تحتفظ باسمها " بوابة القديس بولس " وغير بعيد عن هذا تراكمت الحفريات التي تدفع الى الاعتقاد بأن أحد المباني كان كنيسة القديس يوحنا . 
بعد أن تركنا البلدة مشينا في الحدائق حتى وصلنا الى منحدر الهضبة , ولما تابعنا سيرنا على الطريق الى حلب دخلنا وهدا وعرا يحيط به السور , يعبر عليه فوق جسور بعض قواعدها ماتزال تشاهد . وبعد هذا بقليل وقعنا على أغرب جزء من تلك التحصينات القديمة : السور الذي يتدلى الى الأسفل من المرتفعات , كان مبنيا من أحد جوانب الوهد الى جانبه الآخر بدءا من أدنى قعره , ثم يتحد على حافة سلسلة الهوى الى الارتفاع المقابل ثم يهبطان بذات الطريقة لملاقاة السور الممتد على ضفة النهر . قد لا يكون هناك شيء في الوجود يعطي المرء انطباعا عن العبقرية المتحدية للمهندسين الرومان وفي النمط الذي قد تعودوا على التعامل معه ومع العوائق بهذه الطريقة التي لا تقهر . تركت منزل جرجيس في ذات يوم كي أتفحص الأبراج الممتدة للسور الغربي بشكل أدق , وبعد مسيرة بضع دقائق في شوارع المدينة ومن خلال ثغرة في الجدار المهشم وصلت الى أسفل الأبراج , حيث جلست على قطعة صخرية كانت قد خربت في الماضي , ورفعت مظلتي , وأخرجت دفتر رسوماتي وتحضرت كي أخط على أوراقي احد أجمل الموضوعات الصورية : النوع الذي أغرى قلم رصاص فنان رحالة . فالأبراج التي انتصبت أمامي شكلت لدي , دون استثناء أعظم مثال للتحصينات الرومانية التي شاهدتها في حياتي او لنقل في العالم قاطبة . )) 
أفادنا هذا الرحالة عن واقع انطاكية الأثري في رسمه الجميل لسورها وأبوابها ونهر العاصي , وسير القوافل القادمه عن طريق البحر الى ميناء سلوقيا / السويدية ( سامنداغ – جاوليك الآن ) , والأهم أن سورها مازال قائما عام 1836 وقت زيارته وتبين لنا أن نهر العاصي قد كان أيضا ( السور ) المتقدم على سورها لحمايتها من غارات الأعداء .. لذلك استعصت على الصليبيين تسعة أشهر , وحين دخلوها ( بخدعة وخيانة ) رموا المسلمين من أسوارها الى نهر العاصي وكما ورد سابقا . 
(فايز قوصرة)

or


 

No comments:

Post a Comment