Tuesday, March 24, 2015

عرض لكتاب: خيري الذهبي - فخ الأسماء



رواية الكاتب السوري خيري الذهبي"فخ الأسماء"  تؤسس معمارها الفني على سبك شديد الإتقان للعبة التوغل الفانتازي في تاريخنا العربي، في صورة تعرف كيف تستحضر مفرداته الإنسانية وشخوصه، تماماً مثلما تستحضر روح الثقافة العربية في وعيها لأحداث جسام عبرت التاريخ وأسهمت بهذا القدر أو ذاك في صوغ دلالاته القصوى، والتي لا تزال فاعلة، مؤثرة حتى يومنا هذا.
"فخ الأسماء"في ذهابها إلى التاريخ من حدقة فانتازية، تتكئ أشد ما يكون على بنائية جمالية عالية لشخصياتها وأبطالها، خصوصاً في تمثلهم فكرة الخلاص، التي تبدو في الرواية، فكرة عابرة للتاريخ، إذ هي بؤرة الأحداث، ونقطة ابتداء الأفعال كلها، بل والأحلام التي تبدو في كثير من مواقع الرواية، وكأنها هي ذاتها، أحلام ناس زماننا الراهن، أي أحفاد أولئك الذين أنهكهم ظلم الملوك وأسقطت رقابهم سيوف الجلادين، في لعبة قمع دموية، ظلت تتناسل من عصر إلى عصر.
قوة رواية خيري الذهبي أنها إذ تستعير التاريخ، لا تفعل ذلك للاحتماء خلفه من أجل تمرير مقولات ما يمكن إسقاطها على الراهن، بل هي تفعل ذلك لاستقراء ملامح التشابه العميق في سلوكيات القمع، تماماً كما في أحزان المقموعين، وفي خلال ذلك كله قراءة روح الثقافة بصفتها أداة المقاومة الأبرز على مدار التاريخ العربي وما حفل به من أحداث شديدة السواد، موغلة في الظلم والعسف. هنا يقدم خيري الذهبي أهم ما في فن الرواية وأجدره بالملاحظة، وأعني بنية الأبطال والشخصيات، الذين لا يهمنا بعد ذلك أنهم من نسيج الخيال، لأن حضورهم الآسر بتلك القوّة الجذابة من الإقناع، ينجح في استدراجنا إلى قبولهم ومحاولة التعايش معهم باعتبارهم جزءاً من وعينا الراهن في زماننا الراهن، ولعل هذه المسألة بالذات جوهر فكرة العودة إلى التاريخ لكتابة رواية، حتى وإن جاءت هذه العودة، من بوابة التصور الفانتازي وما يشتمل عليه هذا التصور من إقصاء مقصود، جميل ومبرر، للزمان حيناً، وللأمكنة المتنقلة أحياناً أخرى، خصوصاً وقد قدم الكاتب هذا النسيج الروائي كله من خلال معرفة ضافية تشير إلى وعي الزمان في عتباته وتحولاته، وكيفيات تلك التحولات وأسبابها. خيري الذهبي في"فخ الأسماء"يخالف"العادة"الأدبية السائدة في كتابة الروايات التاريخية، والتي تقوم على إعلان الكاتب منذ الصفحة الأولى لروايته أنه عثر على"مخطوطة قديمة"، تتحدث عن وقائع قديمة، وأن دوره يكمن فقط في نقل وقائع ونصوص تلك المخطوطات للقارئ، وهي الذريعة الفنية التي لجأ ويلجأ اليها عدد كبير من كتاب الرواية التاريخية هذه الأيام، في محاولة لإضفاء الصدقية على أحداث صنعتها مخيلاتهم الروائية في حين يعمد الذهبي - منذ البداية - إلى استحضار التاريخ وزجّه في أتون المخيلة الأدبية ودفع المخيلة إلى مناوشته واستعصاء احتمالاته وتفاصيله.
قارئ رواية"فخ الأسماء"لخيري الذهبي، سيتوقف طويلاً أمام ما حملته من متعة نفتقدها في أعمال كثيرة، خصوصاً في جهة العلاقة بين الأحداث والشخصيات، وبينهما وبين ما تشتمله الأحداث من مفاهيم فكرية ينجح الكاتب في جعلها جزءاً طبيعياً من نسيج الرواية وبنيتها. "فخ الأسماء"رواية كبيرة، سمتها الأهم جعل استقراء الماضي مفيداً، ولكن جميلاً أيضاً.
راسم المدهون - الحياة


No comments:

Post a Comment