Sunday, October 2, 2022

عماد شيحة - بقايا من زمن بابل




إلى روح الكاتب والمناضل عماد شيحا

نص مثقل بالهموم الوطنية والاجتماعية. أناخ الكاتب بأحماله على القارئ منذ العبارة الأولى "في حريق حزيراني"، وحتى خاتمته "أمام شاهدة قبر". وزاد في ثقل النص الذي يقع في ثلاثمائة وخمسين صفحة اعتماد الكاتب أسلوب السرد الطويل المتعب القاسي، من غير أن يقسم هذا النص الطويل إلى فصول، فأتت الرواية في نص وحيد، لا تنقصه الإثارة في كثير من الأحيان، وإن نقصته الراحة. ولقد دفعتني معرفة بعض خصال الكاتب النبيلة، أن أتساءل ـ وربما حمل هذا التساؤل بعض القسوة ـ إن كان أسلوبه الطويل المتعب القاسي في السرد ناتجاً عن معاناة جبلت منه شخصية خاصة، لا تأبه بالتعب، ولا بالوقت، ولا الزمن؟! أم هو الموضوع يؤثر على الأسلوب؟ وتتالى التساؤلات: ترى كم شاب سيكلف نفسه عناء متابعة قراءة مثل هذه النصوص؟ وهل كان بالإمكان المحافظة على جوهر الموضوع، وسبكه بأسلوب، وقالب آخرين يجعلانه أكثر جاذبية ومتعة للمتلقي؟
كنت قد عرّفت بالأديب عماد شيحة في مقالات سابقة، مبيناً أنّه إنسان وأديب مشحون بالهمّ الوطني والإنساني، يريد أن يستثمر كل لحظة في حياته ليقدم للبشرية، مكنوناته النبيلة الدفينة، فامتاز بخياراته الجادة في التأليف والترجمة، وأصدر عدداً من الكتب تأليفاً وترجمة، منها كتاب "يا صاح أين بلادي" لمايكل مور، وكتاب "المال ضد الشعوب ـ البورصة أو الحياة" بالاشتراك مع رندة بعث، وراجع وقدم كتابي "الماركسية والديموقراطية"، و"العولمة والإمبريالية" اللذين ترجمتهما رندة بعث...  وعددت نتاجه الأدبي في روايتيه السابقتين "موت مشتهى"، وغبار الطلع": من أدب السجناء السياسيين، ولا تختلف هذه الرواية عن سابقتيها، من حيث ثقل الهموم الوطنية والإنسانية الحبلى بها، وإن اختلفت من حيث الأسلوب. وربما جمع "بقايا من زمن بابل" مع "غبار الطلع" أنّها "نصوص من وراء الجدران" تبدو أقرب إلى تداعيات حلم كابوسي مليء بالرمزية الملتبسة، تختلط فيه الهواجس الممزوجة بثقل الواقع... ومع تمايز الأسلوب، واستحضار الميثولوجيا
وهل تغيب عن ذاكرة مناضل وطني صورة الشهيد الوطني والأممي الشيوعي البار فرج الله الحلو.. الذي تدمج طريقة وفاته تحت التعذيب، وإذابة جسده بالأسيد اللوحات الواقعية بالسريالية... "وعلى خلفية إذابة اللحم البشري ومزق العظام بالحموض المعدنية سنت شرعة جديدة... لم تكن جحافل المغول باجتياحاتها الساحقة قد خرجت من الذاكرة.. لكن المشهد الذي وسم الذاكرة لم يغادرها أبداً؛ المآذن والقباب المبنية من مادة وحيدة حيّة، الألسنة البشرية المجتثة."ص60 لا يمكن لوحدةٍ بين قطرين أن تقوم على جثث أبنائهما.. "غاب عامين في رحلة مشؤومة يلاحق فزاعات الطيور في أراضي أحلامه التي جعلها حكراً للعصافير.. أتتك أخباره متفرقة، ولم تستطع التحقق من أي منها، حتى دخوله العامد للسجن واستبقائه مكرهاً في مصح الأمراض العقلية.. لأنّه حين أتى مهلهلاً رثاً متآكلاً... ليخبرك أنّ الشمس انطفأت، وعمّ العالم ظلام دامس، فالكون دخل سرداب فنائه البطيء، توافق ذلك مع اليوم الذي فك فيه الذين سعوا لضم تربة البلدين الروابط التي عقدوها بأيديهم".ص63
لغة النص متينة جذابة، تدعو بنيتها المتميزة للتساؤل إن كان يراد من هذا النص أن يندرج ضمن النصوص الميثولوجية في قراءته المستقبلية: "عشت ورأيت في زمن تال بعض تخيلاتك تستحيل بل تصطنع وظائف أعقد وأخطر، أنصاف الآلهة الذين اتصلوا عبر أرواحهم المنسوخة فاستولوا على دور الآلهة في الأرض ووظائف سيطرتها الشمولية والانتقام الجبار، والاستعباد المطلق، ثم استولدوا من نسائهم نسلهم المقدس الذي سيدوم إلى أبد الآبدين... وعشت مسخك الذي استولدوه من آلات خلقهم القديمة والمستحدثة!"ص155
ولما عاد جلجامش من رحلته نحت قصته على الصخر ليخلدها، لأن العمل أخلد من الإنسان؛ فهل يأتي زمن يقال فيه: ولما خرج عماد من وراء الجدران حفر قصته على أوراق الذاكرة، في ألواح ليخلدها الزمن.
صدرت رواية الأديب عماد شيحة "بقايا من زمن بابل" عن دار السوسن ـ دمشق ص.ب: 9063 تليفاكس: 0116619911 بريد إلكتروني: alsawsan@mail.sy    توزيع: دار الحصاد ـ دمشق ـ تليفاكس 212326 صمم الغلاف والخطوط الفنان: منير شعراني.
آمل أن يستمر الصديق والأخ النبيل عماد شيحة بإتحاف المكتبة العربية برواياته وإنتاجه النفيس، في لوحات أقل صعوبة وقسوة، وفي نصوص جديدة لرحلة ما بعد بعد ما وراء الجدران.
 شاهر أحمد نصر
رابطة أدباء الشام

أو


 

No comments:

Post a Comment