يعاين تيسير خلف كتابًا حال المرأة في ولاية سورية العثمانية، ومشاركتها في مؤتمر شيكاغو النسائي الذي عُقد على هامش معرضها العالميّ
شرّعت التساؤلات أعلاه أبواب المجادلة على وسعها بين هنا كوراني ومواطنتها المقيمة في القاهرة زينب فواز عشية وصول رسالة بيرثا بالمر إلى كوراني تدعوها فيها إلى حضور المؤتمر النسائي في شيكاغو. ولكنّ المجادلة ما لبث أن تحوّلت إلى حربٍ صحافية أبرزت فيها كوراني ما تبنّته من أفكار بدت قريبة ممّا يُعرف بالأفكار الإصلاحية التي راجت آنذاك، والمتطابقة إلى حدٍّ ما وأفكار بطرس البستاني، إذ كانت كوراني تدعو إلى الاكتفاء بتعليم المرأة وتأهيلها بحيث تكون قادرةً على مهمّة بناء الأسرة فحسب. بينما كانت زينب فواز تقف على النقيض تمامًا، وتدعو إلى ما دعا إليه أحمد فارس الشدياق أي المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، بما في ذلك حقّ العمل خارج المنزل. بل إنّها، ووفقًا لخلف، تجاوزت الشدياق مطالبة كذلك بحقّ ممارسة السياسة، ترشّحًا وانتخابًا.
يُخبرنا تيسير خلف أنّ دعوة بالمر وصلت إلى هنا كوراني بعد رفض مجموعة نساء سوريات الدعوة، إمّا بسبب الأعراف الاجتماعية التي تمنع النساء من المشاركة كما هو حال زينب فواز. وإمّا بسبب وضعهنّ شروطًا تعجيزية على بالمر نفسها لقبول الدعوة، كما فعلت أستير أزهري. بينما وافقت هنا كوراني معلّلة السبب بقولها: "فلم أر بدًا من تلبية هذا النداء الشريف، والامتثال لأمرها الكريم، لئلا يقال في المرأة السورية إنّها لا تصلح لشيء" (ص 33). ويؤكّد كاتبنا مستندًا إلى ما جمعه من مصادر عربية وإنجليزية أنّ كوراني حملت معها أفكارها إلى شيكاغو، وعبّرت عنها في خطبة استهلّتها بالقول: "بما أنّ المرأة هي أم الإنسانية، فإنّها تكون في وضع غير ملائم حين تسعى إلى أخذ مكان الرجل في العمل والهروب من قدرها الحقيقي".
قدّمت الكاتبة اللبنانية في البداية انطباعًا عبّر عن تعصّبها لأفكارها المتعلّقة بالمرأة وحرّيتها. ولكنّها، باختلاطها بنساء مجتمع النخبة الأمريكيّ، وعلى وجه الخصوص ماي سيوول، سيخفّف من حدّة أفكارها تمهيدًا لانقلابها عليها وتبنّي أخرى بديلة عبّرت عنها في محاضرة قالت فيها إنها مقتنعة بوجود أسباب وجيهة تدعو السيّدات الأمريكيات للتصويت، وهو ما يناقض مع ما كتبته لصديقتها هند نوفل رئيسة تحرير مجلّة الفتاة بأنّ الأمريكيات نساء "لم يقتنعنَ ويرضين بما قسم الله لهنّ".
or
No comments:
Post a Comment