يختار الكاتب السوري ممدوح عزام، في مجموعته القصصية “نحو الماء”، قصة “معاش لأبي جميل” لافتتاح المجموعة، لا لشيء يميزها عن قصص المجموعة الأخرى، إنما لمعاصرتها أي وقت تطالها به عين القارئ.
فالقضية أن الدولة ستمنح معاشًا تقاعديًا لمن حاربوا خلال الثورة إلى جانب “سلطان باشا الأطرش” أو لمن بقي حيًا منهم، لكن ما سيجري في القصة يشبه كثيرًا ما يجري في ثورات كثيرة، حين يضل هذا التكريم العنوان، ويسلك الطريق الخاطئ، نحو الجبناء الذين لم يخدموا الثورة أو يخوضوا في غمارها، ومع ذلك يقطفون ثمارها دون غيرهم ممن يستحق.
ولد عزام في السويداء عام 1950، ويمكن اكتشاف ذلك بقراءة أعماله فقط، إذ يقدم الرجل خلطة أدبية ساحرة تحمل نصيبها من الذاتية، مع التركيز التام على ملامح المرحلة التي يتحدث عنها، فيما يشبه الأرشفة والتأريخ الأدبي للواقع المعاصر، ونقل واقع المنطقة “مسرح الأحداث” إلى القارئ في كل مكان.
ويتناول عزام مجموعة من المواضيع الحساسة التي تحظى بشيء من الخصوصية في المجتمعات المحافظة، دون استفزاز القارئ، أي قارئ، أو التعدي على خطوطه الحمر، فيلوذ إلى التلميح للقضايا أكثر من تفصيلها وتشريحها كقضايا إشكالية، مفسحًا المجال أمام لغته وطريقة تصويره لشخصياته القصصية.
وعبّر ممدوح عزام عن التباين الثقافي بين الريف والمدينة، أو بين مدينة وأخرى، وأشار إلى ما يسمى في بعض المجتمعات “زواج الخطيفة”، وروى في قصة “ثأر” تجذّر بعض الذكريات في الوجدان والذاكرة، والنزعة البشرية للانتقام، إذ يتصارع “أبو سعيد” مع أفكاره في يوم عرس “عقاب” ابن الرجل الذي دهس سعيدًا ابنه بالسيارة قبل 13 عامًا.
ويتابع عزام تقديم صورة مفصلة لما يجري في جنوبي البلاد، تلك المناطق التي يتشابه ريفها بمدينتها في قلة الخدمات والإهمال الحكومي، ففي قصة “أبو حسن”، وهو عامل في تعبيد الطرقات، يجري الاستغناء عن خدماته بكلمة سهلة سريعة دون تعويضات أو توفير عمل بديل أو حتى مكافأة نهاية خدمة.
ويصوّر الكاتب حالة الاستخفاف بقيمة وكرامة المواطن، بجعل “أبو حسن” ينتظر فرصة للحديث مع المسؤول المنهمك في الحديث عن سهرة الأمس مع صديقه.
أو
No comments:
Post a Comment