Saturday, March 8, 2014

أمادو همباطي با - لاوجود لخصومات صغيرة



سلسة ابداعات عالمية, الكويت 2008 |  سحب وتعديل محسوبكم أبو عبدو | 302 صفحة | PDF | 5.54 MB

http://www.mediafire.com/view/ae5qs7hdm78nqtx/أمادو_همباطي_با_-_لاوجود_لخصومات_صغيرة.pdf
or
http://www.4shared.com/office/Imgs0Z24ba/___-___.html

تأسرنا الحكايات كما الأساطير..
في ليالي الشتاء الباردة والمساءات البعيدة ، حول موقد يبعث الدفء في عروقنا ، كنا نتحلق حول جدتي لتروي لنا الحكايات... وعندما كبرنا قليلاً ، كنا نبحث في الكتب عن تلك الحكايات فلا نجدها ، فتضيع طفولتنا منا...،،، لذلك وجدتُني على غفلة مني ، مغرمة بالحكايات الشعبية والأساطير التين أبدعتهما المخيلة البشرية على مرّ السنين. فالحكاية الشعبية وُلدت من رحم أحاسيس ومشاعر الناس الذين ولدوا وعاشوا وتعذّبوا قبل أن يموتوا ، معبّرة عما عانوه وما خبروه في حيواتهم ، وتنوقلت شفاهاً ثم كُتبت ، أو كُتب جزءّ منها وضاع الكثير...
وفي قارة الحكايات والأساطير ، القارة التي ظهر فيها الإنسان عند بدء الخليقة ، ونشأ وترعرع هناك كما تقول النظريات الحديثة ، القارة التي اكتُشف فيها مؤخراً أقدم هيكل عظمي لجدتنا الأولى (لوسي) ، التي ماتت عن عشرين عاماً بعضّة تمساح. الجدة التي كانت وسطاً بين الإنسان منتصب القامة والقردة متسلقة الأشجار... في قارة إفريقيا أو الجوهرة السوداء ، تنمو الحكايات على الأشجار في غاباتها الكثيفة ، وتجري مع المياه في أنهارها ، لتملأ الأمكنة والقلوب والعقول بالدهشة والمتعة والحكمة. تنتقل الحكايات من جيل إلى جيل ، يتوارثوها شفاهةً ، حتى "عندما يرحل رجلّ مسنّ ، فإن ذلك يكون بمنزلة احتراق مكتبة بكاملها"... كما قال أمادو همباطي با ، يوماً..،،
وأمادو همباطي با كاتب ومؤرخ إفريقي ولد في عام 1900 ، لعائلة أرستقراطية (فولانية).
وفولاني اسم يطلق على مجموعة من القبائل الرحّل المتناثرة من السنغال إلى تشاد ، ومن موريتانيا إلى الكاميرون. وكثيراً ما صُنّفوا على أنهم سلالة خليط من الرحّل البيض والرّحل السود.
وفي عام 1940 أصبح أمادو باحثاً بالمعهد الفرنسي لإفريقيا السوداء في داكار ، ويعتبر أحد أوائل الذين جمعوا ودونوا وفسروا ووثفوا كنوز الأدب الشفوي التقليدي لإفريقيا الغربية ، من حكاياتْ ونصوصْ وأساطير وخرافات وسير. وقد صدر مؤخراً - حزيران 2008 - كتاب (لا وجود لخصومات صغيرة - حكايات من السافانا) من سلسلة إبداعات عالمية ، التي تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت. والكتاب من تأليف أمادو وترجمة وتقديم محمد أحمد بنعبود ومراجعة ليلى عبد الحميد بدر.
يضم الكتاب بين دفتيه 18 حكاية تنتمي إلى أصول متنوعة ، جمعها أمادو وقام بنفسه بتحديد هوية بعضها على أنها (حكايات فولانية) ، أما تلك التي لا تحمل أي إشارة إلى أصلها ، فهي موجودة لدى مختلف إثنيات مالي أو غرب إفريقيا.. وهي بطبيعتها تنتمي إلى العائلات الحكائية الكبرى في إفريقيا وفي خارجها أيضاً..
تذكّرنا هذه الحكايات ، بكتاب (كليلة ودمنة) لابن المقفع ، حيث تأخذ الحيوانات دور البطولة في معظمها ، وتكون الشخصيات الرئيسة الفاعلة فيها.. وفي هذا النوع من الحكايات يرتدي كل حيوان زياً رمزيا خاصا به ، فيمثّل الأسد دور ملك البلاد ويجسد القوة والشجاعة ، بينما يجسد الضبع البلاهة والسذاجة ، ويرمز الأرنب إلى الخوف والحيلة ، في حين يرمز الفهد إلى السرعة والرشاقة والخيانة والوحشية..
وقد استطاع الكاتب الشهير أمادو أن يجمع في هذا الكتاب أنواعاً مختلفة من الحكايات ، فهناك حكايات لذوي (الذقون المشعّرة والكعوب الخشنة) كناية عن النضج والتجربة ، حكايات عن الكًبَر الديني ، عن المثابرة والإخلاص ، عن الكون والخلق وعن سلبيات المجتمع البشري في كل الأزمنة. ولعلّ من أجمل وأمتع الحكايات التي وردت في الكتاب ، تلك التي تتنتمي إلى عائلة الحكايات الكبرى ، كحكايات التحوّل (الفتاة ذات القناع الخشبي) و( الراعي الأحدب - الأحدب) ، والحكاية الأم أو حكاية (كايدرا).
يبدأ أمادو همباطي با كتابه بلازمة الحكايات:
(أيتها الحكاية المحكية ، لتحكى...
هل أنت حقيقة؟
للأطفال الذين في ضوء القمر ، قصة خرافية.
للنساء اللائي يغزلن القطن في ليالي موسم البرد الطويلة ، حكايتي طريقة ممتعة لتمضية الوقت.
وللذقون المشعرة والكعوب الخشنة هي رؤيا حقيقية. فأنا ، في الوقت ذاته ، بلا معنى ومفيدة ومعلمة...)...
إذن ، هكذا تبدأ الحكايات الشعبية في إفريقيا ، بتساؤل: هل أنتً حقيقة؟ وتجيب الحكاية أو يجيب راويها عنها بأنها خرافة وتسلية للأطفال ، ومتعة في ليالي الشتاء للكبار ، ولكنها تتخذ شكل الحكمة والرؤيا والمعرفة لذوي الخبرة الذين اشعرّت ذقونهم واخشوشنت كعوبهم من الزمن..، وبالتالي ، فإن لكل شخص أن يسمع وأن يستمتع بالحكاية كما يحلو له ـ لها.
وفي هذه الحكايات التي تردنا من قارةْ بكر ، نلاحظ وجود أكثر من سمة تسمها بطابعها الخاص. سوف تدهشنا الأسماء فيها ويمتعنا الوصف ، بقدر الأحداث تماماً. إذ على الرغم من أن معظم الحكايات تُحكى عن الحيوانات ، إلاّ أن هناك طزاجة خالصة فيها كما في قصة (جثة الضبعة الأم) ، حيث تُدعى ابنتها الضبعة: بارونة السوانة مع لقب (البارونة ذات المؤخرة المنخفضة) ، والتمساح: الماركيز تمساح التماسيح ولقبه (قديس مصر السابق ومندوب عام مائيات إفريقيا الفرنسية والإنجليزية سابقاً) أما آكل النمل فيدعى: السيد الكونت آكل النمل ولقبه (قائد المدفعية الثقيلة ضد النمل) ..،، إلى غير ذلك من الأسماء والألقاب الظريفة.. وتلفت نظرنا مسألة هامة أيضاً ، أن اللغة والمفردات المستخدمة في هذه الحكايات والتي جاء تدوينها متأخراً (في القرن العشرين) على يد أمادو ، قد تأثرت بلغة أمادو نفسه ، وبرؤيته هو في استكمال عناصر بعض الحكايات ، وكتابة المقاطع الشعرية فيها.
أما السمة الثانية التي نلحظها ، فتتمثل باللغة البسيطة التي تحمل صوراً شعرية كمثل: كان حمتودو مأخوذاً بروعة الفجر وسحر السحب متعددة الألوان ، - وكأنها خدم ملكيون تزينوا لاستيقاظ ملكهم - ، قد فقد السمع والبصر من روعة هذا المنظر المهيب. ومثل "لا يوجد شيء في هذا السهل سوى الشمس الحارقة تلاعب طفلها" والمقصود بطفلها طير الحباري...،،
أما السمة الثالثة والأهم ، فهي الحكمة الموجعة والفلسفة العميقة والرؤية الثاقبة للكون والحياة ، ومعرفة النفس البشرية في حالاتها وصورها.. خيرها وشرها... حبها وحقدها .. كما في قصة (كايدرا) إذ تقول الحكاية شعراً: الحياة على الأرض هي تبادل نظر وتبادل الافتراس. نحن نأكل بعضنا بعضا ومن جديد ، وفي النهاية الأرض تأكلنا).... ومثل قصة (عدالة القوم الكبار ) التي هي دون عدالة ، وقصة الناسك والفأرة الصغيرة وحكاية (أصل الخفاش) أو الثمرة الغريبة لحب غير متوقع.،،
وتخبرنا الحكاية الأخيرة كيف نشأ الخفاش عند البدايات الأولى لوجود الكون. حيث لم يوجد على ظهر البسيطة سوى الأعشاب والحقول ، وكاسر صغير هو الثعلب ، الذي أحدث مجزرة حقيقية بين الطيور بافتراسها الواحد تلو الآخر.. صغيرة وكبيرة ، هرمة وطرية العود .. حتى لم يبق سوى طائر واحد فقط. وبعد صراع طاحن بينهما تحول إلى نقاش مستفيض ، يوافق الثعلب على تأجيل التهام الطائر ، نظراً لأنه الطائر الوحيد المتبقي على الأرض.. وبمرور الوقت يعتاد أحدهما الآخر ، وكانت السنون تمر والأرض تمتد كالبساط وتظهر الجبال والنباتات.. ومع تتابع الفصول اختفى كل نزاع بينهما وتحول الطائر إلى أنثى طير ساحرة الجمال ، مزينة بريش مختلفة ألوانه. وأصبحت من الفتنة بحيث خلبت لب الثعلب فأحبها ، وتولّد عن هذا الاتحاد الهجين ، كائن جديد تماما الكائن الطائر الذي يرضع فراخه.. ثديياً بين الطيور وطائراً بين الثدييات....،
لا وجود لخصومات صغيرة ، حكايات إفريقية قديمة ، تختزل المتعة والحكمة معاً... والكتاب باب واسع للتعرف على التراث الإفريقي الثري بإنسانية الإنسان ، وهو كتاب يستحق أن يُقرأ..،
سامية العطعوط


No comments:

Post a Comment