تجليس وتصويج المدعو أبو عبدو
إلى روح الأديب حيدر حيدر
(الفهد) رواية سياسية تتناول المرحلة الإنتقالية التي عاشتها سورية في أربعينيات القرن العشرين، قدمها (حيدر حيدر) برؤية سياسية وإجتماعية وثقافية تداخلت فيها العادات والتقاليد والمعاناة والقيم والأفكار الرافضة للإحتلال الفرنسي وردود الأفعال. تجري أحداث الرواية في قرية سيناتا إحدى قرى مدينة اللاذقية المرمية خلف الجبال القاسية، وكان أبو علي (شاهين) مرابعاً يحرث الأرض ويعشبها ويحصدها، وفي نهاية الموسم يقدم ثلاثة ارباع المحصول للآغا، ويبقي لعائلته الرض والربع الباقي. إن الآغا الجشع يطلب حصته من الفلاحين ولكن هذه المرة لم تمطر السماء فعم القحط والجوع. ولكن الآغا يطلب حصته سواء أغلتْ الرض أم لم تغل. يرفض الفلاح شاهين أن يقدم أي شيء للآغا ويقرر المواجهة. فطلبه الآغا وأمر بضربه وجلده بقسوة حتى سال الدم منه. بعد أن عاد إلى منزله سحب بندقيته التي ما زال محتفظاً بها من أيام النضال ضد فرنسا وبدأ يطلق النار على كلاب الآغا / الدرك الجبناء. وبدأت المعارك. إن السلاح نفسه الذي استخدم ضد العدو الخارجي "فرنسا" سوف يُستخدم ضد العدو الداخلي "الآغا والدرك" وكأن الروائي يقول أن الثوار يقتلون وتسيح دماؤهم فوق الصخور، بينما يستثمر زعماؤهم النصر. "كان الوارثون الأوصياء يسجلون في دوائر الدولة، الأراضي والعقارات، ويقتصمون القرى في سرية تامة بينما جماهير المقاتلين الفقراء يتحولون إلى أجراء ومرابعين وخدم لهؤلاء الذين اتستثمروا النصر وسرقوه في الغفلة". ولكن الروائي اختار بطلاً إستثنائياً تحمّل التشرد والبرد والمرض والتعب والبعد عن زوجته وإبنه الوحيد .. اختاره مختلفاً عن باقي الفلاحين المصابين بالعجز والإحباط والإستسلام. ولكن يبقى السؤال ماذا لو تصرّف شاهين كباقي الفلاحين ورفض المواجهة؟ ماذا لو تجاهل الإهانة من الحارس، وماذا لو صرخت جموع الفلاحين بصوت كالرعد لا، وليس التعاطف بالقول فقط، ربما اراد الراوي القول أن الحلول الفردية لا تنفع ويدٌ واحدة لا تصفق. فالمطلوب وحدة الجماعة، وما أشبه الأمس باليوم.
أو