نشر الفنك, الدار البيضاء 2004 | سحب وتعديل جمال حتمل | 110 صفحة | PDF | 5.14 Mb
http://www.4shared.com/office/dEZ9giI5ba/__-___.html
or
http://www.mediafire.com/view/8cm6w27drpe1san/محمد_برادة_-_ودادية_الهمس_واللمس.pdf
بمجموعته القصصية الجديدة «ودادية الهمس واللمس» الصادرة حديثا عن «دار الفنك»، يدشن الكاتب المغربي محمد برادة، مغامرة سردية أخرى، عبر اضمومة مكونة من عشرة نصوص تقدم مشاهد ولقطات قصصية يربط بينها خيط واضح يتجلى في رصد تغيرات القيم وتحولات المدينة المغربية وأهلها عبر العقود الثلاثة الأخيرة.
يبدو محمد برادة إذن منشغلا هنا بغير ما ركز عليه في خطاطات رواياته ونصوصه السردية الأخرى («الضوء الهارب»، مثل «صيف لن يتكرر» و«لعبة النسيان»). فبدلا من الانكفاء على الذات وسيرتها وثناياها ومراحل تطورها النفسي، يبدو الكاتب هذه المرة مهتما اساسا بالشأن العام، بالتطور الاجتماعي والاقتصادي لبلده، وانعكاسات ذلك على المفاهيم والقيم والأفكار والأخلاق في مجتمع مغربي عاش العقود الاخيرة من وجوده في ظل الصراع بين القديم والحديث، الاصيل والوافد، الركود والاصلاح.
وينعكس هذا الانشغال بالشأن العام، وبتطور المجتمع، على بنية معظم قصص المجموعة الواقعة في 114 صفحة من القطع المتوسط، الى درجة ان معظم شخصياتها لا تحمل اسماء معروفة، بل يبرز لنا السارد فقط انتماءها الطبقي وخلفياتها الثقافية، لتتحول من شخصيات فردية الى كائنات ذات وظيفة رمزية تمثل فئات معينة في المجتمع، ومراحل متوالية لتطور أفكار وقيم هذه الفئات حسب ما يستجد في الواقع الاقتصادي والاجتماعي المغربي من احداث
على مستوى الاماكن التي تدور فيها اللقطات القصصية. اختار محمد برادة ان يوزع حبكات نصوصه على مدن مثل فاس وطنجة والرباط التي يستعرض بعضا من معالمها المشهورة قبل ان يرسم تحركات بعض الشخصيات بين ضواحيها الراقية وأحيائها الشعبية، خاصة في نصوص مثل «حالة سفر» و«امرأة، شاي، ومدينة»، فيما تحفل نصوص أخرى بإشارات لمدن مغربية ) أخرى وأماكن لا يسميها السارد لكنه يدفع القارئ لتخمينها.
على مستوى الشخصيات اعتمد صاحب «لعبة النسيان» على بنية التضاد والحوار بينها في معظم نصوصه، وعلى الجمع بين مصائر أناس يقطنون اجزاء متناقضة من فضاء المدينة، بشكل يحيل على التناقضات الاجتماعية التي تحفر الهوة بين الشخصيات وتجعلها تعيش في اطار نوع من الاغتراب عن بعضها البعض من جهة، وعن المكان الذي تعيش فيه من جهة أخرى. لذا يمكن اعتبار فضاء الأحداث جزءا اساسيا من الحبكة في هذه المجموعة. والدليل على ذلك هو السؤال المركزي الذي تطرحه بطلة إحدى القصص بقولها: «هل نستطيع الاستمرار في حبنا للمدينة بعد ان نكتشف طبقاتها المستترة ووجوهها وأصباغها؟». وهو سؤال ستتجه كل النصوص لمحاولة تقديم الجواب عليه، بطريقة أو بأخري.
القصة الاولى، التي تحمل عنوان «محطة»، تصلح لتوضيح هذا البعد، فهي تقدم لقطة سردية ترصد شخصيات بلا أسماء، ينحصر وجودها في أدائها لمجموعة من الأدوار في مجتمع القاع: متسولين، عمال بسطاء، شباب فقير يجرفه الانحراف في اطار مكاني بالغ الرمزية، فاللقطة تدور في محطة حافلات موجودة قرب مقبرة، بشكل يجسد التضاد بين وظيفتي المكانين: المحطة المعدة للعبور. وهكذا يصبح هذا التضاد عنوانا لتصوير كناية المدينة في عيون أبنائها الذين يظلون أسرى هذه الاماكن، وتنتهي القصة بتدخل السارد لإنهاء وضعية التردد والانتظار.
القصة الثانية «خلف جدار من زجاج»، تتخذ من نفس المدينة مجالا للتفكير بواسطة تداعيات شخصية رجولية لا وجه لها، شخصية تحاول في احلام اليقظة، استعادة طفولتها في المدينة التقليدية القديمة، طفولة الاحتشام والحلم والقيم الواضحة المعالم، التي تدخل في تناقض مع مدينة اليوم التي يعيش فيها البطل ـ السارد: مدينة الاستهلاك والدعارة وتضخم القيم المادية والكثافة السكانية. ويتم هناك كذلك استحضار تدخلات شخصيات تنتمي لعالم الماضي، شخصيات باحثة عن الحكمة وعن معنى للحياة من خلال التساؤل عن جدوى الانجاب. وبحكم كون الانجاب امتدادا للفرد والمجتمع عبر الزمن، فالسؤال حول جدواه والتخوف على مصير الذرية، يجعل الحلم الصباحي بمثابة كابوس يحيل على سؤال الوجود في مجتمع منذور للأزمات ولصعوبة الحياة.
«امرأة، شاي ومدينة»، قصة تحمل علامات متعددة على ان مكانها هو فضاء مدينة طنجة، بطلتها تحمل اسم «حنان» تشتغل مدرسة للغة الفرنسية وتنظر للمدينة عبر زاوية قراءاتها باللغة الأجنبية. انها فتاة متحررة تمارس تجارب الحياة من دون رقابة، هاجسها معرفة قاع المدنية وطبقاتها المستترة الغامضة بالنسبة لذوي النظرة السطحية. لكن مجهود المساءلة ينتهي باستسلام البطلة لتجربة الرقص على ايقاع موسيقى البوب الاميركية. تمر حنان من استلاب الى آخر، مجددة تيهها وغربتها بمدينة طنجة، رغم استحضار السارد لبعض المعالم السياحية المعروفة عالميا بهذه البلدة (الكورنيش، فندق ، المنزه).
تصبح حنان الشابة الحائرة وهي في مقتبل العمر، شخصية اشكالية توجد خارج القوالب النمطية، شخصية تائهة لا تدري على أي قيم ترسو، امرأة تعيش بين ثقافات متعددة في مدينة كوسموبوليتية تقدم نماذج متناقضة للحياة، نماذج فكرية وحسية ذات أفق غربي يحبل بالتضاد مع الواقع المغربي، وتتحول البطلة في الأخير الى شخصية مقتلعة تماما من جذورها بالمقارنة مع شخصيات باقي قصص المجموعة.
وبعد مدينة طنجة يعود محمد برادة لاستلهام فضاءات الرباط في «ودادية الهمس واللمس»، حيث يؤاخذ العاصمة على استغراقها في ايقاع يشبه البيات الشتوي باستمرار. ويفرد مجالا واسعا لوصف المدينة وشوارعها ومقاهيها ووضعية العلاقات الاجتماعية بها بين الماضي والحاضر، هاته العلاقات التي تتكلس وتغرق في الرتابة قبل ان يقترح البطل مشروعا يقع بين الواقع والخيال، ويقدم وصفة سحرية لتجديد طعم الحياة بالنسبة لموظفي المكاتب المكتبيين.
قصة «حالة سفر» تدور كذلك في مدينة الرباط في سنة 2001، إبان تولي حكومة التناوب (اليسار المغربي) تسيير مقاليد الحكم. غير ان هذه القصة تصور التناقض بين الأحياء الراقية للمدينة ومناطقها الشعبية البسيطة. البطلة تحمل الاسم الدال «أحلام»، فتاة في مقتبل العمر، بنت محام ثري اختارت الاقتران بمختار، الشاب الطموح الذي درس الاقتصاد، بعدما نشأ بحي «العكاري» الشعبي المعروف بالرباط، وعندما ترفض أسرة أحلام مصاهرة مختار القادم من فضاء اجتماعي فقير، يفضل العاشقان الهجرة الى كندا والانطلاق هناك من الصفر. فهل يحل السفر نحو مكان قصي وأجنبي التناقضات المكانية والاجتماعية للعاصمة المغربية ولشبابها؟ وهل يشكل السفر مهربا ومخرجا من هذه الحالة المستعصية التي تحيل على تناقضات أكبر تنخر جسد المجتمع؟ وهل بإمكان التطور السياسي للمدينة/ الدولة ان يحل معضلة الانسجام الاجتماعي؟
وعلى النقيض من «حالة سفر» يرسم النص الذي يحمل عنوان «قصة تقليدية»، نمطا اجتماعيا ثابتا للبورجوازية المغربية: نمط المقاولة الفلاحية العائلية، الأسرة الكبيرة ذات الثروة الزراعية المتطلعة لتوسيع علاقتها ونشاطها التجاري مع الغرب، مع الحفاظ على الطابع التقليدي الموروث لعاداتها وتقاليدها وأساليب تفكيرها. في هذا النص يستسلم الجميع لخدر العادة ورتابة القيم والبنيات الاجتماعية المتوارثة. وما يضمن الحفاظ على هذه القيم هو الطبيعة الفلاحية لنشاط الأسرة في ميدان زراعة الزيتون وعصره، لكن، أمام أعين الزوار الاميركان، يتحول هذا النمط من الحياة الى مجرد فولكلور مفرغ من كل مضمون انساني، فولكلور ينخره الخواء والتفاهة. والشخص الوحيد الذي تلقى تكوينا علميا عاليا في الاقتصاد يتم اقصاؤه من طرف الأب المحتضر الذي يرتب انتقال الثروة والسلطة الى يد نجله الاكبر. لكن سهولة وسلاسة هذا الانتقال تثير الشك في مستقبله، بسبب ضعف الحس النقدي لدى الشخصيات الى حد البلادة، مما يوحي بجمود البنية الاجتماعية الموصوفة هنا رغم كل مظاهر التمدن، ويجعلها معرضة للاضطراب بسبب الإفراط في التفاؤل المشوب بالغباء!
وإذا كنت النصوص المذكورة تشكل لوحات مفصلية لما يعتمل في كنف المجتمع المغربي، من تحولات فإن كلا من قصة «مثل أيام آتية» و«أي صورة ستشبهين هذا المساء؟»، تطرحان معا اشكالية العلاقة مع الزمن، فهما قصتان عن الماضي، وعن الحاضر المتعلق بخيط من الماضي. في النص الاول يعيش البطل اغترابه داخل مدينته الساحلية الصغيرة التي يقصدها السياح، ويعود سبب ذلك لتعرفه على السائحة الفرنسية، شانتال، ذات صيف، ثم لاستمرار العلاقة بالمراسلة وبالهاتف بينه وبينها رغم زواجه، لذا يظل مشدوها منجذبا الى حلم زيارتها في بلدها البعيد حتى بعد بلوغه السبعين من العمر. انها اشكالية العلاقة بالآخر التي تحول الوجود العادي الى حياة اشكالية.
أما في «أي صورة ستشبهين هذا المساء؟»، فيتلقى البطل المجهول الملامح دعوة لحضور حفل زفاف ابنة حبيبته السابقة، مما ينتشله من زحمة الحياة وايقاع الزمن ويذكره بالتقدم في السن، بزحف الحاضر على الماضي الجميل، برهافة وخفة هذا الماضي، وبهشاشة الحياة البشرية في مجملها، هذه الحياة التي تصبح رهينة خيوط غير مرئية من الذكريات، ذكريات تصنع المستقبل بشكل من الاشكال.
الرباط : رشيد مرون
عذرا للعلامة المائية البارزة, اضطررنا لذلك بسبب سرقة كتبنا.
للتبليغ عن أي رابط غير فعال, الرجاء إرسال رسالة إلى:
abuabdo101@gmail.com
No comments:
Post a Comment