Friday, April 5, 2013

فرانسواز كلواريك - الخان (متوافق مع الأي باد




تسعى الروائيّة الفرنسيّة فرانسواز كلواريك إلى سبر أغوار التاريخ، متّكئة على الوثائق التاريخيّة والخرائط الجغرافيّة والمذكّرات التي خلّفتها شخصيّات كانت تعيش في الشرق، ويعيش الشرق داخلهم، في روايتها «الخان» (ترجمة غادة الأشقر، وزارة الثقافة السورية، 2011). تختار عام 1819 شرارة زمنيّة لأحداث روايتها، في حين أنّ الفضاء الزمنيّ ظلّ منفتحاً على العصور السابقة، بشيء من الاستعادة والاسترجاع.
تقسّم كلواريك روايتها إلى خمسة أجزاء: «المسير، الطبيب، حلب، ماري، الزلزال»، تستهلّ كلّ جزء بعدد كبير من الكلمات الدالّة على حالات شعوريّة وحركيّة، وعلى أمكنة وتفاصيل تمهّد للصراع اللاحق. كما تعتمد على وثائق تاريخيّة ومذكّرات بعض القناصل الذين كانوا يعملون في حلب، كقنصلي النمسا وبلجيكا، فضلاً عن اعتمادها على مذكّرات ويوميّات شخصيّات أوروبيّة كانت مزامنة للقنصل الإنكليزيّ دوليسبس كالليدي ستانهوب؛ المغامرة الإنكليزيّة التي قصدت الشرق وأقامت فيه، وتركت مذكّراتها حول حياتها في مصر وسورية وتركيا ولبنان، وصلت إلى الشرق عام 1810 وتجوّلت فيه وعاشت بقيّة حياتها في لبنان حتّى وفاتها عام 1839.
جان باتيست الذي هرب من خيانة حبيبته الفرنسيّة، لاذ بالشرق هرباً من حبّه الغادر، فشغفه الشرق وسكن قلبه الجريح، يحاول الابتعاد عن ذاكرته ومواطن ألمه، عساه يمارس قطيعة مع الزمن، ينتظر شيئاً لا يعرفه، يشعر بالنقص والخواء جرّاء هجر حبيبته له، يكرهها بشدّة بقدر حبّه الشديد لها، يستبدل مشاعره بغضب عارم، بعد شعور التلاشي والامّحاء، يختار الرحيل وسيلة للتداوي، يقرّر الابتعاد إلى مكان قصيّ مجهول ليمتحن قواه ويضعها على المحكّ، عساه يكتشف ذاته في فضاء آخر، ويتجنّب الشفقة، وكي لا يبقى أسير حبّ فاشل بطريقة موجعة. أراد تغيير كلّ شيء، وتعلمّ الوحدة لأنّها أصبحت حتميّة بالنسبة اليه.
زجّ نفسه في اختبارٍ قاسٍ، سار وحيداً نحو الشرق، نحو ما يسمّيه الأصل، من دون سندٍ يغذّي جراحه باستمرار عبر استحضار الصور المؤثّرة. أصبحت الطرق مسكنه وموطنه، أرهقه المسير، أثخنت الجراح جسده وروحه، تخفّف بالتقادم من كلّ ما هو غير ضروريّ، عاش الغربة المرتحلة معه، عاش النفي، كانت دمشق أولى محطّاته، استقرّ فيها أشهراً، تعرّف إليها، أحبّها، ساهمت في شفاء جروحه، انتقل بعدها إلى حلب التي استكمل فيها تداويه من الخيانة، استعاد توازنه، استجلى أغوار الشرق وسبر تاريخه المدهش، وأغرم برموزه وحضارته.
وضع باتيست في بيمارستانٍ في دمشق، ظلّ لحين تماثل للشفاء، كان متكتّماً على جراحه، منطوياً على نفسه، يتعرّف إليه الطبيب المعالج الذي يصادقه، ويدخله في قلب الحياة الدمشقيّة، يستقبله في منزله وبين أسرته، يدرّبه على التطبيب، يكتشف باتيست معه عوالم دمشق وأسرارها وألغازها وتاريخها، ينبهر بها، يتقن فيها اللغة العربيّة، يبدأ غموض الشرق يتبدّد لديه رويداً رويداً ليتحوّل إلى شغفٍ وانسحارٍ.
بعدها يقرّر الرحيل إلى ابن عمّه في حلب، بدت له رحلته إلى حلب أزليّة، تجنّب الاختلاط بالتجّار في القافلة، لمح امرأة غربيّة مسافرة معهم، كانت ماري أرملة فرنسيّة من مدينته، وكانت غاية في الجمال، لم يعرف بداية أنّ القنصل الفرنسيّ في حلب عمّها، ولم يحاول أن يتقرّب منها، ولا سيّما أنّه في مرحلة استشفاء من خيانة المرأة له. لاحظ اهتمام ماري به، لكنّه لم يجد في قلبه متّسعاً لها.
وبعد رحلة شاقّة وصلت القافلة إلى حلب التي يصفها باتيست بأنّها مرفأ من دون بحر، منبثقة في قلب برارٍ شحيحة الماء، معبر إلزاميّ لكل اللقاءات والطرقات والتبادلات الثقافيّة والتجاريّة، ممرّ للقادمين من الغرب إلى الشرق، ونقطة التقاء العالم الغربيّ المتوسّطي بالعالم الشرق أوسطيّ الإسلاميّ.
يلتقي فيها بابن عمّه فرانسوا الذي يعمل في التجارة، يعرّفه فرانسوا إلى التفاصيل الضروريّة، يشرح له قليلاً عن طبيعة المدينة وتركيبتها الاجتماعيّة، وتركيبة القوى السياسيّة فيها، حيث يعيش الأوروبيّون في خانات وفقاً لقرار من الباب العالي، لأسباب تتعلّق بالأمن والتفتيش، يؤمّن له فرانسوا غرفة في الخان، يكون بالمصادفة على مقربة من ماري التي تظلّ تلاحقه بوجوم وفضول.
يتعرّف باتيست إلى حلب وشعابها، يتقن لهجة أهلها، يمارس الطبّ فيها، ينال حظوة عند الناس، تجذبه نظرة فتاة جميلة، لكنّه يبقي مسافة بينه وبينها للاختلافات الكثيرة التي يعرفها. يصف كيف كانت الخانات أرستقراطيّة وسط عالم مختلف، وكانت عبارة عن مجتمعات أوروبيّة مصغّرة في قلب الشرق، إذ يمكن المرء في الخانات أن ينسى أنّه في الشرق نظراً لطبيعة الحياة الأوروبيّة التي تسودها، يشرح الأدوار التي تقوم بها الخانات، وبعضاً من التواريخ التي ساهمت في صنعها وتغييرها، وجد نفسه غريباً مرّة أخرى، لأنّه لم يجتز كلّ تلك الحدود ليحبس نفسه في وسط اجتماعيّ هرب منه، ويسعى إلى نسيانه. كان يريد الانسلاخ عن ماضيه والانخراط في حاضر ينسيه جراحه، كانت ماري حاضرة في عالمه الجديد بهدوء طاغٍ. الصراع الذي خاضه أوصله إلى عالم فيه من التناقض الكمّ الكبير، وهو يريد أن يكتشف لا أن يتعرّف.
استقرّ بين عالمين ينتمي إلى كليهما من دون أن يكون كليّاً في أحدهما، تنتظم حياته في تعاقب أزمنة وأمكنة منفصلة متمايزة، يحلم بمزج الفضاءات، وخلق فضائه الخاصّ به. يتناسى الفتاة ذات النظرة الساحرة، بعد مشورته لصديقه الطبيب الدمشقيّ الذي أشار عليه بتناسيها وملء فراغ القلب بماري التي تنتظر مبادرته. سرّته ابتسامة ماري وطيبتها، ماري التي بدت شبيهة به إلى حدّ ما، تعاملت معه بأريحيّة مشوبة بالحذر من غرابته وغموضه، كان حضوره يريحها ويحطّمها، اعتادت عليه، ارتاحت له وحلمت به، وفي تلك الأثناء، يكون الحدث الذي يعصف بالمدينة وأهلها.
يقع زلزال يدمّر أجزاء كبيرة من المدينة، يغيّر ما بدا أنّه محدّد الى الأبد، يطيح التوازن، يزعزع الجدران، والقيم والأفكار الراسخة، اختلط إثر ذلك كلّ شيء، وكان موت النظام. يبرّئه الزلزال من علله، كأنّه كان في انتظار انهيار كبير ليشفى من انهياراته، يساعده الزلزال على تخطّي أنقاض روحه المتهالكة. تجاوز التأثير الحقيقة وفاق الخيال، انتزعه من الأفكار الشريرة القديمة ومن الانفعالات التي أرهقته، تفجّر التوتّر كلّه، شعر بأنّه تخلّص من الماضي وأعبائه.
على رغم القصّة المختلفة بدوافعها ونتائجها، ونور الشرق المبهر، والسماء الفريدة وجمال المدينة وأصالة الأمكنة والغرابة الملموسة المعيشة والزلزال الفظيع، إلّا أنّ باتيست يقرّ أنّ حكايته عاديّة، يمكن أن تتكرّر في أكثر من زمان ومكان. تكون وحدته بليغة وإدراكه واضحاً. وبعد تخلّفه عن بقيّة الناس، وتضحيته بحياته من أجل إنسان لم يعد يتذكّر ملامحه، يتزوّج باتيست بماري زواجاً بسيطاً تقليديّاً، يتحرّر من قصّته التي صارت آثارها خيالات مجرّدة وصدى مبهماً لكلّ ما مثّلته، شعر بالسكينة، تخلّى عن الانتظار، وكفّ بحثه عن المستحيل. رتّب داخله وبوّب أولويّاته، وظلّ الشرق مقيماً في روحه بعدما شفاه من أدوائه.
تبرز فرانسواز كلواريك كيف أنّ الهرب من الغرب قد يؤدّي إلى شغف منقطع النظير بالشرق المهروب إليه، على عكس من يدفعهم حبّهم للشرق ورغبتهم لاكتشافه إليه، وتبرز كيف يتحوّل الشعور الغامض إلى حبّ عاصف يساهم بتنقية الدواخل ومداواة العلل. كلواريك، المولعة بالشرق وأجوائه، تؤكّد أنّ الشرق يعيد بسلطته وسحره وألقه بناء الغربيّ اليائس، تشكّل له السند والدعم، باعتباره الأصل، كما تكرّر على لسان بطلها.
هيثم حسين



http://www.mediafire.com/view/?rixq9vzinvdeuc9
or
http://www.4shared.com/office/1cOOHgs0/__-______.html



إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html


No comments:

Post a Comment