Wednesday, March 5, 2025

ظافر القاسمي - مكتب عنبر, صور وذكريات من حياتنا الثقافية والسياسية والاجتماعية




مكتب عنبر، ذلك الصرح الأثري العريق، يقع في حي المنكنة بقلب دمشق القديمة، شرق المسجد الأموي، ويُعتبر من أكبر وأجمل البيوت الدمشقية التي بُنيت في منتصف القرن التاسع عشر على يد يوسف أفندي عنبر. يتميز هذا البناء بتصميمه الفريد الذي يجعله نموذجاً رائعاً للبيت الدمشقي التقليدي، حيث يضم 40 غرفة موزعة على طابقين، ويُعد تحفة معمارية وحضارية.
لم يكن مكتب عنبر مجرد مبنى تاريخي، بل كان مركزاً تعليمياً رائداً ساهم في النهضة العلمية والثقافية في سوريا. فقد تخرّج منه العديد من الشخصيات البارزة التي تقلدت مناصب مهمة في دمشق وبيروت. في عام 1919، ومع بدء عودة اللغة العربية كلغة رسمية للبلاد في عهد الملك فيصل الأول، كان مكتب عنبر من أوائل المؤسسات التي عُربت، حيث درّس فيه نخبة من المربين العرب الذين ساهموا في محو الآثار التركية وإحياء التراث العربي.
كان المنهج الدراسي في المكتب غنياً ومتنوعاً، حيث شمل علوم القرآن، الفقه، اللغة العربية، الترجمة، العلوم الطبيعية، الجغرافيا، الفلك، والعديد من العلوم الأخرى. وقد تولى إدارته بعد الحرب العالمية الأولى عدد من الشخصيات البارزة مثل شريف رمو ومصطفى تمر.
لكن المكتب، الذي كان يوماً منارة للعلم والأدب، تعرض للإهمال والنسيان لسنوات طويلة، حتى تعرض لحريق كبير عام 1988 أتى على معظم معالمه. وبعد ترميمه في عام 2012، تم تحويله إلى مركز لخدمة المواطن، لكن قيمته التاريخية والعلمية تبقى أعلى من أن تُقاس.
مكتب عنبر ليس مجرد مبنى، بل هو رمز للعطاء العلمي والثقافي، يُضاهي متاحف العالم من حيث قيمته التاريخية، بل قد يفوقها شأناً. فهو بيت تخرّج منه أعلام في العلم والأدب والطب، تركوا بصمة لا تُنسى في تاريخ الأمة العربية. كتاب "مكتب عنبر: تاريخ وحضارة" يقدم لنا رحلة شيقة عبر الزمن، ليذكرنا بمجدٍ مضى ويدعونا للحفاظ على تراثنا العريق.

أو


 

No comments:

Post a Comment