Thursday, April 14, 2022

فوزات رزق - طبرق 90



تعرفنا رواية «طبرق 90» للكاتبة فوزات رزق إلى عدد من الشخصيات السورية التي استقرت في ليبيا لأسباب تتعلق بالتعليم او التجارة أو أي عمل حر، وقد نقل هؤلاء عاداتهم وتقاليدهم معهم، ولولا ذكر الأمكنة وتوصيفها، لاعتقدنا أن الأحداث إنما تجري في بلدات وقرى جبل العرب.. الشخصية المركزية سالم الذي درّس في محافظته قبل أن ينتقل للتدريس في ليبيا ، وبالتحديد في مدينة طبرق،
الشخصيات الأخرى ذُكِرت لعلاقتها مع سالم، إذ لاتوجد شخصية من شخصيات الرواية لاعلاقة لها بسالم.سالم يتزوج من رمزية، تتوفى والدته تاركة خلفها ألواناً من الحزن، ويتزوج والده من رئيفة التي تستحث ابن زوجها سالم، أن يتزوج من غير رمزية التي يحبها، وعن طريق زوجة أبيه، التي وصفت أساليبها بالثعلبية، حاولت التقريب بين ابنتها نوفه وبينه، وعلى الرغم من الانسجام الذي حصل بينهما، إلا أنه لم يتخل عن حبّه القديم لزوجته رمزية ومنذ لقائه بها في محل في مدينة السويداء.. رئيفة لم تمل، تآمرت مع أختيه نعايم وريوف واتهمت رمزية بالخيانة، إلا أن سالماً كان واثقاً من حبّه وفضل السفر بعيداً عن مكائد زوجة أبيه.في ليبيا التقى سالم بالقادمين من جبل العرب مثل معذى محمود وحمزة كنج وجابر وسلمى وطفلهما سالم، لنكتشف علاقة سابقة ما بين سالم وسلمى، وجذورها تمتد إلى أيام التدريس الأولى، حيث كانت تأتي بأخيها إلى المدرسة، وتردد سالم على بيتها، سلمى مطلقة ألزموا ابن عمها جابر بها، تتوفى نتيجة تسمم غذائي، عندما اكتشف زوجها أن سالماً الصغير ليس ابنه، بل ابن سالم النصيرات، الذي التقى بها في بيروت ثم أضاعها، قال عنها: «فتاة من القميرة، كانت صغيرة حين ساكنتهم أيام التدريس هناك، طفلة كانت تتردد عليّ ، تملأ الخابية، تقضي بعض الحاجات، الملامح ذاتها سبحان الله» صفحة 245 بعد ذلك غابت كما غاب الحلم، وستمر سنوات حتى يراها ثانية.أما رمزية فقد صبرت على المرّ ، اتهمت وأشاعوا أنها توفيت ، وأنها لا تحبل، لكن بعد معالجة ومعاناة ولدت في اللحظة التي توفي فيها والد سالم.
 تتجلى فنية الرواية في استخدام الروائي أكثر من ضمير، الروائي يكتب بخط مائل حين تختلف لغة الخطاب، أو حين يختلف الضمير، حوالي ثلثي الرواية قائم على استعادة الماضي، بقصد التعريف بالأحداث، أو لكشف بعض الجوانب الخفية من الشخصية .
 كما في المقطع التالي الذي فيه محاكاة الذات: «قبلك لم يكن قبل، كان الزمان قبلك صفراً، وكان كل  شيء حائلاً، ولا معنى له، قلبت كل شيء بدءاً من تحية الصباح...» صفحة 28، وكما في تداعيات أم سالم في الصفحات 30-33 من ذلك : « ياه... لم يكن أبو سالم بذلك الوقت ، يومها كان يوسف فقط، كان والدك زينة شباب المجدل، خطف قلبي من أول نظرة...» كما نرى تداخلاً فنياً ما بين الحاضر والماضي، إذ يستدعي الحاضر تذكر الماضي ، نلاحظ ذلك في فصول الرواية كافة، فالزمن غير متسلسل، مرة يتحدث عن طبرق، ومرات يعود إلى الماضي، إلى الحياة في محافظة السويداء، وبالتحديد إلى المجدل، كلّ ذلك تتم استعادته عبر التداعيات او المنولوج.
 أجاد الروائي الوصف ، من وصفه لنوفه على سبيل المثال: «كانت نوفه نسخة مصدقة أصولاً عن رئيفة ، مختومة بطفح العينين، واستدارة الوجه، واكتناز الصدر، وموقّعة بنهوض العنق إلى أعلى، تلك نوفه التي كثيراً ما كنت تراها مع أمها، لكنك أبداً لم ترها بعينيك اللتين تملكهما الآن، كانت شيئاً آخر مختلفاً عما كان....» صفحة 63.
 في الرواية عودة إلى المداواة بالتعاويذ والشعوذة، وهذا واضح في ذهاب والدة سالم إلى رويدة وأخذها شيئاً من ثياب سالم ورمزية، لعلها تجعل ابنها أباً مثل باقي الرجال في المجدل ، عادت الأم في اليوم الثاني تحمل حجاباً ولم تترك رمزية إلا بعد أن رقتها:« رقيتك رقوة الست سارة، أم الجودة والطهارة، يلي فرشتها تبن، ومخدتها حجارة» صفحة 36.
 ونرى في ليبيا ذلك لدى الست عايشة التي سموها مبروكة، التي تربت في الجامع، وأخذها الخضر إلى مكة والمدينة، تبين لها أن رمزية مثل حصاة الفضة، نقية، صاخبة كفرس، خصبة مثل أرض بكر، تحتاج إلى حسام يحرث وماء يروي، ويسقط هذا عند مقارنته بماقاله العلم عند زيارتهما للإسكندرية، هناك قال الطبيب عكس ما قالت إن سالم بكامل أهليته، وإن رمزية هي المعنية بالعلاج.تقترب بعض السير والحكايات الواردة في الرواية، من الحكايات، التي يتناولها الناس، في الصفحة 129 يقول وكأنه يحكي حكاية:«حين أدرك عابد مسعود الصباح، سكت عن الكلام المباح» ومعروف أن هذه التعابير مأخوذة من تراث الحكاية ومن ألف ليلة وليلة و غيرهما.أما المكان فيبدو أن الروائي على معرفة جيدة به، على الرغم من اتساعه، إذ يمتد من بلدات ومدن جبل العرب إلى ليبيا، وخاصة مدينة طبرق، إن وصف الأمكنة يدلل على معرفة الكاتب التامة بالمكان، الاستشهاد التالي من الصفحة 259:« تقف على متن الجسر تنتظر السرفيس الذي يتجه غرباً حتى بوابة طبرق ، ثم ينحرف شمالاً دائراً حول حي المختار، فمتجهاً شرقاً إلى باب درنة، فالمنارة في أقصى الشرق ، ليكمل دورته، حول المدينة العتيدة».في الرواية حديث وجدل حول الهم القومي، وما حصل في العراق من تدخل أمريكي وغربي... فيما سمي «عاصفة الصحراء» وعن الصواريخ العراقية التي ضربت وزارة الدفاع الإسرائيلية، وتبيان وضع الدول العربية السيىء.لاحظت أن الرواية تعج بشخصيات وتشعبات والعودة إلى الجذور بتفصيلات دقيقة، كان يمكن التخفيف من ذلك، إضافة إلى زج ديانة سالم في الرواية، وأعتقد أن هذه الجزئية لاحاجة للرواية بها.
 أما اللغة فروائية، فيها الكثير من السرد والأوصاف والنثرية، المثال التالي في وصف رئيفة: «كانت تعتقد أن عقداً من الرجال سوف ينثر أمام قدميها العاجيتين، لتنتقي من هو كفؤ لهذه الأنوثة الفائرة، لكنها فيما يبدو لم تستطع أن تحكم قبضتها على ناصية الزمن، الذي أخذ يتسرب من بين أصابعها كما أشعة الشمس، فيبدد ذلك الثراء في الوجه، وذلك العمق في العينين ، مثلما سينزع نصاعة اللون، ويحيله إلى قتام مهلك» صفحة 39.في الرواية استشراف في غير مكان، خاصة عندما يتحدث عن سالم وسلمى فيقول :« بذرة ستزرعها في حالة رهق، فتنبت في غير تربتك... تنمو في غير محيطك، وستمر سنوات كي ترى النبتة أمامك غصناً طرياً، ندياً، تسوقه المصادفات إلى حيث أنت في تلك الأصقاع البعيدة» صفحة 5/الحوار في الرواية مفهوم، رغم أن قسماً كبيراً منه ، قيل باللهجة الدارجة، إلا أنه حوار قصير ومعبر،
عوض سعود عوض

أو



 

No comments:

Post a Comment