تسير رواية “قهوة الجنرال” لكاتبها السوري غسان الجباعي وفق خطين زمنيين، الحاضر الذي روى فيه الجباعي الحكاية، والماضي الذي جرت فيه أحداثها.
غادر الكاتب سوريا في عام 1975 لدراسة الإخراج المسرحي بالمعهد العالي للفنون المسرحية في كييف، وعاد إلى سوريا في عام 1981 حاصلًا على شهادة ماجستير في الإخراج المسرحي.
تعرض الجباعي بعد عودته للاعتقال في سجون الأسد لمدة تسع سنوات، تنقل خلالها بين فرع الأمن العسكري وسجني “تدمر” و”صيدنايا”.
وتجري الأحداث القديمة لهذه الرواية في السراديب المظلمة لتلك المعتقلات، بينما يدور الحديث فيها ويتلخص بلقاء البطل بزوجته، تلك المرأة التي بذلت وضحّت لتعرف مصير ومكان زوجها، وانتظرت مع ابنهما أنس عودة الزوج الأب.
في المعتقل الذي ترسمه الرواية، ويُساق الناس إليه تحت عنوان “شرب فنجان قهوة”، لا يرى الضحية وجه سجانه، ولا يسمع إلا خطابات الأسد وأصوات التوسل تحت التعذيب، لخلق حالة من التوتر النفسي يتداعى أمامها كل احتمال لصمود السجين.
لا نوافذ للجدران، ولا عزاء لمن يموتون في الهزيع الأخير من الليل على أعواد المشانق بتهمة الانتماء لـ”الإخوان المسلمون”، فالجميع بنظر النظام “إخونجي”.
يرسم الجباعي الأحداث ببطولة ربيع، وهو شاب تعرّض للاعتقال في زمن حكم حافظ الأسد، وغاب عن أسرته نحو عقد من الزمن عايش خلالها الألم حتى تأقلم معه، ثم خرج من المعتقل بساق مبتورة، وملامح مشى فوقها الزمن والتعب.
وحين التقى ربيع بوالدته في حي ركن الدين الدمشقي، حيث يعيش، أُصيبت الأم بجلطة دماغية لشدة حزنها على الحال التي آل إليها ابنها، هذه الأم هي من أسمت حافظ الأسد والرواية بـ”حافظ الأسى”، بعدما صبغ بالظلم والرعب “جمهورية نعم” كما يسميها ابنها في إشارة إلى سوريا.
تطرح الرواية أفكار كاتبها عبر تساؤلات لا تنتهي يقدمها الجباعي على لسان بطله، إذ يقول ربيع:
“إذا كان العلم رمزًا للوطنية، فلماذا يعبثون به، ويرتكبون باسمه وتحت رايته أبشع الجرائم؟! يعلّقونه في المكاتب وفوق السجون وفروع الأمن والمسالخ؟!”.
حصدت الرواية المركز الثاني لجائزة “المزرعة” للإبداع الأدبي لعام 2014، كونها تنقل، دون تجميل، قضية حقيقية، وعذابًا مستمرًا يقاسيه إلى اليوم عشرات آلاف السوريين في معتقلات الأسد.
كتب غسان الجباعي روايته على مدار 15 عامًا، لتؤرخ ماضيًا لم ينتهِ سواء في سجون ومعتقلات الأسد، أم في نفسية من يخرجون منها ليس كما دخلوها حتمًا.
(عنب بلدي)
إذا أردت مشاركة هذا الكتاب فشكرا لك, ولكن رجاء لاتزيل علامتنا المميزة
مع الشكر مقدما
No comments:
Post a Comment