تحية إلى روح الشاعر السوري منيف سعيد في ذكرى رحيله
يتفرد منيف سعد في مجموعته الشعرية قصائد..تحولات في وجهي..وكتاب شعر إلى مايا بلغة سريالية صورية ذات رصيد عال من الشفافية والسحرية تماهي الواقع بالخيال وتبعث في النص الشعري طاقة التخييل التي تعمق تأثيره وتضيف بعداً جمالياً لمكوناته.
ونقرأ في نص الوجه الآخر لمايا إني أظن الحجر الأبيض ..أعلى البرج..قرب الساري..سوف يخلخل ..ثم يدحرج حتى الوادي ..إني أشعر أن الحجر الأبيض..الحامي الصدر ..يخلع فجأة..وأن الريح تغزو القلب..تصهل حرة....الخ.
يقسم الشاعر مجموعته إلى ثلاثة أقسام رئيسة معنونة بأجزاء من العنوان الكلي للديوان ويكتب معظم نصوصه باللغة الفصحى فيما تكتب البقية بالمحكية السورية وتتوزع أشكال نصوصه بين قصائد نثر وأخرى على وزن التفعيلة أو الشعر الحر ما يجعل من مجموعته قعراً لبنى موزونة وإيقاعية متنوعة بنسيج لغوي واحد.
لازم إطلع برا الهم وإصفا..إنسى إنك روح وفكرة..جسم وسمرة..شاعر إنك وهم .. ونادف متل نفاف التلج.. معبا الدنيا..ومادد إيدي راكض..حاول اجمع..حاول امنع..بوقف عاجز..بايدي جمرة.
وتتضح في صيغ معظم نصوص قصائد.تحولات في وجهي.وكتاب شعر إلى مايا غنائية مخففة بالسرد والبنية المشهدية إلى جانب قدر من السلاسة والهدوء الذي تتسم به قصائد سعد لغة وشكلاً وتركيباً .
مايا..يدنو منك كياني..كضوء الفجر الساطع..أشعر أنك صرت الموج الضاحك فوق البحر الواسع..وأنا أفترش ذاتي الشط ..ورمل الشط ودرج الصخر..وأنت تباعاً..موجة.موجة..تكرج تلمس مني الرمل الناعم..الخ.
وأما المحتوى فنابض بضجيج فكري وشعوري لا يهدأ ولاسيما مع ما تبثه تلك النصوص من حرارة وجدانية حارقة وما تفصح به عن خلفية معرفية للشاعر تتضح من خلال تعابيره ومهارته الأسلوبية البنائية وكيفية توظيفه للرمز التاريخي والمثيولوجيا في خدمة فكرة النص.
ويبدأ نص هيراقليط بـ..كآبتي خرساء؟..يوم آخر ..ونهار آخر..ولا يتوقف الزمن..الشراع في اليم..سكريّ وعسلي...الأرض تدور في بركة الضوء التي تملأ الكون..الأرض تنسخ في الضوء.. يقال ليل ويقال نهار.
وتطغى على معظم نصوص سعد رؤية تشاؤمية عدمية ولا سيما لدى استحضار موضوع الحب مقروناً بمعضلة الحرية وهو ما تفصح عنه جملة من مفردات الغروب والسفر والعجز والفناء بالإضافة لما تبثه الصور الشعرية في المجموعة من مشاعر توضح تلك الرؤية.
مايا .. دعيني..أرغب أعبر هذا الفجر وحدي..مايا هذا الوادي عميق..ولست أظن جناحك يقوى..عودي..لربعك مايا..يكفي أنّا عبرنا الليل سويا.
وفي أحزان أواخر الصيف يقول: هاتي القلم المرّ الأبيض..يخطو فوق الورق..دون أثر..يكشف ألم القلب الغامق.
كما تظهر الكثير من قصائد المجموعة نظرة جبرانية مقدسة للحب لدى سعد تتدخر الكثير من الإجلال لطقوسه الحسية ..إني أشكر كلّ جهودك ..ليبق الحب عفيفاً ويبقى عنيفاً..ويبقى رفة روح وركعة عشق خمرية..مايا أذكر أنّا اتفقنا أنه بعض صلاة ومثل سجودٍ..ورود ضفاف سحرية.
ويشكّل اسم مايا المتكرر كمخاطب وحيد عبر النصوص رمزاً مطلقاً للأنثى الأم والحبيبة والمرأة المضطهدة تاريخياً والتي يبدي الشاعر حيالها خجلاً وأسفاً من ذكورية عقائدية لازالت تسم حضارات اليوم.
وسيتبعونك أينما ذهبت صارخين..هذه ربة الجمال والنور.
يذكر أن منيف سعد ينتمي لجيل شعراء ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم 1936-1995 وهذه هي المجموعة الأخيرة له نشرها وقدّم لها مؤخراً جبران سعد وهي من منشورات دار كنعان بدمشق.
إذا أردت مشاركة هذا الكتاب فشكرا لك, ولكن رجاء لاتزيل علامتنا المميزة
مع الشكر مقدما
No comments:
Post a Comment