إذا أعجبكم الكتاب وقررتم لطشه فحلال عليكم, فقط رجاءا أن لاتحذفوا علاماتنا المائية من عليه, تعبنا حتى حصلنا على الكتاب, قضينا ساعات في سحبه وتعديله. فأقل مايمكن هو أن ننسبه لهذه المجموعة. وشكرا لتفهمكم
"عندما يحل الصفير والتصفيق محل نداء "الله أكبر"، سوف تنتهي الصلوات، وسوف يتم تجاهل الله، سوف تشرع أبواب الشهوات، وفي ظروف كهذه، لن تستطيع سماع صوت الله، سوف يرتكب أي شيء في حالة اللاوعي هذه، وحتى صرخات الإمام الخميني لن تجد سوى آذان صماء".
هذا ما ينقله الأكاديمي الإيراني آصف بيات عن صحيفة Jebhe الإيرانية المتشددة في وصفها بعض الاحتفالات الشبابية، وذلك في كتابه "الحياة السياسية: كيف يغير بسطاء الناس الشرق الأوسط". وفيه يحلل تجارب دول إسلامية عديدة، وعلى رأسها إيران ما بعد الثورة، ومنها "سياسة اللهو" ومواقف الإسلامويين من "اللهو". ويُعرّف "اللهو" على أنه منظومة من السلوكيات البهيجة والتي تشمل الألعاب والمزاح والرقص والشرب في المناسبات الاجتماعية والانخراط في مجال الفن الهزلي، والموسيقى والجنس والرياضة، كما يشمل أساليب معينة من الحديث، والضحك، وأساليب الظهور أو التصرف، حيث ينعتق الفرد لفترة وجيزة من قيود الانضباط في الحياة اليومية، ومن الالتزامات المعيارية ومن السلطة المنظمة.
يتحدث بيات بأن متعصبي إيران، أو "ندابي الفرح" كما يسميهم، يستنكرون بأسى بالغ البهجة الدنيوية المرادفة لعيد النيروز، ويستعيدون بكآبة تثير الدهشة ذكريات "أيامهم السعيدة التي لا تنسى" في جبهة القتال، ويُحمّلون شهري محرم ورمضان، شحنة استشهادية بعد الثورة الإيرانية أكثر كآبة وحزناً. والمفارقة الكبرى أن السلطات الرسمية تحيي ذكرى وفاة الشخصيات الدينية والسياسية، وتتجاهل ذكرى "ميلادهم". وقد أقر آية الله الخميني بمغزى تلك الطقوس عندما صرح قائلا: "تلك الأحزان أبقت الإسلام حياً".
ولكن هل كان العداء للهو إحدى السمات الثابتة في التاريخ الإسلامي، وفي أي مرحلة تحول اللهو إلى أحد الشواغل السياسية البارزة في المجتمعات الإسلامية؟ وما هي المواقف التي وجدت إزاء اللهو قبل نشوء الإسلاموية؟
ينقل بيات عن فرانز روزتنال Franz Rosenthal القول إنه "في القرون الأربعة الأولى للإسلام، كان ممثلو التقوى الزاهدة قلائل نسبياً، بل على العكس، كانت هناك نزعة واضحة للدعابة والمرح لم تواجه سوى القليل من القيود". كذلك يورد الباحث مايكل كوك أدلة تفيد بأن شرب الخمر كممارسة اجتماعية، في العالم الإسلامي في القرون الوسطى، كان "حالة سوية" ولم تُستثن من ذلك حتى النساء. ويبدو أن الدعابة والشعر والموسيقى كانت آنذاك أكثر انتشاراً. وتمثل قصص أشعب، وكان مغنياً وراقصاً في المدينة ومكة في القرن التاسع، وقصص الشخصية المعروفة الأحدث عهداً، خوجة نصر الدين، (جحا) نماذج أصلية تاريخية للفكاهة في المجتمعات الإسلامية.
ويشرح الكاتب أنه مع بروز الحركات الإسلاموية في خمسينيات القرن الماضي، صارت الدول والمجتمعات الإسلامية الحديثة توسم بالفساد والجاهلية. وأرادت تلك الحركات النضالية تحويل الدول (عن طريق الثورة) إلى كيانات أخلاقية إسلامية، بحيث تجري هداية "مجتمعاتها الفاسدة" إلى السبيل القويم. بعبارة أخرى، صار من واجب الحكومات (وليس فقط الأفراد أو الحركات) الاضطلاع بمهمة تقويم المنكر. ولدى نشوء دول ذات طابع إسلامي كلي شامل، في السعودية وأفغانستان وإيران، أصبح كبح اللهو أحد المشاغل السياسية البارزة في المجتمع.
بيد أن الكاتب يجادل بأن هذه النزعة لم تقتصر على الإسلام والإسلامويين، فقد رفعت معظم الأديان لواء الشهادة أو توقير الموت الجليل، ويقال إن سقراط "القديس الدنيوي" يمثل أصل نشوء مبدأ الشهادة في الغرب. في حين نرى أن المسيحية وعبر فكرة الصلب، طورت نظرية لاهوتية متميزة للشهادة، كما نلاحظ أن معظم الأديان أبدت عداء تجاه الجنس بذريعة أنه يشتت الناس عن التماس الروحانيات. ويعتقد بيات أن الخشية من اللهو لا تحمل طابعاً دينياً، فقد عبر بعض العلمانيين، سواء أكانوا ثوريين أم محافظين، عن خشيتهم من اللهو وعدائهم له.
وفي تفسيره لعداء الدينيين والحداثويين لفكرة اللهو، يرى بيات أنهم يعتبرونه معكّراً لصفو واستقرار السلطة العقائدية باعتباره مصدراً للاكتفاء الفوري، ويمثل نموذجاً يقتات على العفوية ويتنفس هواء المرونة والانفتاح والانتقاد، وهي الأخلاقيات ذاتها التي تتصادم مع الخطاب الأحادي المتصلب للسلطة العقائدية، وهو لا يعتمد على مباهج مرجعية قصية مجردة، كالآخرة والمقدس، بينما يشكل هذان العاملان المرجعيات التي ترتكز عليها سلطة الحركات والأنظمة العقائدية.
وباختصار، فإن الموضوع المهم بالنسبة إلى الإسلامويين والحكومات التي تزعم التدين ليس الخشية من انصراف الناس عن الله، بل خوفهم من انعتاق الناس من سيطرتهم.
علياء تركي الربيعو - العربي الجديد
علياء تركي الربيعو - العربي الجديد
No comments:
Post a Comment