تحية إلى رانيا ويارا معصراني
سحب وتعديل جمال حتمل
إذا أعجبكم الكتاب وقررتم لطشه فحلال عليكم, فقط رجاءا أن لاتحذفوا علاماتنا المائية من عليه, تعبنا حتى حصلنا على الكتاب, قضينا ساعات في سحبه وتعديله. ودعينا على الشبيحة خوست حتى جف حلقنا فأقل مايمكن هو أن ننسبه لهذه المجموعة. وشكرا لتفهمكم.
https://drive.google.com/file/d/0Bxu9nt7A-tWSUmlBUmF0Nm1EcnM/view?usp=sharing
دمشق مدينةٌ ككلِّ المدن العربية، تعرَّضت ولا تزالُ لعملية قمعٍ من المقاولين، والمتنفذين أصحاب المصالح لتدمير البيوت/ السكن/البساتين/الشوارع فيها.
فتسلخ عنها السكينة والحنين والعاطفة، لمصلحة عمارة الحداثة. عمارة صارت تلتهم، تفترس الجمال و الانفعال بالجمال كما السرطان. فتمحو ذاكرتنا/هويتنا، فنتخلى عن البيت، الحصن، القلعة، لنأوي- إلى تلك البيوت/العلب.
و لعلَّ مناسبة «دمشق عاصمة الثقافة العربية» هو ما أثار مثل هذه التداعيات، و أنا أقلِّب في كتاب(الهجرة من الجنة) للدكتورة ناديا خوست، الذي كان قد صدر عام 1989 وهي تدافعُ فيه عن دمشق/الجنَّة فتتساءل: لماذا ندفن في دمشق الماء تحت التراب؟ كانت القنوات في دمشق شرايينها، فهل تُقطع تلك الشرايين. الماء من الجنَّة لا صحراء في الجنَّة، و لا قحط، و الجنَّة كانت تلك العمارة في دمشق، يجري الماء في القنوات، وفي الأنابيب إليكَ، يجري تحتكَ، و يمرُّ عند ساقيةٍ في البيت، تراه في الأزقَّةِ و في الشوارع، و تهبُّ منه الرطوبة عليكَ إذا مشيت، فيُطفئُ الحرَّ.
كيف يمكن أن تقتِّر اليوم بالماء؟ عندما تمرُّ باتوستراد المزَّة و الأبنية على جانبيه مرتفعة، تشهق من الخوف، فلوِ استهلك كلُّ شخصٍ من سكَّانها في اليوم سطلاً من الماء لنفدَ ماء دمشق، كيف لا تبحث السياسة المائية مع السياسة العمرانية؟ و كيف يسمح بأن تأكل الأبنية فيها المساحة الخضراء. ثمَّ تتساءل د. ناديا خوست: هل تخطيط المدن ينفي النزهة و الراحة و التأمُّل و الشعور بالجمال؟ يوهمنا بعض المخططين أنَّ الماء والخضرة من الكماليات.لا. فمن حقِّ الإنسان المتعة و الراحة.
دمشق تُمحى؛ و ها هي العادات الوطنية صارت تنقرض، كذلكَ المأكل و اللباس و أنماط البيت. و بذلك تكونُ الحربُ قد وقعت على الإنسان و هويته. هل توجد هوية جرداء؟ أم الهوية الوطنية من زهرٍ و نباتٍ و عمارة. من الرسوم و الزخرفة و طراز البيوت، من الحارات و أشجارها، من كلِّ ما تحفظه الذاكرة و هي تنمو و تكبر مع الإنسان، فتسجِّل ما يمُّر بالعمر؛ الطفل وهو يمسك بيد أمِّه، ثمَّ و هو ينقر بخطواته الأرض في زهو الشباب ، ثمَّ و هو يتأمَّل ما يمرُّ به في الشيخوخة، فيستعيد الأمس، فتزيد العجز بعجزٍ آخر كان في المكان هناك. كيف تنهض من الحفرة؟ يُقال لكَ منذ الطفولة إنَّك في أقدم مدن التاريخ، و تصدِّق ذلك في الطفولة من جمال ما تراه، ثمَّ تفقده كلَّ سنةٍ في أقدم مدن التاريخ. من يبرِّئ منظمينا الذين مشوا في شوارع دمشق ثمَّ قصُّوها، و لم يبالوا بأنَّهم يربحون بيوتاً لكنَّهم يخسرون مدينة نادرةً في عمارتها، و غرقوا في وَهْمِ المعاصرة أو إغراء تجَّار العقارات. إنَّنا نخسر العمارة و المدن التي لن تعاد، و نبني ناطحات السحاب، فإذا بها هجينة ليست غريبة كما في الغرب، و ليس فيها إبداع من الشرق.
كانت العمارة العربية تحفظ التنوُّع في الشرفات و النوافذ، تُظهر الذوق الشخصي و الإبداع، تَهب المشهد الذي يجمع البيوت والعرائش الرِقَّة و الجمال، فمنعت العمارة الحديثة ذلك التمايز بأسوارٍ متماثلةٍ قاسية الخطوط . في الخروج الأوَّل من الجنَّةضيَّعَ البيت المستويات التي تغني الحياة و النظر في العمارة العربية، و خسر أرض الدار. أصبحت الشرفة و كلَّ البيت على الشارع. اختفى المبدأ الأوَّل الذي بحث الإنسان عنه في العمارة، و هو التلاؤم مع المناخ، و كشفت العمارة الحديثة الإنسان للبرد و الحرِّ. و اصطنعت التبريد و التدفئة التي تفسد الجو. و هاجر الطير من البستان إلى الأقفاص، ضاق مدى السماء، قلَّ الماء و سُقفت الأنهار.هل هذه وقفة على الأطلال ؟ أم شعورٌ بالخطر من تحوِّل المدينة العربية إلى ما يشبه المستوطنات، و خوف من أن نتوه في العالمية التي محت الأوطان.
من حقِّ الإنسان أن يبحث عن بيتٍ جديد و ثوبٍ جديد، لكنَّ المنظِّم المطَّلع الخبير يجب أن يصوغ تلك الرغبة في التجديد، كيلا تكون جموحاً أهوج يخرب مدن التاريخ. لذلك تبدو مسألة المدن و التخطيط أكثر سعةً من مسألةٍ هندسية،هي مسألةٌ وطنية حضارية تمسُّ العلاقة بالبيئة و الإنتاج و الاستهلاك وبالطبيعة و الأشجار، هي مسألة الفنانين و الكُتَّاب و المؤرِّخين و المثقَّفين، إذ لا يمكن أن تكون أبداً علاقةً مغلقةً بين المهندسين و تجَّار البناء و العقارات.
مهما حصل فإنَّ د. ناديا خوست ترى أنَّك لا تستطيعُ الهربَ من الوطن، فكلَّما ابتعدتَ عنه يقتربُ منك.الوطنُ ليس سجناً مؤبداً، بل الحياة التي لا تنتهي إلا عندما تنتهي أنت، تظنُّ أنَّك تهربُ منه غاضباً أو عاتباً، فإذا بك تحمله في طيَّاتِ الصدر، فيكبرُ، يكبر و يعظمُ فيكَ ما دمت تحميه من عصاباتِ اقتلاع أشجاره و احتلال فضائه.
«الهجرة من الجنة» للدكتورة ناديا خوست يفتحُ القلبَ و العقل على المستقبل؛ فنحافظ على براءتنا/ طهارتنا، على مدننا. فقراءته هي مثل حمَّامٍ للروح تغتسل به من لظى نار عمارة الحداثة، والذي نتمنىَّ على الأمانة العامة لدمشق عاصمة الثقافة العربية 2008 إعادة طبعه
أنور محمد - تشرين
No comments:
Post a Comment