دار النهار للنشر, بيروت 2005 | سحب وتعديل جمال حتمل | 336 صفحة | PDF | 4.47 Mb
رابط الكتاب منشور في غروب أبوعبدو البغل (بعد التسجيل):
https://www.facebook.com/groups/127937193979404/
على هذا الرابط:
https://www.facebook.com/groups/127937193979404/permalink/531221146984338/
يصعب وصف فرحة المغترب اللبناني حين يقع على رواية لبنانية صرفة ترجع به الى موطنه وتمنحه فرصة التنقل في أرجائه وتنشّق هوائه والتقرّب من ناسه وأهله. وحين يتعلق الأمر برواية تسرد قصة عائلة تشبه بقدرها وتاريخها قصة معظم العائلات اللبنانية، تتحوّل هذه الفرحة الى حنين يصعب احتواؤه. وينطبق هذا الكلام على رواية شريف مجدلاني "قصة البيت الكبير" الصادرة حديثاً لدى دار "سوي" الفرنسية، والتي يقوم فيها بسرد قصة آل نصّار، ومن خلالها تاريخ لبنان منذ فترة الحكم العثماني وحتى الانتداب الفرنسي.
وقد يظن البعض أن مجدلاني بروايته هذه يسير على خطى أمين معلوف لتناوله نفس الموضوع الذي قاربه معلوف في كتابه الأخير "أصول". لكن المقارنة، وإن جازت، تبقى عمومية وجائرة بحق مجدلاني إن على مستوى الموضوع المعالج أو على مستوى الأسلوب الذي اعتمده. فبخلاف معلوف الذي قام في كتابه المذكور بتتبع آثار أجداده وسرد تاريخ أجيال عديدة من عائلته معتمداً على وقائع وأحداث حقيقية لا بعدَ روائياً فيها باستثناء أسلوبه الجميل، مما دفع بعض النقاد الى التساؤل حول أهمية هذا الكتاب وجدواه. ينحصر اهتمام مجدلاني بسرد قصة جدّه، واكيم نصّار، وإن تتطلّب ذلك منه التوقف من حين الى آخر عند باقي أفراد أسرته. كما يقدّم لنا مجدلاني رواية حقيقية يختلط داخلها الواقع بالخيال بشكل متعمّد وظاهر. ففي كل مرة تنقص فيها المعطيات حول حادثة معينة، لا يتردد في طرح أمام القارئ عدة روايات محتملة لها قبل أن يختار منها بشكل علني وطريف الرواية الأكثر رومانسية وسحراً.
وتبدأ قصة واكيم نصّار، وفقاً للأساطير والأخبار التي ستتناقلها ذريته، بحادثة غامضة حصلت معه عند نهاية القرن التاسع عشر وكادت تشعل حرباً أهلية بين سكان ولاية بيروت، الأمر الذي سيُجبره على مغادرة منزله في حي المرصد والاستقرار في بلدة عين شير في جبل لبنان المستقل آنذاك. لكن هذا النفي الاختياري الذي كان مقرراً أن لا يدوم سوى بضعة أيام سيتحوّل الى إقامة دائمة تترتّب عليها نتائج لا تحصى. وقبل هذه الحادثة، كان واكيم يعمل سمساراً، الأمر الذي سمح له بتجميع مبلغ من المال لن يلبث أن يستخدمه في عين شير لشراء أرض وزرعها بشجر البرتقال الذي لم يكن معروفاً بعد في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط. وسيساعده ذلك على تكوين ثروة بسرعة وكسب سمعة جيدة إن بين المزارعين أو داخل طائفته الأرثوذكسية في بيروت. وبسبب حادثة أخرى يتمكّن فيها من طرد البدو من أرضه بالقوة، سيفرض احترامه على الجميع ويتحوّل الى بطل بنظر آل نصّار. وبفضل الخدمات التي كان يؤدّيها لجميع الذين كانوا يطرقون بابه، لن يلبث أن ينافس عمّه المحتال على زعامة العائلة. ولأنه لا يمكن أن يتربّع اثنان على رأس عائلة واحدة، ستنطلق حرب شعواء بينهما ثم بينه وبين ابن هذا العم...
وكي لا يفقد القارئ متعة قراءة هذه الرواية الجميلة، نتوقّف في عملية سردنا لمضمونها عند هذا الحد مشيرين الى امتلائها بالطرف والحكايات المثيرة مثل قصة بناء واكيم "للبيت الكبير" والأساطير التي دارت حوله، زواجه من امرأة مارونية رغم معارضة عائلته وتوجّه موكب من الفتيات الأرثوذكسيات الى داره، مسألة ابتكاره لثمرة الكلمنتين ((cl?mentine قبل اليسوعي كليمان روديي في مدينة وهران الجزائرية والمال الذي سيدرّه هذا الابتكار عليه، قصص الفارين من الجيش التركي عند الحرب العالمية الأولى وإيواء واكيم لجزء كبير منهم، الأمر الذي سيؤدي الى نفيه مع عائلته الى الأناضول، مأساة غزو الجراد للشرق وللبنان تحديداً، وقصة صداقة جمال باشا السفاح لفرنسا ورفض هذه الأخيرة الاتفاق معه لحكم لبنان وسوريا عام 1916 خارج سيطرة الأمبرطورية العثمانية، الأمر الذي سيدفعه الى اضطهاد جميع الذين كانوا ينتظرون دعم فرنسا لهم ضد الأتراك.
وأكثر ما يؤلمنا في قصة واكيم هي سخرية قدره. فقد حلم دائماً بتحرر وطنه من حكم الأتراك الجائر، بمساعدة فرنسا، ونشط في هذا الاتجاه الى حين نفيه. وإذ به، حين يرجع من المنفى مريضاً، يجد الفرنسيين قد حلّوا مكان الأتراك. وبعد وفاته، يحتال ابن عمّه على أحد أولاده الطائشين وينجح في وضع يده على معظم الأملاك التي جمعها، تماماً كما فعل عمّه من قبل مع والدته بعد وفاة أبيه.
أهمية هذه الرواية التي تقع في أكثر من 300 صفحة لا تكمن فقط في طريقة سردها الطريفة والمثيرة وفي براعة مجدلاني في حبك مجموعة كبيرة من القصص داخلها، بل في منح القارئ أيضاً صورة دقيقة عن حال المجتمع اللبناني خلال تلك الفترة وطبيعة العلاقات بين ناسه وطوائفه.
أنطوان جوكي - المستقبل
للتبليغ عن أي رابط غير فعال, الرجاء إرسال رسالة إلى:
abuabdo101@gmail.com
No comments:
Post a Comment