مع الشكر للكاتب يزن الحاج
الإنسان مشفوعاً بعكس نفسه، ومجبراً على تأخير أولوياته
منذ إطلالته من الشباك الأول (الشجن) يبدو الإنسان وهو محور مجموعة يزن الحاج (شبابيك) مشفوعاً بشيئ غيره هو، وغير قادر على المضي قدماً في الحياة، وفق أولوياته، وما يعرقل هذا المضي، حسب معظم قصص الحاج، إرادات مؤقتة، أكثر منها أنساق حياتية دائمة، ففي قصص الشجن الأربع، تتقاطع حياة الأشخاص مع هذه الإرادات التي تعرقلها ضمن خطة مؤقتة أو تلغيها ضمن تصرف غير مخطط له ولكنه مبرمج، وأعني بالبرمجة وجوده كمادة صلبة في الدساتير الاجتماعية والثقافية رغم التغير الذي يطرأ عليها كما حدث في قصة (هديل قلب).
في قصة (مصائر النمل) ذات العنوان الموفق، وهو ليس للكاتب حسبما فهمنا منه، تبدو عرقلة الأولويات أكثر وضوحاً، ويأتي رمز الخبز الذي لا أدري إن كان مقصوداً أم لا قاطعاً واضحاً باعتباره أولوية يومية أولى يتم تأخيرها ضمن التصرف المبرمج إياه، كما نفهم من القصة أن الديالوغ (الحوار بين شخصين) ليس ثابتاً بالرغم من تكراره شبه اليومي، إذ من الممكن أن يكسر الروتين تصرف ما أو قول ما يدخل على البرنامج كتحديث له إذا سمحتم لي بالتشبيه، فيعطيه نوعاً من التحدي والتحفيز.
يفتح الحاج الدرفة الثانية من شباك الشجن ليرى منها المشهد ذاته ولكن بشكل أكثر اتساعاً، ولكن من الممكن القول إن هذا الاتساع ضمن شباك واحد غير مستساغ، وحتى لا تكون عبارة (غير مستساغ) قاسية أكثر من اللازم، يمكن تلطيفها بالقول إن الاتساع لا يمكن تذوقه دون الشعور بشيئ من الخلل في التفصيل (وضع الكتاب ضمن فصول) فالقفز من هم إنساني محلي تقرأه بحواسك الخمس إلى هم إنساني دون ضوابط جغرافية تقرأه من خلال وسائل الإعلام بعيداً عن المعايشة هو قفز غير مبرر ولو كان الشجن ذا لون واحد وجغرافية واحدة كما قصد الحاج من وضع قصتي (لحن) و(لعبة اغتراب) خلف شباك واحد مع (هديل قلب) و(مصائر النمل)، ومن الظلم وصف هذا الاتساع بالوطني لأنه إنساني في كل تفاصيله، يصف الحاج الطفل الفلسطيني قائلاً: (حرمانك من مشوارك الصباحي اليومي إلى المدرسة، منذ ارتفاع ذلك الجدار، كان يشعرك بغضب، تفرغه في ضرب كفك الصغيرة على حجارته، ومسح قطرات الدماء عن أصابعك...) الفعل الناتج هنا عن ثنائية الطفل والجدار، هو فعل الطفل السجين في أي جغرافية.
- الأنثى تترك فراغاً لتعود وتملأه من جديد في لعبة مستمرة
من الشباك الثاني (دندنة) يطل المؤلف على نفسه وهو فارغ من الأنثى في لحظة ثم مملوءاً بها في اللحظة التي تليها، ضمن لعبة مستمرة ليس لها نهاية متوقعة، وهنا يكمن تفوق الحكاية، الامتلاء هنا يشبه الجريمة، لأنه مثل كل جريمة، ناقص ومشوه وغير مبرر اجتماعياً، ووصف الفراغ من الأنثى بالجريمة متفق عليه ليس بحاجة إلى شرح، في قصة (كبرياء) تملؤك المرأة بشذوذها عن المشهد المليئ بنساء ماجنات، في (بقايا بوح) العكس تماماً، عدم وجود غيرها في المشهد، لذلك يتتبعها الكاتب حتى بحتها المغرية، وتنهدها الحارق، في (عطرها) تغليف وجودها بالرائحة العابرة للنوافذ، رغم أن بحث العينين لا الأنف عنها كان جارياً (عند كل منعطف من ذلك الشارع)، علاقتها غير المعلنة في (احتراق) وشبقها غير المعلن في (بالأحمر)...
بعيداً داخل ذلك الطرح توجد حالات لالتقاط الفرح في أوقات آسنة وبطيئة الجريان، ما يوحد بين تلك الأوقات هو الفراغ الذي لا يملؤه سوى التلصص على أوقات الآخرين، من الآخرين لا يختار الحاج سوى الأنثى لأنها - حسب قناعته فيما يبدو- الوحيدة القادرة على ملء الفراغ وكسر ثقل الوقت، إلا أن الهدف هو أكبر من تزجية لهذا الثقل، الهدف الدائم المستمر هو التقاط الفرح سواء في تلك الأوقات أو غيرها، هو التقرب من الذات عبر الأنثى في لحظات كره الذات.ثمة مثال واضح على ذلك في قصة كبرياء، يقول الحاج واصفاً شعوره هو عند نزول فتيات الليل من الحافلة: (آلم صديقي شعور الامتعاض المرتسم على وجهي) بالمقابل يصف وجه المرأة الماشية مع طفلها المتفردة عن مشهد المجون: (أكملت المرأة طريقها باتجاهي، فارتطمت نظراتنا، وأدارت وجهها بكبرياء) هي ذاتها المرأة التي كانت ترمق أجساد الفتيات وتتبسم لهن، التقت مع الحاج (واصف المشهد وليس صانعه) في إطار التقرب إلى الذات عبر الآخر.
- الاغتراب سيد الأدلة على فصامية المجتمع وجنونه
لم يضع الكاتب فصل (جملة اعتراضية) تحت مسمى الشباك، ربما لأن العبارة ستأتي على الشكل التالي (شباك جملة اعتراضية) وهو سبب مقنع، وربما أراد بذلك كسر روتين الكتاب، وعلى أية حال في حالة الاغتراب عن المجتمع لا يعود لقناعات كثيرة تجذر حقيقي في النفس، إنها تهتز وتتخلخل لأن واضعيها أنفسهم باتوا محل شك واستفهام بالنسبة للمغترب.
في سبع قصص قصيرة جداً يرسم الكاتب لوحة قاتمة عن اليأس والخذلان والخوف والكسل، من خلال تحريك رموز ثابتة في الذاكرة، والهدف نفض الذاكرة من الاستقرار والرتابة، قصة (رايات) التي لا تتجاوز أربعة أسطر حول فيها الجورب المثقوب إلى راية تصلح لاستقبال البطل الذي عاد يعرج متألماً إلى حارته بمعنى (هكذا بطولة تحتاج إلى هكذا راية) وفي قصة (تثاؤب) حاول الديك أن يمارس دوره في اليقظة فكان جزاؤه ضربة عقابية بالحذاء بعد أن فعلها في اليوم الأول،
وضربات استباقية قبل أن يفعلها في اليوم الثاني بمعنى (مستيقظون فقط كي نمنعك من ممارسة هوسك باليقظة).ما يهم هنا هو انزياح رموز البطل والراية والديك والحذاء لتتحول إلى رأي عام، فاستقبال البطل بالجوارب كان جماهيرياً (على مستوى الحارة) وضرب الديك بالأحذية كان كذلك، هو مجتمع فصامي خارج على ذاته وأكبر دليل على ذلك هو الاغتراب الذي يعيشه أفراده عن قناعاته أي عنه هو.ثمة قصص عن العادي والمعروف مثل (عصفورية) و (عجاج) ولم تخرجها عن عاديتها قوة المعالجة، وفي (عصفورية) نهاية غير منطقية من ضمن سلسلة احتمالات كثيرة تبدو هذه النهاية أبعدها وقوعاً، أما تحويل العادي والمطروق إلى مبتكر وإبداعي فيجد مكانه في قصة (وبطل العجب) حيث يمتد الخوف من الرجال ذوي الشوارب من الإنس إلى الجن.
عقبة نظام الدين
منذ إطلالته من الشباك الأول (الشجن) يبدو الإنسان وهو محور مجموعة يزن الحاج (شبابيك) مشفوعاً بشيئ غيره هو، وغير قادر على المضي قدماً في الحياة، وفق أولوياته، وما يعرقل هذا المضي، حسب معظم قصص الحاج، إرادات مؤقتة، أكثر منها أنساق حياتية دائمة، ففي قصص الشجن الأربع، تتقاطع حياة الأشخاص مع هذه الإرادات التي تعرقلها ضمن خطة مؤقتة أو تلغيها ضمن تصرف غير مخطط له ولكنه مبرمج، وأعني بالبرمجة وجوده كمادة صلبة في الدساتير الاجتماعية والثقافية رغم التغير الذي يطرأ عليها كما حدث في قصة (هديل قلب).
في قصة (مصائر النمل) ذات العنوان الموفق، وهو ليس للكاتب حسبما فهمنا منه، تبدو عرقلة الأولويات أكثر وضوحاً، ويأتي رمز الخبز الذي لا أدري إن كان مقصوداً أم لا قاطعاً واضحاً باعتباره أولوية يومية أولى يتم تأخيرها ضمن التصرف المبرمج إياه، كما نفهم من القصة أن الديالوغ (الحوار بين شخصين) ليس ثابتاً بالرغم من تكراره شبه اليومي، إذ من الممكن أن يكسر الروتين تصرف ما أو قول ما يدخل على البرنامج كتحديث له إذا سمحتم لي بالتشبيه، فيعطيه نوعاً من التحدي والتحفيز.
يفتح الحاج الدرفة الثانية من شباك الشجن ليرى منها المشهد ذاته ولكن بشكل أكثر اتساعاً، ولكن من الممكن القول إن هذا الاتساع ضمن شباك واحد غير مستساغ، وحتى لا تكون عبارة (غير مستساغ) قاسية أكثر من اللازم، يمكن تلطيفها بالقول إن الاتساع لا يمكن تذوقه دون الشعور بشيئ من الخلل في التفصيل (وضع الكتاب ضمن فصول) فالقفز من هم إنساني محلي تقرأه بحواسك الخمس إلى هم إنساني دون ضوابط جغرافية تقرأه من خلال وسائل الإعلام بعيداً عن المعايشة هو قفز غير مبرر ولو كان الشجن ذا لون واحد وجغرافية واحدة كما قصد الحاج من وضع قصتي (لحن) و(لعبة اغتراب) خلف شباك واحد مع (هديل قلب) و(مصائر النمل)، ومن الظلم وصف هذا الاتساع بالوطني لأنه إنساني في كل تفاصيله، يصف الحاج الطفل الفلسطيني قائلاً: (حرمانك من مشوارك الصباحي اليومي إلى المدرسة، منذ ارتفاع ذلك الجدار، كان يشعرك بغضب، تفرغه في ضرب كفك الصغيرة على حجارته، ومسح قطرات الدماء عن أصابعك...) الفعل الناتج هنا عن ثنائية الطفل والجدار، هو فعل الطفل السجين في أي جغرافية.
- الأنثى تترك فراغاً لتعود وتملأه من جديد في لعبة مستمرة
من الشباك الثاني (دندنة) يطل المؤلف على نفسه وهو فارغ من الأنثى في لحظة ثم مملوءاً بها في اللحظة التي تليها، ضمن لعبة مستمرة ليس لها نهاية متوقعة، وهنا يكمن تفوق الحكاية، الامتلاء هنا يشبه الجريمة، لأنه مثل كل جريمة، ناقص ومشوه وغير مبرر اجتماعياً، ووصف الفراغ من الأنثى بالجريمة متفق عليه ليس بحاجة إلى شرح، في قصة (كبرياء) تملؤك المرأة بشذوذها عن المشهد المليئ بنساء ماجنات، في (بقايا بوح) العكس تماماً، عدم وجود غيرها في المشهد، لذلك يتتبعها الكاتب حتى بحتها المغرية، وتنهدها الحارق، في (عطرها) تغليف وجودها بالرائحة العابرة للنوافذ، رغم أن بحث العينين لا الأنف عنها كان جارياً (عند كل منعطف من ذلك الشارع)، علاقتها غير المعلنة في (احتراق) وشبقها غير المعلن في (بالأحمر)...
بعيداً داخل ذلك الطرح توجد حالات لالتقاط الفرح في أوقات آسنة وبطيئة الجريان، ما يوحد بين تلك الأوقات هو الفراغ الذي لا يملؤه سوى التلصص على أوقات الآخرين، من الآخرين لا يختار الحاج سوى الأنثى لأنها - حسب قناعته فيما يبدو- الوحيدة القادرة على ملء الفراغ وكسر ثقل الوقت، إلا أن الهدف هو أكبر من تزجية لهذا الثقل، الهدف الدائم المستمر هو التقاط الفرح سواء في تلك الأوقات أو غيرها، هو التقرب من الذات عبر الأنثى في لحظات كره الذات.ثمة مثال واضح على ذلك في قصة كبرياء، يقول الحاج واصفاً شعوره هو عند نزول فتيات الليل من الحافلة: (آلم صديقي شعور الامتعاض المرتسم على وجهي) بالمقابل يصف وجه المرأة الماشية مع طفلها المتفردة عن مشهد المجون: (أكملت المرأة طريقها باتجاهي، فارتطمت نظراتنا، وأدارت وجهها بكبرياء) هي ذاتها المرأة التي كانت ترمق أجساد الفتيات وتتبسم لهن، التقت مع الحاج (واصف المشهد وليس صانعه) في إطار التقرب إلى الذات عبر الآخر.
- الاغتراب سيد الأدلة على فصامية المجتمع وجنونه
لم يضع الكاتب فصل (جملة اعتراضية) تحت مسمى الشباك، ربما لأن العبارة ستأتي على الشكل التالي (شباك جملة اعتراضية) وهو سبب مقنع، وربما أراد بذلك كسر روتين الكتاب، وعلى أية حال في حالة الاغتراب عن المجتمع لا يعود لقناعات كثيرة تجذر حقيقي في النفس، إنها تهتز وتتخلخل لأن واضعيها أنفسهم باتوا محل شك واستفهام بالنسبة للمغترب.
في سبع قصص قصيرة جداً يرسم الكاتب لوحة قاتمة عن اليأس والخذلان والخوف والكسل، من خلال تحريك رموز ثابتة في الذاكرة، والهدف نفض الذاكرة من الاستقرار والرتابة، قصة (رايات) التي لا تتجاوز أربعة أسطر حول فيها الجورب المثقوب إلى راية تصلح لاستقبال البطل الذي عاد يعرج متألماً إلى حارته بمعنى (هكذا بطولة تحتاج إلى هكذا راية) وفي قصة (تثاؤب) حاول الديك أن يمارس دوره في اليقظة فكان جزاؤه ضربة عقابية بالحذاء بعد أن فعلها في اليوم الأول،
وضربات استباقية قبل أن يفعلها في اليوم الثاني بمعنى (مستيقظون فقط كي نمنعك من ممارسة هوسك باليقظة).ما يهم هنا هو انزياح رموز البطل والراية والديك والحذاء لتتحول إلى رأي عام، فاستقبال البطل بالجوارب كان جماهيرياً (على مستوى الحارة) وضرب الديك بالأحذية كان كذلك، هو مجتمع فصامي خارج على ذاته وأكبر دليل على ذلك هو الاغتراب الذي يعيشه أفراده عن قناعاته أي عنه هو.ثمة قصص عن العادي والمعروف مثل (عصفورية) و (عجاج) ولم تخرجها عن عاديتها قوة المعالجة، وفي (عصفورية) نهاية غير منطقية من ضمن سلسلة احتمالات كثيرة تبدو هذه النهاية أبعدها وقوعاً، أما تحويل العادي والمطروق إلى مبتكر وإبداعي فيجد مكانه في قصة (وبطل العجب) حيث يمتد الخوف من الرجال ذوي الشوارب من الإنس إلى الجن.
عقبة نظام الدين
No comments:
Post a Comment