لإنتاج الغرائبي.. محمد الحاج صالح يبادل الأمكنة بين الحلم والواقع في قصص «الراعية المجنونة ».!!
مع أن أكثر قصص «الراعية المجنونة» للأديب محمد الحاج صالح تميل الى المتوسطة في طولها غير أنه جرب«القصيرة » أيضاً التي توصف بـ «الجداً» في أربع، ختم أو ذيل بها هذه المجموعة الصادرة حديثاً عن وزارة الثقافة والتي تأتي بعد ثلاث مجموعات قصصية وروايتين. القصص: « هكذا كان اسمها، يوم في حياة مجنون، والحب عام 2060 فيما الروايتان هما: «امرأة من صوان، وصخرة الخلقين». لكن الحاج صالح وفي كل تلك القصص «الإحدى والعشرين» اللواتي ضمتها قصص «الراعية المجنونة» سيميل وضمن مايمكن ان نطلق عليه اسلوبية لهذا الكاتب باتجاه المزج بين الواقعي والغرائبي والذي ستوسم نصوص المجموعة كلها كما كانت سمة لكل ماكتب من قصة في السابق ويكفي تذكر عناوين مجموعاته الثلاث السابقة لنتبين أن الرجل قد اتخذ لنفسه القصصي هذا الاسلوب الذي سيفارق اسلوبه في الروايتين المذكورتين...!!! ومع هذا المزيج سيضيف الحاج صالح قليلاً من مزيج آخر لهذه الثنائية وهو السخرية ليتجه بكل هذه «الخلطة» ويسير بها على أطراف وحواف السوريالية كلما تيسر له ذلك...!! حتى أن القاص هنا سيحير المتلقي هل يروي واقعاً هو أقرب الى الكوابيس؟ أم أنه يروي كوابيس وأحلاماً بواقعية وقد ضاعت الحدود مابين الواقعي والحلم لصالح هذا الغرائبي الذي لم تخل منها قصة في المجموعة... ذلك أن الحاج صالح سيبني عمارة قصصه من «الأحلام» التي ستكون الخامة الأولى لقواعد هذه النصوص، الأحلام التي هي قاب قوسين أو أدنى من الكوابيس كلما اتجهت صوب الواقع ،أحلام تتنوع بين الشرود والتأمل والذهول أي أحلام اليقظة والتي هي غالباً أحلام عجز واحباط، وبين احلام وكوابيس ليلية وتخييل على شكل أحلام.. وضرورة الحلم في هذه القصص كما اعتقد تأتي لـ «تبرر» أكثر من مسألة في قصص الحاج صالح لعل أولها السرد الغرائبي والسخرية على اعتبار ان «الأحلام ليست على قد اليد» كما يذكرون في الأمثال وليس من سيطرة عليها اي هي هنا حل للهروب من الرقابة على أنواعها كلها فما يسرده هو أضغاث أحلام ليس للكاتب القدرة على التحكم بها وهو هنا يقوم بسردها وحسب...!! وهو القاص يبرر لنفسه أن يكتب عكس المتوقع أو ليتخيل كما يريد مادام الحلم يأتي دون قسر ولايستطيع أحد تقييده..!! ففي قصة «حلم »وهي آخر قصص المجموعة وهنا نسردها لقصرها يذكر: «كان الحلم مدهشاً استيقظت من نومي لملمت جوانحه راجعته في مخيلتي مرتين وأنا مندهش تماماً لغرابته وحدثت نفسي أنني سأكتبه قصة قصيرة وسيكون أجمل ماكتبت... فتحت عيني وأمسكت بالقلم وابتدأت الكتابة كتبت كلمة حلم لكن تسرب تماماً من ذاكرتي المثقبة... وكما أمنيته الحلم في كتابة قصة قصيرة قائمة على حلم سرعان مايتسرب من ثقوب الذاكرة ،هكذا أيضاً قصص المجموعة تقريباً كلها قائمة على قيمة هذا السراب الذي نركض خلفه طوال الوقت ولن نبلغه مهما ركضنا باتجاهه قصص هي كالأماني التي تهرب كالرمل أو تنزلق من بين الأصابع لكن حسنات هذا الهروب أو هذا الركض أنها تجعلنا كما في حالة الحاج صالح نكتب قصة حالة الهروب دون أن ندرك الأماني، فالحلم وإن لم نعرفه أو نعرف ماهيته في القصة السابقة الذكر والذي كان يريده الكاتب ليسجله أو يستوفي منه قصة ستكون أجمل ماكتب سرعان مايتسرب من ثقوب الذاكرة لكن رغم ضياع هذه الأمنية وتسربها فإن قصة الضياع كافية أو هي معطى فني لكتابة قصة...!! تقنياً هكذا اشتغل الحاج صالح في سرد قصص «الراعية المجنونة» وفي قصة « فتاة الغابة»مثلاً يذكر: «منذ طفولتي البعيدة كان حلم محدد يغزو نومي رغم أنني ولدت على شاطىء البحر فقد كان الحلم يبتعد كثيراً عن البحر كان حلما في الغابة.. » غير أنه ورغم تثبيته تفاصيل الحلم وهي هنا القصة الأولى في المجموعة بعكس القصة الأخيرة «غابة ونبع تتدفق منه مياه تعكس زرقة السماء وخضرة اوعصافير وفتاة في الغابة ألعب معها...» لكن ورغم أن تفسير الوالدة للحلم كان غير تفسير الوالد الذي قال إنها أضغاث أحلام فيما الأم وجدت في الفتاة أو فتاة الغابة شيئاً من سيدنا الخضر، وأيامك ياولدي ستكون خضراء لكن لاتتزوجها حتى في الحلم فالزواج من غير الإنسان مكروه..!! وعندما ستزوره الى مكان عمله بعد سنين والذي سيتبادل الحلم والواقع الأمكنة خلالها ـ الزيارة ـ لن يكون بوسعه ان يدرك هل هو في الواقع ام أن الواقع كان في الحلم لكن في كل الأحوال فالحلم الذي كان مبرراً للسرد وانتج قصة كانت تقوم دائماً على ضياع الأماني وهي هنا اللقاء بهذه الفتاة التي سرعان ماتسربت بين الأصابع وكان ضياعها وهو هنا خسارة الحب أوضياعه الأشبه بكابوس...!!! إذاً في القصة الأولى من المجموعة ضاعت الأمنية التي ولدت بعدها ربما الشقاء وفي القصة الأخيرة ضاع الحلم ذاته والذي ولد بضياعه الكابوس ومابين القصة الأولى والأخيرة سنعايش الكثير من ضياع الأماني والأحلام ليبقى الشقاء والكوابيس كواقع مرير نعيشه أو نعيش فيه بكل هذه السوريالية من التبادل في الأمكنة بين الحلم والواقع..!! وكأن حياتنا بمجملها لاتعدو أكثر من أضغاث أحلام هذه الأضغاث التي ستوفر للحاج صالح المجال واسعاً للسخرية أحياناً كما في قصة الحمار السمكة، الأقنعة ومسافر، في قطار الليل وحتى فضاء لنباح آخر... لكن رغم كل هذه الأجواء الكابوسية التي تلف قصص محمد الحاج صالح ثمة قصديةتقريباً لدى هذا الكاتب على أن لايفرط بالشعرية في نصوص المجموعة كلها ولغة الشعر في السرد القصصي هنا لم تجهد النص أو تفسد السرد بل جاءت رافعة لمستويات القصص، تذكرنا بأسلوب رواد القصة في استخدام، أو الاصرار على اللغة الشعرية في السرد وهي عند الحاج صالح زادت في جماليات الغرائبي الذي وسم قصص المجموعة من هذه الشعرية نختتم:« رجل وصبيته وعائلة تقيم احتفالاً قرب النبع متوجة بالأغصان ترتدي سترة من الريحان تبتسم فرحة وشعرها يسترسل فوق وجهي تموج به فيدغدغني، أرى في عينيها صفاء روحياً، تمسك يدي بيدها نقف أمام آلهة الغابة ترسمنا شجرتين
تشرين علي الراعي
مع أن أكثر قصص «الراعية المجنونة» للأديب محمد الحاج صالح تميل الى المتوسطة في طولها غير أنه جرب«القصيرة » أيضاً التي توصف بـ «الجداً» في أربع، ختم أو ذيل بها هذه المجموعة الصادرة حديثاً عن وزارة الثقافة والتي تأتي بعد ثلاث مجموعات قصصية وروايتين. القصص: « هكذا كان اسمها، يوم في حياة مجنون، والحب عام 2060 فيما الروايتان هما: «امرأة من صوان، وصخرة الخلقين». لكن الحاج صالح وفي كل تلك القصص «الإحدى والعشرين» اللواتي ضمتها قصص «الراعية المجنونة» سيميل وضمن مايمكن ان نطلق عليه اسلوبية لهذا الكاتب باتجاه المزج بين الواقعي والغرائبي والذي ستوسم نصوص المجموعة كلها كما كانت سمة لكل ماكتب من قصة في السابق ويكفي تذكر عناوين مجموعاته الثلاث السابقة لنتبين أن الرجل قد اتخذ لنفسه القصصي هذا الاسلوب الذي سيفارق اسلوبه في الروايتين المذكورتين...!!! ومع هذا المزيج سيضيف الحاج صالح قليلاً من مزيج آخر لهذه الثنائية وهو السخرية ليتجه بكل هذه «الخلطة» ويسير بها على أطراف وحواف السوريالية كلما تيسر له ذلك...!! حتى أن القاص هنا سيحير المتلقي هل يروي واقعاً هو أقرب الى الكوابيس؟ أم أنه يروي كوابيس وأحلاماً بواقعية وقد ضاعت الحدود مابين الواقعي والحلم لصالح هذا الغرائبي الذي لم تخل منها قصة في المجموعة... ذلك أن الحاج صالح سيبني عمارة قصصه من «الأحلام» التي ستكون الخامة الأولى لقواعد هذه النصوص، الأحلام التي هي قاب قوسين أو أدنى من الكوابيس كلما اتجهت صوب الواقع ،أحلام تتنوع بين الشرود والتأمل والذهول أي أحلام اليقظة والتي هي غالباً أحلام عجز واحباط، وبين احلام وكوابيس ليلية وتخييل على شكل أحلام.. وضرورة الحلم في هذه القصص كما اعتقد تأتي لـ «تبرر» أكثر من مسألة في قصص الحاج صالح لعل أولها السرد الغرائبي والسخرية على اعتبار ان «الأحلام ليست على قد اليد» كما يذكرون في الأمثال وليس من سيطرة عليها اي هي هنا حل للهروب من الرقابة على أنواعها كلها فما يسرده هو أضغاث أحلام ليس للكاتب القدرة على التحكم بها وهو هنا يقوم بسردها وحسب...!! وهو القاص يبرر لنفسه أن يكتب عكس المتوقع أو ليتخيل كما يريد مادام الحلم يأتي دون قسر ولايستطيع أحد تقييده..!! ففي قصة «حلم »وهي آخر قصص المجموعة وهنا نسردها لقصرها يذكر: «كان الحلم مدهشاً استيقظت من نومي لملمت جوانحه راجعته في مخيلتي مرتين وأنا مندهش تماماً لغرابته وحدثت نفسي أنني سأكتبه قصة قصيرة وسيكون أجمل ماكتبت... فتحت عيني وأمسكت بالقلم وابتدأت الكتابة كتبت كلمة حلم لكن تسرب تماماً من ذاكرتي المثقبة... وكما أمنيته الحلم في كتابة قصة قصيرة قائمة على حلم سرعان مايتسرب من ثقوب الذاكرة ،هكذا أيضاً قصص المجموعة تقريباً كلها قائمة على قيمة هذا السراب الذي نركض خلفه طوال الوقت ولن نبلغه مهما ركضنا باتجاهه قصص هي كالأماني التي تهرب كالرمل أو تنزلق من بين الأصابع لكن حسنات هذا الهروب أو هذا الركض أنها تجعلنا كما في حالة الحاج صالح نكتب قصة حالة الهروب دون أن ندرك الأماني، فالحلم وإن لم نعرفه أو نعرف ماهيته في القصة السابقة الذكر والذي كان يريده الكاتب ليسجله أو يستوفي منه قصة ستكون أجمل ماكتب سرعان مايتسرب من ثقوب الذاكرة لكن رغم ضياع هذه الأمنية وتسربها فإن قصة الضياع كافية أو هي معطى فني لكتابة قصة...!! تقنياً هكذا اشتغل الحاج صالح في سرد قصص «الراعية المجنونة» وفي قصة « فتاة الغابة»مثلاً يذكر: «منذ طفولتي البعيدة كان حلم محدد يغزو نومي رغم أنني ولدت على شاطىء البحر فقد كان الحلم يبتعد كثيراً عن البحر كان حلما في الغابة.. » غير أنه ورغم تثبيته تفاصيل الحلم وهي هنا القصة الأولى في المجموعة بعكس القصة الأخيرة «غابة ونبع تتدفق منه مياه تعكس زرقة السماء وخضرة اوعصافير وفتاة في الغابة ألعب معها...» لكن ورغم أن تفسير الوالدة للحلم كان غير تفسير الوالد الذي قال إنها أضغاث أحلام فيما الأم وجدت في الفتاة أو فتاة الغابة شيئاً من سيدنا الخضر، وأيامك ياولدي ستكون خضراء لكن لاتتزوجها حتى في الحلم فالزواج من غير الإنسان مكروه..!! وعندما ستزوره الى مكان عمله بعد سنين والذي سيتبادل الحلم والواقع الأمكنة خلالها ـ الزيارة ـ لن يكون بوسعه ان يدرك هل هو في الواقع ام أن الواقع كان في الحلم لكن في كل الأحوال فالحلم الذي كان مبرراً للسرد وانتج قصة كانت تقوم دائماً على ضياع الأماني وهي هنا اللقاء بهذه الفتاة التي سرعان ماتسربت بين الأصابع وكان ضياعها وهو هنا خسارة الحب أوضياعه الأشبه بكابوس...!!! إذاً في القصة الأولى من المجموعة ضاعت الأمنية التي ولدت بعدها ربما الشقاء وفي القصة الأخيرة ضاع الحلم ذاته والذي ولد بضياعه الكابوس ومابين القصة الأولى والأخيرة سنعايش الكثير من ضياع الأماني والأحلام ليبقى الشقاء والكوابيس كواقع مرير نعيشه أو نعيش فيه بكل هذه السوريالية من التبادل في الأمكنة بين الحلم والواقع..!! وكأن حياتنا بمجملها لاتعدو أكثر من أضغاث أحلام هذه الأضغاث التي ستوفر للحاج صالح المجال واسعاً للسخرية أحياناً كما في قصة الحمار السمكة، الأقنعة ومسافر، في قطار الليل وحتى فضاء لنباح آخر... لكن رغم كل هذه الأجواء الكابوسية التي تلف قصص محمد الحاج صالح ثمة قصديةتقريباً لدى هذا الكاتب على أن لايفرط بالشعرية في نصوص المجموعة كلها ولغة الشعر في السرد القصصي هنا لم تجهد النص أو تفسد السرد بل جاءت رافعة لمستويات القصص، تذكرنا بأسلوب رواد القصة في استخدام، أو الاصرار على اللغة الشعرية في السرد وهي عند الحاج صالح زادت في جماليات الغرائبي الذي وسم قصص المجموعة من هذه الشعرية نختتم:« رجل وصبيته وعائلة تقيم احتفالاً قرب النبع متوجة بالأغصان ترتدي سترة من الريحان تبتسم فرحة وشعرها يسترسل فوق وجهي تموج به فيدغدغني، أرى في عينيها صفاء روحياً، تمسك يدي بيدها نقف أمام آلهة الغابة ترسمنا شجرتين
تشرين علي الراعي
الكتاب محمي بباسورد، الرجاء تنزيل أحدث نسخة من
Acrobat Reader
لتتمكن من تصفحه. (أبو عبدو
Acrobat Reader
لتتمكن من تصفحه. (أبو عبدو
No comments:
Post a Comment