يقول غي سورمان في مقدمة كتابه "أبناء رفاعة الطهطاوي: "إن هذا الطالب الشاب في العلوم الدينية في القاهرة "رفاعة" تمّ إرساله في سن الخامسة والعشرين إلى باريس من قبل باشا مصر، بصحبة خمسة وعشرين أميراً شاباً؛ كانت مهمتهم تتمثل في اكتشاف تفوق الغرب التقني والعلمي، كما استطاع المصريون معاينة هذا إبان حملة "بونابارت" قبل سنوات. وفي نهاية إقامته، من سنة 1826 إلى 183، استنتج رفاعة بأن التوليف ما بين الإسلام والتقدم ممكن، وأنه لا شيء، أو نزرٌ قليل، في القرآن يمكن أن يعترض على تحديث العالم الإسلامي. إن عمله اللاحق، حينما كان رجل دولة، سينفّذ محاولة التوليف، هذه. من خلال إدخال اكتشافات الغرب إلى العالم العربي-الإسلامي، دون التخلي عن حرفية الوحي القرآني وروحه. ومن حينها سيعتبر رفاعة في مجموع العالم الإسلامي كمؤسس لما سنسميه بـ"النهضة العربية" هذه النهضة سيتجاوز تأثيرها، لدى المسلمين، محيط العالم العربي، إذا أخذنا بعين الاعتبار كون مصر كانت، ولفترة طويلة، تعتبر صورة التنوير بفضل شؤدد ورفعة ثيولوجييها (علماء الدين)، وفنونها وثقافتها وتقدمها التقني.
إن هذه النهضة بدت وكأنها نجحت. لقد أن تقود العالم العربي-الإسلامي نحو الحداثة والديموقراطية إلى حدود سنة 1950؛ ولكن تحرير الاقتصاد المتدرج وعمليات التنمية الاقتصادية للمجتمعات الإسلامية توقفت حينها بفظاظة، وفي كل مكان تقريباً، استولى العسكريون على السلطة، فتبنوا القومية ثم الاشتراكية كأيديولوجيا. ولحد الآن لم يستفق العالم الإسلامي، أبداً، من هذه الضربة".
ويتابع المؤلف متسائلاً ومجيباً: "هل يمكن القول بأن الفكر الإصلاحي لدى رفاعة قد مات؟ لا، أبداً، في كل المجتمعات الإسلامية يقوم مفكرون، يفتخرون به بشكل دائم، ويجهدون أنفسهم على البحث عن توليفة بين الإسلام والتقدم. إن "أبناء رفاعة" هؤلاء، هذا التعبير ليس من عندي، وإنما هم من اخترعه، ينتمون إلى حركات سياسية ودينية مختلفة؛ البعض منهم قريبون من الماركسية، والبعض ليبراليون، وآخرون محافظون. كما يوجد أيضاً إسلاميون لا ينادون بالعنف، والذين يحترمون رفاعة لأنه لم يَخُنْ إيمانه أبداً، إذ يكتب رفاعة: "معتقدات الباريسيين مثيرة للاشمئزات (رفاعة يخلط بين باريس والغرب) لأنها تضع الحكماء وعلماء الفيزياء فوق مرتبة الأنبياء، إنها تنفي العناية الإلهية كما تنفي ما وراء الطبيعة"."
بعد تلك المقدمة، بالإمكان استجلاء ما وراء الكتاب من استشفافات. إنها محاولة للدخول في المجتمعات الإسلامية والغاية وكما يقول الكاتب "بشكل جيد"، وهو يصف ذاك الدخول رحلة عند المسلمين، التي ستكون تحت رعاية رفاعة، مضيفاً بأن شرفه الفكري يقوده وستكون رحلة المؤلف بين أحضان المسلمين وليس الإسلام، وهو يقترح، وكمبدأ، مع الفيلسوف الجزائري "محمد أركون" أن الإسلام هو مجموع تجارب كل المسلمين منذ بداية تاريخهم، بما فيها علاقاتهم مع غير المسلمين خلال هذه المسيرة، سيقوم المؤلف بالتمييز ما بين المسلمين والإسلامويين، أي ما بين الورع المعيش من جانب وما بين النضال السياسي من الجانب الآخر، فالكاتب لن يصبغ صفات شيطانية، كما يذكر، على أي طرف. إذ أنه يتبنى فكرة وجود التطرف في كل مكان مضيفاً بأن الايديولوجيات الأوروبية في القرن العشرين قدمت للبشرية من التدمير أكثر ما سيولده الإرهاب القادم، وأن هذا الإرهاب يمكن أن يكون إسلاموياً، ولكن لا يمكن أن يكونه بالضرورة، فهو يرى أن بعض الإسلامويين ليسوا عنيفين، والعديد من الإرهابيين ليسوا إسلامويين على الإطلاق!
إلا أن الكاتب يخرج الفلسطيني من دائرة الإرهاب الإسلامي (التعبير الغربي) بقوله: "هكذا فإن "الاستشهاديين" الفلسطينيين؛ لِنُذكّر أن طرقهم استخدمها الفوضويون الروس، واليابانيون والتامول في سريلانكا". ملخصاً ما يطمح إليه من طروحاته هذه "وأما بالنسبة لمليار وأكثر من المسلمين، الذين نتقاسم معهم هذه الأرض وهذا الزمن، فهم في غالبتهم يبحثون، كما نحن، عن سلام من أجلهم ومن أجل أبنائهم، وعن حياة أفضل وأكثر حرية".
أفكار الكاتب تلك تقودنا إلى المضي في عمق التفاصيل لمعرفة كيف يحلل الآخر قضايا العرب والمسلمين، وفي الآن نفسه، للبحث عن مناخات أفضل نستطيع من خلالها تحليل قاضايانا بموضوعية، أولاً للرد على هذا الآخر، أيضاً، بموضوعية، في محاولة لتصحيح مسارات خاطئة، وثانياً لتصحيح أوضاعنا، وثالثاً وهو الأهم، الالتقاء مع هذا الآخر فإن الاختلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية ولن يلغينا على الإطلاق.
نبذة النيل والفرات
اسم المؤلف غي سورمان
ترجمة : مرام المصري
عدد الصفحات 303
سنة النشر 2004
اسم الناشر المؤسسة العربية للدراسات والنشر
إن هذه النهضة بدت وكأنها نجحت. لقد أن تقود العالم العربي-الإسلامي نحو الحداثة والديموقراطية إلى حدود سنة 1950؛ ولكن تحرير الاقتصاد المتدرج وعمليات التنمية الاقتصادية للمجتمعات الإسلامية توقفت حينها بفظاظة، وفي كل مكان تقريباً، استولى العسكريون على السلطة، فتبنوا القومية ثم الاشتراكية كأيديولوجيا. ولحد الآن لم يستفق العالم الإسلامي، أبداً، من هذه الضربة".
ويتابع المؤلف متسائلاً ومجيباً: "هل يمكن القول بأن الفكر الإصلاحي لدى رفاعة قد مات؟ لا، أبداً، في كل المجتمعات الإسلامية يقوم مفكرون، يفتخرون به بشكل دائم، ويجهدون أنفسهم على البحث عن توليفة بين الإسلام والتقدم. إن "أبناء رفاعة" هؤلاء، هذا التعبير ليس من عندي، وإنما هم من اخترعه، ينتمون إلى حركات سياسية ودينية مختلفة؛ البعض منهم قريبون من الماركسية، والبعض ليبراليون، وآخرون محافظون. كما يوجد أيضاً إسلاميون لا ينادون بالعنف، والذين يحترمون رفاعة لأنه لم يَخُنْ إيمانه أبداً، إذ يكتب رفاعة: "معتقدات الباريسيين مثيرة للاشمئزات (رفاعة يخلط بين باريس والغرب) لأنها تضع الحكماء وعلماء الفيزياء فوق مرتبة الأنبياء، إنها تنفي العناية الإلهية كما تنفي ما وراء الطبيعة"."
بعد تلك المقدمة، بالإمكان استجلاء ما وراء الكتاب من استشفافات. إنها محاولة للدخول في المجتمعات الإسلامية والغاية وكما يقول الكاتب "بشكل جيد"، وهو يصف ذاك الدخول رحلة عند المسلمين، التي ستكون تحت رعاية رفاعة، مضيفاً بأن شرفه الفكري يقوده وستكون رحلة المؤلف بين أحضان المسلمين وليس الإسلام، وهو يقترح، وكمبدأ، مع الفيلسوف الجزائري "محمد أركون" أن الإسلام هو مجموع تجارب كل المسلمين منذ بداية تاريخهم، بما فيها علاقاتهم مع غير المسلمين خلال هذه المسيرة، سيقوم المؤلف بالتمييز ما بين المسلمين والإسلامويين، أي ما بين الورع المعيش من جانب وما بين النضال السياسي من الجانب الآخر، فالكاتب لن يصبغ صفات شيطانية، كما يذكر، على أي طرف. إذ أنه يتبنى فكرة وجود التطرف في كل مكان مضيفاً بأن الايديولوجيات الأوروبية في القرن العشرين قدمت للبشرية من التدمير أكثر ما سيولده الإرهاب القادم، وأن هذا الإرهاب يمكن أن يكون إسلاموياً، ولكن لا يمكن أن يكونه بالضرورة، فهو يرى أن بعض الإسلامويين ليسوا عنيفين، والعديد من الإرهابيين ليسوا إسلامويين على الإطلاق!
إلا أن الكاتب يخرج الفلسطيني من دائرة الإرهاب الإسلامي (التعبير الغربي) بقوله: "هكذا فإن "الاستشهاديين" الفلسطينيين؛ لِنُذكّر أن طرقهم استخدمها الفوضويون الروس، واليابانيون والتامول في سريلانكا". ملخصاً ما يطمح إليه من طروحاته هذه "وأما بالنسبة لمليار وأكثر من المسلمين، الذين نتقاسم معهم هذه الأرض وهذا الزمن، فهم في غالبتهم يبحثون، كما نحن، عن سلام من أجلهم ومن أجل أبنائهم، وعن حياة أفضل وأكثر حرية".
أفكار الكاتب تلك تقودنا إلى المضي في عمق التفاصيل لمعرفة كيف يحلل الآخر قضايا العرب والمسلمين، وفي الآن نفسه، للبحث عن مناخات أفضل نستطيع من خلالها تحليل قاضايانا بموضوعية، أولاً للرد على هذا الآخر، أيضاً، بموضوعية، في محاولة لتصحيح مسارات خاطئة، وثانياً لتصحيح أوضاعنا، وثالثاً وهو الأهم، الالتقاء مع هذا الآخر فإن الاختلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية ولن يلغينا على الإطلاق.
نبذة النيل والفرات
اسم المؤلف غي سورمان
ترجمة : مرام المصري
عدد الصفحات 303
سنة النشر 2004
اسم الناشر المؤسسة العربية للدراسات والنشر
No comments:
Post a Comment