عن دار سائر المَشرق اللبنانيَّة، رواية صدَرَت في ربيع 2017 تحمل عنوان (الفنّ الأسوَد) للرِّوائي اللبناني سامي معروف، صاحب روايتي (أغانيات) و(رقصات التّيه). ومع كون (الفنّ الأسوَد) تشبهُ الأخرَيَين من حيث طريقةِ بَسطِ المضمون وتحرِّي الخواتيم، إلاّ أنّها مختلفة في منهجيَّة عمارتِها، وتركيباتِها التي وإن لاحَت متناثرةً متطايرَة في نظرةٍ وامضة، فهي مُحكمَةٌ في عمقِها منحوتَةٌ بأصالة، وذاتُ وحدَةٍ موضوعيَّة مُفضيَةٍ إلى حاصلٍ لا لبسَ فيه ولا شطَط. (الفنّ الأسوَد) روايَة هادفة تجاهدُ في سبيل أطروحتِها. ومقولاتُها تتشعَّبُ بين نفسيَّةٍ واجتماعيَّة وإنسانيَّة وُجوديَّة، تحملُ على عاتقِها صليبَ الإنسانِ المَتروكِ في عاصِفِ تيهِهِ ونَفَق غربتِهِ الذي لا يرى له نافذاً البتة. إنَّها رواية تنتمي للسَّهل المُمتنع، بعكس (أغانيات) حيثُ عرينُ الكثافةِ البلاغيَّةِ والبيانِ المُشرق. فقد أرادَ سامي معروف في “فنِّهِ الأسوَد” أن يكونَ أكثر تلقائيَّة، يُحاصرُه في واقعيَّتِهِ هذه حضورُ الموضوع أمامَه بحَقيقتِهِ المُرعبَة، وقيامةُ الشَّخصيَّةِ لديهِ بلحمِها وعَظمِها، بعيداً عنِ المُتخَيَّل والمُبتكَر، ولم يكن بالتالي قلمُ معروف غيرَ صيّادٍ جريءٍ لطيورِ المُغامراتِ الجنونيَّة، فراحَ يرصفُها لنا رصفاً شبهَ ميكانيكيٍّ نَسخِيّ في طابورٍ أسوَد من الخطايا والمُنكرات. من هنا بمقدورنا أن نُصنِّفَ الرِّوايةَ في خانة: البَساطة تصنعُ الجَمال! و(الفنُّ الأسود) في مختصر سَرديَّاتِهِ راوٍ لسيرةِ حياةِ “ثائِرٍ” على القانون، منذ ولادتِهِ حتى ذروةِ “إنجازاتِهِ” وانتهاءً بدخولاتِهِ المأساويَّةِ إلى السِّجن، حيث يقدِّمُ البطلُ هناكَ دفاعاً مستفيضاً عن نفسِهِ، وعن العِلاّتِ التي ساقتْهُ إلى إبداعاتِه الخارقة في ميادين الجَريمة.
أو