إنها سردية اجتماعية تتسم بكونها متطورة وموسوعية،تستوعب مجموع ما يرغب المجتمع في معرفته، وكأن الكاتب أراد أن يكشف عن اللاشعور الاجتماعي، و في ضوء هذا الفهم يلتقي الحلم الجماعي العتيق لأساطير الرواية باللاشعور السياسي المنبثق عن علاماتها المرجعية الظاهرة و المضمرة.
تسبغ الأسطورة الفضاء النصي للرواية، فحتى الشخصيات و الفضاءات التي تبدو واقعية نجدها مشوبة باللمعة لأسطورية، فشخصية المحروس من العين ليس مجرد ابن وحيد لزوجة ظلت خمسة عشر عاما تبحث عن طفل يجعلها سيد البيت، بل جاء كهبة منحها لها الشيخ أحمد حسن شاه الذي يقف مقامه شاهدا على الحياة الروحية لأهل الحكر، والذي يسبغ عليهم من بركاته وتجلياته الصوفية. في حين يأخذ فلفل أحد شخوص الرواية أسطرته من أمه المومس الفاضلة التي دفعها المجتمع دفعا لممارسة الرذيلة والتي هي أحد تجليات إفقار المجتمع المنظم الذي مارسه الحاكم المستبد.
كما تأخذ شخصية سلامة النمس أسطرتها من اختراعها لمشروب روحي له سطوة كبيرة على ساكني الحكر حتى أنه سُمي بقاهر الرجال ، ففي محاكاة ساخرة يكشف لنا الكاتب عن عوار المجتمعواهتزاز منظومة قيمه الأخلاقية، ويعري الثقافة الذكورية الفحلة التي لا تعترف إلا بالقوة والسيطرة وقهر مكوناتها الثقافية الضعيفة مثل المرأة والمسيحي والفقير
يخترق العجائبي والغريب بنية الرواية، لكن الغرائبية هنا تأتي مغايرة لما هو معروف، فالغرائبية تأتي من دهشة الواقع وكسر قوانينه في مغايرة للمقاييس النظرية الغربية (شعرية الفانتاستيك عند تودوروف وآخرين)، لأجل كل هذا، فإن الكاتب استوحى المدونة العجائبية في بعدها الشعبي المحلي أساسا مغايرا للشكل النمطي للغرائبي الماورائي.
تستوحي" الكاتب والمهرج والملاك الذي هناك" تقنية السرد في الليالي ،بحيث تشطر محكيها إلى شطرين:أولهما يمثل حكاية المجلس الدائرة أحداثها بين المؤلف الضمني( سعد الطالع عبود ) وأصدقاء مجلسه، والمهرج والملاك اللذان يقتحمان حكاياتهم، و تشكل المحكي الإطار للرواية. وثانيهما هو حكايات الحكر وساكنوه التي يحكيها السارد بوصفها قصة انفلتت من هيمنة المؤلف الضمني ومن ثم المؤلف الحقيقي، ويتعزز هذا التشابه بين العملين من خلال تشاكل عناصر فضاء الحكي (مجلس سهر الأصحاب ـ مجالس أهل الحكر وحكاياتهم ) وتداخل تسميتي المؤلفين الضمني والحقيق ( سعد الله الطالع عبود وسعد نوح ).
كذلك تنوعت مستويات اللغة في الرواية، ما بين لغة تكشف عن طاقات شعرية كامنة جاءت على لسان الملاك والمهرج، ولغة نثرية نوعت بين مستويات الفصحى والعامية في السرد والحوار على لسان بقية الشخصيات.
الكاتب والمهرج والملاك الذي هناك إضافة نوعية ولافتة لمشروع سعيد نوح الروائي الذي حفر لنفسه عميقا في الخريطة السردية الروائية العربية.
أو
إذا أردت مشاركة هذا الكتاب فشكرا لك, ولكن رجاء لاتزيل علامتنا المميزة
مع الشكر مقدما