الناشر: دار الهلال
تاريخ النشر: 2007
"حدتو: سيرة ذاتية لمنظمة شيوعية" هو أحدث ما كُتب عن تاريخ الحركة الشيوعية المصرية الثانية التي امتدت منذ الأربعينات وحتى منتصف الستينات من القرن العشرين، وانتهت بحل التنظيمات الشيوعية واندماجها داخل الاتحاد الاشتراكي عام 1965. يتناول الكاتب بالسرد أحيانا وبالتحليل أحيانا أخرى المسيرة السياسية لأحد أهم المنظمات التي ظهرت في ذلك الوقت، وهى الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو) التي تكونت على أثر الوحدة بين منظمتي إيسكرا والحركة المصرية للتحرر الوطني، وذلك في سياق حقبة تاريخية هي الأكثر توترا في تاريخ مصر الحديث على المستويين السياسي والاجتماعي، بسبب تضافر عوامل عدة منها الاستعمار البريطاني وآثار الحرب العالمية الثانية وتفكك جهاز الدولة والحركة الجماهيرية الصاعدة ضد الاستعمار والنظام الحاكم معا.
وعلى الرغم من أن الكتاب يحمل اسم حدتو إلا أن مضمونه يتسع ليشمل تحركات كل التنظيمات اليسارية التي وجدت آنذاك، مثل الحزب الشيوعي المصري وطليعة العمال ومنظمة القلعة وغيرهم، عاكسا التناقضات المميزة لهذه المرحلة، بدءا بحالة الزخم والتنوع التي اتسمت بها الخريطة اليسارية المصرية بما تضمنته من علاقة اليسار بقوى مثل الوفد والإخوان، ومرورا بموقف تنظيمات اليسار من المسائل السياسية التي طرحت نفسها بقوة في تلك الفترة، وانتهاء بحالة التناحر الشديد بين تنظيمات اليسار المختلفة على الرغم من ضعفها على مستوى الحجم والتأثير.
ومن المنعطفات الرئيسية التي يعتبرها الكاتب من العوامل التي لعبت دورا هاما في رسم ملامح الحركة هو الدور الذي لعبه الأجانب في تأسيسها نتيجة لصعود اليسار في أوروبا في ذلك الوقت وتأثير ذلك على شباب الأجانب، خاصة اليهود، ممن تصدوا لتشكيل مجموعات اهتمت بالأساس بنشر الأفكار اليسارية في مصر عبر مجموعة من الروابط والجمعيات مثل جماعة الشباب للثقافة الشعبية ودار الأبحاث العلمية وجماعة الفن والحرية.. الخ، مما كان له بالغ الأثر في إحداث انشقاقات متتالية حول الموقف من تمصير الحركة وإنهاك تلك الانشقاقات للحركة اليسارية.
كذلك يتناول الكاتب بالتوضيح موقف التنظيمات الشيوعية، وخصوصا حدتو، من قرار تقسيم فلسطين الذي يعتبر من الأسباب الرئيسية التي أضعفت جماهيرية اليسار المصري في ذلك الوقت، فيقول إن كل ما قيل عن موقف الشيوعيين من قرار التقسيم ما هو إلا محض أكاذيب، وإن الذي سلّم فلسطين إلى الاستعمار الصهيوني هو الأنظمة العربية، علما بأن الموقف الذي تبنته حدتو في ذلك الوقت كان متطابقا تماما مع موقف الاتحاد السوفيتي الذي أيد قرار التقسيم والذي عبر عنه المندوب السوفيتي في الأمم المتحدة أندريه جروميكو في خطابه الشهير في 14/5/ 1947.
وما يميز هذا الكتاب عن غيره من السير الذاتية التي كتبت لتأريخ تفاصيل هذه المرحلة هو أنه يبرز شيئين مهمين، أولهما هو موقف اليسار من مسألة السلطة عموما، وثانيهما موقفه من انقلاب يوليو 1952 ومن النظام الناصري فيما بعد. حيث يتبين من ثنايا الأحداث التي يسردها الكتاب أن التنظيمات اليسارية، وفى مقدمتها حدتو، لم تطرح على نفسها مهمة الاستيلاء على السلطة ولكنها كانت دائما ما تتذيل قوى البرجوازية المحلية محاولة دفعها إلى تبنى سياسات أكثر راديكالية.
ومن أكثر الشواهد وضوحا على ذلك علاقة تنظيمات اليسار بحزب الوفد الذي كانت غالبا ما تشجعه وتدعمه في الوصول للسلطة، دون أن تطرح على الجماهير التي تتوجه لها وتتبنى مطالبها تلك المسألة، على الرغم من وجود مناخ سياسي واجتماعي يحمل بذور ثورة جماهيرية، يقابله ضعف شديد لمؤسسة الدولة وفراغ سياسي من جانب القوى البديلة لها، سواء من جانب حزب الوفد الذي فقد جماهيريته تدريجيا بسبب إصراره على إتباع سياسة المفاوضات السلمية فقط ولعبه بورقة الضغط الجماهيري أثناء وجوده خارج السلطة، أو من جانب الإخوان المسلمين الذين لم تشغلهم المطالب الاجتماعية للجماهير أكثر من المطالب الخاصة بمسألة الاستعمار والإصلاح الشكلي لمؤسسات الدولة. ويعبر هذا الاتجاه عن استراتيجية اليسار المصري في ذلك الوقت التي كانت مستقاة من السياسة السوفيتية التي كانت ترى أن التناقض الرئيسي هو مسألة الاستعمار ولا ينبغي تفجير أى صراعات تؤثر سلبا على التحالف المرغوب مع البرجوازية المحلية.
أما بالنسبة لمسألة السلطة الناصرية والعلاقة المتبادلة بينها وبين تنظيمات اليسار، وخصوصا حدتو، فقد احتلت الجانب الأكبر والأهم من الكتاب. حيث كان من ضمن أعضاء حدتو أشخاص لعبوا أدوارا جوهرية في انقلاب 1952 مثل أحمد حمروش وخالد محيي الدين وسيد سليمان رفاعي وفؤاد حبشي ويوسف صديق وغيرهم. ولهذا السبب كانت حدتو هي المنظمة الوحيدة التي تعلم بموعد انقلاب الضباط الأحرار قبل وقوعه بـ24 ساعة، وكذلك كانت المنظمة الشيوعية الوحيدة على مستوى العالم التي أيدت هذا الانقلاب على الرغم توجيه اتهامات له بأنه مدبر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
ووفقا للكتاب لم تستمر هذه العلاقة الحميمة كثيرا. فما أن وقعت أحداث كفر الدوار وتم إعدام مصطفى خميس ومحمد البقرى حتى بدأ النظام الناصري يكشف وجهه الآخر لحدتو باعتقال عدد من أعضائها في يناير 1953. والمفارقة أنه على الرغم من بدء النظام الناصري في تكسير عظام الحلقة الثانية من الحركة الشيوعية، إلا أن حدتو استمرت في تأييده على الرغم من توالى الاعتقالات وممارسة أبشع صنوف التعذيب ضد الشيوعيين داخل سجون عبد الناصر. وهو ما يعكس مدى تشوه استراتيجيات وتكتيكات اليسار المصري الذي كان غالبا ما يتذيل القوى الموجودة على الساحة، خصوصا الموجودة في السلطة، بغض النظر عن طبيعتها أو مصالحها الطبقية وانحيازها لمطالب الجماهير من عدمه، وهو ما أدى إلى نجاح النظام الناصري في إنجاز مهمته أخيرا بإجبار الشيوعيين، وعلى رأسهم حدتو، بحل تنظيماتهم من داخل السجون والاندماج داخل الاتحاد الاشتراكي عام 1965، ليكون هذا هو المشهد الختامي للحلقة الثانية من الحركة الشيوعية المصرية.
أحمد عزت
http://www.mediafire.com/view/?awg30d63avd5xdz
الكتب المرفوعة:حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html