Thursday, July 11, 2013

ليانة بدر - نجوم أريحا

تصوير ورفع جمال حتمل



http://www.4shared.com/office/h3M6k_k7/__-__.html
or
http://www.mediafire.com/view/kcs9i8powk39752/%D9%84%D9%8A%D8%A7%D9%86%D8%A9_%D8%A8%D8%AF%D8%B1_-_%D9%86%D8%AC%D9%88%D9%85_%D8%A3%D8%B1%D9%8A%D8%AD%D8%A7.pdf


تقع رواية نجوم أريحافي 237 صفحة من القطع الصغير، وقد صدرت عن دار الهلال في ديسمبر 1993. وتتكون الرواية من عشرة فصول تحمل عناوين تتكون من جمل اسمية، والجمل الاسمية تقدم وعي الكاتب ، بينما تقدم الجمل الفعلية الحركة الخارجية للشخصية، (1)ويلاحظ القارئ أن العناوين تحمل أسماء معادن أو أحجار كريمة، باستثناء الفصل الأول الذي يحمل اسم خشب وياسمين ، ولعل ما يلفت الانتباه هو الشكل الذي يكمن داخله مضمون العمل الأدبي.(2)
وقد أطلقت الكاتبة عناوين تحمل أسماء الأحجار الكريمة أو المعادن النفيسة على الفصول التي تتحدث فيها عن ذكريات الطفولة أو المواقف الطافحة بالأمل ، بينما استخدمت أسماء المعادن الرخيصة أو السامة الصدأ عند الحديث عن الذكريات المؤلمة ، مثال ذلك ما نجده عند حديثها عن حرب حزيران ، فقد استخدمت العنوان " حجر رصاص 1967 "، فعناوين الفصول تعكس الحالة النفسية التي تقدمها الراوية .
ونلاحظ أن الرواية عبارة عن لوحةٍ فسيفيسائية ، فكل فصل من فصول الرواية هو قطعة خاصة بلون وطعمٍ خاصين ، ومما يؤكد ما ذهبت اليه أن الراوية لجأت إلى استخدام الألوان وقد ركزت على درجات اللون المختلفة، تقول الراوية: " تتوهج الألوان أمامي دفعةً واحدةً ، الأحمر الصارخ ، القرنفلي، المشمشي ، الوردي، الزهري ، الناري ، البطيخي ، القمري الجوري ، الكعكباني ، والنبيذي ، الأزرق ، الفيروزي ، الزنجاري ، النيلي ،والسماوي ، الليلكي ، البنفسجي ، النهدي ، الأصفر المشعشع ، المطفي ،الناهي ، الشمامبو، صفار البيض ، والكموني ." (3)
كما أن الأحداث تأتي فسيفسائية التركيب، حتى السماء جعلتها الكاتبة مكونة من قطعٍ فسيفسائية، فالسماء الأولى زبرجدة خضراء، والثانية ياقوتة حمراء، والثالثة صفراء ، والرابعة من فضة بيضاء، والخامسة من ذهب ، والسادسة من درة بيضاء، والسابعة من نور يتلألأ.( 4)
وقد أبدت الراوية إعجابها بالفسيفساء وتأثرها بها ص 132، تقول: " ثم يدخلنا (المعلم) إلى اللوحة الأجمل في تاريخ الفسيفساء الإسلامية ، شجرة البرتقال محنية الجذوع، مليئة ورطبةً بالثمار الناضجة، يسرح غزال من جهة، فيما يثب الوحش على غزالٍ في الناحية الثانية .... إنها المرة الأولى التي نرى فيها رسوماً ساحرةً مرصوصة بالحجارة الملونة الصغيرة ." (5)
والرواية تأخذنا بين قطبين متلازمين لا يلتقيان ولا يفترقان ، حتى الراوية نفسها يتجاذبها قطبان، نجد ذلك أول ما نجده في العنوان ، فقد تركتنا معلقين بين النجوم وبين أريحا، النجوم كأعلى مكانٍ في السماء، وأريحا تلك البقعة الأكثر انخفاضاً عن سطح البحر في العالم كله ، ونحن نلمس الاستقطاب داخل النص الروائي نفسه ، فقد قدمت لنا من خلال السرد نماذج من الاستقطاب بين القديم والجديد ، الحاضر والماضي ،
مصطفى.
كما قدمت لنا الراوية هذا الاستقطاب على شكل حرب بين "محطتي البنزين القديمة والجديدة التي استخدمت غسيلا أتوماتيكياً للسيارات، بين رواد الجامعين ، القديم الصغير ،والجامع الأحدث والأكبر مساحةً ، بين القابلة الجديدة المؤهلة قانونياً وبين الست أم روبين التي لم تحمل من الشهادات غير خفة يديها وبراعتها في سحب المواليد من البطون ، حتى من تمرد منهم ورفض الخروج أو الغوص إلى أسفل، حروب لم تختلف عن صراع شركتي الباصات القديمة والجديدة." (6) كما قدمت الراوية هذا الاستقطاب بين الإنسان وقرينته ، تتساءل الكاتبة :" هل كانت نرجس القرينة تمتلك تلك الشعرات فوق شفتيها؟ وهل نزعوها عنها بخليط السكر المعقود مع الليمون ؟ " (7) كما تكتشف الراوية التعاكس في الأدوار بين نرجس ونرجس،" فنرجس الأولى غاية في الجمال ، لم توفر نفسها الشريرة زيادة أعباء نرجس الثانية، أما الأخرى فهي على بشاعتها ملاك في الرحمة والإحسان ." (8)
كما تتأرجح الراوية بين الطفولة وسن النضج، تجذبها سنوات الطفولة بذكرياتها فتنثرها علينا بين الفينة والأخرى، وتغوص الراوية في عمق الذاكرة الإنسانية ، كما تغوص في عمق الزمن ذهاباً وإياباً بحثاً عن أشياء تدغدغ المشاعر وتسلب الألباب بلحنها الحزين والممتع في الوقت ذاته، وستعرض هذه الدراسة لعدة زوايا منها :
1 ـ الشخصيات:
جاءت معظم شخصيات الرواية مسطحة غير نامية، فقد انصب التركيز في الرواية على الحدث وتفاعله مع كل من الزمان والمكان ومدى تأثير هذا الثالوث على الأشخاص، صحيح أن هناك بعض الشخصيات التي تترك بصمات واضحة على الحدث والمكان وحتى الزمان، ومع ذلك فإننا لم نجد في الرواية مثل هذه الشخصيات، حتى تلك الشخصيات التي قد تبدو نامية لأول وهلة، نجد أن نموها كان محدوداً جداً، وأنه جاء نتيجة لفعل الزمان والحدث وتأثيرهما على الشخصية، ومن الشخصيات الواردة في الرواية :
1 ـ الراوي :
والراوي في نجوم أريحا شخصية أنثوية تتطابق مع شخصية المؤلفة ، تتوجه الراوية إلى مروي عليه حددته في الرواية مرة واحدة بقولها له : " ها أنت ترى الآن أنني عدت بلا أريحا ." (9) فالمروي عليه مخاطب ذكر يتواجد أمام الراوية التي تتحدث بضمير المتكلم، هذا الضمير يبرز الإحساس الذي ينقله القاص لنا بطريقة درامية، إن ضمير المتكلم " يكتسب التجديد والتفرد بواسطة هاتين العينين اللتين يراه القارئ من خلالهما." (10) فالراوية في ص 8 تقول :" لا أقول لنفسي يجب أن أقوم كي أكتب رغم عيني المتوجعتين، وآلام الكدمات الزرقاء على ساقي تتجدد بسبب ازدحام الشنط والحقائب بين السرير والحائط." كما تقول: " أسبح داخل اللغة بحثاً عن وطنٍ يقبلنا ." فالراوية كاتبة تعيش في المنفى باحثة عن وطن يقبلها كي تعيش فيه، ومن خلال حديثها عن نفسها نكتشف أنها كانت تعيش في أريحا.
ولكن الراوية لا تسير على وتيرة سردية واحدة، فقد تقطع السرد بضمير المتكلم لتنقله لنا باستعمال
ضمير الغائب، حيث يتحول الراوي من راوٍ مشارك في صنع الحدث إلى راوٍ مشاهد يرقب الحدث ولا يشارك في صنعه، تقول: " كانت لوسي الأرمنية ترددها بذعر: خبيبي احنا دبحوا الأرمن." (11) لتعود في نفس الفقرة إلى السرد بضمير المتكلم ، فتقول لنا:" وأنا لا أفهم عليها.
والراوية لا تترك السرد على سجيته ، فقد تتدخل أثناء السرد بالشرح والتعليل والتفسير، وفي ذلك استهانة بعقلية القارئ، فالقارئ لديه القدرة على اكتشاف ما وراء النص دون تدخل من الراوي، وقد تدخلت الراوية في عدة أماكن منها على سبيل المثال لا الحصر ما تقوله في صفحة (29):" فإذا بمنحة إتمام العام الثانوي "المترك" ـ الذي يعرف في مصر بالتوجيهية ـ تأتيها فتسافر..." إن الجملة الاعتراضية " الذي يعرف في مصر بالتوجيهية " لا لزوم لها، فالقارئ العادي يدرك أن المترك تعادل التوجيهية في مصر، كما تتدخل الراوية بالتعليق عندما تقول:" رغم أنني لم أكن أعرف أنه الوطن عندما كنت أعيش في أريحا. فالصحة تاج على رءوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى."(12)
والراوي المشارك في صنع الحدث هو المسيطر على امتداد الرواية، وقد يتغير السرد في بعض المواقع فيتحول الراوي من راو مشارك إلى راوٍ مشاهد ، تقول الراوية لزميلتها بعد أن علمت بوجود قنبلة في الفندق الذي تقيمان فيه ضمن المجموعة التي ستسافر على سفينة العودة: " ألا يكفي أن الرجل يضع النساء في مرتبة أعدائه ومدراء سجنه، فلماذا نظل هنا إن كانت هناك عبوة ناسفة ؟ نجعله يهدأ ويرتاح منا؟! نطير ، نتمزق ، نسمو ، ونجعله سعيداً." (13)
إن الراوية هنا تقع في مأزق حين تصور العلاقة بين الرجل والمرأة على أنها علاقة تنافرية ، وأن دور المرأة هو التنغيص على الرجل ، وكأن الرجل يسعد إذا افتقد المرأة، أو أنه يستطيع العيش دونها ! وإن كان ذلك الرجل في الفندق أخطأ فإن ذلك لا يعني أن جميع الرجال على شاكلته، والراوية تنتظر الفرصة المواتية لإخبار ذلك الرجل برأيها فيه بسبب موقفه من صديقتها المطلقة (عايدة).(14)
والراوي في رواية نجوم أريحا راويان : راوٍ طفل يكمن داخل عقل الراوية الناضجة ويظهر من خلال عملية الاسترجاع، تقول الراوية : " أركض مع حقيبتي المدرسية وجلى من موعد قرع الجرس، ومنزعجة من طعم الحليب الحامض المترسب في فمي، كرهت كل أنواعه ما عدا حليبها ، فلما خطر في بالي أن أشحذ قطرة في ملعقة وهي ترضع أخي بعد أن بلغت التاسعة، فوجئت بالدسم الزنخ الذي يحمله حليب الصدر." (15) وتتحدث الراوية عن شغب وشقاوة الأطفال أثناء دراستهم، فقد حكت الأم عايدة عن الحركات البشعة التي كانوا يقومون بها من وراء ظهر المعلم أثناء كتابته على السبورة والعبارات اللاذعة اللاتي كن يكتبنها على اللوح الأسود، وكانت الراوية وزميلتها تقلد الكبار بسخرية.(16)
وقد وصلت إلى الراوية رسالة تخبرها أن غزالة قد ماتت، لكن الرسالة لم تعبر عن ذلك صراحةً، بل جاءت
الرسالة بعبارة غامضة :" غزالة تمضي بعيداً."(17) وتنبئنا الراوية أنها لم تدرك المعنى لأول وهلة، ثم تقول لنا:" فيما بعد علمت أن الإسرائيليين أوقفوا الجنازة مانعين إياها من العودة إلى نابلس." (18) ولكن الصليب الأحمر يتدخل ويتم السماح بدخول الجثة .
والراوية تلجأ إلى الإيحاء بأنها تعيش عدة حيوات، وكأنها تريد أن تقول أن أبناء الشعب الفلسطيني مثلهم مثل الراوية ، لا يموتون وإنما تتجدد حيواتهم وكان أرواحهم تتناسخ ، تقول الراوية:"ة حين أخبرته أنني أعيش الآن حياتي الرابعة او الخامسة استهجن الفكرة، ظن أنني أهذي حين أشبه نفسي بالقطط التي تحمل سبع أرواح."(19) وما تزال الطفلة الكامنة في أعماق الراوية تلاحقها حتى بعد نضج جسدها، تقول :" كنا نجبر على أن نمثل دوري سيدتين ناضجتين قياساً على تحولات جسدينا وأشكال أنوثتنا الفائرة، لم يكن هناك من يصدق أننا ما زلنا كما كنا، وأن نمو القدم أو بروز الصدر لا يعني إلا أن الوجدان ازداد ايغالاً في الطفولة، الشقاوة أو الحمق ."(20)
وحين يضايقها ذلك الرجل أثناء عودتها من المدرسة لا تجد من تشكو إليه ، فالأم غائبة، وهي خجلى تتردد في إخبار والدها، ولكنها تخبره في النهاية فيطلب منها أن تعرج على محل أبي حسام الميكانيكي، وتخبرنا من خلال التوقع الخارجي أنه مضت أزمان طويلة قبل أن تدرك سر القوة التي يمتلكها أبو حسام وأمثاله من العمال والمهنيين.(21)
شخصيات أخرى :
1ـ الشخصيات البسيطة :
شخصية لوسي الأرمنية:
وقد حاولت الراوية من خلال تقديمها لهذه الشخصية أن تدفعنا إلى المقارنة بين مأساة الشعب الفلسطيني ومأساة الشعب الأرمني، وقد أوجزت ما تريده في عبارة مختصرة كررتها أكثر من مرة على لسان لوسي: " خبيبي احنا دبحوا الأرمن." (22) وتصف الراوية لوسي بأنها : " وحيدة ترتجف ويرجف شالها البني المخرم بثقوب الصنارة، وأنها تحدق في عينيها كي تفهم عليها فلا ترى سوى نقطتين مائيتين على وشك الجفاف، بقية ماء أزرق في قعر زجاجة على وشك النضوب.(23) فقد تسرب الذبول والجفاف إلى عيني لوسي وجسدها بسبب بعدها وإبعادها عن الوطن.
شخصية خدوج :
وقد عرضت الراوية للجيل القديم وأثر التطور العلمي عليه من خلال شخصية خدوج ذات المائة عام، والتي تحاول الهرب ناجية بحياتها عندما ترى القطار في السينما وتظن أنه متجه نحوها وأنه سيدوسها بعجلاته، وبعد أن تطمئنها الراوية تقف على رءوس أصابعها وتناشد المسافر في القطار أن يحمل سلامها إلى
ابنتها " زهرية مرت الحاج صبح اللي ساكنة بباب اللوق."(24)
عايدة :
تلتقي الراوية بصديقتها عايدة بعد غياب دام أكثر من عشرين عاماً ، و ذلك أثناء الإعداد للرحلة الموعودة في سفينة العودة، وتكتشف الراوية أن عايدة مطلقة، وأنها وافقت على الطلاق بعد أن تحولت حياتها مع زوجها إلى عراك دائم ، و بسبب طلاقها يتخلى عنها الأصدقاء ، وحتى الفتيات المتحررات تخلين عنها لأنها عانت من مشاكل التنظيم الذي ينتمي له زوجها (25) و يصل الأمر بزوج عايدة إلى درجة شحن ابنها ضدها و تلقينه أن أمه سيئة الأخلاق ، و تصاب عايدة باليأس والإحباط إلى درجة اللامبالاة والاستهانة بحياتها ، فهي تفضل الموت على الحياة و تقرر البقاء في غرفتها في الفندق بعد أن علمت بوجود قنبلة موقوتة داخله ، و لكن الراوية تذهب إلى غرفتها و تنجح في النهاية في إقناعها بالخروج من غرفتها في الفندق. (26)
غزالة :-
وهي مصابة بمرض في صمامات القلب اضطرها إلى تغيير صمامين ، فتفوز في بالحياة إلى حين ، و لكنها تعيش متعمدة على أقراص علاج كثيرة (27) و تهيم غزالة بشاب أسمر وسيم فينطلق لسانها الصامت لتحدثه بأسلوب حميمي يتطور إلى نزهة خلوية تحت شجرات الصنوبر ، و لكنه يتخلى عنها و يعود إلى العراق، وتسافر غزالة إلى العراق لتكتشف أن الحبيب الأعز تخلى عنها فتتعلق بشاب في التوجيهية ، وتلبس ملابس الفتيات الصغيرات عندما كان يحضر لزيارتها في الكافتيريا، (28) و أخيراً تتزوج غزالة من مناضل مصري يعتقل بعد زواجه منها ، و تتمنى غزالة أن تعيش حتى سن الخامسة و الثلاثين لكن الأجل يدركها قبل ذلك فتموت و تدفن في نابلس .
أبو الريش :
قدمت الراوية أبو الريش على أنه يعمل آذِناً في المدرسة التي تعمل والدتها مدرسة فيها ، و هو شخصية غير متطورة ، قدمتها لنا دفعة واحدة ، فهو مقطوع اليد ، منافق ، يحاول إرضاء موظفي الوكالة ، فهو يضحك صباح كل يوم و هو يفتح باب سيارة المرسيدس لمعلمة مدرسة المخيم (29) و هو يركض" طيلة يومه ملبياً طلبات المعلمين و المعلمات ، ناقلاً إياهم بين أريحا و المخيم عاملاً على تذليل جميع صعوبات يومهم"(30)
الناظرة :
شخصية غير متطورة أيضاً قدمتها الرواية على أنها الست فخرية ذات الجسم السامق و العينين الكبيرتين المكحولتين و الست فخرية تتعاطف مع أم الراوية و تشاركها آراءها ، و هي ترى أن الرجال لا يرون إلا ذواتهم ، بينما لا تقبل النسوة صحبة المتعلمات ، و لا يهتم الرجال إلا بالفاتنات من النساء .
أبو سمير :
قدمت الراوية أبا سمير بقولها :" كان له هيبة الآباء التقليديين ، بنظارته المستديرة الواقفة بالكاد على أرنبة أنفه ، و بشاربه الغليظ النازل على شفته العليا ، و بصديرتيه الداكنة اللون التي لا يخلعها صيفاً شتاء . كان متشامخاً في حدود معينة ، ولا يمكن لأبنائه القفز عنها ، يمكنهم المطالبة بما يخصهم من الحقوق ، لكنهم لن يكسبوا حق التدخل في والدهم مهما فعلوا ." (31)
وأبو سمير خطاط و فنان ، ولكنه يفضل الخط ، و يحاول إخفاء لوحاته التي يرسمها و كأنها سر خاص، ولكنه يدخلهم إلى غرفته الصغيرة بعد أن لدغت الأفعى ابنه، ويرى الأطفال ما كان سراً، و يكتشفون أن السر مجرد لوحة لمدينة عكا التي تعلق أبو سمير بها لأنه عاش طفولته فيها ، ثم تعود الراوية فتقدم لنا أبا سمير وقد ابيض شعره و انتصر عليه الزمن (32) و كذلك تقدم لنا أم سمير وقد أصبحت ضريرة تحتاج إلى المساعدة .
الوالدان :
والد الراوية طبيب يقدم الخدمات الطبية للناس دون مقابل تقريباً ، يدفعه إلى ذلك قناعاته التقدمية ، وكذلك والدة الراوية مدرسة تقدمية ، تحاول النهوض بالمجتمع من حولها ، و لكنها تواجه الرفض والعنت ، و تتشكل " لجنة من وجهاء المخيم و من مختلف القوى السياسية المعارضة للحزب الشيوعي الذي تؤيده الأم. أرادت اللجنة افتتاح معركة تبدأ بمدير المخيم ولا تنتهي إلا بنقل المعلمة العنيدة إلى مكان بعيد "(33) و لولا اعتراض أبي رشيد و تهديده للجنة بأن عائلته ستقف إلى جانب المعلمة ابنة الحزب الذي ينتمي إليه ، لتمادت اللجنة في عدائها للمعلمة التقدمية، وبمرور الزمن يصاب الوالد بالشلل، ولكنه يتماثل إلى الشفاء تدريجياً ويستطيع الحركة
ثانياً : البيئة:
تمثل البيئة بأبعادها الثلاث الزمان و المكان و العادات و التقاليد بؤرة هذا العمل الأدبي .
1- الزمن : يشكل الزمن عنصراً بارزاً في رواية نجوم أريحا ، فقد تنقلت بنا الراوية عبر أزمان مختلفة من عمر القضية الفلسطينية من خلال عملية الاسترجاع والاستباق، وقد ظهر الزمن التاريخي بصورة واضحة، تقول الراوية :" أيلول 1971 ، الشاب ذو السبعة عشر عاماً يرتدي بدلة عسكرية ثم يسقط على الحائط الفاصل بين أول الزقاق و نهاية شارع جبل النزهة ، و هو يحتضن أمعاءه بيديه محاولاً التمسك بها كي لا تندلق على الأرض . ..." (34) ثم تنتقل بنا لتحدثنا عن مذبحة صبرا و شاتيلا في لبنان ، و كيف هربت أم أحمد من حي ملجأ الأشبال في إلى الداعوق في صبرا لتختبئ هناك ، و لكنها بدلاً من أن تنجو ، تذبح أمام باب بيتها من الوريد إلى الوريد (35).
وقد استفادت الراوية من الزمن التاريخي في إظهار ما تعرض له الشعب الفلسطيني في الخارج من اضطهاد ومعاناة في فترة ما بعد الاحتلال الإسرائيلي 1967، كما لجأت الراوية إلى الاسترجاع لتنقلنا إلى
الوراء عبر عايدة وأيام المدرسة في أريحا ، والشوارع التي كانتا تذرعانها سوياً في الصباح وبعد انتهاء الدوام ، والقبعات المتشابهة اللاتي اشتهرتا بها، (36) كما تخبرنا الراوية من خلال الاسترجاع كيف أصيبت بنوبة اكتئاب بعد وفاة أمها (37) و قد نوعت الرواية في الزمن فلم تعتمد على الاسترجاع فقط حيث غاصت في الماضي لتذكرنا بأحداثه، ولكنها حاولت استشراف المستقبل من خلال الاستباق ، فقد استبقت الخروج إلى تونس و قدمت لنا ما سيحدث بقولها :" منذ تلك اللحظة بت فريسة الاعتقاد بأن باخرة ستبزغ في مكان ما ، لكي تصحبني إلى مرفأ بعيد في أفريقيا حيث أرسيت الأشرعة "(38) و تكرر ذلك عندما تقول :: لكنني بدلاً من هذا أقول : أريحا ولا العدم. أتعرف لماذا سموها أريحا ؟ كل من يسكره شذى أزاهير الليمون و البرتقال حتى يصاب بمس غريب يشبه الثمالة يمكنه أن يعرف "(39)
و تتحول الرواية إلى زرقاء اليمامة ، ترى أريحا ببصيرتها و هي تؤكد ذلك بقولها :" أريحا أين هي الآن ؟ إنني أراها و أحلف أنني أشهد كل أركانها ، زواياها ، أزقتها ، بيوتها ، أسطحها ، و خباياها عللى بقعة الرمل الصغيرة التي أقف عليها ، هنا شجرة أكاسيا لم تزهر بعد ، و لكنها تنتظر ربيعاً ما"(40) كما تنبأت الراوية بنسف سفينة العودة من خلال ذلك الحلم الذي رأته أثناء نومها ، لينحول هذا الاستباق الزمني إلى حقيقة واقعة حين يصلها نبأ نسف السفينة في ميناء ليماسول (41)
المكان :
جعلت الكاتبة من المكان رمزاً للتعبير عن حالة الضيق التي يقاسيها الشعب الفلسطيني ، ففي " كل مكان . في المكتب . في بيت سعاد . في أزقة مخيم اليرموك ، وفي حدائق المدينة . الجو رمادي "(42) و رغم اضطرارها إلى الجلوس في المكان الوحيد المتاح في غرفة تفصلها نافذة زجاجية عن صالون صاحب الملك فإنها تبقي للمكان طعماً خاصاً ، فالبيت الكبير يتميز برائحة القهوة الطازجة ، وهو أشبه ببيت أثري ، له قمرات مدورة تدخل ضوء النهار إلى وسطه ، و تنقلنا الكاتبة إلى السوق حيث تنزلق رائحة زيت الزيتون على حوائط الأقواس و القباب لتغمر ببركتها المكان ، و تشير الراوية إلى إلى أن الزيت له قدسيته منذ أيام عيسى عليه السلام ،(43) و كأنها بهذه الإشارة إلى الأماكن القديمة تحاول أن تشير إلى عمق الجذور التاريخية لسكان هذا المكان ، و لنقرأ هذه العبارة :" أتأهب لصعود الأدراج الطويلة الموصلة إلى الجزء الخاص بنا من الدار الكبيرة . ليست داراً ( و كأنها تريد أن تقول لنا : و كأنها الوطن) بل مجمعاً سكنياً هائلاً قد بني من أحجار تغلبت على الأزمان،وازدادت عراقة بمرورها على البيزنطيين، الأيوبيين، إلى فيض من هذه الأيام"(44)
وتتحسس الرواية الأمكنة المختلفة بعيونها ، و كأنها كاميرا تتنقل بنا من مكان إلى مكان ، تسجل نبض الحياة في هذه الأمكنة ، فها هي بوابــــة عكا الشرقية ، والصــيادون يحملون الجاروفة و هم و نشـــم رائحة الحلاوة الطحينية مع الرواية ، و نرى مدرسة الراهبات شرقي المرفأ (45) و تصدمنا الراوية عندما تخبرنا أن أناساً لا تعرفهم يسكنون بيتها الذي أصبحت شرفته فارغة بعد أن كانت تمتلئ بأصص النباتات وعرائس الياسمين، ولقد أصبحت الأبنية كالأطلال بينما بقيت البساتين كم هي . و لكي تؤكد الراوية لنا تاريخية وجود شعبنا في هذه الأرض تحدثنا عن تلك اللوحة ، و الأجمل في نظرها ، في تاريخ الفسيفساء الإسلامية . و تستعرض لنا الرسوم الموجودة في هذه اللوحة محاولة التركيز على عناصر الخير و الشر فيها. (46)
البيئة الاجتماعية :
تطرقت المؤلفة إلى العادات والتقاليد المعروفة والمتوارتة، و تقول : لا يخطر على بال أحد في العالم حشو كل أنواع الخضار بالرز عداء أهل القدس وحدهم ، و يملئون القرع ، و الكوسا، و الباذنجان الأحمر والبتيري والخيار، البندورة ، والبطاطا ، وورق الملفوف و الدوالي، ولسان التور والحميضة..."(47) والمرأة تحتفظ بعاداتها و تقاليدها حتى و لو وصلت إلى سن الشيخوخة ، ففي قاعة السينما ، تتمنع ستي خدوج عن رفع المنديل عن وجهها بسبب وجود رجاال أغراب في المكان ، و بعد أخذ ورد تقنعها عمة الراوية بأن من سابع المستحيلات أن ترى عبد الوهاب و صديقته في الوردة البيضاء و إن لم تكشف عن وجهها ، و حين تطفأ الأنوار تتشكك ستي خدوج في نوايا أصحاب المكان ، و تحاول الانسحاب .(48)
والكبار يؤمنون ببركة حضور الأطفال أمام الجان، وهم يرون أن باستطاعة الطفل فقط أن يدجن مردة الجن.(49) ويأخذ الكبار الفأل من الأطفال، يسألونهم عما يضمرون، ويجيب الأطفال ليحدد الكبار مواقفهم بناءً على هذه الإجابات لقناعتهم بالمثل الشعبي القائل : خذوا فالكم من أطفالكم.(50)
وقد يلجأ الكبار إلى قراءة الفنجان لاستطلاع المخبوء،(51) كما يلجئون إلى سكب الرصاص المنصهر في وعاء به ماء لمعرفة الحاسد أو فك الرصد، وتتخيل أم فضل أن الرصاص حين تجمد في الماء تشكل على شكل وجه امرأة ذات شعر طويل أسود.(52)وقد تتوجه النسوة إلى المنجمين من أجل قراءة الطالع، تذهب أم فضل إلى المنجم لمطالعة مصير ابنها فيخبرها أنه لن يبقى في هذه الأرض، فتعتقد أن ابنها سيموت ولكن المنجم يخبرها أنه سيسافر بعيداً.(53) وبالفعل تتحقق نبوءة المنجم ويسافر حسين إلى الخليج ليبقى هناك خمساً وثلاثين سنة كاملة.(54)وتعيد الراوية إلى أذهاننا تلك العادة المتعلقة بليلة الدخلة، حيث يسهر الوالدان عند باب غرفة العريس بانتظار ما يؤكد عفة العروس ويصون شرف العائلة.(55) ومن العادات التي أوردتها الراوية بطريقة منفرة عادة الأخذ بالثأر واللجوء إلى العنف لأتفه الأسباب، فقد اختلف أحد البدو مع صديق له على أحقية الري واشتبكا معاً فانجرت قبيلتاهما إلى التناحر ومات الشابان ولم تعد هناك مضارب بدو ولا دلات قهوة.(56)
الحدث :
يشغل الحدث حيزاً هاماً في الرواية، فقد تنقلت الراوية بين الأحداث كما تتنقل الفراشة بين الأزهار رغم اختلاف رائحة الأزهار بعبقها وأريجها عن رائحة تلك الأحداث الملوثة برائحة الدم، فمن اقتحام السموع وهدم بيوتها إلى أحداث عام 1967ورجال الأمن الذين ذابوا كالملح، ومفاوضات سفينة العودة والحلم برؤية شواطئ يافا، إلى أحداث مخيم البقعة ومخيم تل الزعتر، سلسلة من المآسي يربطها الإنسان الفلسطيني بلحمه ودمه.
وفي الختام يمكننا القول إن هذه الرواية تشكل لوحة فسيفسائية وتقدم لنا بانوراما للقضية الفلسطينية كما عاشتها الراوية من خلال وعيها، فقد تنقلت بنا هذه الراوية من سني الطفلة إلى سنوات النضج، ومن الوطن إلى المنفى، ومن المنفى إلى الحلم بالعودة إلى الوطن حيث اقتنعت الراوية بمقولة " أريحا ولا العدم " .
ولم تخل الرواية من بعض الأخطاء العلمية التي وقعت فيها الراوية منها مثلا ما نجده من حديث عن كسوف القمر والمعروف أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر،كذلك نجد خطأً في تقدير انخفاض أريحا عن سطح البحر، فقد قدرته الراوية بمائتي كيلومتر، والمعروف ان أريحا تنخفض عن سطح البحر حوالي 400 متر فقط، تقول : كنا نعيش تحت مستوى سطح البحر بأكثر من مائتي كيلومتر، وربما لهذا نسينا الله...."(57) وقد استخدمت الكاتبة كلمة (المرقاب ) وفي اعتقادي أن استخدام كلمة المرآب أفضل، كما توجد بعض الأخطاء المطبعية مثل كلمة (عزق) في قولها : " لأنها لم تكن إلا عزق نخيل ضل عن غصنه."(58) والصواب عذق بالذال وهناك خطأ مطبعي آخر حيث وردت كلمة صارفين والصواب صارخين هازجين.(59)
محمد أيوب-الحوار المتمدن



إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html




No comments:

Post a Comment