Thursday, December 27, 2012

فدوى طوقان - رحلة جبلية


شكرا للسيد ب. حمدان على سحب الكتاب


فدوى طوقان شاعرة اقترن اسمها باسم فلسطين كما اقترنت حياتها بكل المآسي و النكبات التي عاشها هذا الوطن. ذلك أن هذه الشاعرة ولدت سنة 1917 و هي السنة التي صدر فيها وعد بلفور و فيها سجن والدها و نفي و عانت عائلتها نتائج هذا الاضطهاد الذي ناله جراء مساهمته في الاحتجاج على هذا الوعد المنذر بالويلات اللاحقة.
عاشت فدوى طوقان الكوارث التي تتالت على الشعب الفلسطيني: الإستعمار الإنقليزي و الإستيطان اليهودي و نشأة الدولة الصهيونية كما شهدت بوادر المقاومة الوطنية ثم النكبات التي حصلت في سنوات 1936 و 1948 و 1967 .....و قد صورت هذه المعاناة و كذلك إصرار الشعب الفلسطيني على الدفاع عن أرضه في شعرها. و كتبت الكثير من القصائد تحرض فيها أبناء وطنها على النضال من أجل التحرير. و إلى جانب ديوانها الشعري كتبت فدوى طوقان سيرة ذاتية بجزئين: " رحلة جبلية...رحلة صعبة" و " الرحلة الأصعب" و قد صورت في هذه السيرة أطوار حياتها منذ الطفولة حتى الكهولة
و يلفت نظرنا في هذه السيرة و خاصة في الجزء الأول " رحلة جبلية....رحلة صعبة" أنها قدمت شهادة حية على ما عاشته و ما عاينته من أوضاع تسبب فيها الاحتلال الإنكليزي ثم الإسرائيلي. و لكنها إلى جانب ذلك صورت معاناتها باعتبارها امرأة في مجتمع رجالي. تقدم فدوى طوقان في سيرتها شهادة إدانة لواقع المرأة العربية و لحقيقية العلاقات العائلية القائمة على التسلط و القهر. انتمت فدوى طوقان إلى عائلة عريقة و وجيهة لعبت دورا في النضال من اجل التحرير و كان أبناؤها من خيرة النخبة النيرة التي أمنت بقضية فلسطين و على رأسهم أخوها إبراهيم طوقان شاعر فلسطين. و لكن هذا لم يمنع من أن تلتزم بالمحافظة المطلقة في التعامل مع "نساء العائلة".
تقول فدوى طوقان " أما الجو العائلي فيسيطر عليه الرجل كما في كل بيت و على المرأة أن تنسى وجود لفظة لا في اللغة إلا حين الشهادة (لا إلاه إلا الله) في وضوئها و صلاتها. و تكشف هذه السيرة عن فداحة الأخطاء التي ترتكبها العائلة التقليدية في حق البنت و التأثير السلبي للمنظومة التربوية الموروثة على نفسيتها و حياتها. و تصور فدوى طوقان أنواع العنف المادي و المعنوي الذي تعرضت له و الآلام النفسية التي تسببت فيها العادات الضاغطة و المعتقدات القاهرة. لقد تعرضت لنوع من القمع الممنهج الذي لا مبرر له إلا كونها بنتا و امرأة. فيما تصفه فدوى طوقان يمكن أن نجد نموذجا للتربية التي تقوم على تأصيل الإحساس بالدونية في الوعي بحيث يستبطن و يقبل و كأنه حقيقة ثابتة و كأنه لا خيار عنه. إن المنظومة التربوية التي نستشفها من هذه السيرة و هي المنظومة السائدة في المجتمعات التقليدية و الفكر التقليدي تكرس الاستنقاص من شأن المرأة و تسربه جرعة جرعة منذ النشأة الأولى حتى يصبح جزءا لا يتجزأ من واقع المرأة.
تذكر فدوى طوقان في هذه السيرة ضروبا من التحقير منها السخرية من ملامحها و الاستهانة بهيئتها و لباسها و إهمال طلباتها "المادية و المعنوية" على حد عبارتها و منها التعنيف اللفظي و الجسدي. كذلك تذكر حرمانها مبكرا من اللعب و تكليفها بالشؤون المنزلية و حرمانها من الخروج للنزهة أو لزيارة بعض صديقاتها و الأهم من كل ذلك حرمانها من الدراسة بسبب أن شابا كان يتبع خطاها في طريقها من المدرسة إلى البيت في وقت كانت علاقات أخيها إبراهيم العاطفية معروفة للجميع و قصائده الغزلية محل استحسان و تشجيع.
و تذكر أنها فكرت في الانتحار أكثر من مرة و لكن أخاها إبراهيم أنقذها بأن علمها الشعر و فتح لها كوة في هذا السجن المطبق. و من المهم أن نذكر أن الموانع العائلية التي من شانها أن تخلق منها كائنا خاضعا قابلا للمنزلة الثانوية تواصلت حتى بعد أن تقدمت في السن. فقد منعتها العائلة من أن تتزوج بمن تحب و كانت تعاني الكثير من المضايقات لمجرد أنها تتلقى بعض الرسائل أو المجلات الأدبية. و من غريب ما روته أنها حرمت مع نساء العائلة من زيارة قبر أخيها إبراهيم لأنه قريب من الطريق العام. فأضافت عائلتها بهذا مانعا أخر إلى جانب المانع الذي تتعرض له النساء المسلمات إلى يومنا هذا في عدم تشييع أمواتهن إلى مثواهم الأخير.
تبوح فدوى طوقان بآلامها و خاصة بالجراح النفسية التي خلفها إهمال أمها " و أنكمش في داخلي و أحس بلا شيئيتي. إني لا شيء و ليس لي مكان في ذاكرتها.....هنا كنت أشعر بشعور غير مريح و لكنني لم أكن أستطيع توضيحه: إن المشاعر المؤلمة التي نكابدها في طفولتنا نظل نحس بمذاقها الحاد مهما بلغ بنا العمر" أما عن والدها فإنها تحاول أن تفسر إهماله الذي يصل حد عدم مخاطبتها باسمها و هي أمامه و عدم السؤال عنها و هي مريضة فتقول " كان المال و البنون بالنسبة إليه زينة الحياة الدنيا، و كان يطمع بصبي خامس و لكني خيبت أمله و توقعه". و لم يتغير موقف الوالد منها عندما استطاعت أن تتخلص من "حياة الغياب" التي تحياها مع جملة الحريم و ذلك عندما علمها أخوها الشعر و أنقذها من "الانهيارات الداخلية". و تصور فدوى طوقان الألم النفسي الذي سببه هذا الاحتقار فتقول " إنه لا يؤمن أنني أصلح لشيء قلت هذا بيني و بين نفسي...إنه لا يحمل لي سوى شعور اللاكتراث. كأنني لا شيء كأنني عدم و فراغ..كأنني لا لزوم لوجودي إطلاقا".
إن هذا الألم الذي استبطنته الشاعرة قد تحول إلى عائق يخنق طاقتها الإبداعية. و قد كشف عن نفسه في حالة غريبة مرت بها عندما طلب أبوها أن تكتب شعرا. كان ذلك في فترة لاحقة بعد أن توفي أخوها إبراهيم و اشتهرت هي بشعرها الذاتي. لقد أراد أبوها أن تكتب شعرا وطنيا تسد به الفراغ الذي تركه موت إبراهيم و تحافظ على استمرار مساهمة العائلة في الحركة الوطنية. نسي الأب ما كان زرعه في نفسها الغضة من احتقار لذاتها و إيمان بعدم صلاحيتها و بثانوية دورها و لكنها لم تستطع أن تنسى. اعترفت الشاعرة و هي مستغربة من أمرها أنها عجزت عن قول الشعر كما طلب منها و أنها لم تقدم مساهمتها القيمة في شعر المقاومة إلا بعد أن توفي والدها. و يمكن لهذه الحادثة أن تلفت نظرنا إلى أهمية التنشئة و أهمية العلاقات العائلية في تنمية أو إحباط طاقات الفرد. إن العنف المستبطن يرتد على الذات و يعطل طاقتها. كما أن الاستنقاص من قيمة الشخص يؤدي إلى احتقاره لنفسه و إهدار قدراته و لعل هذا يفسر جزئيا قلة الإبداع النسائي و ضعفه. و لا يهمنا هنا الإبداع الأدبي فقط بل يهمنا الإبداع أو التحقق الكامل في كل طاقات المرأة حتى لا تمثل عضوا مشلولا في حال أنها تختزن نصف طاقات المجتمع.
رفيقة البحوري


http://www.mediafire.com/view/?0cv2rvs6f9rg2rf
or
http://www.4shared.com/office/jHKaHMF4/__-__.html



الكتب المرفوعة:حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html

No comments:

Post a Comment