يخط "نسيم ضاهر" صفحات كتابه بحميمية تحاكي الأمكنة والأحداث بشوف ولهفة وخصوصاً بلدته المعلقة قاديشا، يحمل في جعبته لقطات من تجوال، بين الأمكنة الصامتة التي تروي الحكايات من دون كلام، تروي ملحمة تجسد تاريه وطن بأكمله، نزف في الماضي ولا يزال.
لازمه الكتاب رفيقأً في فصول السنة الأربعة، فكان أساساً في صقل ثقافته، قرأ روائع أدب النهضة والوجودية، أعجب بالثورة الفرنسية وأكتوبر البلشفية، وصولاً إلى ماركس وماديته العلمية وإنجلز والمادية التاريخية.
نقطة التحول المفصلية كانت مرحلة الستينيات بما اجتاح العالم من آراء وأفكار وانقلاب على سائر أنماطه، بعد انتهاء الحرب الباردة وظهور حركات التحرر، في مقابل الغرب الرأسمالي الذي عمه الانتعاش الاقتصادي.
وهنا تغيرت أنماط الثقافة وطريقة عيش الناس واهتماماتهم "حينذاك، بلغ الخروج عن التقليد ذروته، مشفوعاً بتوق صادق إلى التغيير، اعتمرت فيه الدعوات الاشتراكية، وخصبته مدارس الرفض الخارجة من رحم الماركسية أو المقبسة من منهجها في الأساس".
في خضم هذه الأحداث، يتوقف المؤلف عند وضع "لبنان" وتأثره بالتيارات الفكرية الوافدة من الغرب وتلقيه للتغيير وانقسام الناس واختلاف ايديولوجياتهم ونشأة الأحزاب وأسباب الحرب الأهلية.
هذا الكتاب أكثر من سيرة وأكثر من تأريخ لأحداث وقعت ولا تزال ننتظر المزيد منها، إنه محطات تمثل صورأً لحياة الإنسان العربي الباحث عن هويته وعن حريته وعن أمته، فلا يجده، عصر مليء بالصراعات والحروب والفقر، إلى درجة أن الإنسان إذا نظر في المرأة سوف يجد صورة أخرى لذاته. فأراد أديبنا أن يبحث عن إنسان عربي خال من كل هذه التناقضات، يرسم به ملامح التغيير ولكنه... لم يجده.
أو