رواية «القنفذ» للكاتب إسلام أبو شكير، الصادرة حديثاً عن دار «فضاءات» للنشر والتوزيع في عمان، تحكي قصة انتقال السلطة في سوريا، كسيناريو معد مسبقاً، أشرف على إعداده الرئيس الأب قبل وفاته بسنوات، حيث رتب لكل التفاصيل وفق كل الاحتمالات المفترضة، أو الممكنة. ولكن الثيمة الروائية في رواية «القنفذ» لا تقوم على سرد ترتيبات «لعبة نقل السلطة»، وتفاصيل المفارقات المواكبة للخطوات العملية بطبيعتها الأمنية والاستخباراتية، التي يستهل بها الكاتب سرد الأحداث، بدءاً من كتم خبر وفاة الرئيس، والحؤول دون تسربه، قبل جمع الممسكين بمفاصل السلطة، للبدء بتنفيذ أدوارهم المرسومة لهم، تحت إشراف أم «فيها الكثير من طبائع النساء الريفيات»، التي انقلبت شخصيتها من سامعة مطيعة بصمت، كما هو معروف عنها، إلى مايسترو يوزع الأدوار بحزم وعزم لا يفتر، «اسمعوني.. اسمعوني جيداً.. لا ثقة لنا بأي إنسان.. الجميع، وبلا استثناء، متآمرون.. هذا ما يجب أن نضعه في الحسبان، ونتصرف بناءً عليه». ما يلفت نظر الراوي أو البطل الوريث، فيلاحظ أن «الوالدة تبدو لي الآن مختلفة تماماً، خلال أقل من ساعة تحولت إلى شخص آخر». يوجه ويعطي الأوامر من دون تردد «قبل قليل كانت تحمل ورقة، وتملي ما فيها على أحدهم عبر الهاتف. سمعتها تردد أسماء كل من ماهر، وأبو جمال نائب الرئيس، الذي سيصبح بعد ساعات رئيساً مؤقتاً، واسم وزير الدفاع، ورئيس المخابرات، ورئيس مجلس الشعب.. ثم أعطت الهاتف لماهر. لم يقل شيئاً، كان ينصت فقط، ثم أغلق السماعة وخرج». وجميع هؤلاء لا ينقصهم الولاء والطاعة، ولا يحسب حسابهم فـ «أقصى ما كانوا يتطلعون إليه ألا يفقدوا مواقعهم، التي منحهم إياها الوالد». مروراً بتفاصيل حالات الموت المفاجئ خلال بضع ساعات من وفاة الرئيس، بداية من مربيته، التي يشعر بأنها أقرب إليه من أمه، حيث ماتت بنوبة قلبية مفاجئة، و«ضابط برتبة عميد في قسم الحراسة وجد ميتاً قبل قليل في مكتبه.. نوبة قلبية» حتى«الطبيب العائد من أرقى جامعات العالم، الطبيب نفسه، جاءته النوبة وهو في منتصف الدرج المفضي إلى الطابق الثاني، فأصيب بكسور في الحوض أيضاً». ولم تصل الساعة إلى العاشرة مساء حتى ارتفع عدد ضحايا السكتة القلبية في القصر إلى 32 شخصاً «جثة الطبيب، وجثث أخرى بوضعيات مختلفة.. مستلقية على ظهرها، ملتوية، متكورة، متشنجة. مسترخية. صفراء. زرقاء. مسودة. بأعين مغمضة. بأعين جاحظة. بألسنة متدلية. بشعر منكوش..»
ومع ذلك تقوم الثيمة الروائية على قراءة بسيكولوجية في شخصية الرئيس الجديد، التي يراها الكاتب انطوائية وضعيفة، لا بل مهزوزة وبلهاء، منذ نشأتها الأولى «عرفت عندئذ أن إياداً زميلي في المدرسة كان جاهلاً عندما اختار كلمة مجنون ليشتمني بها، لأنها تختلف كثيراً عن كلمة أبله، التي أسمعها على لسان الوالد وباسل، كلما ارتكبت خطأً». وهو في الأساس لم يكن الوريث، وإنما هو باسل، الذي أعده الوالد لهذه الغاية مبكراً، «شربه روحه وعقله حتى أصبح نسخة طبق الأصل عنه». غير أن الأقدار هي التي أزاحت باسل بحادث سير، وجعلتهم يستقدمونه من بريطانيا، قبل أن يلج بعلاقته مع المرأة، مرحلة ما بعد التقبيل، التي عرفها لأول مرة هناك. لذلك قرر منذ بداية الترتيبات «أنا لا دور لي في أي شيء.. أنا لست مستعداً للتفكير.. أو لست قادراً على التفكير.. رتبوا الأمور أنتم رجاءً». وكان هذا الأمر معروفاً، بحيث لم يثر إعلان انسحابه من الترتيبات، استغراب أحد من الحضور، ولم يبد على الوالدة أنها استاءت من كلامه، على العكس كان ردها مشجعاً، «لا تشغل بالك.. لا أحد سيطلب منك شيئاً».
وخلال عملية الترتيبات وتزاحم الجثث في القصر، أدرك أن «موت باسل كان موتاً لي في الحقيقة» فراح يستعيد شريط الموت في حياته، حيث يسرد موت القنفذ الصغير، الذي التقطه من حديقة القصر، بعد أن ألقى به في سطل ماء، وحينما أخذ القنفذ يعوم، ربطه إلى جسم معدني وأعاده إلى السطل، و«استغرق الأمر دقائق فقط، القنفذ كان يخوض معركة ضد الموت، وأنا بدوري كنت أخوض معركة، ولكن مع ذاتي. تحرك شيء في داخلي يدعوني إلى الاستجابة لاستغاثات هذا الكائن المهدد بالموت. يصرخ بي: هذا كائن يموت أيها الأبله.. بإمكانك أن تنقذه.. كان بوسعي في الحقيقة أن أتدخل لإنقاذه لولا كلمة (أبله) تلك. الكلمة التي أكرهها كما لا أكره كلمة أخرى في العالم».
محمد وردي - الاتحاد
يؤكد الكاتب والصحفي السوري إسلام أبو شكير بأنه لم يكتب رواية القنفذ لمحاكمة أو لإيجاد المبررات لبشار الأسد. وليست رواية القنفذ رواية توثيقية لمايحدث في سوريا على الرغم من اعتمادها على أرضية واقعية. لكنها محاولة الخيال للإجابة عن سؤال: ما الذي يمكن أن تكون عليه طفولة إنسان متعطش للدماء إلى هذا الحد؟! وماهي التركيبة النفسية المعقدة التي يمكن أن تجعل الإنسان منفصلاً عن الواقع إلى ذلك الحد؟! ما الذي يجعل الديكتاتور يضحك بعد الجريمة وهو يخطب في شعبه في لحظة حاسمة من عمر الوطن؟!
تعتبر رواية القنفذ الصادرة عن دار فضاءات في عمان 2013 الكتاب الرابع للقاص والصحفي إسلام أبو شكير. وتدور أحداثها في لحظة موت الأب، ومحاولة العائلة لدفع أحد الأبناء ليتقلد منصبه. سيعرف السوريون تحديداً من هي العائلة المقصودة من هي الأم والأخ والابن. ربما ستحرضهم الرواية التي تمزج الواقع بالخيال للتفكير أكثر فيما أوصل سوريا إلى ماوصلت إليه. ولماذا وقفت هذه العائلة بوجه ثورة الشعب المطالبة بالحرية والكرامة.
كيف كانت علاقة القنفذ مع محيطه، مع أخيه، لماذا قتل مربيته؟ لماذا ارتكب سلسلة من الجرائم في القصر الجمهوري ابتداء من قتل الحيوانات الصغيرة وحتى حراس القصر؟؟ والأهم كيف كانت علاقته مع أمه؟ التي قالت له في ليلة موت الوالد:
"اسمع.. أنا أعلم أن الأمر تم بأبكر مما كنا نتوقع.. الرئيس لم يعد موجوداً. وهذا أمرٌ سيء.. وهنالك أشياء لم ننجزها. كنا بحاجة غلى وقت أطول بكثير.. إلى خمس سنوات أو ست على الأقل.. لكن الموت ليس مؤامرةً لنحبطها، ونلقي بمن كان وراءها في السجن.. وهذا أمرٌ سيءٌ آخر.."
نسرين طرابلسي - راديو الآن
"اسمع.. أنا أعلم أن الأمر تم بأبكر مما كنا نتوقع.. الرئيس لم يعد موجوداً. وهذا أمرٌ سيء.. وهنالك أشياء لم ننجزها. كنا بحاجة غلى وقت أطول بكثير.. إلى خمس سنوات أو ست على الأقل.. لكن الموت ليس مؤامرةً لنحبطها، ونلقي بمن كان وراءها في السجن.. وهذا أمرٌ سيءٌ آخر.."
نسرين طرابلسي - راديو الآن
الكتاب منشور في غروب أبوعبدو البغل. لتنزيله, ينبغي أن تنضم أولا إلى الغروب:
https://www.facebook.com/groups/127937193979404/
ومن ثم تنزيل الكتاب من هذا الرابط:
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=911516002261229&set=gm.753121941460923&type=1&theater