Thursday, March 13, 2014

شربل داغر - مذاهب الحسن



المركز الثقافي العربي, الدار البيضاء 1998  |  سحب وتعديل جمال حتمل  | 484 صفحة | PDF | 23.8 MB

http://www.4shared.com/office/c966F9otce/__-__.html
or
http://www.mediafire.com/view/vr4sxxpruamyny3/شربل_داغر_-_مذاهب_الحسن.pdf


مذاهب الحسن قراءة معجمية-تاريخية للفنون في العربية
إن النصاب الفلسفي الذي شغل شربل داغر في "كتاب العين " هو المسألة الجمالية أو "مذاهب الحسن "، وهي مسألة تفجر أسئلة تتعدد واشكاليات توغل في البدايات، ومنها:
ا - هل يصح البحث عن علم ناشيء هو "الجمالية " في متن قديم ؟
2 - كيف ندرس العلاقات بين اللغة والفكر والجمال ؟ وكيف نقرأ المعجم ونفحص مداخله وتعريفاته بما يدلنا على تعيينات الفكر والجمال ؟
3- هل يمكن أن نرى الى مواد المعجم المتناثرة "كلا لسانيا واحدا؟ " وهل نوافق "الان راي" القول بأن المعجم ليس "جردة مفردات " ولا "قائمة معان " وانما هو "نص لساني" يخضع لما يخضع له غيره من مقتضيات القراءة اللسانية ؟ لأن الشكل اللغوي ليس شرط تناقل الأفكار فقط، بل إنه الشرط اللازم لتحققها.
انها الاشكاليات التي شغلت شربل داغر في دراسة "كتاب العين " أو المعاجم العربية قاطبة، وهو المعجم الموضوع في طور تاريخي، في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري الذي يمكن تسميته بالطور الانتقالي، ذلك أنه لا يمثل فقط "عصر التدوين "، بل عصر انبثاق العديد من العلوم العربية بأنساقها اللغوية والفقهية.
في هذا السياق لم يتعامل شربل داغر مع المعجم على أنه "نص لساني" فقط، وانما أيضا على أنه "أثر" دال على أشياء واقعة خارجه، ويشير اليها بقدر ما يعني حمولاتها : المعجم بوصفه عاكسا لمجموع نظرة الى اللغة والعالم. فهو لا يقع في المعجم على تعيينات "حيادية "، أو منتزعة من السياق الاجتماعي، بل عليها في حياتها الاستعمالية. فالمعجم _أي معجم _ لا يوفر تعريفات مصاغة في صورة "منزهة "، مهما بلفت درجات التطلب الدقيق والعلمي في الصياغة، ذلك أنه نص "موضوع " وان كان غرضه اللفة نفسها فالخطاب الناص.وضع المعاجم، يبنيه ويعينه الخطاب الاجتماعي الى جانب الخطاب التاريخي.
من هذا التأزم في تحديد الجمالية، وبلورتها على أنها فرع من فروع الفلسفة تنشأ اشكالية الجمال، لأن الجمال ليس "في ذاته " بل في،"ملاحظته ". وهن هنا السؤال : كيف يمكن أن نتحقق من الجمالية في "كتاب العين ":؟ وهل يمكن تعيينها في "المفردة "؟ أم في "المجموعة " عند التحقق من وجود مفردات ومعان ودلالات متقاربة؟
 ففي المعجم علامات نحوية معروفة مثل "المذكر" و"المصدر" و" النسبة " مما يمكن ادراجه في "اللغة الواصفة " الى جانب علامات أخرى، معينة على أنها اسم جامع "كالدار" في علاماته الترتيبية للمعاني، ومنها العرصة والبناء والمحلة، أو "العطر" وهو الاسم الجامع لأشياء الطيب. واذ أعان الاسم الجامه شربل داغر في معرفة شيء من ترتيب المعاني في "كتاب العين " أدرك بالاضافة الى الأسماء الجامعة أن عليه أن يبحث عن سبل أخرى لفرز الألفاظ وترتيبها، فما هي هذه السبل وكيف يتم تعيينها؟
 لقد كان من الوقائع اللغوية التي استوقفت شربل داغر، تكرار اللفظ الواحد في غير نبذة معجمية. مما يؤدي الى تعيينه بوصفه "نقطة ثقل وجذب لغيره " أي كونه قطبا دلاليا كلفظ "البيت " الذي تكرر في "كتاب العين " ما يزيد على سبعين مرة، ما يشير الى حضور لافت له أي الى كونه عنصر استقطاب دلالي بالضرورة.
 " هكذا، وفر "كتاب العين " لأول مرة في العربية "كلا لغويا"، على أنه مدونة مفتوحة على زمانها.  بخلاف ما انتهت اليه المعاجم اللاحقة عليه. "فكتاب العين " بلغنا على سبيل المثال عن حديث "العامة " أو عن  نطقها، أو عن تفسيراتها، في فترة اتسمت بالتجميع "المفتوح " وليس بالتصنيف وفق مقولات وأطر نقه عليها لاحقا في عمل جامعي اللغة. فالمعجم كما يرى "ألان راي" يعين ويعرف، سواء في تفرق موادا أو في ~ اجتماعها، وهو ما تشير اليه طبيعته التناصية لأن التداخل النسيجي هو الطبيعة التناصية للمعجم، ولأن 0 كل عنصر فيه يتعلق بالمجموع الاحتمالي لخطاب غير مقروء بعد. لذا لابد للقراءة اللسانية من أن تتعزز  وتتأكد بقراءة تاريخية وهذا ما يفسر لجوء شربل داغر الى اقامة شبكة من التعالق بين "المعجمي" و"التاريخي". وهي قراءة مزدوجة قادته الى تحديد ستة مجاميع دلالية في "كتاب العين " هي الدار.  الغناء، الشعر، الشارة، الدمية والكتابة.
 . أما عن اشكاليات الجمال والفن التي راح يبحث عنها شربل داغر في "كتاب العين " وفي الوقوف على شيء من تاريخها نشأة وتطورا وأدوات وأنواعا فهي اشكاليات ليس لها دلالاتها المخصومة ولا هي تفرق بين "الدخيل " و"الجديد" وهنا تكمن صعوبة هذا المشروع المغربي والشاق إن لم نقل الصعب المنال.
فنحن إذا عدنا ال التراث الغربي في دراساته المعجمية رأينا مثلا أن الباحث "جورج ما توريه " لم يجد صعوبة منهجية حين تعرض للحقل الدلالي للفن والفنان بين سنة 1827 وسن 1834 في كتابه "منهج العلم المعجمي: الميدان الفرنسي " ذلك أنه استند في عمله هذا الى ما سبقه اليه واضعو المعاجم، وهو "تأريخ الدلالات " : فهو يستطيع التأكيد بأن لفظ "التميز" Oziginalité)) ظهر في سنة 1690، و"الفردانية " (Individualité) في سنة 1760، وأن القيمة الدلالية المكتسبة لمفهوم "العبقرية " Génie)  ) هي التي تعني أكثر من غيرها الصفة الجديدة المعينة للفن في منتصف القرن التاسع عشر، وهذا ما تفتقر اليه "دلالات " العربية، التي "لا تاريخ لها" ولما كان "كتاب العين " أول المعاجم العربية قاطبة، فهو مثل المعاجم اللاحقة له في العربية، لا يتضمن أبدا ما عرفته غير لغة في العالم مع معاجمها المتأخرة، وهو تاريخية المعاني والألفاظ.
فالوقوف على "تاريخية " الألفاظ يفيدنا في التغيرات الحادثة في الدلالات نفسها، الى جانب تغيراتها مع الفعل الاسلامي الناشيء الذي تتأكد فيه وتتعدد أشكال "تلقي " الفعل الجمالي.
وحيث أراد شربل داغر قراءة المعجم الخليلي في حدود ابلاغه نفسها، لجأ الى اشارات المعجم وتعيينات "الاسم الجامع " فاستوقفه التعريف التالي :
الدار : وهو كل موضع حل به قوم، فهو دارهم. وأما الدار فاسم جامع للعرصة، والبناء والمحلة. ولكن السؤال : كيف تتم عمليات "الحلول في الموضع " كما ترد في "كتاب العين "؟ انها تتم ابتداء من تعيينات الأرض ومنها "البيد"، وهو لفظ يدل على مفازة لا شيء فيها، و"الصحراء" أو الفضاء الواسع الذي لا يواريه شيء، و"الجرد" وهو الفضاء الذي لا نبات فيه. أما "الجرد" فإذا كان فضاء لا نبات فيا فإن "القفر" قد يكون حسب المعجم خاليا من الأمكنة، وقد يكون فيه كلأ قليل. هنا نخلص الى تعيين محورين للمعاني : محور الأرض الجرداء، ومحور الأرض ذات المراعي.
الى جانب هذه التعيينات يلحظ المعجم قسمة جديدة في المعاني بين الأرض "البراح " وهي التي لا بناء فيها ولا عمران، وبين الأرض العامرة أو المعمورة مما يستتبع السؤال الآتي : ما المواضع ؟ وما العمران ؟
 ان الموضع يرد في "كتاب العين " بسياقات مختلفة واستخدامات متباينة فهناك "الزون " وهو الموضع الذي تجمع فيه الأصنام وتزين، وهناك "المسجد" وهو موضع السجود نفسه، وهناك "السوق " موضع البياعات، و"الطراز" أو الموضع الذي تنسج فيه الثياب الجياد.
أما اذا كان "الموضع " هو المكان المبني، فإن هذا البناء يدعونا الى اجراء قسمة من نوع آخر بين مواضع "الاقامة الدائمة " أو "غير الدائمة " وبين نوعين متمايزين من الاقامة والبناء وهما : "أهل البدو" و" أهل الحضر".
ثم أن لفظي "البدو" و"الحضر" يبدوان كقطبين متناظرين ومتحالفين في صورة ناجزة. فالبادية هي الأرض التي لا حضر فيها، أي لا محلة فيها دائمة، ولا ديمومة. من هنا الافتراق بين ميدانين في العمران : ميدان الحلول الدائم أو الميدان الحضري، وميدان الحلول المؤقت أو الميدان البدوي.
أما البيت البدوي فيتألف من مواد يمكن نقلها من موضع الى موضع لنصبها من جديد، أو من مواد هشة مثل عيدان الشجر، أو من مواد نسيجية مثل الصوف والوبر وخلافها غير أن أوسع الألفاظ والدلالات الخاصة بمواد البناء الحضري فنجدها في "الطين " ومتفرعاته ومشتقاته الى جانب الفخار أو الطين المطبوخ واللبن والمرمر والرخام والبلنط والبلاط.
هذه هي الواد التي يعود اليها صناع البناء، من البناء، الى الفعلة الى الطيانين وأخيرا الى الراز وهو رأس البنائين. أما المعالجات البنائية فتقوم في عمليات التشييد، والتمليس والتطيين، والتقويض، والتهديم والتنكيس.
الى هذا فإن المعجم يضم عددا واسعا من الاستعمالات اللغوية الدالة على الباب ومصراعيه وتعليقه وتركيبه. ولكن ماذا عن "حريم الدار" أو ما أضيف اليها من حقوقها ومرافقها؟ وما هي هذه المرافق ؟
 يتحدث المعجم عنها عندما يشير الى مرفق الدار من المغتسل والكنيف، ونعني به الاستتار، وكأنه كيف في استر النواحي وفي المعجم أيضا قائمة من أسماء انوا ضع غير الخاصة بالاقامة، وتؤدي وظائف اجتماعية متعددة منها "السجن " و" الحبس " و"النادي" وهذا في اشارة تفصيلية "لدار الندوة " في مكة، أو الى مربد البصرة أو المدينة، الى جانب الفندق أو الخان وهو مكان نزول المسافرين.
ويتعرض المعجم الى المباني التي تؤدي وظيفة دينية في الاسلام كالمسجد الجامع، والمقصورة، والمحراب، كما يتعرض الى أمكنة دينية خاصة بالمسيحيين مثل "صومعة الراهب " أو "القوس " وهو رأس الصومعة أو "الكنيسة " و" البيعة " أو "محاريب " بني اسرائيل.
ولم يكتف المعجم بالمواد المتصلة بالميدان البدوي أو الحضري مرورا بعملياته البنائية، بل تطرق أيضا الى زينة البيت أو تحسينه، فأشار الى الزخارف والصور المنقوشة على الخيطان كالفسيفساء، التي كانت شائعة في زخارف أهل الشام، مما يحيل الى أصلها في الفترة البيزنطية. الى جانب عادات وسلوكات تقوم على نشر الريح الطيبة في البيت ومنها البخور.
ويفيدنا المعجم أيضا عن "الصخر" وهو إناء من خزف، وعن الكوب، والكوز، والابريق، الى جانب أمتعة كثيرة منها البسط والحصر والأرائك والوسائد،
 والجواليق والفرش والطنافس.
ان يشير المعجم الى أن البيت "مزخرف " فإنه يعني صفة، من دون أن تكون كافية أو لازمة لتعريفه كضرب من البيوت، أما ان يشير المعجم الى أن هذا البيت "حصن " أو "قصر" فهو يورد نوعه البنائي حصرا. فماذا عن قائمة ضروب البيوت ؟ وماذا عن قائمة الصفات ؟
 الى جانب الميدانين المتمايزين من البيوت وهما الميدان البدوى والميدان الحضري يمكننا أن نقترح صورة أوفى عن ضروب الاقامة وصفاتها هي :
1 - الرحل أو البيت المحمول : وهو الركب بناسه وحوائجه مثل الهودج والرجازة والحدج والمحفة : ومنها الخاصة بالنساء دون غيرها، ومنها ما هو أكبر وتدخل فيه الزينة.
2- البيت الحائل : وهو كل بيت يتمرن من مكانه، أو يتحول من موضع الى موضع ومن ضروب بيوت الأعراب الحائلة : القبة والمظلة والخباء، والبناء، والخيمة، والحفش، والخص، والأولج، والرواق، والثوي، والردهة، وتفيدنا تعريفات المعجم أحيانا عن مواد صنع هذه الابنية كالخشب والعيدان والفسطاط والأدم، أو تخبرنا التعريفات شيئا عما يعني وظائفها: فالثري للضيف والأولج للنوم.
3- البيت "القار" : وهو البيت الحضري أو "بناء القرار" المقرون بالسكن الذي وجدناه ملازما في المعجم لـ "الكراء" الملازم بدوره للاقامة في البيوت مقابل مبلغ من المال أي ما يعني في صورة وتلحق بهذا النوع من البيوت صفات ناتجة عن عمليات مخصومة مثل استعمال الآجر وطلاء الخيطان بالجص وتثبيت الفسيفساء بالخيطان أو شد الستور على الخيطان والسقوف. والصفات هي البيت "المزخرف " و" المزين " و"المنجد".
4- البيت المشيد: يحمل مواصفات البيت "القار" ولكن في صورة مزيدة ومقززة لأن منه : الحصن أو الصرح أو القلعة، أو القصر، أو العقر، وهي أبنية مطلوبة لمناعتها الشديدة بقدر ما هي مطلوبة كبيوت للأسياد والملوك.
5- بيوت الحرف والأمال : ومنها "بيت العطارين " وبيوت "النجاد" في الأسواق.
6- بيوت العبادة : ومنها الخاص بعبادة الأصنام مثل (البد) أو بعبادة المسيحيين مثل "صومعة الراهب " أو "بيت النصاري" الذي فيه صليبهم أو "الهيكل " وهو بيت للنصارى فيه ~ على حلقة مريم عليها السلام، أو بيوت العبادة عند اليهود مثل "محاريب بني اسرائيل " أو الخاصة بعبادة المسلمين مثل المسجد أو الجامع أو المحراب أو الكعبة وحرم مكة.
7- بيت الميت : ومن ألفاظه القبر والجنن والضرع والجدث واللحد والنعش.
8- بيت الاجتماع : في المعجم ضروب من البيوت الخاصة باجتماع الناس مثل : "النادي" للتشاور، أو "الفندق " للإقامة في السفر، و"الربض " لمسكن الجند، أو
"ابنية الحزق " كملجأ لأهل القرية، و"المشعر" أي موضع المنسك من مشاعر الحج، ومواسم أسواق العرب في الجاهلية مثل "عكاظ " الذي هو اسم سوق كان العرب يجتمعون فيها كل سنة شهرا يتناشدون ويتفاخرون ثم يفترقون، فهدمه الاسلام وكانت فيه وقائع.
9- مواضع اجتماعية مستحيزة : وهي مواضع ذات حدود بينة بل مرسومة تفيد التنقل بين البيوت المختلفة مثل أصناف الطرقات والسكك والدروب، بالاضافة الى مواضع معينة للتنزه مثل الحدائق والجنان والبساتين وخلافها.
10 - بيوت كبرى: مثل الحي والمحلة للميدان البدوي، والقرية والكورة والمدينة والمصر والبلد للميدان الحضري. ثم صار المسجد هو المكون المعماري للقوم في اجتماعاتهم، حيث أن البيوت باتت تنتظم حواليه،
11- بيوت الآخرة : يفيدنا المعجم في مادة قصب : "ولخديجة بيت في الجنة من قصب، لا وصب فيه ولا نصب أي لا داء فيه و عناء". كما نتعرف في مادة "عمد" على وجود "أخبية من نار ممدودة "، وفي هذه النبذات حديث عن مساكن لأهل السماء وأخرى لأهل النار، مما يعني أن الأرض لم تعد قائمة بنفسها، وليست هي منتهى البيوت، بل توجد غيرها مما لا يصيبها داء، أي الخالدة، ولا عناء فيها أي المريحة. ونقع في المعجم في معرض استشهادا ببعض الأيات القرانية، على صورة معمارية ناجزة لاكتمال مبنى السماء والأرض معا فـ "عمدها جبل قاق، وهي مثل القبة اطرافها على ذلك الجبل، والجبل محيط بالدنيا من زبرجدة خضراء، وخضرة السماء منه ".
12- بيوت الحيوان : ومنها "التمراد" وهو بيت صفير يجعل في بيوت الحمام لمبيضه، ومنه "المحاضن " الى جانب البيوت الخاصة بالغنم ومنها "الزرب " أو "الوطن ".
تعرفنا ؤ هذه القائمة الاثني عشرية على ضروب البيوت كلها، كما ترد في "كتاب العين "، غير أننا بقينا بعيدين عن انجازات عمرانية معروفة في زمن الخليل مثل بناء مسجد الصخرة أو المسجد الأموي، أو بناء قصور معروفة ؤ زمانه منها في مدينة البصرة : القصر الأبيض، والقصر الأحمر، وقصر النواهق، وقصر المسيرين، وقصر النعمان، وقصر أرس، وقصر أنس.
من هذه القائمة ينتقل بنا الخليل الى التعالق المعماري الناشيء بين السماء والأرض، وانكث في ميدان جديد للسكن هو السماء أو "دار الحرار" أو "دارالخلود" التي باتت تحدد السماء بوصفها "المحل "أي الآخرة لا "الاتحل " الذي هو الدنيا.
الصوت :
ومن الأسماء الجامعة الى جانب الدار ننتقل الى الصوت بضربيه اللغوي من جهة والغنائي من جهة ثانية. فإذا كانت الأصوات الأولى مشتركة بين البشر، فإن الثانية منها مختلفة تصاغ وفق "معالجات " مخصومة تقوم على وضع الأصوات في ألحان تحدث عند سامعيها حالات من النشوة والشجي والطرب.
فما نجده للصوت في "كتاب العين " تعيينات ثلاثة هي :
أ - الدلالة الفيزيائية _اللغوية.
ب - الدلالة الغنائية.
ج - الدلالة الصوتية -الدينية.
وهنا يفرق الخليل بين الحروف المجرومة والحروف اللينة التي لا صوت لها ولا جرس وهي الواو والياء والألف التي يسميها الحروف "الجوف " لأنها لا تخرج من الجوف ولا تقع في مدرجة من مدارج اللسان، ولا من مدارج الحلق ولا من مدارج اللهاة.
ثم أن الخليل لا يكتفي بالوقوف على مسار حدوث الأصوات في حروف، أي في ذاتها، بل يتعرض لحدوثها أيضا في ألفاظ وجمل، فيتوقف أمام الأعراض التي تصيب عمليات النطق مثل "التمتمة " و" التأتأة " و"الثعثعة " و"الخنة " و"الفنة " لينتهي منها الى تعيين صفات "الحسن " التي باتت تلحق وتقترن بالصوت والقراءة مما أدى الى التشابك بين الصوت الطبيعي والصوت اللغوي، وبينهما وبين الغناء وبين الفناء والحسن.
وقد عالج الخليل الصوت الطبيعي في المخاطبة الانسانية فرأى أن بامكانه أن يكون صوتا "خفيا" أو "هامسا" أو "رمزا" كمثل الايماء بالحاجب بلا كلام،كما عالج الصوت الصناعي على أنه "الضرب " أو "الطرق " أو "النقر" على آلة. ولكن هذا التعريف يبقى مقصرا عما جاء به الفارابي في كتاب الموسيقي الكبير، حيث يميز بين "تجويفات الحلوق وآلات التصويت الانساني" وبين "الآلات الصناعية " هذا الى جانب تمييزه في معرض آخر من الكتاب بين الألحان الكاملة المسموعة بالتصويتات الانسانية والألحان المسموعة من الآلات الصناعية وهذه هي الاستعمالات التي تتعلق بما "استلذ من صوت الطرب وتطويب الصوت " من دون أن يكون ضروريا كحاجة قائمة في الاجتماع الانساني.
واذا ميزنا بين "الضروري" و"اللذيذ" عرفنا أن "الضروري" لا يحتاج الى قواعد موضوعة بعكس "اللذيذ" وهو ضرب يحتاج الى صناعة وقواعد موضوعة مما فلقاه في أصوات الغناء والعزف والألحان.
ومما يقرره الخليل أن الشعر هو مادة الفناء الختارة، بل الوحيدة كما تنقلها الينا الأخبار الواردة في المظان. من هنا يأتي السؤال : الا يكون الفناء في أصل معالجة مخففة، لا تبتعد كثيرا في ايقاعها عن ايقاع الأبيات الشعرية المختارة للغناء، إن السؤال حول تاريخية التشارن والتقابل بين الفناء والشعر يشير الى اختلاف قديم يرقى الي العصر العباسي وقد عالجه أبو الفرج الأصفها ني في موسوعة "كتاب الأغاني" إذ أفادنا عن وجهتي نظر في المسألة:
- واحدة لأبي النضير (وكان مفغيا معروفا في زمن البرامكة ) يقول فيها أن الغناء يأتي على تقطيع العروض.
- وأخرى للموسيقي ابراهيم الموصلي، الذي كان يخالفه، ويقول بأن العروض محدث والفناء قبله بزمان.
فماذا عن الفناء ونشأته ؟ وهل يمدنا الخليل بواد تغيدظ في هذا المسعى؟ يمكننا اعتبار "الغناء" اسما جامعا لضروب من الأصوات بعينها مثل "السمع " و"النشيد" و"الترنم " و" الهزج " و"الزجل " و"الحداء" وغيرها، ولكن ما حقيقة الجمع هذه ؟ وهل يعني هذا أن الشعر هو في الأصل الغناء؟
 يشير المعجم الى أن الشعر يقع في أساس غناء القوم، كما وأن نشأة الغناء كانت من الموضوعات القي تناولها الكثير من الرواة والنقاد ومنهم : يونس الكاتب في كتابيه "كتاب النغم " و"كتاب القيان "، وابراهيم الموصللي في كتابيه : "كتاب القيان " و "كتاب قيان الحجاز"، و" كتاب الأغاني على حروف المعجم " لحسن بن موسى النصيبي الذي د،ذكر فيه من اسماء المفنين والمغنيات في الجاهلية والاسلام كل طريف وغريب "، هذا الى جانب كتابي ابي أيوب المديني، وأحدهما عن قيان الحجاز عامة والآخر عن قيان مكة خاصة.. إلا أن هذه الكتب -وقد ورد ذكرها في "فهرست " ابن النديم
_ لم تصلنا منها سوى عناوينها. لهذا اخترنا أن نتوقف مه شر بل داغر أمام ما خلفته لنا المصادر من كتابات وأقوال ابن خرداذبه سواء في كتابه "مختار من كتاب اللهو والملاهي". أو فيما نقله عنه المسعودي في "مروج الذهب " إذ يقول : "كان الحداء في العرب قبل الغناء" ثم "اشتق الغناء من الحداء"، ويجمع غير مصدر من كتاب ابن خرداذبه ونقول المسعودي عنه بوجود ثلاثة أجناس متفرعة أو لاحقة على الحداء وهي: النصب (أو غناء الركبان والفتيان ) والسناد (وهو الفناء الثقيل ذو الترجيع ) والهزج (وهو الغناء الخفيف الذي يرقص عليه، ويمشي بالدف والمزمار فيطرب ).
ولكن ما هي الآلات التي كانت تصاحب أنواع الغناء هذه وهي "الآلات الصناعية " كما يسميها الفارابي ومنها: "المعازف " أو "الملاهي" أو "أدوات اللعب " وما الذي يعين أصواتها ؟ إن أصوات الآلات تتحدد بأفعال محددة خاصة بها هي "الضرب "
 "القرع " و"النقر" و"الزمر" و" النفخ " وغيرها. ولكن السؤال كيف ندرج هذه الآلات في "كتاب العين "؟ وهل أنها تقوم على القوائم الثلاث التي ذكرها قدماء العرب ؟
 يتحدث المعجم في معرض تعريفه بـ"الصولجة " عن وجود آلتين تسميان "الصنج ": واحدة تسمى "لصنج العربي"وتكون في الدفوف وغديرها والأخرى دخيلة ولها أوتار،. كما وترد في "كتاب العين " تعريفات عن آلات تحدث أصواتا بنقر الأصابع وهي "الألنجوج " و"اليلنجوج ". وهو العود الجيد، الى جانب آلات الزمر التي تعتمد على الفم نفخا وزمرا : "كالمستقة " و"المزمار" و"الزمخر" و"الكوبة " و"الناي" وغيرها.
أما الآن وبعد أن فوقفا بين الأصوات الانسانية التي تتعين في الفناء وبين الأصوات الصناعية التي تتعين في الآلات، فماذا عن عملية وضع الألحان وماذا عن صياغتها؟
 انه سؤال لا يسعنا الاجابة عنه انطلاقا من المعجم بالرغم من أن الخليل يحدثنا عن ثلاثة أصوات تصاغ منها "الألحان "، حتى ولو لم نجد في المعجم سوى تعريف واحد منها وهو "الصوت الأجش ".
ومن فقر دلالة الألحان ينقلنا "كتاب العين " الى ضروب العزف حيث يميز المعجم بين استعمالين مختلفين للاسم المشتق من لفظ "عزف " بين "العزف " ويعني "اللعب " باحدي الآلات المحدثة للأصوات الصناعية، وبين "العزف " ويشير الى "ضرب من الطنابير يتخذه أهل اليمن ". غير أن كثيرا من الأسئلة تبقى معلقة دون جواب ومنها:
كانت هناك ألحان موضوعة خصيصا لهذه الآلة أو تلك، أو لغير آلة في آن ؟ وهل كانت هذه الألحان _ في حال وجودها ترافق الغناء أو تصاحبه ؟
 أما عن صناع الغناء، فيشير المعجم الى "المغنية " و" المسمعة " و" القينة " و" الجارية " و" أصحاب الألحان ". وقد تداخل الغناء بالبغاء الى أن اختفت "القينة " لصالح "المغنية "، حين بات مرتبطا بالطرب وحده، بعد أن انفصل عن الحانات والشراب والمواخير.
ومن المفنين والمنفيات ننتقل الى الصوت - الاستهلال الموجود في مادة،أهل " المعجمية، وهو الصوت الديني اذا جاز القول أو "التهليل " وهو ضرب يقترح المعجم تسميته "بالترنم " أو "القراءة" لأنه يعالج الأصوات الخاصة بالأعمال الدينية ومنها "الأوراد" و" الآذان " و" الترجيع " و"التنحنح " وغيرها، وقد كان للنبي (صلى الله عليه وسلم) موقف ايجابي من الغناء الذي لم يحرمه بل قال فيه "ما بعث الله نبيا إلا حسن الصوت " أو كقوله : "زينوا القرآن بأصواتكم ".
وهكذا وجدنا أن "كتاب العين " أشار الى ضروب ومعالجات غنائية سابقة على الاسلام، وترسم في اختلافاتها- بين التنغيم البسيط والأشد تركيبا- مسارا تاريخيا لا يقل عمقا عن بدايات الشعر العربي نفسه، ولا عن عادات الترحال في الصحراء.
يبقى أن نشير الى مسألة أخيرة وهي أننا لم نقع في "كتاب العين " إلا على اشارة بسيطة الى الرقص وهي لا تفيدنا الكثير. ولكن ابن خلدون يقول إن الرقص نشأ في العصر العباسي في عهد ابراهيم بن المهدي العباسي، وكانت مارسته تتم في الولائم والأعراس وأيام الأعياد ومجالس الفراغ واللهو.
الشعر:
ومن الصوت والفناء والتهليل ينتقل شربل داغر في "كتاب العين " الى الشعر ليرى أن الخليل لم يطلق على الشعر صفة "الاسم الجامع " مما يؤدي الى اعتباره نوعا بعينه في صناعة الكلام. وقد جاء في "كتاب العينن" : "أن الشعر هو القويض المحدد بعلامات لا يجاوزها " أما "القريض فهو نطق الشعر وهو ما تم شطرا ابنيته من الشعر". وقد نرى في هذا التعريف مايشير الى أن بناء الشعر يتألف من شطرين وان له علامات لا يجاوزها، ما يعني أنه مصنوع كلامي له صفات لازمة.
وفي "كتاب الأغاني" أخبار تفيدنا عن أيام الشعر في الجاهلية، وعن "الأسواق " وخصوصا عن المواسم فيها. ولكن هل توصلنا هذه الأخبار الى ضبط شيء من تاريخ نشأة الشعر في العربية في صورة موثقة ؟ ليس الأمر هينا إذا عدنا الى عدد من التأليف القديمة التي تنشر مرويات عن أشعار آدم حين حزن على ولده وأسف على فقده كما يفيدنا المسعودي في "مروج الذهب ".
فـ "كتاب العين " يرفدنا بمعلومات عن قدم "الرجز، لأن الحادي كان "يرجز" خلف الابل، وهو النوع الأول في الغناء الذي يشير الى القربى القديمة بين الغناء والشعر، مما يدعونا الى تأكيد قدم الشعر، من دون أن نقوي في صورة حصرية على تعيين هدايته الأكيدة.
وقد نقع في المعجم على وجود ثمانية بحور شعرية هي التالية :" الرمل، المديد، المنسوج، الهزج، الوافر، الكامل، البسيط، والخفيف " من دون أن نجد أثرا للبحور المعروفة عن استخراج الخليل لها وهي " المنسرح والمضارع، والمقتضب، والمجتث والمتقارب " فكيف نفسر هذا الغياب ؟ وهل ان تسميات هذه البخور هي تسميات مزيدة ؟
 إن ما قام به الخليل، لا يعدو كونه سعيا _"تنظيم " الكلام العربي وفق أطر وقوالب ذات معقولية برهانية، أو اجرائية. ويخيب عن بال الباحثين أن الخليل لم "يجد" النظرية التي قام عليها الشعر العربي، ولم "يسمع " بها من الأعراب الذين
 شافههم،وانما استخرجها من أشعار العرب،، أي ان ما اقترحه لا يعدو كونه "صيغة تدوينية " لا الحل الحسابي المكتشف لمعضلة توصل الى تعيين مجموع أطرافها فالخليل لم يضع التكوينات والصيغ فقط، بل سعى أيضا الى وصف العلل الداخلة عليها.هذا ما سعى اليه الخليل، مثل لاحقيه،إلا أنهم لم يجدوا "القالب " التام لحصر أصول الشعر مثل جوازاته من دون عسر بين. فلقد عمل العالم البصري على استنباط البخور، وعلى صياغتها في قوالب تدوينية، بعد وقت على تحقق هذه البخور في نتاج الشعراء أنفسهم، مما يفسر التفاوت اللازم بين التحقق والاستنباط. إلا أن هذه الأنظمة على مصاعبها ونواقصها، تبين لنا، خصوصا في جهد الخليل العناية التحليلية والوصفية والتعيينية التي أصابت الشعر في هذا الطور وهي عناية تشير الى رفعة المكانة التي بلغها الشعر في عمل الخليل.
ومن البحر والعلل ينتقل الخليل الى القافية وفيها يقول "وسميت قافية الشعر قافية، لأنها تقفر البيت، وهي خلف البيت كله "، ومن تعييناتها "الروي" وهو الذي يحدد الحروف الواقعة في القوافي.
أما الحالات التي تعتور حروف القوافي، فمنها "الزحافات " التي تصيب البخور، وهي التالية "الاكفاء" وقد يني طب القوافي على الجر والرفع والنصب، أو الاختلاط فيما بينها، و"الايطاء" ويعني اتفاق قافيتين على كلمة واحدة، و"المتدارك " وهو ما اتفق فيه متحركان بعدهما ساكن، وهي تعيينات وتسميات نقع عليها في الكتب اللاحقة منسوبة الى الخليل، كما نلقي ذلك على سبيل المثال في كتاب "مفاتيح العلوم " للخوارزمي.
وفي مادة المعجم فبذات تفيدنا أن الشعر لحان ينقسم الى أنواع بعينها،منها النسيب والنقائض، والهجاء والمديح. هذا الأنواع لا تحصي مجموع الأغراض الشعرية في الشعر الجاهلي، لذا فإن شئنا الوقوف على موضوعات القصيدة العربية قبل الاسلام وبعده، كان من المحتم العودة الى "ديوان الحماسة " لأبي تمام، وهو كتاب جمع فيه صاحبه أثنى عشر غرضا هي: الحماسة والمراثي، والأدب، والنسيب، والهجاء، والأضياف، والمدح، والصفات، والسير والنعاس والملح ومذمة الناس.
ومن القضايا التي شغلت الخليل في معجمه قضية "النحل " وهي الادعاء بقول الشعر لغير قائله. وهذا شأن متوقع اذا عرفنا أن جامعي اللغة مثل الخليل وأقرانه تنبهوا قبل غيرهم الى هذا الأمر، بعد أن راعهم لجوء البعض في البصرة الى اختلاف الأمثال والأشعار، وادعاء نسبتها الى القبائل العربية في الجاهلية. وهكذا كان للخليل أن يتبنى أمر النحل، وهو يعايش لجوء البعض في عصره الى رضع "مجموعات " من الشر القديم، أو الى روايته، وما صاحب دلية هذه من صلية اقحام وزيادة وتزوير، كانت محل نقد ومعاينة العلماء. وقد أفاد جمع اللغة، ودراستها وتصنيفها، وهو ما فعله الخليل في مسألة "النحل " و"التدوين ".
وينتقل الخليل في حديثه عن الشعر،الى مادة واسعة تتصل بتعيين الجن وصلاتهم بالشعر والشراء، وذلك من خلال أصواتها ومواضعها. ومن أمثلة "كتاب العين " ان للجن موضعا بالبادية هو "عبقر"، ولها "منازل " "يكره النزول بها" فالشعراء يهيمون في هذه المواضع، لأن الشيطان يستهوي الشاعر، بحيث يصبح "حيران هائما". ذلك أن الشيطان "فتان " يخطر في قلب الانسان ويوصل اليه "وسواسه ".
ونعرف من المعجم أن عددا من الجن يلازم عددا من الشعراء مثل ابليس لامريه القيس ومسحل للأعشى. لذا يجمع الشاعر في صفاته، حسب المعجم، بين "العفرتة " و"الشيطنة " و" الخبث " الى جانب " الظريف الكيس ". والشاعر يسترق السمع للجن ويذهب للقائهم ويذيع وساومهم. ويسمي المعجم هذه العملية "بالختل " أو "الاستراق ". ولهذا كان تشكيك الاسلام بالشعر، وطلب القطيعة معه، بوصفه منبعا اعتقاديا وعدم اعتباره بالتالي مصدرا للمعرفة.
وفي نهاية الفصل الثالث الذي هو "فصل الشعر" نتوقف لنسأل شربل داغر مؤلف "مذاهب الحسن " عن "مذاهب الحسن الشعرية " التي لم نتبينها لا في "تعيينات الشعر" ولا في "أغراضه " ولا في "صناعته " ولا في "المنحول منه" أو "المدون ". ويلح السؤال حول شرعية مناقشة مسألة النحل عند "ابن سلام الجمحي" في كتابه "طبقات فحول الشعر" وروايات "حماد" الجامع الأول للشعر، الذي لا يعرف له كتاب، وشواهد ابن النديم في "الفهرست " و"مفضليات " الضبي و"اصمعيات " الأصمعي، و" جمهرة أشعار العرب " لأبي زيد القرشي، و" مختارات شعراء العرب " لأبي السعادات الشجري، مرورا بآراء بعض المستشرقين ومؤلفاتهم، بدءا بتيودور فيلوكه، وديفيا صموئيل مرجليوث، وصولا ال طه حسين "في الشعر الجاهلي " وانتهاء بناصر الدين الأسد في كتابه "مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية "
والسؤال : لم هذه المجانية في إثارة قضية النحل، وهي مجانية ذات بعدين اثنين : البعد الأول وهو بعد اثارتها انطلاقا من معجم الخليل وهي اشارة لا تمت الى "مذاهب الحسن " بصلة، طالما أن الخليل لم ير الى الفرق بين المنحول والأصيل، ولم يقم المقارنة بينهما، ونقول انها "اشارة " لأنها لم تستغرق من الخليل ما استغرقته من مؤلف "مذاهب الحسن " من تبريرات واعتذارات، أدخلتنا في متاهة قضية المنحول، وكثرة التساؤلات حول صحة أو عدم صحة الشعر الجاهلي، وهي تساؤلات بقيت في حدود علامات الاستفهام والاستفهام والشك بعيدا عن إقامة الدليل أو الأدلة الدامغة
 وننتقل من هذه المساءلة الى مساءلة ثانية وهي : كيف يبرر مؤلف "مذاهب الحسن " عنوانا أخيرا من عناوين الشعر وهو "الشعر والجن " وقد كان القرآن مقياسه. اذ عبر من "كتاب العين " الى "القرآن " يقارن بين موقفيهما من "الجن الوسواس " ومن الشاعر الموسوس له. وكأن القضية تحولت قضية أخلاقية لا قضية فنية، يعالج فيها الكاتب مذاهب شعر "موسوس به " وآخر،أغير موسوس به " دون أن يرى الى الفرق بين جمالية هكذا شعرين أو هكذا نموذجين ؟
 هي أسئلة لا تجد أجوبتها في "شطحات " تفصيلية يعود اليها شربل داغر، ولا نجد في عودته تبريراتها الجمالية !!!
الدمية:
ومن الشعر ننتقل الى اسم جامع يورده "كتاب العين " ضمن مجموعات دلالية عديدة وهو "الدمية : الصنم، والصورة المنقشة " ويأتي تعريف الصنم مقتضبا في كتاب "العين ".ولكن تسمية الصنم تطلق على غير اسم مثل "مناة " و"هبل " و"يعوق " و"العتر" الذي يرد في مخيين، اختلف فيه "عن ما يقول الخليل : فهو قد يعني الذبح أو صنما بعينه، و"الدوار" وهو أن ينصبوا صنما ويجعلون موضعا حوله يدورون فيه.
ومن أسماء لأصنام المعلنة عند تريش : "إساف ونائلة "، و" اللات "، و"المناة "، "الهبل، و"ذوالخلصة "، ومن المعروفة عند قوم نوح "الود" و" سواع " وما قبل نوح "يعوق ".
وتنشيء هذه المعطيات المعجمية فيما بينها علاقات ترسم تواقيت تاريخ ما قبل نوح وما بعده وما قبل الاسلام، وما بعده. ونلحظ في تعريف "سواع " أقوالا تفيد أن أهل الجاهلية عرفوا هذا الصنم بعد أن،أغرقه الطوفان " وبعد "أن استثاره" ابليس لهم، وكأن الطوفان أغرق الصنم من دون أن يتلفه فعليا بل دفئه وحسب على ما يقول المعجم. أما في تعريف المعجم للصنم "يعوق " فنرى أن الشيطان أتى الى أحد الأقوام قبل نوح في صورة انسان فقال : "أمثله لكم في محرابكم حقي تروه كلما صليتم ".
غير أن لفظ "الصنم " في "كتاب العين " هو اسم نوع يقع تحته صنفان هما:
 _ صنم الحلقة، أو "الوثن " كما نتحقق من ذلك في تعريف الهيكل المسيحي الذي نتعرف بين موجوداته على صنم مصنوع على "خلقة مريم ".
- والصنم الحجري أو "النصب " : يتصل بالعبادة بدوره،إلا أنه حجر منصوب ومعبود، من دون أية إشارة دالة على وجود صورة فيه انطلاقا من حلقة آدمية أو حيوانية.
الى هذين اللفظين يضيف المعجم لفظا ثالثا هو التمثال أو "الشي ء الممثل المصور على حلقة غيره ". وربما يعني هذا أن الصنم كان "تمثال" في البداية، أي قبل أن يتمادى الناس في تعلقهم به ويجعلوه إلها لهم.
وهنا ينتقل مؤلف "مذاهب الحسن " مرة ثانية من "كتاب العين " الى "كتاب الأصنام " للكلبي سائلا عن صفعة الأصنام وصناعها. وعن النحت وفنونه، وعن تسوية الخشب ومعالجة الذهب والفضة والعاج بحيث أن شاعرا مثل عدي بن زيد العبادي يقوى على تشبيه النساء الجميلات بدمى الكنائس :
كدمى العاج في المحاريب أو كالـ   بيض في الروض زهرة مستنير
 ونعرف من "كتاب الأصنام " للكلبي لا من "كتاب العين " للخليل، أن التماثيل كانت معدة ومعمولة على شط جدة، وان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندما دخل مكة يوم الفتح وجد بها 360 صنما "مرصصة بالرصاص " كما يقول المقريزي.
لكن الخليل لا يخبرنا عن الحملة التي قام بها الرسول في مكة لتكسير هذه الأصنام أو حرقها.
ومن "كتاب الأصنام " للكلبي ينتقل شربل داغر الى كتاب "الاكليل " للهمداني وفيه حديث عن مغارة متقادمة فيها تمثالان عظيمان "قد مسخهما آلله جل ذكره حجرين، وهما في صورة قينيتين، ففي حجر احداهما عرطبة - أي طنبورة - قد مسخت، وفي يد الشمال مزمار ممسوخ " وهو وصف يعني فعل "النحت " على أنه فعل مسخ، إلا أنه يفيدنا عن وجود قينيتين وصورتين. وهو ما نتأكد منه أيضا في تماثيل الجواري النائحات على قبر حاتم الطائي، التي ورد خبرها في "مروج الذهب " منقولة عن منصور الطائي.
ولما كانت الشواهد الشعرية أو المرويات قليلة في الدلالة على فن التماثيل، فإن الكشوفات الأثرية التي أجراها عدد من المستشرقين في العقود الأولى من هذا القرن، في الجزيرة العربية ولاسيما في القسم الجنوبي منها، ثم الدراسات الحفرية التي قامت بها بعثة سعودية تحت اشراف عبدالرحمن الطيب الانصاري ؤ السبعينات من هذا القرن في قرية "الفاو" ساعدتنا في معرفة ما كانت عليه صناعة التماثيل في الجزيرة العربية قبل الاسلام.
وتقع في هذه التماثيل على ضورب مختلفة، يعود بعضها الى القرنين الأول والثاني قبل المسيح أو القرنين الثالث أو الرابع بعد المسيح، أي الى  فترة تاريخية واسعة عرفت فيها الجزيرة العربية عهودا رومانية في الحكم، واتصالات وثيقة ببلدان أخرى مثل الجزر اليونانية أو مصر أو بلاد فارس. وهذه التماثيل صغيرة الحجم غالبا لا تناسب الحجم الطبيعي للانسان، ولكن "يظهر أن اعتبار كثير من الناس للتماثيل أصناما قد أدى بهم الى اتلافها والقضاء عليها".
ولما كان الاسلام قد حرم في عقيدته وممارسته تصوير الحلقة الآدمية وتمثيلها، يبقى لنا فن تزويق الكتب أو "فن المنمنمة " الى جانب الصور والتماثيل المكتشفة في القصور الأموية وهي صور وتماثيل تدور حولها أسئلة كثيرة هل هي "اسلامية " أم أنه كانت موجودة في القصور الأموية وحسب ؟ وهل كانت معمولة من قبل صناع "مسلمين " أم من صناع "مسيحيين " عرب ؟ ومنها خاصة التماثيل التي تم اكتشافها في قصر "المشتى".
ومن بعثات المستشرقين والعرب ينتقل شربل داغر الى الباحث المصري أحمد تيمور في كتابه "التصوير عند العرب " الذي جعل من التماثيل فرعا من فروع التصوير، ثم عاد ليصنفها ويميز بين التماثيل "الثابتة " و"المتحركة ".
فمن التماثيل "الثابتة " ما أشار اليه "كتاب العين " "بالدوار" أو الصنم الذي كانت العرب تنصبه، "ويجعلون موضعا حوله يدورون فيه " وربما كان من أصنام مكة "المرصصة " بالرصاص.
- أما التماثيل "المتحركة " فمنها "اللعب وتماثيل الصبيان " و" تماثيل خيل مسرجة " و" تماثيل الحلوى" و" تماثيل الحقول " وغيرها.
ثم يعود شربل داغر لينتقل من الصنم الى الصورة المنقوشة يرى أنه انطلاقا من "كتاب العين " فتتحقق من وجود أربعة ضروب من الصور : الصور على الحيطان، والصور على الثياب والصور على السيوف والصور على الفصوص.
واذ لا تفي مادة "كتاب العين " في تعيين هذه الصور يعود
 شربل داغر ثانية ,الى كتاب أحمد تيمور "مستنده " في ضورب التماثيل، ليجعل منه مستنده في تصنيف ضروب التصوير على الجدران، وعلى الثياب، وعلى الستور، وعلى الخيام، وعلى الأقداح والأواني والمصابيح، ليفيدنا في شرحه أن هذه الصناعة لحانت فارسية. وربما أن العرب احتذوا مثال الفرس في تصاويرهم عند اقتباس هذه الصناعة عنهم.
ويأتي بعد ذلك التصوير على الأثاثي كما على باب أو وسادة، الى جانب التصوير على السلاح والنقود والشارات والبنود والكتب والصحف والألواح.
والسؤال الذي نطرحه على شربل داغر هل نحن بصدد رصد تطور الفنون عند العرب أم أن "الاحالات الموضوعية " يجب أن تقتصر على "كتاب العين " وهو موضوع الدراسة : خاصة وأن شربل داغر سوف ينتقل من الأصنام والصور المنقوشة الى الصنعة والصناع والمواد والأدوات التي لجأ اليها الصناع ولم تكن مدار بحث في "كتاب العين " باستثناء اشاراته الى الأصباغ والألوان، إذ نقع في معجم الخليل على قائمة متنوعة من الأصباع المستعملة في التصوير على حوامل مادية مختلفة كالحجر والجلد والقماش. وهي أصباغ مأخوذة من النباتات مثل ددالزريردد و"الوارس " أو من الأشجار "كالسلم " و" الشرف " و"الايدع ".
أما اللون على ما يفيد "كتاب العين " فهو لفظ مشتق من اللينة ويعني كل لون من النخل والتمر. ثم يتوسع الخليل في "كتاب العين " ويشير الى ألوان الحلقة الانسانية مثل الرجل "الأمعر" اللون، وهو لون يضرب الى الحمرة والصفرة وهو أقبح الألوان " والرجل "الأمغر" وهو الأحمر الشعر والجلد. والمرأة "النعجاء"، "أي الشديدة البياض. هذا الى جانب "البقع " وهي "ألوان يخالف بعضها بعضا" و" الكميت " وهو "الون ليس بأشقر ولا أدهم ".
وهكذا فإن مادة "كتاب العين " اللونية وفيرة وهي مادة تناولتها دراسات عربية كثيرة منها د،الألوان في معجم العربية " لمؤلفه عبدالكريم خليفة الى كتاب "الخيل " لأبي عبيدة معمر بن المثنى المثيمي.
أما عن التصوير الاسلامي، فلا نجد في " كتاب العين " معلومات دالة على ممارسة التصوير في العهود الاسلامية، ولكن نقع على أقوال تعين التماثيل بوصفها صورا ومنحوتات في آن، لأن المعجم ينطلق من علاقات التقابل والمقايسة طلبا للتشابه أو التطابق بين شيشين قد يكونان متعادلين أو متزامنين، وهو تقابل كان يؤدي في المعتقد الجاهلي الى اعتبار التمثال أصلا لا شبها عن صورة.
وقد أورد الخليل في "كتاب العين " النهي عن التصوير في الاسلام، وتحدث عن العقوبات اللاحقة بالمصورين فيما لو استمروا في التصوير "ان أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون " ود،من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ ".
وبالانتقال من "الصورة " الى "الدمية " ودلالاتها يقول "كتاب العين " عن صنم "إساف ونائلة " : "إساف اسم صنم كان لقريش. ويقال إن اسأفا ونائلة كانا رجلا وامرأة دخلا البيت فوجدا خلوة، فوثب إساف على نائلة فمسخهما الله حجرين ".
أما فيما يتعلق بهذه الأصنام والأوثان ومواضع عبادتها، فهناك اشكالية الأصيل والدخيل - المعرب. وقد نقع في تعريفات "كتاب العين " على لفظ "البد" بوصفه لفظا دخيلا ومعربا عن "بت " الفارسية، ويشير الى "بيت فيه أصنام وتصاوير" أي أنه يعني ما يسميه الكلبي بـ "الطاغوت ". كما أن لفظي "وثن " و" صنم " هما من أصل غير عربي على ما يعتبر المستشرق فرا نكل.
ويبقى لفظ "الدمية" الذي يدل على التماثيل المصورة، والمسيحية على الأرجح مثل حديث عدي بن زيد عن "دمى العاج في المحاريب " أو الدمية التي فتنت قسها في بيت أبي العتاهية، أو دمية المحراب عند أمية بن أبي عائذ، أو الدمية التي "زينت بها البيع " اي الكنائس في بيت للأخوص. ولعل هذه الدمية هي السيدة العذراء، التي يذكرها "كتاب العين " خاصة وان الكنائس تحفل بها حسبما يتضح من وصف ياقوت الحموي لمحتويات عدد من الأديرة. وهي دمى كانت من عاج أو مرمر و" مذهبة " أيضا، حسبما تشير أبيات للأعشى وعبدالله بن عجلان وسلمى بن أبي ربيعة.
أخيرا ان حمولات معاني التماثيل والصور والدمى تعين تعايشا وتنافرا بين دلالات جاهلية وأخرى اسلامية : حمولات ترى الى الصنيع الفني المختلف الذي يقوم به عدد من البشر على أنه "العجب العجاب "، وأخرى ترى اليه على أنه من صنيع قدرة غير انسانية، بل خافية عليه وشريرة، هي قوة الشيطان.
فهل هذا يعني أن الصور لم تعد ممكنة إلا عند الواحد الأحد وأن غيرها أطياف، هل يعني هذا أن الخلق الجميل لم يعد موجودا إلا في كتابه "المبين " وان غيره وساوس ؟ لأن الابداع هو ابداع من دون أصل ومن دون طيف، وقد تعين عالمه على أنه عالم الحق والجمال المتحقق عند "المصور" الواحد الأحد.
الشارة :
ومن الدمية الى "الشارة " يقودنا "كتاب العين " الى التعرف على مجموعات دلالية متعلقة بالجسم البشري بوصفه موضوع تحسين ومعالجة من خلال "الشارة " التي تعني الهيئة واللباس الحسن. فكيف للجسم أن يكون أحسن في مظهره ولاسيما باللباس ومواد الألبسة ؟
 في المعجم تعريفات بألبسة عديدة، وتتضمن مواد دالة على صنعها منها : "الصوف " الذي يرد في قائمة المواد الأكثر استعمالا في الألبسة وهي: "المدرعة " و"القرام " و"الخميصة " و"الخملة " و" الكوارة " و"القهز" و"الأخريج ".
ويلحق " الكتان " بـ "الصوف " ونجده في الملابس التالية : "الخيش " و" القصب " و" القنب ". والى جانبه الحرير ومنه "السرق " وهو أجوده أو الدمقس أو الخز أو "الرقم ". ويضاف الى هذه المواد القطن والفراء، والوبر، والسلوك أو الخيوط التي تخاط بها الثياب.
أما مواضع صناعة هذه الملابس فمنها اليمن، ومصر ومكة، والعراق، وارمينية، وبلاد فارس، والهند، والصين، وهي بلاد فثر فيها الصناع : فمن الحائك الى الناسج والخياط والقصار وصولا الى الرجل المطرز.
وقد نقع في المعجم على مواد تعين لنا ألبسة مخصومة، سواء للقامة، أو للرأس،أو للبدن، أو للجسم في هيئته الظاهرية ما يحدد تصورا شديد التبلور للباس.
فمن ألبسة الرأس الخاصة بالمرأة "البرقع " أو "النصيف " أو "الخمار" و" القناع " و" المقنعة" و"اللفاع " و" النقاب " و"البنجنق ". أما لباس الرأس للرجل فهو لباس واحد، يقع في خصوصية اللباس العربي وهو "العمامة ".
هذا للرأس، أم الغلالة فهي ثوب للبدن خاصة، ويلحق بها "الشعار"، وهو ثوب يلي الجسد دون ما سواه من اللباس، يضاف اليه "الأتب " وهو ثوب ذو كمين، أو "الخيلع " وهو ثوب بدون أكمام. ومن ألبسة بدن الرجل نقع على "البتابين " و" السراويل " و" القمصان ".
ومن الألبسة التي يلبسها الرجل في البيت فقط هناك "الفضال "، أو ما يكون رأسه ملتزقا به مثل "البرنس ".
وفي المواد المعجمية أسماء ألبسة يتم تعيينها على أنها للجنسين معا وهي
"الازار" و"العباية " و"الملحفة " و"الجبة " و"المطرف ".
وقد أشار المعجم الى ألبسة معينة لليد "كالقفاز"، أو للقدم مثل "الخفاف " أو "النعال السبستية " أو "الخفاف المحررة ". ولكن السؤال يبقى حول الثوب الحسن والبرود اليمنية ذات المواد النادرة كالحرير والدمقس والخز، والتي يؤتى بها من مواضع بعيدة كالهند، وتكون مصبوغة وملونة بحيث تؤدي مباغتها الى عمليات "تمويه " و"خداع "، كثوب "الكذابة "، أو الثياب الموشاة "بصور الطيور"، و"الترابيع الصغار" و "المضلعة " و"المخططة " وخلافها.
ولما كان الكساء من أقدم الهواجس التي شغلت بال الانسان، فإن ألفاظا دخيلة معربة نقع عليها في المعجم ويتعذر علينا تعيين أصولها. لذا لجأ مؤلف كتاب "مذاهب الحسن " الى انتهاج سبيل اضافي، قام على اجراء مقارنة بين قائمتين للألبسة ترد الأولى في كتاب عن الألبسة الجاهلية "الملابس العربية في الشعر الجاهلي " ليحيى الجبوري، والثانية في كتاب عن الألبسة العباسية "الملابس العربية الاسلامية في العصر العباسي من المصادر التاريخية والأثرية " لصلاح حسين العبيدي.
وقد انتهى شربل داغر من المقارنة بين هذه القوائم الثلاث الى ورود عشرات الأسماء من الألبسة في "كتاب العين " مما لم يجد له ذكرا في القائمتين الجاهلية والعباسية وهي الألبسة الآتية "البرنكان "، و"الجهرمية "، و"الجوب "، و"الحبوة "، و"الحنة "، و"لخافة " و"الخصف " و"لمخموس " و" الخنبعة "، و" الخوخة "، و"الخيش "، و"الدرقل "، و"ديابوذ"، و" الرادعة "، و" السكب "، و"السند"، و"الشطوية "، و"الشليل "، و" الشملة "، و"القبطري"، و"القطيفة "، و"القفاز"، و" الكذابة "، و"الكرباسة "، و" المشملة "، و" المضلع "، و" المفلفل "، و"المقطعات "، و"الممرجل "، و"النشاش ".
وهذا يعني أن الثياب التي توصل شربل داغر الى تعيينها انطلاقا من "كتاب العين " قد ساهمت في تعيين عدد أوسع من الألبسة العربية التي ينفرد بذكرها هذا المعجم والتي لا يوجد لها أثر في المعاجم اللاحقة.
إذا كانت هذه هي الحال مع اللباس وتعييناته، فماذا عن الحلي، والهيئة الحسنة القي لا تقل قيمة عن اللباس في تحسين الظاهر البشري؟ وهل تختص المرأة بالحلي دون الوجل ؟
 هناك نوعان من الحلي : واحد مخصوص بالمرأة والآخر بسلاح الرجل. ومن المعروف أن حلي المرأة تصنع غالبا من الجواهر والأحجار مثل الخرز والذهب والفضة والنحاس واللؤلؤ والدر والياقوت والمنا قف أو الأصداف.
وهناك حلي للرأس مثل العصبة أو الأ كليل وأخرى كالمعاليق والحلق والأقراط للأذن، وأخرى للعنق والصدر مثل العقود والقلائد والتمائم وأخرى لليد مثل الخاتم أو الأمورة وأخرى للوسط مثل الزنار للثياب، والتلة للسراويل، وأخرى أخيرة للقام وهي الخلخال.
وتلحق بحلي النساء تحلية السيوف للرجال، لأن العرب كانوا يعتبرون أن حلية الرجل هي السلاح عموما، والسيف خصوصا.
أخيرا، يأتي دور العطر في السلوك الاجتماعي وتحسين الهيئة فنتعرف من خلال "كتاب العين " الى حرفة العطارة والعطارين في إعداد وبيع العطور والأدهان التي منها: الزعفران والطيب والفار والمسك والكافور والعبير والياسمين والمحلب وهي تستعمل إما للطفح على الجسم واما لتطييب الثياب ورقرقتها.
هكذا بينت لنا دلالات "الشارة " في "كتاب العين " الجسم في قامته "كقطب " يستدعي سلوكات في اللباس والتجمل والتزين بوصفه موضع استحسان في النظر أو في الشم.
الكتابة:
ونصل الى الاسم الجامع والأخير في كتاب مذاهب الحسن وهو "الكتابة " أو الصنيع الانساني الذي يجعل من التدوين عملا مخصوصا لا يقتصر على التسجيل وحسب، وانما تلحق به وتعينه صفات مستحسنة انطلاقا من الكتاب الديني مرورا بكتابة العهود والمواثيق الرسمية وانتهاء بكتابة المصنوعات اللغوية.
وقيل أن "أهل الأنبار" وضعوا الخط العربي، وبعضهم قال : أول من وضع الخط العربي نفر في طيه بن بولان. وجاء في كتاب "العقد الفريد" لابن عبد ربه : "ان أهل الحيرة أخذوا الخط العربي عن الانبار وقاسوا العربية على هجاء السريانية ". أما عفيف البهنسي في كتابه "الخط العربي" : أصوله نهضته، انتشاره فيرى أن نشأة الكتابة العربية ترد الى ثلاث نظريات :
1- نظرية تقول إن أصلها يرقى الى الكتابة السريانية الخيرية.
2- نظرية ترى أن الخط مشتق من الخط المسند الحميري، أو من فروعه التي عرفت عند الثموديين والصفويين واللحيانيين.
3- ونظرية ثالثة تقول إن الكتابة التي ظهرت في جبيل انتقلت الى الآراميين، ثم استعمل الانباط الكتابة الآرامية وطوروها وامتد تطورها الى العربية.
ولكن ماذا عن "كتاب العين " وتعيينات "التدوين " و" الكتابة " فيه : قد لا نقع في "كتاب العين " إلا فيما ندر على لفظ "دون " ومشتقاته، فيما نقع على عدد كبير من مشتقات الفعل "كتب ". وفي المعجم فبذات تشير الى "كتب " اليهود والمسيحيين الدينية، الى جانب صانعي هذه الكتب وهم "السفرة " أو "الكتبة " ومنهم الشاعر ورقة بن نوفل الذي "كتب بالعربية من الأنجيل ما شاء أن يكتب ".
ونجد في المعجم معنى آخر "لكتب " هو المتصل بتدوين الاتفاقات وكتب المواثيق والأحلاف التي منها "حلف خزاعة" و" حلف اليمن وربيعة " و "صحيفة قريش " واذا كان المعجم قد ميز بين " الكتاب الديني" و" الكتاب الرسمي" فقد أشار الى صنف ثالث وأخير دعاه،"الكتاب المنمق " المتميز بعمليتي "الترقيش " و "التنميق " مما يفيد عملية التحسين في هيئة الكتابة المرئية.
وفي المعجم فبذات ترسم في صورة أساسية وحاسمة "التنزيل " القرآني ثم "جمعه"، في كتاب : تفيد هيئة المادية أدان له دفتين.، أو" ضمامتين من جانبيه " وله "عرى" تشده "هي الشرج " فيصان من التفرق. وهو يتألف من "آيات الله "، والآيات تؤلف سورا بعينها، ولها "فواتح " أي أوائل و" خاتمات ". ولكن السؤال ما التأثير المتمادي على الشكل "الحسن " المرئي للكتابة العربية ابا وما المقصود بعملية الجمع هذه ا!
السؤال جدير بالطرح بعد أن علمنا من المرويات عن الصحابة أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) سارع غير مرة وطلب من أحد كتابه تدوين ما بلغه من الكلام المنزل. إلا أننا لم نقع بالمقابل على أي حديث يفيد طلب الرسول أو رغبته في ضم جميع السور والآيات في "كتاب " واحد، فما سبب ذلك ا!
لقد استدعت عملية ايصال القرآن الى أوسع فئات المسلمين، وفي كيفية واحدة منسجمة عملية جمعه وتدوينه، ال جانب احداث علامات جديدة مانعة للبس في النطق والفهم، وهي ما سمي بعلامات "الشكل والأعجام " التي بدأت مع أبي الأسود الدؤلي وانتهت مع الخليل نفسه مرورا بيحيى بن يعمر ونصر بن عاصم الليثي.
هذه التعيينات الأولى المتصلة بالقرآن، تضاف اليها مواد أخرى دالة على الكتابة في العهد الاسلامي، فما هي :
من المواد الجديدة التي عرفتها الكتابة في العصر الاسلامي مواد مجلوبة مثل "القرطاس " الذي يتخذ من بردي مصر و"الكاغد"، الخراساني، و" الورق " الذي عرفه العرب بعد غزو أرمينيا، و" ورق المصاحف " المصنوع في الدها. ونتبين في هذه المواد المعجمية مجالات جديدة للكتابة منها :
1- الدواوين : مجال يعين الكتابة بوصفها العمل قرب الخليفة أو الوالي.
2- الوراقة : وهو "النسخ " أي "نقل " مادة كتاب وتدوينها على حامل جديد من دون إخلال أو تعديل أو زيادة على النص المنقول.
3- الكتاب : مجال يعني نوعا من الكتابة خاصا بالغلمان والصبيان.
أما مواد الكتابة الأولى وأدواتها فقد كان منها "اللخاف " أي الحجارة البيض الرقاق، والألواح وهي كل صحيفة من صفائح الخشب، والعب والكر انيف والعظام والجلود والأقمشة ولحاء الشجر والفخار والخزف والبردي والكتان، خصوصا في مصر.
وقد كانت أول بردية كتبت بالعربية في مصر الاسلامية بقلم حنا المعدة والشماس وأبي حديدة. ونتبين من هذه الاشارة الدور الذي لعبه الأقباط، اذ كانوا الصناع في مراكز انتاج أوراق البردي كما أشار الى ذلك المقريزي في "الخطط ".
وقد نتبين في "كتاب العين " شيئا من الأدوات المستعملة في الكتابة ولاسيما "القلم "، فهو الأداة الأساسية للكتابة مع "المداد" أو "الحبر".
ونتعرف الى جانب "البرديات " على "الكتابة على المسكوكات " ولاسيما مع العملات التي كانت تحمل على صفحاتها كلمات من مثل : "بسم الله " في الفترتين السأسانية والأموية.
وتتبع الكتابة على المسكوكات الكتابة الفسيفسائية التي توجد على قبة مسجد الصخرة والتي يبلغ طولها 240مترا. وأخيرا تأتي الكتابة على المنسوجات التي تشتمل على أيات قرانية وعبارات إهداء ذات خطوط متنوعة.
وقد أفادتنا مواد الكتابة عن صفات "مستحسنة " وأخرى "مستقبحة " في هذا الفن مثل "الطلخ " وهو إفساد الكتاب، و"الطلس " ويعني الكتاب الذي "محي ولم ينعم محوه " و" التدميج " ويعني "إفساد السطور بعد كتابتها". أما المؤشرات الايجابية فمنها "التحبير" وهو "حسن الخط " و"التحرير" ويقوم على "اصلاح السقط ".
أما الخط الذي يشير اليه "كتاب العين " فهو "خط الجزم " : وهو الخط المتساوي الحروف، ويتضح أنه خط ضخم المقاسات، متحدر من الخط النبطي والسرياني في آن معا.
ومن المعروف من الممارسات التحسينية التي أضيفت الى صفات الكتابة المستحسنة : زخرفة الجلد، وتغليف المخطوطات، وهي تحسينات كان أغلب صناعها رهبانا في الأديرة القبطية.
أما عن عمليات التزويق التي ذكرها "كتاب العين " فنحن نجد : "الترقين " و"التزيين " و" التنيق " "النمنمة " و" النقش" "التنميل".
وهكذا التقت ندرة الكتابة كفعل مادي تعوزه المواد الصالحة والمتينة للتدوين مع أمية الجماعات في العهود الأولي، ومع تأكد القرآن ككتاب، وأدت هذه العوامل كلها ال جعل الكتابة محل عناية خاصة، مطلوبة ومستحسنة : جعل الكتاب في شكله وهيئته "لائقا" بل مناسبا لأصله العلوي.
الى هفا يمكن القول إن شربل داغر يقدم في الفصول السابقة من الكتاب عرضا منسقا لـ "الفنون " مستندا الى ما حفظه المعجم من معلومات ومعطيات ودلالات واعتقادات والى معطيات التاريخ نفسها عن هذه الفنون. إلا أن الحديث عن "الفنون " لا يجيب تماما عما أراد عرضه، أو تسميته، ذلك أنه يلاحظ في الفصل السابع، الموسوم بـ "نعوت الصناعات "، ان اطلاق لفظ "الفن " وفق المعنى
 الساري حاليا في الكتابة العربية، أي الصنيع الدال على المنتجات البصرية الجميلة تخصيصا، يرقى ال مطالع القرن الجاري، لا الى قبلها، وهو ما دفع به الى النظر الى مسألة "الحسن " (أو الجميل ) نظرة تبعده عن التقسيمات والتصنيفات الجارية ذات الأساس الأوروبي، بعد أن لاحظ أن تصنيف الفنون الأوروبي تغير على مر العصور : بين "فنون عقلية " وأخرى يدوية في عصر، وبين فنون جميلة وفنون تشكيلية في عصر آخر وبين الحديث عن دخول فنون جديدة الى قائمة التصنيفات هذه مثل "الفن السابع " أي السينما.
وهذا ما جعل داغر ينظر الى الفنون من وجهة تاريخية مربوطة بالثقافات أي انها لا تحدد بمحددات "جوهرية " بالتالي، ولا بمباديء فلسفية مفصولة عن المحددات التاريخية والثقافية والاجتماعية هذه. وفي ذلك يساهم في نقد النظرية الجمالية في هبناها التأسيسي. ويدعو بالتالي الى قراءة "أناسية " (انثروبولوجية ) للصنيع الفني "الحسن " (أو الجميل ). وهو ما يطبقه على حاصل القراءات والخلاصات في المجاميع الدلالية الستة، أي أنه ينظر الى "الفن " بوصفه عملا، وخبرة، وصيفا، واقعة في جملة الأعمال الاجتماعية التي يقع فيها التمايز والأسبقية على الجودة، كما يقع فيها التنافس على الحيازة (حيازة "الذخائر) كما تقول العربية.
ويتوصل داغر في المراجعة هذه الى الوقوف على حقيقة المكانات الاجتماعية والاعتبارية التي فازت بها "الفنون " أو الصناعات في الزمن العربي - الاسلامي المدروس، فيجد أن الشعر يحتل أعلى المكانات أو المراتب هذه، بل يبدو الحسن بعينه فيما تتدنى مكانات الفنون الأخرى، على أن بعضها (مثل التصوير والتمثيل ) لحقه المنع في عدد من شواغل الفكر والتصنيف في تلك الحقبة اعتنت بعلوم دون علوم (أو ما محضتها رتبة العلم )، وميزت فنونا عن فنون (أو ما محضتها رتبة الفن )، ويتأكد من أن الاهتمامات والشواغل هذه لا توافق ترتيبنا الحالي للعلوم والفنون في آن. لهذا يمكننا القول إن الحسن الاسلامي كان موجودا في الأعمال، في التنافسات الاجتماعية، في التسابقات بين الصناع أنفسهم، وف الصفات التي طلبها الصناع في المصنوعات نفسها، وفي النظرات الجمالية التي ثمن بها كتاب وفلاسفة هذه المصنوعات المختلفة (من القصائد الى المنسوجات الى التزويقات وغيرها)، لكن هذا الحسن الاسلامي لم يكن موجودا في متن خاص، وفق الصورة التي تجمعه فيها في أيامنا هذه نقلا عن الأوروبيين، ولا في الترتيب الحالي المعتمد للفنون هذا.
ثم يعرض شربل داغر في الفصل الأخير الموسوم بـ "مذاهب الحسن " حاصل القراءات هذه على تاريخ المذاهب والاعتقادات الفلسفية والدينية في الحقبة المدروسة، بين اغريقية ومزدكية ويهودية ومسيحية واسلامية فيتحقق من وجود مساع في النظر التحليلي والتقويمي تبدأ في القرن الرابع قبل المسيح في الفكر الاغريقي، وتقوم على جعل فكرة "الجميل " تنفصل عن الحسي والمرئي صوب المجردات والذهنيات والعلويات، هو ما يبلغ في "الحسن الاسلامي" صيغته الأعلى والأبعد، إذ يجعل الحسن خارج الدنيا والبشر والمصنوعات، وأن نرى في مصنوعات البشر الدنيوية العينات المادية العقلية لما كانوا يعلون من شأنه ويجعلونه خارج التداول والمعاينة.
أمينة غصن (كاتبة وأستاذة جامعية في لندن)
 

إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html





بسام حجار - لأروي كمن يخاف أن يرى



دار المطبوعات الشرقية. بيروت  1985 |  سحب وتعديل جمال حتمل | 120 صفحة | PDF | 3.08 Mb
http://www.mediafire.com/view/3vxvj6t3892pii9/بسام_حجار_-_لأروي_كمن_يخاف_أن_يرى.pdf
or
http://www.4shared.com/office/T6oJsM5Fce/__-_____.html

قيل فيه كلام كثير. أصدقاء وشعراء ونقاد وفنانون وزملاء مهنة ودارسون اجتمعوا حول ورق الصحف ليملؤه في اليوم التالي لوفاته. كان رحيل بسام حجار في السابع عشر من شباط 2009، بمثابة فاجعة أدبية. حتى أولئك الذين نبذوه مهنياً، وتناقلوه من قسم ثقافي إلى آخر، حزنوا من أجله، وربما ندموا. ذلك أن رحيل ذلك الرجل الخجول لم يكن مجرد موت، عرفنا جميعاً أننا سنفتقد أحد أهم الأسماء في الشعر، وفي الترجمة أيضا. كان موته ضربا من خيبة الأمل، لأننا كنا نعتمد كثيراً على بسام حجار في نقل ترجمات إلى العربية، قبل أن نتوقف عند شعره. لذلك فإن فقده كان شبيها برزمة من الخسارات التي نثرت في وجوهنا. وفي واقع الأمر، هناك دائما مبرر لخسارة شخص، تسليم بأمر المرض، أو الفنائية أو الباب الذي سنعبر منه "إلى الجوار المخيف" (على حد قول بسام حجار نفسه). وهناك تسليم أيضاً بأن اللغة تتخطى العزلة أو اليأس، أو الانغماس في الأنا، أو تتخطى الفرح والزمن والنكتة والابتسامة وحتى أنها تتخطى الوجوه. هذه اللغة هي كل ما ترك لنا بسام حجار، لغة روائيين عالميين حمل على كتفيه، كتبهم وأودعها صندوق البريد العربي، وغادر باكراً.
بسام حجار قد لا يطلب منا شيئاً، لا شيء على الإطلاق، كما قد تؤرقه المراثي، والمديح على السواء. ذلك أن الرجل على الارجح، لن يسألنا أن نذكره، وهو المتقشف في علاقاته الاجتماعية، الذي لم ينحز عملياً إلى المقهى أو المدينة "بيروت"، أو أي مكان خارج مكتبته وغرفته ومدينته المتواضعة والبسيطة صيدا. عرف عن بسام حجار انطوائيته بما يشكل له الفسحة، لأن ينجز ترجماته وكتاباته. لكننا لا نجزم بأنه آثر ألا يضيع وقته في الأحاديث على طاولات المقهى. وذلك بسبب الفيض الهائل مما كتب عنه السنة الماضية (بغض النظر عن مستوى صدقية المكتوب). المؤكد أن هناك من أحبه، لكن كان هناك من شعر بـ"غيرة أدبية" منه، كما من حاول التباهي بمعرفته الطويلة بالمتوفي، عن طريق سرد حكايات شخصية لم يرقى بعضها حتى إلى مستوى الـ"عيب". إلا أن ما يفوق الحزن حزناً، هو ذلك الانقضاض الشرس على صورة حجار، بعيد وفاته. وهي بكل الأحوال ظاهرة لا تجد مثيلاً لها في دول تحترم أدباءها. وفي مقابل ذلك، كان لبعض أصدقائه، فضل إقامة تكريم خاص له، طبعاً مقابل وزارة الثقافة النائمة بالتسي تسي. لم يحظى حجار منذ وفاته وإلى اللحظة هذه بتكريم، أو تنويه رسمي بأعماله، والأكيد انه لو انتظر هذا الأمر في حياته، لما استمر يشتغل بنفس الوتيرة، لأن من ينتظر تكريماً من وزارة أو جهة رسمية، يموت قبل موته. في كل عمل قدمه حجار، كان ثمة نوع من احتفاء شخصي باللغة، وبالذات. لذلك فإن ما سوف يكتب فيه، سيكون متأخراً، وتافهاً ولا ينتظره ربما بسام نفسه.
شعره وترجماته
عرف عن بسام حجار حضوره الخجول في المناسبات الشعرية والثقافية، كما أنه ضبط نفسه كشاعر، متوازناً مع إيقاع مناخات قصيدته. فلم ينخرط في جيوش وتكتلات وظواهر اجتماعية خاصة بالشعراء، ولم يكن شاعراً مدينياً بمعنى معايشته للمدينة، كذلك لم تستهوه مسألة إعلان الأنا في الحانة أو المقهى أو وسط الضجة أو التكاثر البشري المتزايد حول اسمه. كانت له بوصلة وحيدة ترشده إلى طاولته الشخصية وأغراضه التي "لن تعرف أبدا أنه رحل". فكان يمشي سائراً في نوم اللغة، يلكزها لتصحو، لكن دون ان يثير نقاشاً أو سؤالاً أو ريبة، بقدر ما كان يثير دوماً الفضول في رؤيته، رؤية وجهه، كيف يتكلم وكيف يدون الملاحظات وكيف يجادل أو يناقش أو يقنع أحداً بفكرة. كان شاعر نفسه، وغرفته وأدواته وهواجسه وتشاؤمه وعلاقته مع الموت والغياب وسوداوية العبارة والفكرة الشعرية. لذلك فإن موت بسام حجار يطرح إشكالية التشابه والانفصال ما بين الشاعر ومادته المكتوبة. وأي قراءة وإن كانت شديدة التمهل، في قصيدته، لا يمكن إلا أن تتدخل فيها شخصيته، وإن بشكل عابر. هذا التقاطع ما بين عزلة الشاعر عن العالم البراني، وعالم قصيدته المحدود العناصر، هو أحد أكثر الالتباسات حول شعر حجار، بسبب أن الشاعر لم يحد عن ذلك الكون الذي اختاره مؤطرًاً بالوساوس السوداء والرمادية والقليل من الأبيض والألوان الأخرى، المفتوح دوماً على باب الغياب والخشية منه والحوار معه.
مجموعته الشعرية الاولى حملت عنوان "مشاغل رجل هادئ" (1980)، ولم يكتمل مناخها ويثبَّت في ذاكرة القارئ، إلا بإصدار ديوانه الثاني "لأروي كمن يخاف أن يرى" (1985). بين تلك الأعوام الخمسة، كان بسام حجار، يقدم لغة مقتضبة ومجربة، مقتصدة وعميقة، سهلة العبارات وملأى بأفخاخ المعنى، لذلك فقد عاين الشعر من مسافة ما أتاحت له أن يوسع هامش القصيدة، دون أن يلتزم بما هو أكثر من مسألة شخصية. قصيدة حجار، التي تحمل صوتاً خافتاً وتذبذبا بطيئاً وموتراً في القارئ، التزمت اولاً بتلك المساحة الشخصية، المشبعة بالألم وأسباب العزلة. ففيما كانت قصائده منزلية بجغرافيتها، كان لجوؤه إلى عناصر الطبيعة، محاولة طارئة لجعل مساحة هذا الألم أكبر أو لدمجه بالمكان الخارجي. في مجموعته الثانية، نلمس هاجس الزمن، وهاجس الخسارة، أو نقصان العمر. في قصيدته "الثلاثون"، يقول "والثلاثون عمر تافه/ وضجري/ يدخل في عمر الأمثال". هنا يستبعد الزمن، أو ينزوي في الصندوق، الذي يحتله زمن آخر، كلي، قديم، ويظهر الشاعر فاقداً لإيمانه باللحظة الراهنة، وبحيثياتها كما يقول "حتى مطلع الثمانينات، كانت ثلاثة عقود من تجارب الشعر ونقده قد اورثتنا سجلا ًحافلاً برطانة (الثورات) داخل اللغة". لعل هذا يبيِّن لنا ناحية تقنية متعمدة في شعره. إذ قارب بين قيم مادية محددة وقيم مجردة ( الخشب/ الوقت، الجدران/ الهدوء، الجسم/ الصلوات، الغليون/ الليل، الحبر/ المساء، الركام/ الفراغ، الأمكنة/ المسافة..). ويمكننا إذا صح التعبير، قول إن بسام حجار كان يحمل عباراته الخافتة، في توازن شديد وصعب بين النوعين المختلفين من القيم. ظلت الأصوات في قصيدته أحادية، مخاطبة الذات او المرأة أو الجماعة أو الصديق أو اللغة نفسها. والمخاطب في قصيدته، لا يقيم على مسافة كبيرة من الشاعر نفسه، هناك تقارب هائل بين الشاعر وكائنه بسبب المفردة الواحدة التي يتقاسم معناها معه، حتى نتخيل أن المتكلم والمخاطب يقفان في لعبة انعكاس لا نهاية لها. يمكننا أن نقيس شعر بسام حجار بمسطرة الحكمة، والتأني الشديد في ضخ العبارة واحدة تلو الأخرى في القصيدة. ذلك أنه اختار الانحياز إلى لغته التي ابتكرها بفعل القراءات والترجمات (فيما بعد) وهي التي هزت عرش الشعر، لتؤلف نصاً لا يلتزم بالموروث الشعري من المفردات. التزامه بقيمة فلسفية محددة لكي يجدد أو يغذي مشروعية النثر، سيمتد إلى أجيال لاحقة. ذلك ان حجار، كان قد سبق كثراً من معاصريه، باختياره هوى النثر، والإقامة فيه بمؤونة لشخص واحد. اللافت أنه استطاع التملص من المعطيات السياسية، كما والإيديولوجيات الحاضرة بقوة في ذلك الوقت، إضافة إلى انشقاقه الدائم عن كل ما كان يفرض على الشعراء، من أدوات كتابية أو منبرية، أو حتى مستوردة بشكل جاهز من الشعر الأوروبي والأمريكي تحديداً. ورغم تقارب مناخات قصيدته، من أسلوب معالجة الأمريكيين المعاصرين، إلا أنه تمكن من نسج علاقاته مع العبارة والاستعارة واليومي واللحظوي والصامت.
قصيدة حجار، ظلت مرتَّبة كغرفة رجل يهذي، رجل جمع في رأسه كل العيِّنات البصرية، التي استطاع الحصول عليها من الشارع والمارة والذين لا يعرفهم، بمعنى أنه كان يتحرك خارج غرفته وداخلها. شعره هذيان جذاب، وخافت، يتوارى خلف المشهد أو الصورة التي تبدو صعبة التأليف للوهلة الأولى، والتي تحني رأسها إلى الداخل متجنبة القارئ إذا مر سريعا. قراءة بسام حجار تستلزم تمهلاً وبطئاً، لا يمكنك إلا أن تتأمل وأنت تقرأ، إنه تمرين على التركيب وإعادة البناء. هذه المهمة تترك للقارئ، الذي ما أن يصطدم بالصورة المركَّبة، حتى يتضح له هذا العالم من الالتباسات، العالم المبني من أشلاء عالمين: بسام حجار وما عداه. لم يكتب أحد بالطريقة التي كتب بها بسام، لم يتجاوز أحد الزمن بشعر العبارة السهلة، كما فعل هو. ذلك أن التوليفة المتمهلة، ما بين خواص الزمن نفسه (الصباح، المساء، الحركة) والخواص النفسية والمكانية والروحانية (فيما بعد)، كانت تحمي العبارة والمعنى من التلف، وترفعها أعلى من تلك اللحظة التي ولدت فيها، لأن العبور الأهم كان نحو التجريد، وعدم الانجرار وراء حالات ميكانيكية أو بصرية آنية بالكامل. ولنأخذ مثلا "هل يكفي أن تحبهم/ لكي لا تتبعك/ أرواحهم كالمصابيح؟"، أو "هل تسمع كيف يطحن الصمت/ تلة من الدقائق"، هذه المقتطفات الصغيرة، تتضمن مستويات عدة من التكثيف البصري والدلالي.
ففي المقطع الأول مثلاً، يكون هناك إدخال لحركة جسمانية بطيئة في النص. إلا ان هذا الإيهام بالحركة، يأتي في سياق خفوت العبارة، ويتطلب صفاء ذهنيا، او تواطؤ القارئ مع الجملة الشعرية.  تتوارى الحركة خلف الصورة المجازية، إضافة إلى تواري "الجماعة" أصحاب الحركة أنفسهم (أرواحهم كالمصابيح)، ويتم الإيحاء بزمن ليلي في القصيدة (المصابيح) ما يغذي حضور شبح الآخرين في المعنى. من هنا، يمكننا اعتبار أن صور بسام حجار الشعرية، المجازية، يكون لها وظيفة غير مباشرة في النص، وهي أن تتدخل لتضيف تفصيلاً فيزيائياً، غير متوقع. أما في المقطع الثاني "هل تسمع كيف يطحن الصمت/ تلة من الدقائق"، فلا اعتبار هنا خارج الزمن نفسه (الصمت/ الدقائق)، يعاد تشكيل الزمن وخربطته ككتلة واحدة، غير منظمة (تلة من الدقائق)، تسبقه تلك الحنكة الدلالية على اعتبار الصمت فضيلة (الصمت يطحن الدقائق). وهذا مثال واحد من ألعاب بسام الشعرية، التي كانت كلها تدل على بناء حيزه المتخيل على أنقاض واقع مهدوم، لا يؤدي وظيفة الشعر، بقدر ما يستفز الشاعر ليعلن حروبه الخاصة عليه. واللعب مع الزمن، كان أحد مقومات القصيدة عنده، فالزمن هو ساعي بريد الموت والغياب، وهو الكفيل بمحو أشخاص عن حلبة الحياة، وهو أحد أشد العناصر التباسا، حول ماهيته وفهمه ومعناه. لذلك ومع أنه كان دوما زمنا ذا مصدر يومي، يرافق مشاهدات بسام حجار للمدينة، ولحركتها، غير أن الشاعر لم يكن يلتزم به كزمن للقصيدة نفسها، وبالتالي، فإن إفراغ القصيدة من الزمن، كان يتم عبر تحميل العبارة، أكثر من معنى، بعد أن يكون قد أعاد تأليف مشهد بصري شعري، من مشهد بصري لا شعري. ودون أن يفوته إعادة تشكيل الحركة، حركة الجسم والمفردة وحركة انتقال القيمة الفلسفية، إلى المربع المادي أو الى سلة الحاجة الإنسانية. وهذا هو أحد العوامل التي رفعت نصوصه خارج سياق اللحظة .
لكن بسام حجار، لم يعكس ذاته في القصيدة، بقي نصه بعيداً عن الشخصنة وقريبا من كل ما يصب في خانة العدمية. وبرغم اهتمامه بالموت والغياب والخسارة والرثاء إلى حد ما، إلا أنه لم يتعمد اللجوء إلى الميتافيزيقيا في قصيدته. فلم تحمل جملته أبعاداً فلسفية تثقل المعنى وترمز الجملة. ذلك لا يعني خلو نصه من الفلسفة، إذ حتى أن التقارب مع الميتافيزيقيا كان مجرد تماس مقصود، لكن دون الوقوع في فخه. فالغياب يوطد العلاقة ما بين الشاعر وأشياء الغائب، وفيما يبدو تسليما بقدرية ما، او مصير، فإن الشاعر لا يهمه من الفقد إلا أن يستعيد الذاكرة، وعلاقته بالذاكرة تأتي على قياس الغائب ومكانته، كما انه استعادة لحياة ما، كنكران لوجود هذا الغياب. لكنه استطاع أن يؤلف من هذا الغياب نصاً يوازي الفرح، نتخيل فيه الشاعر عابساً، فيا تتذبذب عباراته لتخترق مخيلة القارئ. في مجموعة "فقط لو يدك" (1990)، لا يتنازل الشاعر عن أسلوبه، في تقطيع النص، واختيار أسلوب الجملة - الفراغ - الجملة، كأنه بذلك يحدد إيقاع القراءة، كما إيقاع المتتاليات البصرية التي يدمجها في النص. ولن تختلف قصائد هذه المجموعة عن قصائد مجموعاته السابقة، إذ سيبقى محافظاً على مناخ المنزل والأنا الخاصة المهجوسة بالوقت وتسارعه، والاقتراب من الموت، إلا أنه يدرك تماما تأثير هذه القيم سلبا على القارئ، وعلى نفسه. ويمكن القول ان اشتغال بسام حجار في القصيدة، وأسلبتها، لم يكن إلا هروباً من القمقم الثلاثي الزوايا (الأنا- الوقت- الموت)، بما يتراكم في كل زاوية من مترادفات وأتباع. لهذا فإنه سيكون هناك محافظة على عناصر محددة خاصة بالمكان. أما إعادة تأليف ها المكان، أو إعادة ترتيبه أو تنظيمه، فهو ما سيبدو الشغل الشاغل، وإعادة ترتيب المكان هو في الوقت عينه إعادة ترتيب الأنا، وتنظيفها من سوداوية قدر ما أمكن. إذ نحن نرى أن بسام حجار أدرك منذ سنوات شعره الأولى أنه متورط في السوداوية، فلم تكن كتاباته إلا محاولة للتخلص منها. وقد اتت على شكل افتراض الطفولة في مقابل الشيخوخة، والقيم المجردة من الوقت (الفرح، الخفة، الأمكنة الداخلية كالمصعد والغرفة) في مقابل السيلان غير المتوقف للوقت، والخفة في مقابل الغياب المكتنز بالالم، والفعل الميكانيكي في مقابل خفوت الجسد النهائي، والاستعانة المقتضبة بأدوات الطبيعة مقابل فكرة التلاشي "ضعي زرافة في إناء/ سمكة في حديقة/ ضعي عصفورا ووحيد قرن/ في قفص واحد/ وصدِّقي/ أنهما سيتحابان/ لأنك تريدين ذلك/ بالعناد الذي يجعلك تحسبين النوم/ عطلة زائفة/../ضعي حين ترسمين وجهي/ قليلا من التعب في ملامحي/ خطا واحدا على جبيني/ لكي أحسب أنني في منتصف العمر/ وليس في آخره". 
لكن عالمه الشعري، استكشاف لتقنيات وأسرار ومفاتيح كانت دائما تفضي إلى أبواب ونهايات أشبه بنقطة عملاقة نصطدم بها. بسام يتبع في أسلوبه الشعري- الذي يقترب من السرد المرمَّز، لعبة محددة، تتراكم فيها الصور واحدة إلى جانب الأخرى، ما يلاعب القارئ، الذي لا يستطيع الإنفكاك عن النص "الشمس نقطة صفراء/ والطريق خط أسود/ بين العتبة وطرف الورقة البيضاء/ ألأن الورقة البيضاء لا تكفي/ ينبغي ألا يفضي الدرب حقا؟/ في المرة القادمة/ أكتبي عتبة وبيتا/ وأشخاصا/ في رقة العناق". فالسهولة الخادعة التي يكتب فيها بسام، تأتي بفعل عين حساسة، تمسح العالم الخارجي بصمت، وتختزله ثم توازن بين بقاياه ومساحة العاطفة، فلا يتخلى عن العالم بطبيعة الحال، ولا يرضخ له. وعلى غرار ما يوضح في إحدى كتاباته، فإنه آثر الدخول في مغامرة شعرية، لا تلتفت إلى الوراء، ولا تعنى بالنقد كذلك، إذ إنها تفتح الباب نحو قاموس من العبارات والتوليفات الجديدة، التي لا تأخذ بعين الاعتبار المقاييس النقدية التي كانت سائدة منذ الخمسينات، واعتبارات مجلة "شعر". 
يقول "خشيتي من الوفرة والاتساع جعلت مني كاتبا بمفردات قليلة". وبغض النظر كم نتفق أو نختلف مع الشاعر نفسه، إلا أننا نضيف أن علاقة بسام حجار بالأمكنة، وبحميمية الرواق والغرفة والمنزل والكتاب والمكتب والورقة والإبنة والعاطفة الشخصية، ظلت جميعها ماثلة أمامه. حرّكته وسيطرت على شعره، لكن انتباهه للأمر شكل تحديا للخروج من هذا المأزق. ولأن بسام حجار لم تكن تستهويه بدع كالشاعر النجم أو الشاعر ذو الحضور الإعلامي، فقد تأمّل معطيات الوجود، من زاوية شخصية (غياب الأخت دلال، والأب والزوجة)، لكنه كان وجوداً خاصاً بها، معزولاً وقاسياً بعض الشيء بمدى حدة عزلته ونأيه عن مجالسة الأصدقاء أو التسكع أو التمترس ولو قليلاً في المقاهي على سبيل المثال. وهذه الحدة، ستكون أكثر تبلوراً في شعره ونصوصه، بدءاً من ديوانه "مهن القسوة" (1993) وحتى آخر أعماله "تفسير الرخام" (2008). في "مهن القسوة"، سيتبدد شيئا من ذلك المناخ اللعوب في القصيدة، وسيظل حجار متمسكاً بأسلوبه السهل، الذي يخيط الفكرة أمام سابقتها، ليوحد بين أجزاء قصيدته التي يخترقها الصمت في الشكل والمضمون. وستحتل قصائد عديدة بعنوان واحد (الألم) جزءا لا بأس به من الديوان. وهي قصائد مكتوبة في عام 1990 "لا التعب/ ولا السؤال/ ولا روائح الهزال والنفس الذي/ يزفر من أعماق غائرة/ أن يغادر/ بيننا/ حتى قبل أن ننتبه". هذا الاستعمال لخاصيات جسمانية، من خلال الدلالة على الشفاه والعقل (السؤال) أو الجسد الحيواني الرابض (روائح الهزال والنفس)، بأسلوب رشيق، غير مرهق، يجعل للمعنى احتمالات عديدة، كما أنه يضيع بذلك بوصلة الألم، فينتفي العامل العاطفي أو أي عامل فيزيولوجي مَرَضِيّ أو نفساني مرضي. يشتمل هذا المقطع على تكثيفات بيولوجية، تنصهر في القصيدة، وتزيد من العمق الدلالي.
يقتطع حجار بمقصه مشاهد من الحياة، قد تكون مشاهد يومية وعادية، وغير ملفتة، إلا أن تقطيرها في مختبر عاطفته، ومزجها بألمه الشخصي، يحولها إلى استثنائيات جمالية. إذ يكون العالم متواطئاً من أجل تفسير الم شخص واحد، لكن دون ان تعلن ملامحه، وبالتالي يمكن أن يكون هذا الشخص، أنت أو أنا، كما تقبل فرضية أن يكون بسام نفسه. لكن هذا التكثيف لن يصل إلى ذروته بعد، ونصوص مثل "فقط لو يدك"، "غرفة الخادمات"، "مهن القسوة" و"إصغاء"، لن تكون سوى مقدمات جمالية، لنصوص أخرى ستحملها مجموعته "مجرد تعب" (1994). إذ سيعتمد الشاعر، تأصيل الأشياء كالباب، والظل والضجر (الذي لازمه منذ البداية كمفردة ومعنى، في الكثير من نصوصه السابقة)، وتحويلها إلى ساحات عامة للأفكار والناس، وأشياء الشوارع، وبذلك فإن حجار سيكون قد استدعى المدينة إلى غرفته باللغة، التي آمن بها ملاذاً أخيراً ووحيداً وموقتاً ربما، بانتظار الموت "أغبطك نعمة الخشب، نعمة النسيان، أيها الباب/ سوف تحيا من بعدي/ وسوف تسألك الأيدي/ برقة الأيدي وأناتها/ عن الرجل الذي أغوته فراشة العزلات، في الداخل، وأغواه الصمت الذي هو عبارة الغياب، والتنفس الأعمق لروح الأمكنة الشاغرة". الحياة والموت عنده في كفتي ميزان، تنتقل واحدة إلى الاخرى، ويكون احتفاؤه بالحياة، بحياة الجماد تحديداً، نكاية بالموت وخوفاً منه في الوقت عينه. لذلك، فإن شعر بسام حجار ظل يتأرجح على على حبل يجمع في طرفيه الفنائية والبقاء، بين نفَس ساكن وفراغ مكان. "بضعة أشياء" (2000) ستحمل قيما أكثر فلسفة، وستنحاز اللغة نحو مطارح روحانية، لتكتشف المعنى المستبطن في فلسفات الماء والنار والهواء والأفق والطبيعة التي يصير حضورها مبرراً لمنحاه الفكري، ومعوِّضا عن تقشف النص بمعايير المدينة والمنزل والشرفة.
لكن تغييرا لغوياً سيضرب الجزء الاول من مجموعته الأخيرة "تفسير الرخام" (2008) إذ لن يسلم الشعر من الدراما، كما والمعالجة الملحمية في وقت واحد، وسيكون هناك افتقاراً ملحوظاً لعناصر المكان الآني، ليستعيض عنه بأمكنة متوارية في الزمن، غائبة وشبه أسطورية، أما ذلك التحول في معطيات القصيدة، فلن تكون إلا تفسيراً لتعمقه الذي لن يخفى أثره، في الفلسفة والدين (قصص الانبياء) وما وراء الطبيعة في وقت واحد، إضافة إلى تأثره بكتابات معاصرة أوروبية. كان كل ذلك، في معرض اشتغاله بالصحافة والترجمة منذ عام 1978، إلا أن تبحّره في فكرة الموت، كان الهاجس المتقاسم بين جميع كتاباته الشعرية. أما في الجزء الثاني (قصيدة تفسير الرخام)، فسوف يكون النص حيادياً، بيبلوغرافياً "كأنها ذكريات الشخص/ الذي وددت أن أكونه/ ../ فلا شأن لي بما يجري على بعد أمتار". هي مراجعة يائسة لواجبات بسام حجار نفسه، لذاته التي أسلمت قبل الموت. الذات التي انشطرت لترى وتُرى، كأنها واقفة أمام نفسها، معبئة بالزمن وباللحظات- المناسبات الماضية، فيما يشبه حسابات شخصية لمحاكمة النفس من خلال تراكم السنوات "إني لا شيء/ وحديثي عابر/ مثلي/ بين عابرين".
"جدلية"

إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html



جيروم لورنس & روبرت إي. لي - الليلة التي أمضاها ثورو في السجن



سلسة ابداعات عالمية, الكويت 2008 |  سحب وتعديل محسوبكم أبو عبدو | 184 صفحة | PDF | 5.59 MB

http://www.mediafire.com/view/7dt1rr21d3kkuhx/جيروم_لورنس_&_روبرت_إي._لي_-_الليلة_التي_أمضاها_ثورو_في_السجن.pdf
or
http://www.4shared.com/office/T1Eqr6KFce/______-______.html


قد نطرح احيانا سؤالاً مكرراً على انفسنا نحن معشر الكتاب مفاده (لماذا نكتب).
بعضنا يجيب عن ذلك بأنه يريد ان يعرف ذاته وآخر يقول انني لا اريد ان استسلم للسبات ثم الموت، وثالث يقول انني اريد ان اقدم مضمونا مفيدا للانسان، ورابع يقول اريد ان أتوازن مع العالم المعقد والمضطرب من خلال الكتابة.
نعم ستظل الاجابات كثيرة ومختلفة عن بعضها، لكن يبقى الأهم فيها، لتلك الكتابات التي تعيش اكثر من غيرها مع الناس على امتداد تأريخهم.
ولكن كيف ستعيش معنا هذه الكتابات وكيف تتخلد بعد رحيل مبدعيها او كتّابها؟ لنأت الآن الى المسرحية التي نود عرضها في هذه السطور.
انها مسرحية (الليلة التي امضاها ثورو في السجن) وهي من ذلك الأدب الذي لا يُنسى مهما تقادم عليه الزمن، ربما يكون هذا الحكم شخصيا، غير اننا نعتقد بأن كل من يصل الى هذا العمل ستتوفر له انطباعات مشابهة لما ذهبنا اليه، ولكن لماذا هذا الاعتقاد؟!.
سأعلن بسرعة واختصار، ان حياة وشخصية اول رجل نظَّرَ وجرّب العصيان المدني في تأريخ البشرية هو موضوع هذه المسرحية، فهل هذا يكفي لتخليد هذه المسرحية؟!.
ثم هناك اشارات وافية لعموم الخطوات التي رافقت هذا العمل من حيث الكتابة او التجسيد، فقد تصدرت الكتاب مقدمة وافية خلت من التوقيع كأن من فعل ذلك يخجل من شخصيتها او مؤلفها، ثم نطالع نبذة عن المسرحية من دون توقيع ايضا!! لنصل الى ملاحظات كاتبيّ المسرحية حول انتاجها موقعة بإسميهما. تليها مقدمة المترجم.
ثم شخصيات المسرحية:
والدو: رالف والدو امرسون، فيلسوف وشاعر.
هنري: هنري دافيد ثورو، فيلسوف وشاعر.
ليديان: زوجة والدو.
ادوارد: ابن والدو.
الام: أم هنري.
جون: جون دافيد ثورو، شقيق ثورو.
بيلي: زميل هنري في الزنزانة.
بول : ديكون نحميا بول، رئيس ادارة المدرس.
ايلين: ايلين سيويل، طالبة عن ثورو.
سام: سام ستابلز، شرطي وجابي ضرائب.
وليمز: زنجي كان عبدا وفر من سيده.
ثم نقرأ عن المؤلفين وجهة نظر عن ثورو المعاصر حملت عنوان (ثورو الراهن) لنبدأ رحلتنا مع الفصل الأول والى الثاني حيث ينتهي هذا العمل المسرحي الذي تناول حالة العصيان المدني الاول في التاريخ الامريكي وربما الاكثر شهرة، حيث تم رفض دفع ضريبة الرؤوس وهي ضريبة تفرض على كل شخص بالغ، حدث هذا عام 1846 وتعرض المسرحية لليلة التي امضاها ثورو في السجن بسبب هذا الرفض.
ان مشهد السجن يمثل اطارا لتلك الفترات المملوءة بالاحداث من حياة ثورو، وعلاقته بالشاعر امرسون، ثم اعتكافه للتأمل على ضفاف بحيرة والدن وقضية حبه غير الموفق.
ويقول مؤلفا هذه المسرحية: انها حكاية الترحال الطويل لروح انسان خلال ليلة واحدة من اعتكافه وتنسّكه حتى انضمامه من جديد الى الجنس البشري، انها نشوة وعاطفة وتجوال ودفاع عن المعارضة اللاعنفية وبحث في حقيقة الشخصية، ويعد دافيد هنري ثورو بطلا شعبيا بين شباب اليوم، فلقد صرخ ضد الحرب وضد تلويث الطبيعة وسطوة المادية على وقائع الحياة البشرية.
لقد كانت تلك الليلة التي امضاها ثورو في السجن تجربة صوفية غامضة بالنسبة لهذا الرجل البالغ الحساسية.
ان هذه المسرحية تستحق القراءة كونها تبث النشاط والحيوية لدى الجنس البشري، وتجدد ايمان الانسان بقدراته الايجابية كي يصبح كتلة متوهجة من التسامح وداعية الى اللاعنف، وتزيد الامل في نفس الانسان كي يضع اقدامه على جادة الخير والحق والجمال.
شبكة النبأ

إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html





Sunday, March 9, 2014

هيذر رافو - 9 أجزاء من الرغبة



المشروع القومي للترجمة, القاهرة  2011 |  سحب وتعديل محسوبكم أبو عبدو | 166 صفحة | PDF | 2.07 Mb

http://www.mediafire.com/view/qyrzqbti21ohb8o/هيذر_رافو_-_9_أجزاء_من_الرغبة.pdf
or
http://www.4shared.com/office/rLaEa8I7ce/__-_9___.html


إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html

Mediterranean Frontiers: Borders, Conflict and Memory in a Transnational World


 Publisher: Tauris Academic Studies | ISBN 10: 1848851251 | 2010 | PDF | 256 pages | 1.5 MB
 The identity of any nation-state is inextricably linked with its borders and frontiers. Borders connect nations and sustain notions of social cohesion. Yet they are also the sites of division, fragmentation and political conflict. This ambitious study encompasses North Africa, the Middle East, and South and South East Europe to examine the emergence of state borders and polarised identities in the Mediterranean. The authors look at the impact of political boundaries upon the region, along with pressures from European and economic integration, the resurgence of nationalism, and refugee and security concerns. The authors explore the politics of memory, and ask whether echoes from the imperial past -- Ottoman and colonial -- could provide the basis for conflict resolution, region-building and economic integration.

http://k2s.cc/file/ac172f1f30058
Password (if required): www.AvaxHome.ru
 

بسام كوسا - نص لص



دار الجندي, دمشق  1998 |  سحب وتعديل جمال حتمل | 82 صفحة | PDF | 3.22 Mb

http://www.4shared.com/office/E0uB7Cskce/__-__.html
or
http://www.mediafire.com/view/dnlyy6fs3vrq0n0/بسام_كوسا_-_نص_لص.pdf

إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html

Souad, "Burned Alive: A Victim of the Law of Men"


 2004 | ISBN: 0446533467 | 240 pages | EPUB, MOBI | 0,5 MB
 The first true account ever published by a victim of an "honor crime," this shocking, moving, and harrowing tale has already become an international sensation.
 Souad was a 17-year-old girl living in a small village in Jordan when she had the misfortune of falling in love--an emotion that would lead to an unspeakable act of violence and a lifetime of exile from her homeland. With a childhood marked by hard labor and physical abuse at the hands of her father, who is humiliated by the birth of many daughters and only one son, Souad is desperate to leave home. Enticed into a relationship with a handsome neighbor, her short-lived romance leaves her pregnant. Forbidden to marry until her older sisters find husbands and having brought shame to her family, Souad faces the only acceptable punishment: death. How her family plots to kill her, her harrowing struggle to survive burns over 90% of her body after her brother-in-law douses her with gasoline and sets her on fire, her dramatic escape from Jordan, and her resolve to build a new life for herself is a tale of heartbreaking drama and remarkable courage.

http://keep2s.cc/file/25fd12f71fe51/0446533467_Burned.rar

يوسف خطار الحلو - أوراق من تاريخنا



مناضل حزبي شعبي متواضع عفوي محبوب طيّب بكل ما في كلمة طيبة من معنى.......
ناضل في جميع ميادين العمل الحزبي , السري و العلني , و في جميع المناطق اللبنانية بكل محبة و اخلاص و روح ثورية
 ولد يوسف خطار الحلو (ابو وضاح ) في حصرايل بلدة القائد الشيوعي الشهيد فرج الله الحلو عام 1910

 لم يدخل المدرسة الا عام 1921 , و تركها لاسباب مادية قبل ان يصل الى السرتيفيكا بسبب الحرب
 هاجر الى كوبا عام 1927 و عاد منها عام 1928
1930 انتسب الى الحزب الشيوعي اللبناني في لقاء مع فؤاد الشمالي ضمه مع فرج الله الحلو و توفيق نجم و جورج جبور . و انطلوا جميعاً في مشروع كفاحي من اجل وطن حر و شعب سعيد
 عام 1935 سافر الى موسكو مندوباً عن لبنان للمؤتر السابع للاممية الشيوعية , بعدما نشط جداً في منظمة بيروت الحزبية
 عام 1937 انتخب عضواً في اللجنة المركزية للحزب , و في نفس العام سافر الى موسكو و درس في مدرسة الكومترون
 انتخب عام 1943 عضواً في المكتب السياسي للحزب
 عام 1938 دخل عالم الكتابة و الصحافة, و كان من الاعضاء الناشيطين في نقابة الصحافة
 عضو في نقابة محرري الصحافة منذ عام 1942
مسجل على الجدول النقابي الصحافي منذ العام  1950
عضو مسجل في نقابة الصحافة منذ نيسان  1976
عضو في اتحاد الكتاب اللبنانيين
 عضو في جمعيات الصداقة بين لبنان و الاتحاد السوفيتي و بلغاريا و كوبا
 عضو مجلس ادارة صندوف الضمان لاصحاب الصحف اللبنانيين منذ مطلع العام 1983
توفي في اذار من عام 1996 , و اقيم له مأتم شعبي حاشد في حصرايل
 من مؤلفاته: م
 الريجي عدوة الشعب :1962
نفطنا السليب :1953
العاميات الشعبية في لبنان بين 1820 و 1842  :1955
في الاقتصاد اللبناني  :1957
اسرائيل في خدمة الاحتكارات العالمية :1953
من نافذتي :1978
الدرب و الرفاق :1981
النصر الكبير :1985
اوراق من تاريخنا  :1988
و له ثلاث كتيبات في الزجل اللبناني


إذا أردت مشاركة هذا الكتاب فشكرا لك, ولكن رجاء لاتزيل علامتنا المميزة
مع الشكر مقدما

Saturday, March 8, 2014

أمادو همباطي با - لاوجود لخصومات صغيرة



سلسة ابداعات عالمية, الكويت 2008 |  سحب وتعديل محسوبكم أبو عبدو | 302 صفحة | PDF | 5.54 MB

http://www.mediafire.com/view/ae5qs7hdm78nqtx/أمادو_همباطي_با_-_لاوجود_لخصومات_صغيرة.pdf
or
http://www.4shared.com/office/Imgs0Z24ba/___-___.html

تأسرنا الحكايات كما الأساطير..
في ليالي الشتاء الباردة والمساءات البعيدة ، حول موقد يبعث الدفء في عروقنا ، كنا نتحلق حول جدتي لتروي لنا الحكايات... وعندما كبرنا قليلاً ، كنا نبحث في الكتب عن تلك الحكايات فلا نجدها ، فتضيع طفولتنا منا...،،، لذلك وجدتُني على غفلة مني ، مغرمة بالحكايات الشعبية والأساطير التين أبدعتهما المخيلة البشرية على مرّ السنين. فالحكاية الشعبية وُلدت من رحم أحاسيس ومشاعر الناس الذين ولدوا وعاشوا وتعذّبوا قبل أن يموتوا ، معبّرة عما عانوه وما خبروه في حيواتهم ، وتنوقلت شفاهاً ثم كُتبت ، أو كُتب جزءّ منها وضاع الكثير...
وفي قارة الحكايات والأساطير ، القارة التي ظهر فيها الإنسان عند بدء الخليقة ، ونشأ وترعرع هناك كما تقول النظريات الحديثة ، القارة التي اكتُشف فيها مؤخراً أقدم هيكل عظمي لجدتنا الأولى (لوسي) ، التي ماتت عن عشرين عاماً بعضّة تمساح. الجدة التي كانت وسطاً بين الإنسان منتصب القامة والقردة متسلقة الأشجار... في قارة إفريقيا أو الجوهرة السوداء ، تنمو الحكايات على الأشجار في غاباتها الكثيفة ، وتجري مع المياه في أنهارها ، لتملأ الأمكنة والقلوب والعقول بالدهشة والمتعة والحكمة. تنتقل الحكايات من جيل إلى جيل ، يتوارثوها شفاهةً ، حتى "عندما يرحل رجلّ مسنّ ، فإن ذلك يكون بمنزلة احتراق مكتبة بكاملها"... كما قال أمادو همباطي با ، يوماً..،،
وأمادو همباطي با كاتب ومؤرخ إفريقي ولد في عام 1900 ، لعائلة أرستقراطية (فولانية).
وفولاني اسم يطلق على مجموعة من القبائل الرحّل المتناثرة من السنغال إلى تشاد ، ومن موريتانيا إلى الكاميرون. وكثيراً ما صُنّفوا على أنهم سلالة خليط من الرحّل البيض والرّحل السود.
وفي عام 1940 أصبح أمادو باحثاً بالمعهد الفرنسي لإفريقيا السوداء في داكار ، ويعتبر أحد أوائل الذين جمعوا ودونوا وفسروا ووثفوا كنوز الأدب الشفوي التقليدي لإفريقيا الغربية ، من حكاياتْ ونصوصْ وأساطير وخرافات وسير. وقد صدر مؤخراً - حزيران 2008 - كتاب (لا وجود لخصومات صغيرة - حكايات من السافانا) من سلسلة إبداعات عالمية ، التي تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت. والكتاب من تأليف أمادو وترجمة وتقديم محمد أحمد بنعبود ومراجعة ليلى عبد الحميد بدر.
يضم الكتاب بين دفتيه 18 حكاية تنتمي إلى أصول متنوعة ، جمعها أمادو وقام بنفسه بتحديد هوية بعضها على أنها (حكايات فولانية) ، أما تلك التي لا تحمل أي إشارة إلى أصلها ، فهي موجودة لدى مختلف إثنيات مالي أو غرب إفريقيا.. وهي بطبيعتها تنتمي إلى العائلات الحكائية الكبرى في إفريقيا وفي خارجها أيضاً..
تذكّرنا هذه الحكايات ، بكتاب (كليلة ودمنة) لابن المقفع ، حيث تأخذ الحيوانات دور البطولة في معظمها ، وتكون الشخصيات الرئيسة الفاعلة فيها.. وفي هذا النوع من الحكايات يرتدي كل حيوان زياً رمزيا خاصا به ، فيمثّل الأسد دور ملك البلاد ويجسد القوة والشجاعة ، بينما يجسد الضبع البلاهة والسذاجة ، ويرمز الأرنب إلى الخوف والحيلة ، في حين يرمز الفهد إلى السرعة والرشاقة والخيانة والوحشية..
وقد استطاع الكاتب الشهير أمادو أن يجمع في هذا الكتاب أنواعاً مختلفة من الحكايات ، فهناك حكايات لذوي (الذقون المشعّرة والكعوب الخشنة) كناية عن النضج والتجربة ، حكايات عن الكًبَر الديني ، عن المثابرة والإخلاص ، عن الكون والخلق وعن سلبيات المجتمع البشري في كل الأزمنة. ولعلّ من أجمل وأمتع الحكايات التي وردت في الكتاب ، تلك التي تتنتمي إلى عائلة الحكايات الكبرى ، كحكايات التحوّل (الفتاة ذات القناع الخشبي) و( الراعي الأحدب - الأحدب) ، والحكاية الأم أو حكاية (كايدرا).
يبدأ أمادو همباطي با كتابه بلازمة الحكايات:
(أيتها الحكاية المحكية ، لتحكى...
هل أنت حقيقة؟
للأطفال الذين في ضوء القمر ، قصة خرافية.
للنساء اللائي يغزلن القطن في ليالي موسم البرد الطويلة ، حكايتي طريقة ممتعة لتمضية الوقت.
وللذقون المشعرة والكعوب الخشنة هي رؤيا حقيقية. فأنا ، في الوقت ذاته ، بلا معنى ومفيدة ومعلمة...)...
إذن ، هكذا تبدأ الحكايات الشعبية في إفريقيا ، بتساؤل: هل أنتً حقيقة؟ وتجيب الحكاية أو يجيب راويها عنها بأنها خرافة وتسلية للأطفال ، ومتعة في ليالي الشتاء للكبار ، ولكنها تتخذ شكل الحكمة والرؤيا والمعرفة لذوي الخبرة الذين اشعرّت ذقونهم واخشوشنت كعوبهم من الزمن..، وبالتالي ، فإن لكل شخص أن يسمع وأن يستمتع بالحكاية كما يحلو له ـ لها.
وفي هذه الحكايات التي تردنا من قارةْ بكر ، نلاحظ وجود أكثر من سمة تسمها بطابعها الخاص. سوف تدهشنا الأسماء فيها ويمتعنا الوصف ، بقدر الأحداث تماماً. إذ على الرغم من أن معظم الحكايات تُحكى عن الحيوانات ، إلاّ أن هناك طزاجة خالصة فيها كما في قصة (جثة الضبعة الأم) ، حيث تُدعى ابنتها الضبعة: بارونة السوانة مع لقب (البارونة ذات المؤخرة المنخفضة) ، والتمساح: الماركيز تمساح التماسيح ولقبه (قديس مصر السابق ومندوب عام مائيات إفريقيا الفرنسية والإنجليزية سابقاً) أما آكل النمل فيدعى: السيد الكونت آكل النمل ولقبه (قائد المدفعية الثقيلة ضد النمل) ..،، إلى غير ذلك من الأسماء والألقاب الظريفة.. وتلفت نظرنا مسألة هامة أيضاً ، أن اللغة والمفردات المستخدمة في هذه الحكايات والتي جاء تدوينها متأخراً (في القرن العشرين) على يد أمادو ، قد تأثرت بلغة أمادو نفسه ، وبرؤيته هو في استكمال عناصر بعض الحكايات ، وكتابة المقاطع الشعرية فيها.
أما السمة الثانية التي نلحظها ، فتتمثل باللغة البسيطة التي تحمل صوراً شعرية كمثل: كان حمتودو مأخوذاً بروعة الفجر وسحر السحب متعددة الألوان ، - وكأنها خدم ملكيون تزينوا لاستيقاظ ملكهم - ، قد فقد السمع والبصر من روعة هذا المنظر المهيب. ومثل "لا يوجد شيء في هذا السهل سوى الشمس الحارقة تلاعب طفلها" والمقصود بطفلها طير الحباري...،،
أما السمة الثالثة والأهم ، فهي الحكمة الموجعة والفلسفة العميقة والرؤية الثاقبة للكون والحياة ، ومعرفة النفس البشرية في حالاتها وصورها.. خيرها وشرها... حبها وحقدها .. كما في قصة (كايدرا) إذ تقول الحكاية شعراً: الحياة على الأرض هي تبادل نظر وتبادل الافتراس. نحن نأكل بعضنا بعضا ومن جديد ، وفي النهاية الأرض تأكلنا).... ومثل قصة (عدالة القوم الكبار ) التي هي دون عدالة ، وقصة الناسك والفأرة الصغيرة وحكاية (أصل الخفاش) أو الثمرة الغريبة لحب غير متوقع.،،
وتخبرنا الحكاية الأخيرة كيف نشأ الخفاش عند البدايات الأولى لوجود الكون. حيث لم يوجد على ظهر البسيطة سوى الأعشاب والحقول ، وكاسر صغير هو الثعلب ، الذي أحدث مجزرة حقيقية بين الطيور بافتراسها الواحد تلو الآخر.. صغيرة وكبيرة ، هرمة وطرية العود .. حتى لم يبق سوى طائر واحد فقط. وبعد صراع طاحن بينهما تحول إلى نقاش مستفيض ، يوافق الثعلب على تأجيل التهام الطائر ، نظراً لأنه الطائر الوحيد المتبقي على الأرض.. وبمرور الوقت يعتاد أحدهما الآخر ، وكانت السنون تمر والأرض تمتد كالبساط وتظهر الجبال والنباتات.. ومع تتابع الفصول اختفى كل نزاع بينهما وتحول الطائر إلى أنثى طير ساحرة الجمال ، مزينة بريش مختلفة ألوانه. وأصبحت من الفتنة بحيث خلبت لب الثعلب فأحبها ، وتولّد عن هذا الاتحاد الهجين ، كائن جديد تماما الكائن الطائر الذي يرضع فراخه.. ثديياً بين الطيور وطائراً بين الثدييات....،
لا وجود لخصومات صغيرة ، حكايات إفريقية قديمة ، تختزل المتعة والحكمة معاً... والكتاب باب واسع للتعرف على التراث الإفريقي الثري بإنسانية الإنسان ، وهو كتاب يستحق أن يُقرأ..،
سامية العطعوط


آلان كاسبيار - التذوق السينمائي




الهيئة المصرية العامة للكتاب, القاهرة  1989 |  سحب وتعديل جمال حتمل | 222 صفحة | PDF | 17.5 Mb

http://www.4shared.com/office/AzTUhnTnce/__-__.html
or
http://www.mediafire.com/view/7q3j7y7ivqcy0cb/آلان_كاسبيار_-_التذوق_السينمائي.pdf

إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html




Friday, March 7, 2014

أحمد بوزفور - تأبط شعراً


منشورات الفنك, الدار البيضاء  1990 | سحب وتعديل جمال حتمل | 208 صفحة | PDF | 12.2 MB

http://www.mediafire.com/view/u1ecb6zuiuxqqkz/أحمد_بوزفور_-_تأبط_شعرا.pdf
or
http://www.4shared.com/office/RT4ovunbce/__-__.html


حين يذكر احمد بوزفور ينصرف الناس بأذهانهم نحو عمارته الإبداعية وخصوصا جنس القصة القصيرة، التي بذل لأجلها أحشاءه وكبده، كي يبقي لها  دهشتها الواسعة ووهجها المتقد، محترفا الألفة والصيد في الأقاصي والخوافي والدواهي  من ملمات الذات والوطن والكتابة وسؤال الإبداع ، رغم أنه ظل ينشر أدبه العالي بحذر المتحوط من الإسهال، ولم يتجاوز في عمره القصصي الذي يربو على الأربعين عاما أكثر من أربع مجموعات في فترات متباعدة وهي:
النظر في الوجه العزيز   – الظاهر و الغابر    -  صياد النعام  -  ققنس
 وظلت جميعها تسيل مداد النقد في المغرب وخارجه ، لأن هويتها السردية اختارت الاختلاف، وأصرت على مكر الطرح الفني  ومفارقاته في أقصى الوحشة  عن ظهر قلب وقلم..
فضلا عن  الذي أسلفنا إليه يمتلك أحمد بوزفور وجها معرفيا ونقديا آخر، يعكس أستاذيته ومراسه الأكاديمي  بالنصوص وتحولاتها وأسرارها. حيث أصدر كتابين  نقديين، يتعلق الأول  بقراءة  نقدية لشعر تأبط شرا، وهي في الأصل رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا .
والكتاب الثاني الزرافة المشتعلة التي تضم نصوصه النقدية في القصة القصيرة وتنظيراته لها، فضلا عن قراءاته لمجموعات قصصية عاصره أصحابها،  وكذا حواراته  مع ثلة من القصاصين الشباب.
—أحمد بوزفور ناقد الشعر العربي القديم
1-  جهاز القراءة في كتاب طتأبط شعرا” 1
توسل احمد بوزفور في قراءته لعالم تأبط شرا الشعري جهازا جماليا استقى ذخيرته من مظان منهجية شتى، من الأسلوبية ومناهج التحليل اللساني في التمييز بين المستويات  وتفكيك عناصرها ومناهج التحليل البنيوي  للنصوص من أجل ضبط شبكة  العلاقات الرابطة  بين العناصر والمستويات. معدلا أدواته المنجية فاتحا  متن الشاعر  قصد فهمه مستفيدا  من ” كتب الاختصاص  العربية وعلمائها الكبار كابن جني وحازم وابن منظور في المستوى الصوتي و المعجمي .. وكعبد القهار في المستوى التركيبي  وكالجاحظ في المستوى الدلالين واستعنت على فهم الخلفية الجغرافية والاجتماعية  والأسطورية بمعاجم البلدان  وكتب التاريخ والأنساب والعادات والأساطير .” 2
ويقع الكتاب  الذي صدر عام 1990 في  مائتي صفحة  من القطع المتوسط، وقد اقتضت قضاياه وظواهره تقسيمه على أربعة فصول  ممهدة بمدخل  يبسط أهمية  الشعر الجاهلي  و قيمته الفنية  في الأدب العربي  والثقافة العربية، إذ هو الجذر الذي يسري في  نسغ مختلف الخطابات  والنصوص  على مستوى الخيال  واللغة، ويمثل الهوية النموذجية للذاكرة العربية، لينهي  كتابه  بخاتمة  مركزة تناقش طبيعة دراسته تلك القائمة على أساس الشعرية  الثاوية  في شعر تأبط شرا لا على  قضايا  تاريخ الأدب  والمرتكزة على تحليل المتن  والحفر في ثناياه  بوصفه جنسا  أدبيا ذا نزوع  فني خاص .
وقد بدأ في استكشاف  جمالية الشعر عند تأبط شرا  من المدخل الإيقاعي،  فرأى  إليه من بعده السمعي، فقد بدأ الشعر إنشادا يمتلك طاقة صوتية هكذا كان التكرار، الذي يشمل جرس الحروف والقافية والوزن والتنوع.
فاكتشف بواسطة التكرار  أن جمالية الشعر لديه تنبني على تكرار الحروف المتواترة من خلال حروف بعينيها،  وتنوع الموقع الصوتي  لها أو تنوع  حروف مختلفة الوقع.
في حين أن تكرار الكلمات يتميز بالتناظر بين العام  والخاص  والمبهم والمحدد . ذلك أن التكرار بالنظر إلى العلاقة بين الدال والمدلول  قد يتكون متطابقا  أو جناسا ذاتيا أو استبداليا.
أما رؤيته المنهجية للقافية في المستوى الإيقاعي  فقد بدأ في بسط عناصرها عند الخليل  وحازم القرطاجني والأخفش  والفراء  والكوفي أبو موسى، فحصر قافية الصوائت و قافية الصوامت في ديوان الشاعر،  محددا أنواعها فقرر أن القافية في”  شعر تأبط شرا لا تقتصر على التكرار ( اللازم ) في أواخر الأبيات لحروف الروي وحركات القافية، بل يتسع مداها الصوتي  ويتنوع بأجراس داخلية أخرى ” 3–
ومنها التصريع رغم أنه لم يصرع في نصوص ديوانه الستة  والأربعين المطلع إلا أربعة منها.
ما يفسر انه لم يسر على نهج الشعراء الجاهليين  إحساسا منه أن ما تجيش به نفسه من ثورة يلزم أن يظهر على أشعاره، رغم أن الخصائص  الفنية في الإيقاع  والتركيب والدلالة  في شعره تضعه في قلب دائرة التقاليد الفنية الجاهلية.
أما الوزن فتواتره في شعر تأبط شرا يمس ستة أبحر ( الطويل – الوافر – الكامل -  البسيط  – المتقارب – الرجز.)  مع هيمنة مطلقة للبحر الطويل الذي استأثر بست وعشرين قصيدة.
كما انتبه  بحس جمالي دقيق  إلى أن المستوى الإيقاعي – الصوتي  لا ينبني وفقط على التكرار رغم وظائفه المتمثلة في إثارة الجو الأسطوري  والربط والتماسك في البناء ، بل إن رتابته الآلية لو أصبحت كذلك مكررة لهيمنت الرتابة واضمحل الإيقاع، وكذلك نطالع المستوى الصوتي  عند تأبط شرا كما يرى بوزفور  يقوم على  موازاة التكرار بالتنوع، فاكتشف التنوع في  جرس الحروف في وصف الأصوات  بين مجهور ومهموس وفي المقاطع، كما  رصد التنوع في القافية بين القوافي الداخلية والخارجية وحروف الروي وصيغة القافية.  ثم ختم الفصل الأول بالتساؤل حول حقيقة وجود بنية قائمة التجديد في إيقاع شعر تأبط شرا فما يهيمن في جرس الحروف هو روي اللام ما يدعو لطرح أسئلة حول :
1- وظيفة روي اللام ودلالته
 ولذلك ينهض إشكال ربط حرف روي معين وشاعر معين فنقول( لام الشنفرى وميم عنترة وراء النابغة  وباء علقمة ودال عبيد ) وهي الحروف الغالبة على روي هؤلاء الشعراء  في دواوينهم ويكتشف بوزفور أن اللام صوت منحرف  ليس انفجاريا شديدا ولا احتكاكيا رخوا.
صائت الكسر : اكتشف هيمنتها حيث انتبه إلى عراقة استعمالها عند قبائل  بعينها ، رغم أن أهل الحجاز لا يميلون، فخلص إلى أن  الكسر / الإمالة  عنصر مشحون بالطاقة الفنية والنفسية معا.
2- البحر الطويل ينسجم مع هيمنة البحور المركبة  في الشعر الجاهلي .
وفي الفصل الثاني قارب المستوى المعجمي  وعيا منه بموقع المعجم في مستويات اللغة كالفونيم فالكلمة  والجملة واللغة الشعرية خاصة( الإيقاع والتركيب والدلالة) وسعى لحصر تردد الكلمات الأساسية ومرادفاتها وما يجعلها موضوعاتmots/theme أو مفاتيحmots-clefs قصد رصد الحقول الدلالية واكتشاف الموضوعات الملحة.
فقد استخرج من معجم مفهرس لألفاظ تأبط شرا الموضوع / الهاجس المتميز عن باقي الموضوعات بكثافة التواتر ووضع جدولا لذلك التواتر.
كما وضع  فهرسا للقبائل والأعلام والأمكنة، و قارب من المنطلق نفسه المستوى المعجمي بقراءة ركزت على بنية الكلمة في المعجم،وبينة الاسم العلم والوظيفة الشعرية للموضوع/ الهاجس. 4
وتتعلق الفهارس  بخصوصيات الخطاب وبيئته العصرية والشاعر  فخلص إلى أن معجم تأبط شرا يتميز برغبة ملحة في عدم الاستقرار ، حيث إنه ملتفت أبدا ومتنقل أبدا، مزدوج أبدا، ويطغى باستمرار الموضوع / الهاجس( الجري /العدو / النجاء)  إننا نحس كل شيء يعدو الضباع  والنعام والخيل  والطير  والحرباء والطيف حيث إنه لا يستقر دائم الحركة.
وفي الفصل الثالث تناول البنية التركيبية فتطرق إلى  الأشكال المختلفة لمفهوم التركيب، فوسع من مفهومه وأغناه كما هو متعارف عليه في الدراسات الأكاديمية للشعر. فقارب في التركيب النحوي صياغة الجملة من حيث عناصرها وترتيبها والعلاقات الناجمة عن هذا التركيب، فاكتشف صيغة حضور الضمائر والأفعال و أنواع الجمل وصلة هذه الاختيارات اللغوية بالضرورة الشعرية التي رأى إليها  من جانب النحو باعتبارها خروجا لتأبط شرا على الاستعمال  المطرد في اللغة بما  هو اضطرار  أو عجز “في مقابل وجهة النظر الأسلوبية التي تعتبر الضرورة أقوى مظهر  للإرادة الشعرية، وفيها تتجلى روح الأديب وفرديته، وبها يظهر  المعنى الذي يدور عليه  النص الأدبي باعتباره كلا متكاملا.وإذا كان هناك معنى ينبغي أن تؤخذ عليه الضرورة ” 5
ويختم فصلة بالتأكيد على أن التركيب النحوي في شعر تأبط شرا، يتميز بالمزج والتحويل: مزج الضمائر بالأزمنة وأنواع الجمل، وتحويل بعضها إلى بعض وتضمين بعضها بعضا.
ويتميز بمناخ القلق والتردد والشك الذي يفرزه استعمال خاص للأدوات ويتميز بالخروج الشعري عن النظام اللغوي كما قعده  النحاة، أي أنه بشكل عام يتميز بالحركة المستمرة بين الأطراف على صعيدي النحو والدلالة معا”6
وفيما يتصل بالتركيب البلاغي بادر الباحث إلى فحص اشتغال الصورة الفنية فأخرجها من التناول السائد الذي ظل يقصرها على التشبيه والاستعارة، فأوضح أن الصورة اليوم تغتني بالخيال كي نرتقي إلى أن تكون علاقته- كي تخلق إدراكا خاصا للشيء- بين  عناصر العالم المتخيل في الخطاب الشعري تتميز في شعر تأبط شرا ب :
1- تقابل طرفيها : العلاقة الغالبة بين  أطراف الصور الشعرية في ديوان تأبط شرا هي التقابل (كالتشبيه والاستعارة والطباق والتجاور أحيانا كالمجاز والصور الواصفة  والكناية)
2- نمطية الصورة
 وتتميز خارطة الصور الشعرية في ديوان تأبط بنوع من الصور يمكن أن يمكن أن نسميها ” الصور المفاتيح ” وهي تلك الصور التي تتكرر أطرافها أيا كانت العلاقة بين هذه الأطراف تقابلا أو تجاورا”7
ومنها مثلا صورة الموت / الإنسان و الموت / الضاحك وصورة الإنسان  / الوحش وصورة الغول/ الوحش يقول بوزفور : ” إن الإنسان في الصور يسكن الجاهلية يسكن المشبه غالبا، بينما تسكن الطبيعة وحيواناتها المشبه به” 8
وكذلك يفعل تأبط شرا، وقد قاد بحث بوزفور عن الصورة البلاغية إلى اكتشاف سمات أخرى للصور في شعر الشاعر منها:
- وظيفية الصورة : ومن ميزاتها حذف الموصوف والاكتفاء بالصفة.
- صوتية الصورة: أو التصوير بالصوت، ويتجلى في الصورة السمعية والتجنيس والرمزية الصوتية.
- حركية الصورة: أو التعبير بالحركة وفي ذلك يقول  بوزفور:” يبث تأبط شرا الحركة في كل ما يبدع من صور، إلى الحد الذي تصبح معه هذه الحركة دالا آخر، يدعم الدال الأيقوني للصوت ، والدال الاعتباطي للوضع، في الإحاطة بالمدلول وإبلاغه والإيحاء به”9
وقد تلقى الشعراء بعده في العصر الأموي كثيرا من بلاغته وصيغ استثمار الصور البلاغية.
وفي التركيب الشكلي حاول الباحث  الاقتراب من دينامية الشكل في شعر تأبط شرا وتفاعل عناصره منطلقا من مسارين متعادلين  الأطراف هما:
وحدة التنوع وتنوع الوحدة: إذ كان وكده الوفاء للهوية الداخلية من جهة ولصيغته الخارجية ذات الصلة بالمحيط الخارجين، وهي المفسرة لحركية الشكل  وتفاعل عناصره.
ففيما يتعلق بوحدة التنوع رصد  الباحث ثنائية البيت والقصيدة، فاكتشف الوضع الاعتباري للبيت من حيث استقلاله، وهو ما ترتب عنه :
تفشي الإقواء في الشعر القديم.
الاحتفاء بالأبيات المفردة ( سوائر الأمثال )
غير أن هذا الطرح  يصطدم بالتضمين من جهة ، وإشكال الشاهد الذي يتم تلقيه من خلال المنظور اللغوي  والنحوي.
ثم انتقل إلى  ثنائية  المقطوعة / القصيدة حيث سعى إلى اكتشاف صيغة إبداع المقطوعة ووصف ممتلكاتها  الدلالية والدالية من حيث عدد الأبيات والموضوع وخطابها والشعري، التي تتراوح في شعر تأبط بين الكثافة والعمق والشمولية والتعدد في مستويات الصور والإيقاع والنفس الشعري.
غير أنه يذهب إلى أن المقطوعات أنواع فمنها الجزئية  والمرهصة والصغيرة الحجم ما يجعل أن بعض المقطوعات ما هي إلا قصائد منقطعة أضاعت درها.
أما  فيما يتعلق بالقصيدة فإن الباحث يرى أنها تتعلق ب:
التنوع على مستوى الفضاءات  والتعدد في الموضوعات.
والدينامية المفضية والفعل والانفعال في الفضاءات.
التفاعل  بين الصور والموضوعات.
كما يطغى فيها على غرار غيرها حافز يتخذ أشكالا مختلفة: الجري والنجاء والهرب ،المرتبطة بتواصله مع عالمه المر( الصعلكة) ،التي تعبر عن ثقافة وقيم وثقافة وقيم وتصور جاهلي للعالم.
أما المسار الثاني المتعلق بتنوع الوحدة فقد انصب بحثه على نقطتين أساسيتين. ترتبط الأولى ب:
أ -  القصيدة والشاعر: تكشف القصيدة المفضلية لتأبط شرا عن صلتها بغيرها من قصائده، وهو ما يمكن أن نسميه بشعرية تأبط شرا، التي تضمر بنى وقوانين فنية تكمن في خلفية كل نص وتنتجه” 10
ويوضح الباحث أن أمر تفسيره يتم من خلال:
قانون مركزية  الذات:
ما يعني حضور ضمير المتكلم عاملا بانيا مهيمنا في ذلك و إدخال الاسم العلم للشاعر في القصيدة  المتحاور مع الضمير أو الأسماء المستعارة له  أو اللقب.
1- قانون القفر: الشاعر وباستمرار أليف القفر وأنيس اليعافير والغيلان والضباع والنعام.
2- قانون العدو:
يقول الشنفرى :
لاشيء أسرع مني ليس ذا عذر*****    وذا جناح بجنب الريد خفاق
 هذا العداء الأسطوري هو تأبط شرا، إذ كل الموجودات في شعره التي تشاطره ألم الصحراء  والخصاصة تعدو: الأركان والأطياف ، في حين ترتبط الثانية ب :
ب -  القصيدة والعصر
 فاكتشف أن القصيدة في شعر تأبط شرا تتواشج بصلات خارج نصية مع الشعر الجاهلي، وكانت هذه الفكرة دافعا للتفكير في توسيع تلك الصلات بين القريض الجاهلي ، غير أن مشاق عمل كهذا  فوق طاقة الباحث، فاكتفى بالصلات التالية التي تشده إلى قرنائه الصعاليك:
موضوعة النعل التي تمثل وسيلة أساسية في تجربة الهرب والنجاء، ولشعراء الصعاليك ومنهم الشنفرى أبيات في هذا، ما جعل الباحث يتساءل :
هل النعل هي ناقة الصعاليك؟
 فضلا عن موضوعة العدو التي مرت معنا سلفا أهميتها ودورها في حياته اليومية.
أما على مستوى التفاعل النصي بينه وبين غيره، فقد اختار الباحث مقارنة القافية المفضلية  لتأبط شرا:
يا عيد مالك من شوق وإيـــــراق   ********* ومرِّ طيف على الأهوال طراق
 يسري على الأين والحيات محتفيا   ********* نفسي فداؤك من سار على ساق
 مع قصيدة  الشماخ بن ضرار في مدح الألوسي:
ماذا  يهيجك من ذكر ابنة الراقي ***********   إذ لا تزال على هم وإشفاق
 قامت تريك أثيث النبت منســــــدلا  **********    مثل الأساود قد مسحن بالفاق
 فاكتشف العلاقات الجزئية بين القصيدتين:
- القافية والروي
 وقع الحافر على الحافر في أبيات متماثلة على المستوى الوجداني والثناء على الإنسان المثالي وبروز صورة ضمير المتكلم
 تعدد الفضاءات وتفاعلها في خضوع ظاهر لهيمنة عامل بانٍ.
وخلص في الأخير إلى أن الشكل عند تأبط شرا ليس تعبيرا فرديا عن تجربة خاصة بقدر ما هو تحقيق وإنجاز لنظام بنائي جاهلي يكمن في قرارة أغلب القصائد الجاهلية الكبرى” 11
وسعى البحث في الفصل الرابع إلى مقاربة بنية العالم المتخيل لدى الشاعر مشيرا من خلال رصد التصورات والأفكار والقيم التي يصدر عنها الشاعر بشعور أو بدون شعور، إذ لا يكفي الوقوف عند المستويات الصوتية و اللغوية ، بل لا مندوحة من إدراك عالم تأبط شرا الشعري من خلال  الكشف عن بنية المتخيل الذي تنسجه مستويات التحليل الآنفة ( التركيب – الإيقاع – المعجم ..)  ومن المرجعية الثقافية التي تصدر عنها ، وقد اهتدى الباحث إلى وصف العالم المتخيل للشاعر من خلال المداخل التالية :  الماضوي – الغيبي   – الجسدي – الشفوي  -  الحركي  – الجماعي.
 ** فالعنصر» الماضوي : «
يعكس صلة تأبط شرا بالماضي بكل رموزه، إذ هو أفقه وحلمه ومثله الأعلى الذي ينشده، فصورته الفنية مشدودة بعبق الماضي ومتشبعة بسيرة الأشياء، ذلك أن  القصيدة وبمجمل أغراضها تفتخر بما كان وبما تم،  أو نحو التأسي بما سيصبح عليه حاضره حين يعود ماضيا. وجدير بالذكر أن الماضوية تكاد تكون ملمحا ثقافيا من ملامح الشعر الجاهلي ككل حيث يتسم بجزر مزدوج:
جزر القارئ الذي يعود به النص إلى ما ض ثقافي.
جزر الشاعر نفسه الذي يفتتح قيدته غالبا بعنصر آني  حاضر سلبي:
 ( الأطلال- الفراق- الشيب… الخ) ثم ينحسر إلى الماضي الإيجابي ليغرف منه المتع والحياة”12سأسيأ
ولعل التصور الفطري للشاعر الجاهلي للحياة والموت هو ما يربط الشعراء وجدانيا بالماضي، ولذلك لم يكن الشعر الجاهلي يعبر عن عصره بقدر ما كان يعبر عن احتجاج المنسحبين من عصره، إنه شعر الغروب لذلك يمجد أيام كانت حدود  الحرية أوسع ، ويستشهد بيت لأوس بن حجر:
إذ الناس ناس والزمان بعزة    *****   وإذ أم عمار صديق مساعف
**أما العنصر » الغيبي  «:
ويتمثل في الغول / ابنة الجن التي تمثل جانبا خفيا يتلبس بالشاعر حال رسوخه الحر في عالم الصحراء وحيدا لا أنيس له وكلما استوحش أو بدا رأى ما لا يرى، وتوهم الصغير في صورة الكبير وارتاب ، فبرز هذا الإحساس الغيبي المضاد للمجتمع والمقترن بالوحدة والبداوة، وكان يحضر عند الشعراء الذين يرون ملا يرى، وقد تعامل معه الباحث من خلال ثلاثة أشكال:
الغول اللغوية: وتتعلق بمختلف الاشتقاقات من [ غال] ووجد لها بروزا عند غيره من الشعراء في العصر الجاهلي.
الغول العبقرية: ينسب إلى الجن وإليه ينسب الشعر، كل شعر جميل ودقيق ولطيف
 وعبقري،وليس هذا بغريب ماداموا يزعمون أن مع كل فحل من الشعراء شيطانا يقول ذلك الفحل على لسانه الشعر.
وقد أنتج الخيال العربي الغول ولكنها تعود فتنتجه: يتيح له عالم الغول الغامض والمتنوع والمختلف وإنتاج ألوان من السرد تتفاعل وتتكامل، وكذلك كان تأبط شرا يصدر في شعره ويشتغل بموضوعة الغول.
 ** أما العنصر » الجسدي  «:
فقد امتاز تأبط شرا على غرار شعراء الجاهلية في التقاط الجسد من المخيال الصحراوي بسبب الوجود القاسي( الصيف ) والشروط الاجتماعية( الحرب ) والخيار الذاتي ( الفقر والصعلكة )  حيث يشتغل على  عناصر الزمن لينسج جسد الأفكار والمواقف، حيث تفاصيل الجسد إطار ينبئ عن صور الذات والأشياء واحتفال الحواس كلها بحركة حياة شاملة” كل ذلك تلتقطه في الشعر الجاهلي عين قوية دقيقة طفلة شبقة، وتدخله الوجود الشعري فاعلا  في الحواس قوي الحضور في الوجدان يقطر متعة ويذوب صفاء”13
ليخلص إلى أن الجسد عند الشاعر رمز للخصوبة والاستقرار للمقيم والخصوبة والحركة لعناصر الكون المتوترة.
 **   أما العنصر » الشفوي  «:
الشفوية جزء من الشعرية الجاهلية، حيث السياق شفوي يرتبط باللسان إنشادا وأصواتا، ولذلك لا غرو أن تنتشر في الشعر الجاهلي الأقوال والحوارات وصدى الدوي، ولذلك نرى عبر شواهد البحث كيف يعبر الشاعر بلغته عن حركة الأصوات والأقوال بين الشاعر وغيره، أو حتى حين يجرد من نفسه ضميرا فيخاطبها.
 ** أما العنصر » الجماعي  «:
اكتشف الباحث أن ثمة صورتين متباينتين للنموذج الإنساني، تشتغلان في عالم تأبط شرا الشعري:
صورة الإنسان الذي يتعسف الشعاب في الليل وحيدا دون حاجة إلى دليل، الذي يعاشر الوحوش هاربا من الناس أحبابا و أعداء.
هذا الرجل الوحش ليس اجتماعيا وليس حتى إنسانيا، ولكنه مع ذلك قوي في وحشته، نبيل في وحدته.
صورة الإنسان المرتبط بالناس من حوله في كل  المستويات الاجتماعية فنراه يأنس بالناس (رفاق أقارب وبني قومه  » فهم  «وأبناء عمومته  » عدوان  «ويوضح البحث التاريخي أن تأبط شرا رسم صورة أخرى له هي صورة ” العربي العزيز في قومه، والعزيز بهم، والاجتماعي الذي يصل الأرحام ويحفظها. والرفيق الذي ينقذ رفاقه إذا حوصروا، ويأسى لفقدهم إذا صرعوا. وهي صورة تختلف- كما يبدو– عن صورته الأولى: صورة الرجل الجحيش/المنفرد/الوحش”14
غير أن واقع الصعلكة كما استشهد الباحث برأي الدكتور يوسف خليف يضعنا أمام اختيار الشعراء الصعاليك التخلص من الشخصية  القبلية في شعرهم داخل دائرة داخل دائرة الصعلكة كما تخلصوا منها في حياتهم، ومثلما كانوا شخصية فنية شاذة في الشعر الجاهلي كانوا أيضا شخصية اجتماعية شاذة في حياتهم، ويخلص الباحث إلى أن الشاعر الجاهلي منتم، ولكن إلى أسمى وأنبل ما في عشيرته وفي القيم الجماعية، التي يفزع إليها كل أحد وقتئذ فردا أو جماعة.
 **  أما العنصر » الحركي  «:
لقد ساهم هذا المكون في بناء متخيل الشاعر، حيث ضمير المتكلم  يعدو في كل الاتجاهات شعرا وهربا من بجيلة أو من الأزد، حيث قوته في قدمه. وهي حركة خصبة لأنها حركة ثأر( روحا وعقلا وجسما ) ما يعني سرعة القرار وسرعة الفعل، ولعل اختلاج شعره بالحركة في كل المستويات معادل لحركة الأشياء والإنسان المطلقة في العصر الجاهلي:
حيث نطالع الإيقاع في تكراره  والتنوع ومعجم الجري، و القبيلة والخيمة والمرأة .أمكنة قابلة للحركة واللقاء والفراق حلفا وسفرا وغدرا  وصدا، ومثلها نرى المياه والدارات والديار قابلة للحركة. فقد مجدوا المكان المتحرك( الناقة والفرس ) .وعلى المستوى الفني مثل الباحث للحركية من خلال بناء القصيدة، حيث ينتقل الشاعر من غرض لأخر كأن القصيدة رحلة تغير من الطلل إلى الناقة  والشعاب والمياه والحيوانات إلى مواقع الحروب والنزال إلى المصارع والضباع والقبور والهام.
وفي خاتمة الكتاب نص الباحث أحمد بوزفور أن الدراسة مقصورة على النصوص الشعرية، لا القضايا أو الأفكار مهتبلا المتن ومجتنبا الأفكار المسبقة، حيث واجه نصوص الشاعر الذي ظل غفلا من النظر النقدي قديما وحديثا، فانتهى إلى :
ثبوت إمكان قراءة الشعر الجاهلي بوصفه شعرا تام الانتماء والتجنيس، لا باعتباره وثيقة تاريخية أو لغوية أو اجتماعية، إذ رغم فائدة هذا النوع من القراءات فضرره كان أكثر، لأنه أشاع أفكارا خاطئة عن الرتابة والجزئية والتفكك في الشعر الجاهلي، ولذلك فحين انكبت الدراسة على نصوص جاهلية محددة، وسبرت أغوارها طبقة بعد طبقة ومستوى بعد مستوى، فقد وقفت على القيم الفنية ومنابع المتعة المتخيلة ما يجعلها تقف ندا للنماذج الشعرية الإنسانية في مختلف العصور.
تصحيح التصور الشائع عن تمرد الشعراء الصعاليك على الجماعة في كل شيء، وحياة وأفكارا وإبداعا شعريا. والثابت أن اختلافهم عن قبيلتهم إنما في القيم والتصورات ونمط الإبداع الشعر، وهذا ليس بدعا من شعراء عصرهم والإنسانية.
إعلاء صورة تأبط شرا العداء الشاعر: عداء قلق متردد في الإيقاع والمعجم والتركيب. ومن ثم تساءل عن : – القيمة التاريخية لأخبار الشعراء الجاهليين في كتب الأدب القديم
- القيمة الفنية: لها باعتبارها نصوصا إبداعية وسردية حافلة بالمجال(أخبار تأبط شرا في كتاب الأغاني).
ثبوت الاختلاف العميق بين علوم الآلة والإنجاز الشعري.
فتح آفاق جديدة للقراءة متعددة الدلالة أفقيا وعموديا وإمكانية بناء شعرية جاهلية ترصد القوانين المنتجة له.
أحمد بوزفور : ناقدا للسرد القصصي
هل القصة زرافة مشتعلة؟
 ذاك مسعى كان وكد احمد بوزفور إثباته بما  للقصة  من أحوال والملكات والطفولة والبحث والمغامرة والتأملات والتلويث والعمق والكبر والامتلاء والقلق واللغة والشك والعدوى والإرباك والاستفزاز والغواية وفوضى العالم وعناصر الخرق والعبث  والنشاز والنقص، إذ سعى لتبين معالم نظرية لعبية للقصة عموما والقصة المغربية تحديدا. جاء ذلك المرمى  من خلال كتابه الزرافة المشتعلة ( قراءات في القصة المغربية الحديثة )15 : الذي صدر عن منشورات المدارس للنشر والتوزيع عام 2000 بالبيضاء . وقد اقتضت قضاياه و مواضيعه تقسيمه على قسمين مسبوقين بتمهيد كما خصص الربع الأخير في الكتاب لحوارات مع حساسيات فنية جديدة لجيل القصة في تسعينات القرن العشرين..
لقد اضطلع التمهيد برسم معالم الكتاب وضروراته التي شجعت على نشره كقلة الدراسات في جنس القصة القصيرة، إذ هو فرصة تتيح تتبع تجربة أحمد بوزفور وتطورها وتواتر تجربة القصة ونبوغها، كما ألمح إلى مرامي مقالات الكتاب، المختلفة المداخل  والمتباينة الأبعاد المتجهة نحو بسط معالم نظرية قصصية محلية في القسم الأول من الكتاب المعنون ب على الطريق. نلمس في هذا القسم المكون من ثمان مقالات هاجس التنظير والتحديد والرصد الشمولي لمفهوم إجرائي للقصة المغربية، إذ حاول بسط عناصر رؤاه  و مساراتها، التي سعى إلى اجتراحها منذ مستهل السبعينات حتى اليوم، ولذلك فهذه المقالات رغم تفاوت أزمنة نشرها وتباعدها تكاد تتيح منظورا نسقيا  متحركا يمكن من تتبع  تجربة الكاتب  وتطورها.
فقد وضع اليد على مفاصل تجربته القصصية من خلال مقاله ” مراحل تجربة قصصية ” فانطلق متسائلا حول سبب اختياره للقصة القصيرة دون بقية الأجناس، فاهتدى إلى أن الأمر يعود إلى أن العالم كان دائما في تصوره حكايات، منذ الطفولة كان يعيش بأذنه، وقد قسم تجربته على ثلاث مراحل:
1- مرحلة النظر في الوجه العزيز
 وقد ابرز فيه صيغة القصة  وانخراطها في الصراع الاجتماعي في سياق الجدل وقتئذ بين الانسياق  وبين التأسيس  لكتابة لها نسقها الجمالي الفني الجديد، فأو ضح بعد ذلك مصادر تجربته وتصورها المعتمد على :
أ – الخيال المساهم في إنتاج العجائبية  واللعب بعناصر الواقع الخارجي.
ب – الذاكرة أحفل بالحيوية .
ج – اللغة التي حرص المبدع على أن يجعلها تهتم بأدواتها وتصقلها، وتلجأ إلى الشعر كتقنية لخدمة السياق، والخروج بها عن مفهومها القديم- الحكاية – ومن لغتها القديمة- الإبلاغ –لكي تسلس الخشن وتشف الغامض.
2- مرحلة الغابر الظاهر
 اعتمد في هذه المرحلة على  التراث الشعبي وعكست أثناءه قصته مسعاه في البحث  عن هوية بسبب الإحساس  بالاستلاب والقزمية أمام المؤسسات التي صنعها  الإنسان، رغم أن الحكايات الشعبية تمتلئ أيضا بالإحساس بالخوف  والضعف أمام المصنوعات الخيالية( الجن / الغيلان / البحار..)وطورت القصة  بنيانها ملامح خصوصيتها، كم اكتسبت صفة الحس والتحسيس ، ما يجعل أشياءها حية وطازجة. كما تلتقي تقنية التثغير ( تعميق دلالة النص وتوسيعها) مع تجويد البنية ، وقد امتصت بنيان التراث الشعبي  المتمثل في  التكرار و اللازمة  وصيغ البداية والنهاية.
المرحلة الثالثة تتعلق بصياد النعام
 وقد يسرت للنظرية القصصية أن تطور سؤال الكتابة الإبداعية حيث أضحت الكتابة تدور حول نفسها مماثلة عمل المرآة، وهو ما قادها إلى فضح لاشعورها، من منطلق تقني يلعب  بالكتابة وأوهام الناس عنها  لبناء نسق جمالي  مستدير يشع بالدلالة ،وأمر نظرية القصة التي تلوح من غائية هذا  الكتاب تجد نحو التجديد في هذه المرحلة والتطوير والاكتشاف وإشراك القارئ في الإبداع .
وتستقي النظرية الكثير من نظمها الجمالية من المثل بوصفه خطابا له صيغ توظيف متمايزة، ومن ثم فجماليته تتمثل في كونه:
فهو جزء من اللغة ، لمجرد دخوله الكتابة، مما يزيد دلالته اتساعا وغنى، ويمثل لهذا الأمر بتجربته الخاصة بقصة ” الأعرج يتزوج” حيث الحاج الصامد الخير في مواجهة مع ابنه التاجر المهرب المطفف والخبيث، فيقول “النار تلد الرماد” فالأب نار ولود منجبة ونبيلة مشعة في حين الأب رماد خامد عقيم باهت وغبار.
المثل حياة الشخصية يدخل إلى القصة تلقائيا دون قصد.
تنتفع  نظرية القصة بدينامية المثل الذي يحيى في سياق حياتها، يتحول ويعيش بتغير الدلالة من جهة ويتغير الصيغة من جهة أخرى، أو هما معا، أو بتفكيكه نقضا ونقدا أو تحليلا حيث يصبح المثل موضوعا للكتابة لا أداة لها، فيصبح المثل سلاحا  وعجينة قابلة للتشكيل.
كما تغتني بوظائفه الفنية المتمثلة في :
الإيحاء بالحياة
 التعبير عن الصمت.
اللعب على الدلالة المزدوجة في العناوين(صيام النعام – الغابر الظاهر ).
استغلال أدائه الصوتي.
الصفة السيكولوجية محض ذاتية.
لوظائف سياسية.
هكذا يمكن المثل من الرفع من الأداء الفني للقصة مساهما بنسجها، فهو يدخل الخطاب الأدبي كما يدخل طفل روض الأطفال حيث يخرج من فردانيته، ويلتقي أطفالا آخرين، وحيث يلعب ويتعلم  وينمو ويتحول.”16
وعزز تصورها النظري من خلال  النظرات النقدية في مسار القصة المغربية التي تعزز صورتها فقد اعتبرها طفلة الأدب  من سماتها صغر الحجم وقصره  ولكنها كبيرة من الداخل بأحلامها وطموحاتها باختزالها العالم بتمثلها لكل أجناس الأدب ولا شعوره إذ تحفل بما لا يقال.
وهي طفلة الشخصيات بسبب ولع كتابها بالأطفال كشخصية أدبية على خشب القصة فيؤولون بطريقتهم الخاصة عالم الكبار الجاد والعابس والوقور، وفي كتابها شيء من الأطفال لأن  يتفاعلون مع المحيط، دون عقد حيث يأتون بشخصيات الهامش، القصة صوت من لا صوت له.
وسماها طفلة الفضاء حيث فضاؤها الطبيعة والمدينة والناس والأفكار، كل ذلك يخل مهتزا ومقلوبا عما هو عليه في الواقع، الكبير يصغر و الصغير يكبر، كما سماها طفلة اللغة لأنها تكتب لغة ناقصة وبجملة  غير كاملة الدلالة وتتلعثم وتسمي الأشياء  بأسماء غيرها شبيهة بوضعه و دهشتها الطفولية ، فالذاكرة إذن  هي محبرة القصة التي سماها الطفلة الخالدة لا تكبر ولا تموت أبدا تقضي  وقتها في اللعب وتقفز فوق الحواجز.، وقد تتعزز نظرية القصة بمجهوده النظري  المسمى نظرية التلويث، فالقصة من خلاله هي حالة من حالات التلويث رديفة الإبداع التجريب والتثوير والتثغير الذي يوصلها أعلى عليين كتابة عددها في كذا وكذا صفة تتواشج في :
القصة ضد الوضوح ولذلك تصيبه بالتأزم والقلق من القيم الزائفة والمواضعات الفاسدة.
القصة تخالف الفصاحة القاموسية وتخلق لغتها الإبداعية الخاصة
 هي ضد الجزم واليقين والحياد والدغدغة وترفض الوعظ.
القصة ترفض الصنمية  والنهايات المتفائلة  والحيل الفنية المكشوفة والمحجوبة وهذا ما يجعلها ترفض النموذج أيا كان.
القصة ترفض الواقع البشري بحيله وخبثه وتقف في وجه الناقد الذي يؤمن بسلطة المنهج.
وهي في اختياره ذلك تعادل ميلان المجتمع واعوجاجه، وامتلائه بكل الظواهر المرضية، وكل شيء مقلوب من ثم فلا طائل وراء الكتابة الأنيقة.
وقد تتبع الباحث أحمد بوزفور سمات القصة المغربية وسيرورة ملامحها وصيرورة تحولاتها  من خلال مقاله ” الدخول إلى فريواطو قراءة في ملامح  القصة المغربية في السبعينات” فاكتشف أنها  اكتسبت نسقا داخليا تتمثل ملامحه في :
1- الغوص في الذات الشخصية للكاتب حيث مستويات  الحلم واللاشعور، ويمكن رصده من خلال محورين هامين:
المحور الأول: الطفولة
 حيث الكلمات عضة طرية بريئة ودخلت الطفولة في القصة كموضوعات وصور ورموز وحنين، وذاك رد فعل على التهميش الاجتماعي للكاتب طبقة وفئة ومهنة فردا.
المحور الثاني: الجنس
 كان توظيف الجنس تعويضا عن الفشل الواقعي وعن الخيبات والرغبات المكتوبة، غير أن استثماره في القصة عاد إلى تصحيح النظرة إليه باعتباره عن تصور ذاتي وموضوعي ودخولا عميقا إلى الذات واستحضارا للكامن وموقفا من القهر والكبت.
2-    الدخول إلى الذات الجماعية  الثقافية:
العودة إلى البادية : الأصل الذي يمنح الأمان والشعور بالانتماء
 التراث شخصيات يعبر بها عن تصور خاص للحاضر : أبو ذر طارق بن زياد فتصبح أكثر إثارة للدهشة.
الأدب الشعبي وفيه حكايات الجن والغيلان والأبطال وهي كنور الشمس كنز وملك جماعي نحس  فيها بالهوية قبل أن نحس بجماليات الفن، فالأدب الشعبي أدب الضعفاء والمقهورين.
3 -    الدخول إلى الذات اللغوية
 شعرنة اللغة تتصل بالدخول إلى الذات والتصرف فيها كإبداع وامتلاكها بحرية، ولذلك تتعدد مستويات العامية بمزيد من التثغير.
1- الدخول إلى الذات الفنية:  ويتعلق الأمر بالدخول إلى القصة  من خلال :
- الخيانة : رفع الحدود بينها وبين بقية الأجناس الأدبية، فقد تتباين عناصرها في الحضور والغياب.
- المرآة: وتتمثل في نظر القصة إلى نفسها، قصة تحكي عن كيفية كتابة قصة أو قصة شخصيتها قصة أخرى.
ولاستيفاء نظرية القصة في التشكيل يتابع ظلوع الشعر في نسج بنياتها، فالقصة في رأي بوزفور جملة فنية، والشعر فيها شبكة من الضمائر العائدة المتصارعة فحاول مقاربة ذاك الاشتغال من خلال ثلاث زوايا:
أ – الإيقاع الذي يتكئ على:
1- الميلودراما: ترديد الأصوات وتكرارها ولعلة الكلام كالأطفال.
2- الهارمونيا : توافق الوقفات والفواصل والأصوات المتجانسة.
ب – الإيحاء: يتيح الشعر في القصة ميلاد سعة الدلالة وشيوعها المتعدد واحتمالات التأويل لعناصر القصة  كصيغة الشخصيات الملتبسة الهوية أو بتكرار لازمة أو مكان عارض أو طرفة أو لمحة أو صدى كغيره أحفل بالسر وأخفى، كما يمكن أن تمتلك القصة تشكلا مضاعفا ذا طبقات فالقارئ ملزم بالغوص على المعنى بالغ الغور، ويتعقب غوايات القصة بلا هوادة ، كما أن تراسل الأجناس أدعى لبؤرة الإيحاء على التوالد والغور،ويخلص الكاتب أن حضور الشعر في القصة داع للمكر والشيطنة والخروج الصبياني عن  الأنظمة والولع المرضي بالفوضى  والنشاز والبناء الناقص، ذلك أن كمال القصة عنده هو توازن نقائصها.
تحتاج القصة التي استوت نظريتها أذرعا سبعة لها تجليات ووسائل حياة، إذ أن استمرارها قد يصل حدود المستحيل في غياب هذه الأذرع التي تمدها بماء الحياة وتيسر لها شروط الأمان في العيش، ولكنها قد تكون أحيانا أذرعا أو ذراعا يحجب بعضه بعضا، ما يسهم في تكريس أمن مبتور شبيه بالكساح.
فالذراع الإيديولوجية ذات حضور كثيف وتلقائي وعلني تتدخل بالمنع والإكراه، ولها نفوذ طاغ على باقي الأذرع حد إخفائها.
والذراع النقدية لها صلة بالجنس الأدبي والنصوص النماذج وإكراهات آفاق انتظارها.
ذراع القارئ تتكامل مع الذراع العائلية،إذ وإكراهات القارئ لها مطالب لا تختلف عن إلزامات العائلة للفرد، التي تسرق منه جوهر حياته وتكبح تحركاته، ولا تختلف الذراع السيكولوجية عن الذراع اللغوية في رقابة الوعيين معا رقابة ماكرة تتلون بألوان مختلفة على النص  وعلى الكاتب.
وقد تصيب ذراع الزمن الكتابة القصصية بلعبة انحدار الكتابة وموت العبقرية وانطفاء النجوم وبطغيان الضحالة وصعود السخافة .
ولذلك حق للكاتب أن يضرب عن الكتابة أمام هذه الأذرع الملزمة احتجاجا على كثرة الممنوعات، غير أن مجرد الوعي بهذه الأذرع خطوة نحو الإفلات.
تغتني نظرية القصة بقيمة المكان، حيث إن حضوره له تجليات تعكس رؤية المبدع له، فأبرز بعد استعراضه لمفهوم المكان في الإبداع المختلف والمتعدد فيه.
وترى نظرية القصة  أن المكان في الإبداع صورة حية تخلد الطبيعة والحركة الاجتماعية في الواقع هو رؤية المبدع وموقفه مما يراه.
وهو في النظرية حياة تنفلت من أيدينا حين نتحدث عنها مثل كل أشياء الحياة التي لانتذكر منها إلا المؤثر كالجهير من الأصوات من الأصوات أو الأبيض من الألوان ولون الفضيحة الأحمر، والمكان في الإبداع عيش ووعي الجسد الحي طبيعة، والإحساس به فن وحضارة
 وهو طبقي إذ هناك مكان سيد وأمكنة خدم تهيئ  له وتبرزه، وتعيش عواقب ظهوره بعد أن يغضب. فالمكان يصبح أبا يصبح جرما يصبح رمزا.
أما القسم الثاني من الكتاب فقد عنونه: عن الرفيق، إذ باشر فيه نصوصا  مغربية لكتاب كانوا على الطريق قبله، مثل محمد زفزاف ومحمد برادة وإدريس الخوري، ومنهم مجايليه كأحمد المديني وأحمد زيادي ومحمد الأشعري، ومنهم  اللاحقون كعبد النبي دشين، ومنهم من يتأهب للانطلاق كخديجة  اليونسي.
وقد حاول تبين الاشتغال السردي في بعده القصصي كما لاحق صورة الواقع وتجليه ونواحي الصنعة وطفرة الإبداع القصصيين، فقدم صورة لما يشبه النقد المنتج المجافي للنقد الإخواني أو المجاملات. كما أنه مارس اجتهادا ظاهرا خلص نصه النقدي من صرامة المنهج وعقمه مبسطا مفاهيمه،معددا مداخله النقدية لقراءة المجموعات.
فعند محمد زفزاف يرصد صورة الواقع في مجموعة الأقوى البشع، حيث الإنسان مسالم وبسيط تلجئه علاقة القهر المركبة إلى حافة الانفجار وأغلب الشخصيات من الطبقات المسحوقة مقموعة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا. مستعملا لغة ذات زي شعبي مشحون بالواقع مختزنة سخرية شفافة تترقرق في الوصف والحوار.
فإذا كان المواطن قد أعطى للسلطة كل ما يملك: لقمته وحريته وفرحه فإنه حين جاء إليها في القصة الأخيرة “المركز الصحي” يطلب منها خدمة بسيطة، هي مسؤولة عنها، احتقرته وخدعته بالحقن والأقراص  وطردته إلى خارج المركز الصحي ، ليموت تحت المطر  والبرد في المستنقع.
وفي مجموعة سلخ الجلد لمحمد برادة يبدو الواقع متجها من الخارج إلى الداخل في مراحل أربع:
مرحلة المجابهة: وتكمن في العوائق الطارئة، حيث التردد والاختلاف سمة الطبقات والأفراد  جميعا.
مرحلة الموجهة: وتجري بين المثقف والطبقات الشعبية مكتشفا حرارتها وصدقها وخرافتها ومفاسدها.
مرحلة التشريح: وتتعلق بالدخول إلى الذات للبحث عن العلة ليس بؤس الواقع الاجتماعي فقط، بل أيضا في العجز عن الحركة فيه، وقد سعى البحث للاقتراب من أسراره.
مرحلة الفرز: يتجه فيها الإبداع من الخارج إلى الذات لتشريحها  وفرز عناصرها، وفي السرد توق إلى الخروج  من الثقافة ودوائرها التجريدية إلى الواقع المحسوس. ويرى بوزفور ان المجموعة اتسمت ب:
1 – خضوع السرد للاقتباس  والتضمين واقعيا أو متخيلا ( الشعر / الآراء /الأقوال / الرسائل / الأمثال ..)
2 – الحركة الدائرية للسرد
 الاتجاه من المجرد إلى المحسوس، التوق إلى البساطة، التوق، إلى الإحساس الجاد بالعالم
 الاتجاه إلى الجماعة ،حيث الشخصية تخرج من عزلتها متجهة نحو الجماعة، ومثل ذلك بحال المعلم والرأس المقطوع.
وبنى قراءته لمجموعة إدريس الخوري ( مدينة التراب)  على ثلاث ملاحظات مختلفة.
فالملاحظة الأولى عامة ترتبط بالنقد القصصي الذي كان في أوله سجاليا منفعلا يرى صلتها بالواقع بمعايير لا علاقة لها بالكتابة رغم أنها كانت في بدايتها تبحث عن نسب، وبعد أن  ابتعد نهرها  عن المنابع وحفر المجرى وتعددت تياراته، ظهرت قراءات وصفية محايدة وباردة قراءة بالقفاز، دون إنطاق للنص، ويشدد على ضرورة تنوع النقد وتطوره واتساعه وإنصاته لنبض الإبداع أسوة بالقصة.
وفي الملاحظة الثانية انكب على عمل الخوري، فانتبه أن  قصصه تتسم بصفات فنية لعل أبرزها الخروج.
الخروج من البيت( اختيار فضاءات عامة )
الخروج من الطبقة ( الانتقال من وضع معيشي لآخر )
الخروج من الحال القصص حيث الانتقال من حال ميلودرامي  إلى نوع من الإبعاد البريختي
 الخروج من قصة إلى مؤلف آخر.
“    “        “      ” القارئ.
أما الملاحظة الخاصة وتتعلق بالجانب الغائب الحاضر وتتعلق لقصص الخوري :
أ – الغائب الفوقي الضاغط أو السلطة.
ب – الغائب التحتي المكبوت وهي الذات الفردية كصورة المرأة  والرجل والطفل.
ونخلص إلى أن القصص عند الخوري تضمر عجزا عن الفعل  عن الجن سعن التواصل ، ويوجد دائما مع هذا الضعف عزاء للحفاظ على تماسك الذات وعلاقتها بالآخرين وه والمكابرة، وتتمثل في السخرية.
أما باروديا الحنين فقد استهدف بها اشتغال القصة عند المديني في مجموعته (رؤيا السيد سين ) حيث استهل بالتعريف بالكاتب ونشاطاته الثقافية ورصد ملامح الغلاف الجمالية، ليقترب من الشخصية القصصية كما يقترحها المديني  في هذه المجموعة.
فرصد الحنين  والشعور بالاشتياق الذي تضمره شخصياته إلى الماضي  الجميل إلى فضاءات عاشت فيها أو أشخاص معينين ومثل لذلك من قصصه وشخصياته ، مبرزا أن هذه السمة لها صلة بكتابات المديني الملأى بالقلق المستفز والإحساس العصبي المتوتر والانتقاد الساخر ثم انتقل إلى موضوعة التعبير القصصي ، فرأى الباحث أن الحنين يتم بانتقاد الحاضر لا استرجاع الماضي معتمدا قرائن فنية:
التكرار – والتعميم الأيديولوجي – فلتات اللسان- الانتقاد الصريح للعبارة المسكوكة- التساجع.
حيث اشتغل على المسافة بين الواقع المتخيل مشارفة حدود الجرجاني، ثم تساءل في الأخير عن ماهية السيد سين.
أما في الإنجاز القصصي لأحمد زيادي المعنونة بالعصا من الوسط التي انصبت حول مجموعة خرائط بلا بحر
 فقد سعى إلى رصد المكون الديني في انفتاحه وتسامحه ووداعته ومقاصده ثم المكون الوطني والمكون الاجتماعي القائم على تأمل الواقع عوض الانفعال.
وعلى مستوى البناء الفني  استغلت المجموعة عددا من التقنيات منها:
التنسيب : ويتجلى إبراز نسب النص أو غرسه في بيئته.
التطفيل : جعل اللغة تتحدث عن الطفل أو إلى الطفل .
التقابل : بين طرفين أو موضوعين.
المراوحة  بين الشعري والحكائي : حيث تطغى أحيانا لغة شاعرية مكثفة، وأحيانا شفافة حاكية تتحدث عن الأطفال والعصافير، وكتبت بمهارة.
وفي إطار رصد مستويات التخييل في المجموعة القصصية” يوم صعب “  لمحمد الأشعري تتبع الباحث اشتغال المتخيل في ثلاث مستويات:
الواقع المتخيل: تنبت فيه الموجودات القصصية وتستمد نموها، إذ يخرج المتخيل من البادية .
الحلم المتخيل : يستكشف متخيل الأحلام في المجموعة القصصية .
الإبداع المتخيل : وفيه نرى أن الأشعري يفكر  بأشكال مختلفة في موضوع إبداعه أو مادته.
وتتواشج أنواع المتخيل تلك بعلاقة دقيقة ملتبسة، من مظاهرها:
مرارة السياق الذي ترصده المجموعة بجيل أزهر في الزنازين/،وواجه خصما قويا بطموح مثالي وأدوات ضعيفة.
القلق  والتبرم والضيق من المحيط.
تطريز المتخيل بروح شعرية عالية تسري في عروق النص، ولا عجب في ذلك فالقاص شاعر.
كما حاول تبين كيمياء التفاعل في مجموعة ع النبي دشين ” رائحة الورس” بين قصص مجموعته  والمناخ الحداثي الذي تتنفس فيه، وتتميز بملامح فنية ،منها:
الإحساس الوجودي الدقيق بالمحيط.
لغة السرد التي اتكأت على العجائبية  والسينما وتفتيت السرد .
الطفولة الرافضة لعالم الكبار الذين يشربون من دموع الأطفال، ومن ثم فهي طفولة الخريف/ الغروب.
وختم مقاله بثلاث أسئلة حول:
طبيعة الصراع بين الشرق والغرب: هل القصة قادرة على التقاط هذا الأمر الأيديولوجي؟
 عن جدوى الاستعانة بالنصوص الموازية وتداعيات صلتها بالمتن وحدود التداخل والتخارج بينها وبين النص.
عن غريب اللغة و الحوشي من الكلمات التي جاء بها من المعجم القديم.
كما خص الأستاذ بوزفور طلبته بقراءة لنصوصهم، ولعل شيم البرق أول تلك النصوص حيث انطلق في حديثه من النظر إلى  الموضوع بتقسيم المقال إلى محورين:
القصة سرد:
فحاول التعريف بمفهوم السرد ومقارنا علاقته بالزمن من خلال :
كيف تتحكم اللغة في الزمن؟
 كيف يتحكم الزمان في اللغة؟
 ذلك أن اللغة في السرد القصصي تقع بين طرفين، يمكن أن نسميها بالسرد النثروي  والسرد الشعروي. 16
ومن آثار السرد النثروي مضاعفة الفصحى  وكذا مضاعفة الدلالة بالمرادفات غير الموظفة والخوف من البداية واستغباء القارئ وغير ذلك
 القصة حرفة فقد اكتشف تقنيات حرفية في نصوص الطلبة قيد القراءة ومنها:
تقنيات  الإسقاط  واللون والحرف والعنوان وإسقاط الجدار الرابع.
وقد خص الباحث قصة فريدة التلميذة خديجة اليونسي بقراءة مفعم  بالتفاؤل بهذا الجديد الذي يشكل نموذجا لبعض ما جد في مجال القصة القصيرة من مداخل المستويات : ( الدلالي والرمزي والنصي) حيث لامس حدود الإبداع والجدة في اللغة والتقنيات التي صاغت بها قصتها تلك، فضلا عن إحكام البناء وربط الأجزاء بعضها ببعض، ولاشتغال على اللغة من خلال: استثمار عناصر الإيقاع والتكرار واللعب الوظيفي بتراتب عناصر الجملة وما يزال في القصة إمكانات قرائية أخرى.
ويتكون القسم الثالث من الكتاب من حوارات مع كتاب قصة شباب ظهروا في تسعينات القرن الماضي وقد أوضح في تقديمها لها  مبررات وجودها وأهميتها بالنسبة للمشهد القصصي.
هكذا حاول الأستاذ أحمد بوزفور القصاصين الآتية أسماؤهم:
عبد المجيد  جحفة ومصطفى جباري وسعيد منتسب وسعيد بوكرامي وعبد العالي بركات وعائشة موقيظ وعبد السلام الشرقاوي، وهم ثلة من القصاصين برعوا في مقتبل التسعينات أصواتا نوعية ذات فرادة وإضافة حقيقيتين للإبداع السردي العربي والمغربي خصوصا، وقد اختلفت الأسئلة التي طرحها على كل واحد من هؤلاء حسب طبيعة الصيغة التجريبية التي ينسج بها القاص حكايته، فالاتفاق تم فقط على قاعدة الانخراط في توسيع الهوة بين الدال  المدلول والرفع من الجمالية السردية للقصة، والإمعان في إعلاء سؤال الكتابة بكل الممكنات اللغوية والتخيلية، والتي لا تتعالى على شرطها التاريخي. مما جعل قصصهم في العمق تحترف الإنصاتَ للخلجات الدقيقة، وتَسَقَّطَ الهوامش والأقاصي، والمسكوت عنه. ورَصْدَ المفارقات واقتناصها.17
فتنوعت أسئلته لتطال دواعي الكتابة لدي القصاصين الشباب وبنيات القصة وتشكيلها فضلا عن صيغتها التي قد  تنحو جهة التهجين، فتصبح الأجناسية موضع سؤال حاد. كما طرح على بعضهم سؤالا حول مصير القصة ومآلها بعيد اتشاحها بسمات الشعر وجرعاته القوية، فقد تتحول قصيدة بزي نثري، كما لم يغفل تشغيل السخرية وتوظيفها لكسر جدية السرد وخطية الحوار، حيث يمكن أن تشتغل الميتاقصة بأدوات السخرية، ومادامت الكتابة دافعا ذاتيا في الغالب فإن المواضيع المثيرة لكاتب ما لابد و أن تكون مخالفة لغيرها عند قاص آخر، بسبب شرطه وسياقه. كما أن الأستاذ بوزفور سأل بوكرامي مثلا عن طبيعة علاقته بالموسيقى و صفة تأثيرها عليه.
لم ينس  أن يسأل عن المعاطف التي خرجوا منها ، إذ لا يمكن أن يأتي القاص من أرض خلاء كنبتة برية ، وكذا  النصوص التي أثرت فيهم ودفعتهم دفعا للكتابة، وهو ما يعني كيفية تواصل القصاصين مع مجالات قراءاتهم.
فضلا عن ذلك تناولت أسئلته صلة التخييل القصصي  بالوقائع الشخصية، وهو ما يبرر الحاجة إلى الكتابة وصلتها بالجسد .
وقد التفت بوزفور إلى صلة كثير منهم بالشخصيات التي يتم توظيفها، واللغة التي يكتبون بها وهيمنة تقنيات بعينها  على غيرها،وكثير من الأسئلة الشخصية الصلة الرفيعة بعوالم الكتابة  .
لقد جال بوزفور في حدائق سرد القصاصين الإبداعي، وقلب هويتها الكتابية ليتبين كثيرا من الأمور الفنية التي له ارتباط بين بعوالم الكتابة وخرائطها.
لعل بوزفور  بكتابه الماتع هذا يكون قد أرسى صيغة منتجة في الكتابة النقدية ذات المزايا المتنوعة، فهو في الكتاب منظرا  القصة وناقد ا للقصة  ومحاورا مثقفا لثلة من المبدعين ذوي خصوصية إبداعية في المشهد القصصي.
وختاما لقد سعت هذه المداخلة رصد معالم الصفة النقدية والتنظرية في شخصية الكاتب أحمد بوزفور من خلال مؤلفين متباينني الهوية التأليفية، غير أن الثابت فيهما معا  هو صفة بوزفور الإبداعية  ومرونة نقده  أو أدواته، كذا عمق البعد المنهجي وإجرائية توظيفه في الكتابين معا..
د .عبد العاطي الزياني

إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html




أليخو كاربنتييه - مملكة هذا العالم



دار الحقائق, بيروت  1982 |  سحب وتعديل جمال حتمل  | 112 صفحة | PDF | 8.17 Mb

http://www.mediafire.com/view/kmcdc1dwcomcvcc/أليخو_كاربنتييه_-_مملكة_هذا_العالم.pdf
or
http://www.4shared.com/office/f1GLJ4Jece/__-___.html

إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html



Wednesday, March 5, 2014

Saturday, March 1, 2014

Updated.......جمانة حداد - عادات سيئة



سلسلة آفاق علربية, القاهرة  2007 |  سحب وتعديل محسوبكم أبو عبدو | 170 صفحة | PDF | 1.63 Mb

https://drive.google.com/file/d/1rHiJg39qLAXW3UVcUyEHnJ8j_IZsBViu/view?usp=sharing


عزمي بشارة - لئلا يفقد المعنى, مقالات من سنة الانتفاضة الأولى



مواطن, رام الله  2002 |  سحب وتعديل محسوبكم أبو عبدو | 254 صفحة | PDF | 9.07 Mb

http://www.mediafire.com/view/cir34atiy70wu1h/عزمي_بشارة_-_لئلا_يفقد_المعنى,_مقالات_من_سنة_الانتفاضة_الأولى.pdf
or
http://www.4shared.com/office/zBtco08_ba/__-________.html

د. عزمي بشارة
- ولد في الناصرة ( الجليل) عام 1956 ونشأ فيها.
- عام 1974 اسس اللجنة القطرية للثانونيين العرب، التي انتخبت من كافة المدارس العربية، وكان اول رئيس لها.
- 1977-1975: جامعة حيفا.
- عام 1976 مثل اتحاد الطلاب االجامعيين العرب الذي شارك في تأسيسه في لجنة الدفاع عن الأراضي العربية التي أعلنت يوم الارض يوم الثلاثين من آذار . كما شارك في تأسيس اتحاد الطلاب الجامعيين العرب ونشط في الحركة الطلابية العربية وأعتبر احد رموزها البارزين في السبعينات.
- 1980-1977: الجامعة العبرية في القدس.
- 1986-1980: جامعة هومبولدت برلين.
تخرج منها بشهادة دكتوراة في الفلسفة بإمتياز.
- 1995: تأسيس التجمع الوطني الديموقراطي.
- 1996-1986: محاضر الفلسفة والدراسات الثقافية، جامعة بير زيت.
- 1996-1990: باحث في معهد فان لير في القدس، ومنسق مشاريع الأبحاث فيه.
- 1996: انتخب الى الكنيست للمرة الاولى واعيد انتخابه للمرة الثانية على رأس قائمة التجمع الوطني الديموقراطي المستقلة عام 1999.
وفيما عدا نشاطه السياسي منذ أيام شبابه في العمل الوطني والشعبي، ثم خلال وجوده في الضفة الغربية طيلة أعوام الإنتفاضة الاولى كمحاضر في جامعة بير زيت مقرب من الحركة الطلابية ومن فصائل العمل الوطني تحت الاحتلال، فقد كتب عزمي بشارة في المجالات التالية، الدين والديموقراطية، الإسلام والديموقراطية، القضية الفلسطينية، المجتمع المدني والديموقراطية، قضية الأقلية العربية في إسرائيل والأقليات بشكل عام، العرب والهولوكوست وغيرها وأهم كتبه ومنشوراته:
-       المجتمع المدني دراسة نقدية- مركز دراسات الوحدة العربية بيروت.
-        الخطاب السياسي المبتور.
-       الاقلية العربية في اسرائيل – رؤيا من الداخل.
-       الانتفاضة والمجتمع الاسرائيل- (صدر هذا العام في بيروت)
( صدر ايضاً في رام الله تحت عنوان "لئلا يفقد المعنى)
ورد في العبرية كتابين:
-       التنوير مشروع لم يكتمل بعد.
-       الهوية وصناعة الهوية في المجتمع الاسرائيلي.
وكتاب بالالمانية حول القدس.
وله دراسات اخرى منشورة بالعبرية والانجليزية والالمانية.
وقد اشرف على تحرير سلسلة تدريس حول الديموقراطية مؤلفة من أربعة عشرة كتيب وكراس باللغة العربية تستخدم للتدريس في المدارس والجامعات.
يتمحور جهد عزمي بشارة الفكري الأساسي على العلاقة بين القومية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية ومحاولة المزاوجة بينها في فكر يمثل تياراً ديموقراطياُ للمجتمع العربي. وينسجم جهده السياسي مع هذا العمل الفكري ، خاصة في تعميق مفهوم المواطنة وعلمنته وفصله عن الانتماء الاثني او العرقي او الديني    .
ويعتبر مشروعه السياسي " دولة المواطنين" إضافة الى محاولة دمقرطة واحياء الفكر القومي العربي و مصالحته     مع اللبرالية والعدالة الاجتماعية علاقة فارقة في العمل السياسي أدت الى ارتباك شديد في تناول العلاقة مع العرب في الداخل في المؤسسة الصهيونية الحاكمة والى اعادة صياغتها على مستوى الخطاب السياسي السائد في الساحة العربية.  وقد ترجم د. عزمي بشارة افكاره هذه من خلال العمل البرلماني بحيث شكل هذا النشاط باقتراحات القوانين والقضايا التي فتحها والمتعلقة بتحديد معنى المواطنة المساواة وفصل الدين عن الدولة قفزة في العمل البرلماني العربي وتحدياً كبيراً للعنصرية والاراء المسبقة وبنية الدولة.
ينشط د. عزمي بشارة بشكل مكثف في الدفاع عن الشعب الفلسطيني ومناهضة الاحتلال كشكل من اشكال الابارتهايد على المستوى المحلي والعالمي وله عدد كبير من المساهمات المكتوبة وشارك في عشرات الجولات الاوروبية والامريكية في طرح القضية الفلسطينية للرأي العام الغربي، وحظيت افكاره بتغطية واسعة في وسائل الاعلام الغربية ايضا.
وتمسك د. عزمي بشارة بثوابت العدالة  في حل القضية الفلسطينية. ويحظى باحترام في العالم العربي أيضا وفي اوساط المثقفين العرب كمفكر له مساهمات هامة في الفكر الديموقراطي إضافة الى نشاطه السياسي المثابر دفاعاً عن حقوق الانسان الفلسطيني.
وفي عام 1999 تعرض النائب بشارة الى اطلاق النار والاصابة برصاصة مطاطية اثناء دفاعه عن بيت ضد امر الهدم في مدينة اللد، كما تعرض بيته في الناصرة في اكتوبر 2000 الى اعتداء من مئات العنصريين المنظمين  بعد ان اتهم بالمسؤولية عن مظاهرات اكتوبر ( بداية الانتفاضة) وما زال يتعرض للتحقيق حول مسؤوليته عن هذه المظاهرات سوية مع شخصتين عربيتين اخرين: الشيخ رائد صلاح وعبد المالك دهامشه.
قدمت النيابة العامة في اسرائيل لائحتي اتهام ضد النائب بشارة، الاولى بسبب دفاعه السياسي عن حق الشعب الفلسطيني واللبناني في مقاومة الاحتلال والثانية بسبب مساعدته مواطنين عرب ولدوا قبل العام 1948 من الوصول الى مخيمات اللاجئين في سوريا لرؤية اقاربهم للمرة الاولى بعد 53 عاماً، واعتبرت هذه مساعدة على زيارة "اراضي العدو"- وما زالت المحاكمات جارية حتى اللحظة.


إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html