دار الكلمة, بيروت 1981 | سحب وتعديل محسوبكم أبو عبدو | 92 صفحة | PDF | 2.10 MB
http://www.4shared.com/office/XAW0p3h1/__-______.html
or
http://www.mediafire.com/view/ab45bswj37yjb78/علي%20الجندي%20-%20بعيداً%20في%20الصمت،%20قريباً%20في%20النسيان.pdf
علي الجندي•• خانك حصانك، بعيداً في الصمت، قريباً في النسيان بقلم زهير غانم جريدة اللواء
الحديث عن الشاعر الراحل علي الجندي، كالحديث عن عنقاء مغرب، فهو طائر خرافي كالرخ الذي يبيض بيضة في حياته فقط• إنه علي الجندي خريج جامعة دمشق أواخر الخمسينات وبداية ستينات القرن الماضي قسم الفلسفة، لأنه كان في قسم اللغة العربية• وكان ممنوعاً على الطلاب الجلوس جانب الفتيات، إلا أن مدرس النحو والصرف العلامة سعيد الأفغاني• طلب منه أن يغير مقعده من جانب الفتاة، ولم يرضخ علي الجندي• ثم انتقل إلى كلية الفلسفة، ولأنه كان مشاكساً، وخارجاً في حياته على أي فلسفة•
علي الجندي بطريرك الشعر الحديث في سوريا• لكنه كان يشبعه بالأفكار والفلسفة والرموز، وحتى الجواءات القومية والوطنية•
فإنه لم يحقق مدرسة شعرية لشخصه، ولأنه من منطقة السلمية في الأصل• يكون قرين الشاعر محمد الماغوط الذي خرج عن سباق شعر التفعيلة منذ زمن السياب• والبياتي، والملائكة، بينما علي الجندي الذي كتب الراية المنكسة نثراً، عاد إلى التفعيلة، لكي يشد في عضدها، بسبب لغته المشحونة الدسمة المتعضية، المتوترة، الشغوفة بالحب والإنسان والذات التي تتملى الوجود• وهو من عائلة عملت في الأدب، فوفاة والده، جعلت عمه أحمد الجندي الذي يعتبر من ظرفاء العرب حقاً يربي علي وإخوته• من سامي الجندي الأديب القاص والمفكر، إلى إنعام، مدرس الأدب والمترجم• إلى خالد، رئيس نقابات العمال في سوريا، في آخر الستينات، إلى عاصم الذي عاش في لبنان، شاعر وقاص وروائي، وكاتب في القضية الفلسطينية، ومناضل فيها• وقد تعرض لمحاولة اغتيال بسبب ذلك لكنه نجا• (كتب رواية كفرقاسم• وأخرجها برهان علوية شقيق زوجة عاصم إلهام علوية المذيعة الشهيرة• فيلماً لا بأس به•
أحمد الجندي الذي أشرف على أولاد أخيه• كأنما أصابهم بلوثة الأدب جميعاً وإن كان سامي ذهب إلى ترجمة ماركيز في مئة عام من العزلة، وأراغون في مجنون إلزا، فإن علي الجندي ترجم كتاباً عنوانه <صلاة إلى بتول> لألبير كامو وذهب إلى الشعر الحديث مخالفاً أسلوب عمه• وأذكر في مطعم ومقهى اللاتيرنا، حين أصدر علي الجندي <طرفه في مدار السرطان> وأهداه لعمه الذي كان يتندر على الشعر الحديث قال له أين الترجمة يا ابن أخي؟ وهكذا كان علي الجندي شاعراً فريد ذاته•
يحاول تفكيك أناه الشعرية إلى أنانات، ويحاول اعتكاس العالم في مراياه الداخلية أكثر مما يحترب ويشتجر مع هذا العالم ولم يكن في مجلة شعر ولا في الآداب كان في كليهما•
وفي عام ألف وتسعمائة وسبعين• إبان الحركة التصحيحية• نفي إلى الإتحاد السوفياتي وكان آنذاك رئيس اتحاد الكتاب العرب في دمشق، في شارع بغداد، لكنه لم يطل ولم يطق الإقامة بعيداً عن دمشق، فعاد إلى المطار ليقبل أرض الوطن، غير عابيء بأي مصير له•
فقد كان شقيقه سامي في 1965 وزيراً للإعلام، وفرغ الشاعر علي الجندي في الإعلام، دون أن يعمل شيئاً، لأنه حليف الكسل الذي تحدث البعض عنه، عند ألبير قصيري الكاتب المصري الذي مات في باريس•
إلا أنه كان يتقاضى راتبه من وزارة الإعلام، وأذكر زرناه مرة في اتحاد الكتاب الذي هو من مؤسسيه في سوريا، مع أنطون مقدسي، وسليمان الخش، وفؤاد نعيسة وغيرهم• زرناه للمرة الأولى أنا والشاعر سليم بركات الذي كان نشر بعض قصائده في جريدة الثورة•
عند الشاعر الراحل ممدوح عدوان، وكان سليم يلبس صندلاً، وكان ضعيفاً كالكراكي• وكنا نلقبه بالعصفور، وحين دخل إلى غرفة علي خلع صندله على العتبة• فما كان من علي إلا أن قام عن كرسيه، وذهب إليه، عانقه وقبله تقديراً لشاعريته• وأرغمه على لبس صندله• والمشي على السجاد حتى الكرسي جانب المكتب، ودارت أحاديث الأدب، والضحك دورتها• من يومها صرنا أصدقاء لعلي الجندي• وأنا تعرفت به قبل ذلك بكثير• والحقيقة في العام 1965 وكان وزارة الثقافة قد دعت من مصر الشاعر صلاح عبد الصبور، وعبد المعطي حجازي، وجاء بهم علي الجندي، من دمشق إلى اللاذقية ، إلى المركز الثقافي في أمسية وكنت في الثانوية أتلمس طريقي الأدبي، وكان خالي أيوب يعرفهم حق المعرفة• وقد عرفني على الثلاثة وجالستهم، فيما كان الاستاذ الياس مرقص الذي يعلمنا المجتمع العربي، يعرفهم، وقد رأى دهشتي للجلوس معهم مع خالي• وفيما بعد أرغمني على أن أكون كاتباً، وهو في تعليمه لا يلقن شيئاً، بل يطلب من الطالب أن يكتب دفتراً بعشرين ورقة، عن مشكلات المجتمع العربي، ويرغم الطالب أن يذهب للمركز الثقافي، كي يفيد من المراجع في ذلك، لكنه حينها كلفني دون زملائي بدفتر أربعين ورقة، أي ثمانين صفحة، فاستهولت الأمر، لكنني أنجزته بكفاءة نادرة، وكنت عامها نلت الدرجة الأولى على طلاب الثاني الثانوي قبل البكالوريا، لأنني كنت متميزاً في الكتابة• واللغة العربية وحفظ الشعر، ويومها لم أجد أحداً ينافسني••!
المهم أثر الأمسية والجلوس مع الشعراء هما دفعاني إلى الأدب والشعر، خاصة عند الدراسة في جامعة دمشق قسم الأداب واللغة العربية• وكان علي الجندي في استقبالنا• خاصة وأن صديقي في الجامعة الشاعر والمسرحي أحمد خنسا من بلد علي الجندي• كذلك بسبب مهرجاناتنا الشعرية في الجامعة، وكان يشرف على بعضها، وكان ممدوح عدوان، وفايز خضور، ومحمد الماغوط وزكريا تامر يقمعون شعرنا ويتشددون كثيراً فيه• بينما الحنون الوحيد هو علي الجندي، أفضل الشعراء آنذاك أفضل الندامي، وأفض السمار والسامرين على الإطلاق، وفي ذلك الزمن كان البياتي في دمشق، وكان أحمد الصافي النحفي، وفيما بعد كان الجواهري وحتى سعدي يوسف، وكنا جيل السبعينات في الشعر، والأدب يغلي غلياناً في سوريا، ولم يتبنَّ الشعراء آنذاك سوى علي الجندي•
حتىأنني أحببت ابنة عمه التي كانت معنا في الجامعة، غصون الجندي، وكتبت لها قصيدة غزلية حديثة• لم تثق بمشاعري وشاعريتي حتى ذهبت بها إلى علي•، وحين قرأها، كتب على الهامش <الكلب ابن الكلب الذي كتب هذه القصيدة يهواك> فعادت إلي بها مسرورة، غصون الآن دكتورة في الأدب في جامعة دمشق• وكانت جميلة إلى درجة تسميتي لها بالجوكندا• وكنت أرسم• ورسمت لها لوحة بهيئة الجوكندة لليوناردو دافنشي•
لا شأن لي كثيراً بتقييم شعر علي الجندي• فهو يشبهه تماماً• لأن علي الجندي كان مشروع حياة شاعرة• لم يكترث النقد كثيراً لتجربته إلا أنني قبل سنوات• وكان أصدر مجموعته المتأخرة <صار رفاتاً> كتبت عنها مقالاً خاصاً نشرته في مجلة الناقد• وما زلت أبحث عن الأصل••
علي الجندي• ربما تساقط حلمه عقب هزيمة السابع والستين• لذلك استغرق في الخمر والنساء كما يقال• وهو صاحب مقولة الشعر العربي• بين الخمر والنساء، كما في الأغاني، وكتاب الإماء للجاحظ، أي المغنيات دون أن يتوقف عن كتابة الشعر• وكنت في 1980 - 1981 في دار الكلمة• وحسين حلاق صاحبها من بلد علي• وصديق العائلة، استطاع أن يأخذ من علي ديوان شعر بعنوان <رباعيات> وقد صححته، وهو عبارة عن رباعيات• كما هي رباعيات إليوت• إلا أنها بروق شعرية ماطرة بحق وهي في عشق دمشق وفلسطين، وعشق الذات• والحب وعلي كما قال بدوي الجبل:
وأعشق برق الشام إن كان ممطراً
حنوناً بسقياه أو كان خلبا
وكما قال نزار قباني:
تلك البساتين كانت بين أمتعتي
لما ارتحلت عن الفيحاء مغترباً
حبيبتي أنت فاستلقي كأغنية
على ذراعي ولا تستوضحي السببا
رغم ذلك وكان لعلي الجندي برنامج عن الشعر حديثاً وقراءة في إذاعة دمشق، وكان له العلاقة يومها مع شعراء الأرض المحتلة• من محمود درويش• وسميح القاسم وتوفيق زياد• وسالم جبران، وكان أحمد دحبور في سوريا• وكان يوسف الخطيب الذي أصدر أول مجلد من شعر شعراء الأرض المحتلة• لكن قصب السبق كان لعلي الجندي الذي عرفنا عليهم، فعشقناهم على الغائب، وحفظنا أشعارهم غيباً••
لن أشير إلى العلاقة الإنسانية الإستثنائية بينه وبين الشاعر ممدوح عدوان• لأن صوت ممدوح كان عالياً وقوياً، في الشعر والمسرح، ووصل التلفزيون في ملاحمه عن المتنبي، والزير سالم• فقد كان علي يحبه حباً جماً• ربما كابنه وبسبب من شخصية ممدوح الجذلة المرحة، الضاحكة الساخرة من كل شيء• وأكثر ما كان يوجه سخريته لعلي الجندي• إلى درجة أنه في تكريم اتحاد الكتاب لعلي الجندي عند بلوغه الستين• قال ممدوح للمرة الأولى أعرف كم هو عمر علي الجندي، فما كان من علي إلا أن شتمه بصوت عال وهو يقول فيه كلمة على المنبر، طبعاً كان لعلي لسان لاذع• لكن الدينامو المتهكم عند ممدوح في توتر عال دائماً• فكان علي يستعين بأديب صديق من الرقة ابراهيم الخليل، كي يخفف من غلواء ممدوح وضغطه عليه• رغم أن علي أهم شاعر ديمقراطي عربي• كان يقول نفسه، ولا يفاضل في الشعر والشعراء على طريقة العرب القدامى، إذ لكل تجربته في هذا المجال، وكان صديق غسان كنفاني من دمشق إلى بيروت• وقد سكن معه في بيروت لأشهر عدة في الستينات، ربما أيام جريدة المحرر أو قبلها بقليل••!
منذ سنوات، أصدرت دار عطية أعماله الكاملة، ووقعها في بيروت في معرض الكتاب لأن السنوات الخمس عشرة الماضية عاشها في اللاذقية على طريق بسنادا خاصة بعد أن تزوج امرأة بعمر بناته• وجاءته طفلة سماها نفور يا لغرابة الإسم• إذ لديه ابنة كبيرة اسمها مدى•• إذ أن زوجته ابتسام خضر خريجة معهد موسيقى ربما رفقت بعلي الشاعر وأحبته، لكنها في زمن ما عزلته عن أصدقائه جميعاً••• بما فيهم أنا وممدوح الذي كان يراه في المناسبات التي يذهب إلى اللاذقية فيها، وكان صديقي الدكتور أحمد معيطة في جامعة اللاذقية يطمئنني عليه• إلا أن صديقي توفي وكنت حين أذهب اللاذقية أتحدث معه بالتلفون• الشهر الماضي تحدثت معه، وكان ينطق بصعوبة وفي مرة في مهرجان المحبة باللاذقية جلبه جوزيف حرب وأشركه في المهرجان لأجل المكافأة• وكان صديق حياته غازي أبو عقل شاعر الإخوانيات وصاحب جريدة الكلب، هو الذي يساعده مادياً، وبعدها سمعت أن وزير الثقافة الشاعر رياض نعسان آغا زاره وقدم له مكافأة ما• سخر منها بعضهم• إلا أنني رأيتها بادرة طيبة في كل الأحوال• وأنا ورياض أصدقاء علي، وحتى في النصوص الشعرية، لقد ورثت عنه التداعي الشعري، والقصيدة المدورة التي ردت على مهاجمي شعر الحداثة يومها بأن الكلمة أو الكلمتين في السطر الشعري بدل البيت، فكانت القصيدة المدورة في حرية الشعر الحديث•
أعاتب مثقفي ومبدعي سوريا على التعمية على علي الجندي كشاعر مبدع له قامة شعرية مهمة إذا تدارسنا شعره، وتمعنا فيه• فلا أحد أنصفه أكثر من ممدوح حين قدم له أعماله الكاملة• بنص هائل يفيض بورتريه وشعراً، وصداقة وحباًوإنسانية، ولا أبالغ إذا ما قلت أنه من أفضل ما كتب ممدوح شعراً ونثراً في شخصية كعلي الجندي
الحديث عن الشاعر الراحل علي الجندي، كالحديث عن عنقاء مغرب، فهو طائر خرافي كالرخ الذي يبيض بيضة في حياته فقط• إنه علي الجندي خريج جامعة دمشق أواخر الخمسينات وبداية ستينات القرن الماضي قسم الفلسفة، لأنه كان في قسم اللغة العربية• وكان ممنوعاً على الطلاب الجلوس جانب الفتيات، إلا أن مدرس النحو والصرف العلامة سعيد الأفغاني• طلب منه أن يغير مقعده من جانب الفتاة، ولم يرضخ علي الجندي• ثم انتقل إلى كلية الفلسفة، ولأنه كان مشاكساً، وخارجاً في حياته على أي فلسفة•
علي الجندي بطريرك الشعر الحديث في سوريا• لكنه كان يشبعه بالأفكار والفلسفة والرموز، وحتى الجواءات القومية والوطنية•
فإنه لم يحقق مدرسة شعرية لشخصه، ولأنه من منطقة السلمية في الأصل• يكون قرين الشاعر محمد الماغوط الذي خرج عن سباق شعر التفعيلة منذ زمن السياب• والبياتي، والملائكة، بينما علي الجندي الذي كتب الراية المنكسة نثراً، عاد إلى التفعيلة، لكي يشد في عضدها، بسبب لغته المشحونة الدسمة المتعضية، المتوترة، الشغوفة بالحب والإنسان والذات التي تتملى الوجود• وهو من عائلة عملت في الأدب، فوفاة والده، جعلت عمه أحمد الجندي الذي يعتبر من ظرفاء العرب حقاً يربي علي وإخوته• من سامي الجندي الأديب القاص والمفكر، إلى إنعام، مدرس الأدب والمترجم• إلى خالد، رئيس نقابات العمال في سوريا، في آخر الستينات، إلى عاصم الذي عاش في لبنان، شاعر وقاص وروائي، وكاتب في القضية الفلسطينية، ومناضل فيها• وقد تعرض لمحاولة اغتيال بسبب ذلك لكنه نجا• (كتب رواية كفرقاسم• وأخرجها برهان علوية شقيق زوجة عاصم إلهام علوية المذيعة الشهيرة• فيلماً لا بأس به•
أحمد الجندي الذي أشرف على أولاد أخيه• كأنما أصابهم بلوثة الأدب جميعاً وإن كان سامي ذهب إلى ترجمة ماركيز في مئة عام من العزلة، وأراغون في مجنون إلزا، فإن علي الجندي ترجم كتاباً عنوانه <صلاة إلى بتول> لألبير كامو وذهب إلى الشعر الحديث مخالفاً أسلوب عمه• وأذكر في مطعم ومقهى اللاتيرنا، حين أصدر علي الجندي <طرفه في مدار السرطان> وأهداه لعمه الذي كان يتندر على الشعر الحديث قال له أين الترجمة يا ابن أخي؟ وهكذا كان علي الجندي شاعراً فريد ذاته•
يحاول تفكيك أناه الشعرية إلى أنانات، ويحاول اعتكاس العالم في مراياه الداخلية أكثر مما يحترب ويشتجر مع هذا العالم ولم يكن في مجلة شعر ولا في الآداب كان في كليهما•
وفي عام ألف وتسعمائة وسبعين• إبان الحركة التصحيحية• نفي إلى الإتحاد السوفياتي وكان آنذاك رئيس اتحاد الكتاب العرب في دمشق، في شارع بغداد، لكنه لم يطل ولم يطق الإقامة بعيداً عن دمشق، فعاد إلى المطار ليقبل أرض الوطن، غير عابيء بأي مصير له•
فقد كان شقيقه سامي في 1965 وزيراً للإعلام، وفرغ الشاعر علي الجندي في الإعلام، دون أن يعمل شيئاً، لأنه حليف الكسل الذي تحدث البعض عنه، عند ألبير قصيري الكاتب المصري الذي مات في باريس•
إلا أنه كان يتقاضى راتبه من وزارة الإعلام، وأذكر زرناه مرة في اتحاد الكتاب الذي هو من مؤسسيه في سوريا، مع أنطون مقدسي، وسليمان الخش، وفؤاد نعيسة وغيرهم• زرناه للمرة الأولى أنا والشاعر سليم بركات الذي كان نشر بعض قصائده في جريدة الثورة•
عند الشاعر الراحل ممدوح عدوان، وكان سليم يلبس صندلاً، وكان ضعيفاً كالكراكي• وكنا نلقبه بالعصفور، وحين دخل إلى غرفة علي خلع صندله على العتبة• فما كان من علي إلا أن قام عن كرسيه، وذهب إليه، عانقه وقبله تقديراً لشاعريته• وأرغمه على لبس صندله• والمشي على السجاد حتى الكرسي جانب المكتب، ودارت أحاديث الأدب، والضحك دورتها• من يومها صرنا أصدقاء لعلي الجندي• وأنا تعرفت به قبل ذلك بكثير• والحقيقة في العام 1965 وكان وزارة الثقافة قد دعت من مصر الشاعر صلاح عبد الصبور، وعبد المعطي حجازي، وجاء بهم علي الجندي، من دمشق إلى اللاذقية ، إلى المركز الثقافي في أمسية وكنت في الثانوية أتلمس طريقي الأدبي، وكان خالي أيوب يعرفهم حق المعرفة• وقد عرفني على الثلاثة وجالستهم، فيما كان الاستاذ الياس مرقص الذي يعلمنا المجتمع العربي، يعرفهم، وقد رأى دهشتي للجلوس معهم مع خالي• وفيما بعد أرغمني على أن أكون كاتباً، وهو في تعليمه لا يلقن شيئاً، بل يطلب من الطالب أن يكتب دفتراً بعشرين ورقة، عن مشكلات المجتمع العربي، ويرغم الطالب أن يذهب للمركز الثقافي، كي يفيد من المراجع في ذلك، لكنه حينها كلفني دون زملائي بدفتر أربعين ورقة، أي ثمانين صفحة، فاستهولت الأمر، لكنني أنجزته بكفاءة نادرة، وكنت عامها نلت الدرجة الأولى على طلاب الثاني الثانوي قبل البكالوريا، لأنني كنت متميزاً في الكتابة• واللغة العربية وحفظ الشعر، ويومها لم أجد أحداً ينافسني••!
المهم أثر الأمسية والجلوس مع الشعراء هما دفعاني إلى الأدب والشعر، خاصة عند الدراسة في جامعة دمشق قسم الأداب واللغة العربية• وكان علي الجندي في استقبالنا• خاصة وأن صديقي في الجامعة الشاعر والمسرحي أحمد خنسا من بلد علي الجندي• كذلك بسبب مهرجاناتنا الشعرية في الجامعة، وكان يشرف على بعضها، وكان ممدوح عدوان، وفايز خضور، ومحمد الماغوط وزكريا تامر يقمعون شعرنا ويتشددون كثيراً فيه• بينما الحنون الوحيد هو علي الجندي، أفضل الشعراء آنذاك أفضل الندامي، وأفض السمار والسامرين على الإطلاق، وفي ذلك الزمن كان البياتي في دمشق، وكان أحمد الصافي النحفي، وفيما بعد كان الجواهري وحتى سعدي يوسف، وكنا جيل السبعينات في الشعر، والأدب يغلي غلياناً في سوريا، ولم يتبنَّ الشعراء آنذاك سوى علي الجندي•
حتىأنني أحببت ابنة عمه التي كانت معنا في الجامعة، غصون الجندي، وكتبت لها قصيدة غزلية حديثة• لم تثق بمشاعري وشاعريتي حتى ذهبت بها إلى علي•، وحين قرأها، كتب على الهامش <الكلب ابن الكلب الذي كتب هذه القصيدة يهواك> فعادت إلي بها مسرورة، غصون الآن دكتورة في الأدب في جامعة دمشق• وكانت جميلة إلى درجة تسميتي لها بالجوكندا• وكنت أرسم• ورسمت لها لوحة بهيئة الجوكندة لليوناردو دافنشي•
لا شأن لي كثيراً بتقييم شعر علي الجندي• فهو يشبهه تماماً• لأن علي الجندي كان مشروع حياة شاعرة• لم يكترث النقد كثيراً لتجربته إلا أنني قبل سنوات• وكان أصدر مجموعته المتأخرة <صار رفاتاً> كتبت عنها مقالاً خاصاً نشرته في مجلة الناقد• وما زلت أبحث عن الأصل••
علي الجندي• ربما تساقط حلمه عقب هزيمة السابع والستين• لذلك استغرق في الخمر والنساء كما يقال• وهو صاحب مقولة الشعر العربي• بين الخمر والنساء، كما في الأغاني، وكتاب الإماء للجاحظ، أي المغنيات دون أن يتوقف عن كتابة الشعر• وكنت في 1980 - 1981 في دار الكلمة• وحسين حلاق صاحبها من بلد علي• وصديق العائلة، استطاع أن يأخذ من علي ديوان شعر بعنوان <رباعيات> وقد صححته، وهو عبارة عن رباعيات• كما هي رباعيات إليوت• إلا أنها بروق شعرية ماطرة بحق وهي في عشق دمشق وفلسطين، وعشق الذات• والحب وعلي كما قال بدوي الجبل:
وأعشق برق الشام إن كان ممطراً
حنوناً بسقياه أو كان خلبا
وكما قال نزار قباني:
تلك البساتين كانت بين أمتعتي
لما ارتحلت عن الفيحاء مغترباً
حبيبتي أنت فاستلقي كأغنية
على ذراعي ولا تستوضحي السببا
رغم ذلك وكان لعلي الجندي برنامج عن الشعر حديثاً وقراءة في إذاعة دمشق، وكان له العلاقة يومها مع شعراء الأرض المحتلة• من محمود درويش• وسميح القاسم وتوفيق زياد• وسالم جبران، وكان أحمد دحبور في سوريا• وكان يوسف الخطيب الذي أصدر أول مجلد من شعر شعراء الأرض المحتلة• لكن قصب السبق كان لعلي الجندي الذي عرفنا عليهم، فعشقناهم على الغائب، وحفظنا أشعارهم غيباً••
لن أشير إلى العلاقة الإنسانية الإستثنائية بينه وبين الشاعر ممدوح عدوان• لأن صوت ممدوح كان عالياً وقوياً، في الشعر والمسرح، ووصل التلفزيون في ملاحمه عن المتنبي، والزير سالم• فقد كان علي يحبه حباً جماً• ربما كابنه وبسبب من شخصية ممدوح الجذلة المرحة، الضاحكة الساخرة من كل شيء• وأكثر ما كان يوجه سخريته لعلي الجندي• إلى درجة أنه في تكريم اتحاد الكتاب لعلي الجندي عند بلوغه الستين• قال ممدوح للمرة الأولى أعرف كم هو عمر علي الجندي، فما كان من علي إلا أن شتمه بصوت عال وهو يقول فيه كلمة على المنبر، طبعاً كان لعلي لسان لاذع• لكن الدينامو المتهكم عند ممدوح في توتر عال دائماً• فكان علي يستعين بأديب صديق من الرقة ابراهيم الخليل، كي يخفف من غلواء ممدوح وضغطه عليه• رغم أن علي أهم شاعر ديمقراطي عربي• كان يقول نفسه، ولا يفاضل في الشعر والشعراء على طريقة العرب القدامى، إذ لكل تجربته في هذا المجال، وكان صديق غسان كنفاني من دمشق إلى بيروت• وقد سكن معه في بيروت لأشهر عدة في الستينات، ربما أيام جريدة المحرر أو قبلها بقليل••!
منذ سنوات، أصدرت دار عطية أعماله الكاملة، ووقعها في بيروت في معرض الكتاب لأن السنوات الخمس عشرة الماضية عاشها في اللاذقية على طريق بسنادا خاصة بعد أن تزوج امرأة بعمر بناته• وجاءته طفلة سماها نفور يا لغرابة الإسم• إذ لديه ابنة كبيرة اسمها مدى•• إذ أن زوجته ابتسام خضر خريجة معهد موسيقى ربما رفقت بعلي الشاعر وأحبته، لكنها في زمن ما عزلته عن أصدقائه جميعاً••• بما فيهم أنا وممدوح الذي كان يراه في المناسبات التي يذهب إلى اللاذقية فيها، وكان صديقي الدكتور أحمد معيطة في جامعة اللاذقية يطمئنني عليه• إلا أن صديقي توفي وكنت حين أذهب اللاذقية أتحدث معه بالتلفون• الشهر الماضي تحدثت معه، وكان ينطق بصعوبة وفي مرة في مهرجان المحبة باللاذقية جلبه جوزيف حرب وأشركه في المهرجان لأجل المكافأة• وكان صديق حياته غازي أبو عقل شاعر الإخوانيات وصاحب جريدة الكلب، هو الذي يساعده مادياً، وبعدها سمعت أن وزير الثقافة الشاعر رياض نعسان آغا زاره وقدم له مكافأة ما• سخر منها بعضهم• إلا أنني رأيتها بادرة طيبة في كل الأحوال• وأنا ورياض أصدقاء علي، وحتى في النصوص الشعرية، لقد ورثت عنه التداعي الشعري، والقصيدة المدورة التي ردت على مهاجمي شعر الحداثة يومها بأن الكلمة أو الكلمتين في السطر الشعري بدل البيت، فكانت القصيدة المدورة في حرية الشعر الحديث•
أعاتب مثقفي ومبدعي سوريا على التعمية على علي الجندي كشاعر مبدع له قامة شعرية مهمة إذا تدارسنا شعره، وتمعنا فيه• فلا أحد أنصفه أكثر من ممدوح حين قدم له أعماله الكاملة• بنص هائل يفيض بورتريه وشعراً، وصداقة وحباًوإنسانية، ولا أبالغ إذا ما قلت أنه من أفضل ما كتب ممدوح شعراً ونثراً في شخصية كعلي الجندي
إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html