Wednesday, February 5, 2014

الحبيب السالمي - متاهة الرمل



المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت 1994 | سحب وتعديل جمال حتمل | 235 صفحة | PDF | 12.6 MB

http://www.4shared.com/office/96km8WJnba/__-__.html
or
http://www.mediafire.com/view/wo9t2oa1vjt0d2v/الحبيب_السالمي_-_متاهة_الرمل.pdf
 
شغلت العلاقة بين العرب و أوربّا أو بين المشرق و الغرب اهتمام كثير من الدارسين و المبدعين ، ومنذ الطهطاوي و تخليص الابريز في تلخيص باريس و الأعمال تتوالى مادحة جوانب  أو قادحة في أخرى، متأملة في الواقع الاجتماعي والاقتصادي والفكري وتغذّي هذا التفكير دوافع متنوعة كلّها  تسعى إلى تحديد هذه العلاقة .
ولو عدنا إلى الشعر لوجدنا قائمة الشعراء الذين تحدثوا عن العواصم الأوروبية تضمّ عديد الأسماء و الذين تحدّثوا عن باريس بصفة خاصة مثل الميداني بن صالح ( الليل و الطريق ) علي عارف (أبعاد) وأدونيس   و نزار قباني ...إلخ
و الفنّ الروائي لم يتخلّلف عن الشعر بل لعله من أبرز الأشكال الأدبية  التي اهتمّت بالموضوع فظهرت أعمال عديدة شغلت الدارسين زمنا طويلا من ذلك :
توفيق الحكيم : عصفور من الشرق
الطيب صالح : موسم الهجرة إلى الشمال
سهيل ادريس : الحي اللاتيني
و في هذا الباب صدرت رواية الحبيب السالمي " متاهة الرمل " (صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات و النشر -بيروت 1994) مساهمة في إثراء هذا التيّار من خلال قصّة طالب في كلية الآداب يذهب إلى فرنسا ذات صيف  للبحث عن عمّه الذي انقطعت أخباره منذ مدّة  .
و " متاهة الرمل " على درجة كبيرة من الأهمية تمكن القارئ من مجالات بحث متنوعة و من بين هذه المواضيع نجد " المكان  " يحتل‎ حيزا هامّا و ثريّا بالدلالات يلتقي مع مشاغل النقّاد في الدراسات الحديثة .
والمكان يكتسب أهمية في النقد الحديث لأنه لم يعد وعاء ومجرّد إطار تدور  فيه الأحداث بل صار فاعلا في الأحداث ومحدّدا لأمور كثيرة تعتبر أساسيا في الرواية . وفي رواية الحبيب السالمي تعدّدت الأمكنة  والفضاآت و لعبت دورا أساسيا  ويمكن اعتبارها أهم عنصر إذ لو لم تكن هذه الحركة في المكان ما كان للرواية أن توجد، والمتاهة حسب التعريف اللغوي يمكن أن تكون نفسية و لكنها متصلة بالمكان أكثر وفي أغلب الأحيان يكون جديدا وغريبا عن الشخصية التائهة  .
كان المكان واضحا  و بكلّ دقّة و كان وظيفيا لو تغّير لتغيرت أشياء كثيرة في الرواية و هذه الفضاءات عديدة متنوعة بعضها جغرافي له مكان محدد في الخارطة و بعض الفضاءات الأخرى قصصية يمكن أن توجد في هذا المكان أو ذاك ، و لكننا سنعرض إلى المكان حسب تقسيمات لها صلة بالشخصيات فيحركتها المادية أو النفسية .
فضاءات الانتــقال
مدينة الراوي  (العلا): مدينة تونسية تقع في ولاية القيروان تعيش على الفلاحة و إليها ينتمي  المؤلف الأمر الذي يجعل العلاقة  بينه و بين الراوي عميقة من غير أن تتحول الرواية إلى سيرة ذاتية .
لم يذكر  الراوي من القرية غير بيته و المكان الذي جمعه مع أمه تحت شجرة التوت حين عرضت عليه المهمة التي سيسافر من أجلها إلى فرنسا فوظيفة المكان كانت قادحة للسفر حتّى يعود العمّ و يخلف الأب في  احتضان العائلة و الاعتناء بالأرض . و قد تحضر القيروان  وأزقة العلا في حديث الراوي عن بعض ذكرياته مع أبيه دون أن تلعب دورا أساسيا في الرواية .
باريــس :  تركّز الاهتمام على العاصمة الفرنسية  رغم ذكر مدن عديدة عاشت فيها  شخصية العمّ على امتداد أعوام :1962 تولوز ، 1963 أنغوليم ، 1965 غرونوبل ، 1972 ديجون ، 1994 تور ، 1975 باريس  1976 نانسي، 1981 أفينون ،1982 نيم، 1983 باريس من جديد .(ص12)
و هذا التعداد يفيد عمق تجربة العمّ و توزعها على كلّ هذه المدن  وبعض البلدان المجاورة في رحلات قصيرة .
و تحتل باريس أهمية خاصة لهذا تركزت عملية البحث عليها و لم تتجاوزها و قام المؤلف  بالتركيز على عدد من الأحياء الباريسية ذاكرا أسماءها و أسماء الشوارع و المقاهي و المطاعم و محطات المترو  : باربيس - بلفيل - 12 شارع أوغست تيريه 75019 باريس - شارع الغوتدور - شارع بوريغو - مطعم السعادة (باربيس ) - مقهى لافايوز - محطات (باربيس - باستيل -سان بول - أوتل دي فيل - الشاتليه -لي هال -سان دوني ...إلخ)
و إذا توقف الأمر عند مجرد ذكر محطات المترو فإن السالمي لم يصف لنا باريس ومعالمها المشهورة بل  لا يرد ذكرها أصلا و لم يتوقف بالوصف إلا عند مكانين بارزين هما باربيس و بلفيل
باربــيس :رغم إقامة الراوي في فندق قريب من محطة ليون فإن أغلب الأحداث تدور في حيّ باربيس و هو حيّ مشهور بطابعه المميّز فأغلب سكانه من العرب و بالذات من سكان شمال إفريقيا (تونس و الجزائر و المغرب ) و المطاعم و المقاهي العربية متوفرة فيه كما لا تتوفر في حي آخر في باريس و فيه تجد كلّ أنواع المأكولات و التقاليد و الملابس  والأغاني العربية حتّى لكأن المتجول يحسّ أنه موجود في  تونس أو الجزائر أو الدار البيضاء :
* لما خرجت من محطة باربيس وجدت نفسي في سوق صغيرة شبيهة بالأسواق الشعبية في "الحفصية" و الحلفاوين"  (ص35)
* ماسحو أحذية يتطلعون إلى العابرين و هم ينقرون على صناديقهم الخشبية الصغيرة بالفراشي .نساء يرتدين ملابس تقليدية جالسات على كراس واطئة خلف أكوام من باقات النعنع و البقدونس .رجال متجمعون حول علبة كرتون يقامرون و هم يلتفتون حولهم بعيون  حذرة .متسولون انتصب أحدهم في مدخل المحطة وراح يدعو للمارة بالخير "حويجة لربي..ربي يتوب عليك و يغفر لك ذنوبك ... (ص36-37)
* أعترف أن الشارع كان مفاجأة بالنسبة لي .كنت أعرف أن متواجدون بكثرة في باربيس لكني لم أكن أتصور أبدا أنه يوجد في قلب باريس شارع مليء بالعرب إلى هذا الحدّ و لولا مخفر البوليس الذي يقع بالقرب من الساحة الصغيرة لخلت نفسي في شارع شعبي في تونس أو الجزائر .وجوه سمراء منغلقة.عيون سوداء حذرة.مقاصب كتب على واجهاتها البلورية بخطوط مختلفة "لحم حلال" مطاعم تعرض لأطباقها و حلوياتها الشرقية ..دكاكين لبيع الأشرطة الغنائية : عبد الحليم ، فريد الأطرش ، أم كلثوم ، علي الرياحي ، الهادي الجويني سميرة سعيد ،  صليحة ، نورة الجزائرية ، فيروز ، ناظم الغزالي ،حميد الزاهر ، رابح درياسة ، شيخة حليمة...(ص37-38)
لكن الفكرة الأولى التي حصلت للراوي عن هذا الحيّ كانت عن طريق مدام ميشون :
" - الحيّ خطر قليلا .. انتبه إلى أوراقك ومالك " (ص31)
وممّا يؤكد خصوصية هذا الحيّ أننا لم نعترض شخصيات فرنسية ، واقتصر الحضور على شخصيات عربية و إفريقية  و في أقصى الحالات يذكر شخصيات  نكرات كالمسافرين والشيوخ و العجائز في الحدائق والمهمّشين ، و ليس في الرواية تواصل بينهم و بين الراوي .
* كانت الأرصفة خالية إلا من متشردين نائمين على المقاعد الخشبية و في مداخل العمارات  أو واقفين تحت الأشجار و أمام المقاهي و الدكاكين يتطلعون حولهم بعيون منتفخة وهم يسعلون أو يحكون رؤوسهم (ص89)
* عبرت البهو الواسع و الطويل متطلعا إلى المقاهي و المطاعم  والدكاكين و أكشاك الصحف .كانت كلّلها مليئة بالمسافرين عجائز و شباب .نساء و أطفال .كهول و مراهقون .جنود و سياح رنين أجراس .وقع أقدام .صرير أبواب ...(ص145)
بلـــفيل: لم يتوسع الحبيب السالمي في وصف هذا الحيّ بنفس الطريقة التي فعلها مع باربيس ، و قد يعود هذا إلى التشابه بين المنطقتين من حيث أهمية حضور المهاجرين من مختلف الجنسيات  وحتـى لا يكرر وصف المشاهد المتشابهة و حتّى إن وصف بعض الشوارع فهو وصف خال من الدلالات و لا يكاد يكون وظيفيا كما ظهر ذلك في وصفه شارع بوريغو : " سرت مسافة قصيرة في شارع عريض تعبره السيارات بسرعة محاذيا جدار مقبرة لم أنتبه إليها في البداية ، ثم انعطفت إلى اليمين وانطلقت في زقاق لا يتسع رصيفه الضيّق إلا لعابر واحد و لما اجتزته كلّه نظرت حولي فاكتشفت أني في منتصف "بوريغو". كان شارعا قصيرا لا يتعدّى طوله بضع المئات من الأمتار و كانت بناياته قديمة و قليلة الارتفاع باستثناء عمارات ذات لون مائل إلى البياض تقوم في نهايته ..." (ص185)
وقد يكون الحضور العربي في حي بلفيل بدأ يتناقص وبدأ الحضور الآسوي يأخذ مكانه  و السالمي يلحّ على ذلك في مشهد له أبعاد رمزية  : " كان المكان خاليا إلا من طفل آسوي الملامح وهو يمسك بمسدس بلاستيكي برتقالي اللون .لمّا لاحظ أنني أنظر إليه رفع المسدّس و صوّبه إليّ للحظة " (ص185)
محـــطات المــتــرو :     هي فضاآت تعتبر منغلقة رغم صلتها بالسفر و بالانتقال من مكان إلى آخر لأنها تحت الأرض وتمتاز بالممرات الطويلة الضيقة قد يشعر فيها المرء بالضيق والسالمي  ركز الكاتب على ما تتميز به محطات المترو من تعقيد يجعلها أشبه ما تكون بالمتاهة ،يضيع فيها مثل هذا البدويّ  رغم ثقافته و تكوينه الجامعي و هل الرواية في عنوانها و مضمونها إلا "متاهة" تعيد الراوي إلى نقطة البداية  :
" عدت إلى الفندق متأخرا ، فقد قضيت وقتا طويلا في البحث عن المكان الذي يجب أن أركب فيه المترو في محطة الشاتليه . وبالرغم من أنني رسمت خريطة صغيرة للاستعانة بها في التنقل من الحيّ الذي تقيم فيه مدام ميشون إلى المكان الذي أقيم فيه فقد تهت في تلك الممرات الطويلة التي تتقاطع في عدّة أمكنة ." (ص25-26)
فهل تكون هذه المتاهة بمثابة ضياع الراوي  في الحضارة الغربية فتصبح الرحلة بين مكان إقامته و مكان إقامة مدام ميشون على قصرها و وضوحها  طويلة محفوفة بمخاطر الضياع و التيه ، و يتأكد هذا المعنى في آخر الرواية فرغم الطول النسبي للمدة التي قضاها الراوي في باريس وتمرّس خلالها بمحطات المترو فهو تائه يبحث عن طريق الخلاص من الممرات الطويلة : " و في محطة الشاتليه ركبت قطارا آخر.  قضيت وقتا طويلا في البحث عن المكان الذي ينطلق منه ، فقد تهت مرة أخرى في تلك الممرات الطويلة و المتشابهة ." (ص231)
و يتجاوز وصف محطات المترو مجرّد سرد الأحداث و تتبع حركة الراوي و حالته  إلى إقرار بالانبهار . فالكاتب و إن لم يصف معالم باريس المشهورة فقد ركز على انبهار الراوي بالحضارة الحديثة متمثلة في تطور وسائل النقل :   "كانت محطة الشاتليه التي تلتقي فيها خطوط كثيرة أشبه بمتاهة كبيرة. أدراج واسعة و سلالم كهربائية . ممرات طويلة و ضيقة ذات سقوف واطئة تتوزع جدرانها الرمادية ملصقات إعلانية كبيرة .أرصفة عريضة تضيئها ألوان كابية قطارات تقف و تنطلق . أبواب تنفتح وتنغلق. رجال شرطة يسيرون بتمهّل و هم يتطلعون حولهم. متشردون ينامون على كراس خشبية . متسولون من كلّ الأعمار. باعة متجولون يعرضون بضاعتهم على العابرين . مغنون و فرق موسيقية صغيرة .وجوه بألوان و أشكال مختلفة .أصوات متداخلة  أقدام تتسارع في كلّ الاتجاهات ..(ص26)
و مما لا شك فيه أن ضياع الراوي في محطة المترو كان فرصة لوصف انبهاره بهذا العالم المتشعب و المعقد الذي تسيّره أيد خفية  مما جعل الوصف لوحات متتابعة لها دلالة أعمق من مجرّد الوصف . و قد يكون السالمي أراد أن يبرز أن الراوي لم يأت للنزهة و الاطلاع على معالم  باريس في حدّ ذاتها لأن مسيرته محدّدة  و حتىّ حين اهتمّ بمحطات المترو و ركز عليها وهو يطالعها على الخريطة كان منشغلا بتقدير المسافة التي تفصله عن باربيس أين يمكن أن يجد عمّه   :
" تناولت خريطة المترو التي أخذتها من سعيد و أحصيت المحطات التي يمرّ بها القطار قبل أن يصل إلى باربيس ، إحدى عشر محطة ، قرأت أسماءها باهتمام كأنني أريد أن أحفظها : باستيل ، سان بول ، أوتيل دو فيل ، الشاتليه ، لي هال ، اتيان مارسيل ، ورويومير سيباستيول بول ، ستراسبورغ سان دوني ، شاتو دو ، غاردوليست ، غاردونور،  قدرت أن  ثلاثين دقيقة كافية لقطع المسافة إذا لم أضع في متاهة الشاتليه ... انتبهت إلى أن هناك محطات تحمل أسماء كتّاب و فلاسفة معروفين : فولتير ، إميل زولا ، فكتور هوغو ، ألكسندر دوما...(ص32)
 
بقية باريــــس : رغم الطول النسبي للمدّة التي قضاها الراوي في باريس فلم يصف لنا بقية الأحياء و المعالم المشهورة رغم أنها الزيارة الأولى له لهذا البلد و بإمكانها أن تحدث فيه دهشة لكنّ السالمي لم  يحمل  الرواي في جولة سياحية وإنما جعل الهدف يسيطر على بقية الأحداث و حتّى إن وصف أمرا ما أو لاحظ شيئا مثيرا  فليتنزّل في مسار القصة ، و مثال ذلك أن ما شدّ انتباهه هو الحضور العربي في مستوى المكان من خلال تسمية مكان هامّ باسم قرية ليبية " بئر حكيم"  :
" بينما كنت أتخيل تلك الشبكة المعقدة من الأنفاق الطويلة...لفت وقعت عيناي على اسم محطة أثار انتباهي :بير حكيم .تساءلت و أنا أغير قليلا من وضع جسدي :بير حكيم ؟ ..أليست قرية ليبية على الحدود المصرية ؟ ..استغربت اطلاق اسم قرية عربية مغمورة على محطة قطارات في مدينة كبيرة كباريس ...(ص33)
و حين مرّ بكتدرائية نوتردام لم يقدّم  أي تعليق و كأنها بناية عادية و بدا و كأنه يعرفها من قبل في حين لفتت انتباهه الأشجار الكبيرة : (انطلقت في شارع واسع و خال من العمارات كان يحدّه يمينا نهر السان و يسارا سياج حديدي مرتفع تقوم خلفه أشجار ضخمة تشابكت أغصانها .عبرته كله ثم اجتزت جسرا آخر فوجدت نفسي أمام كاتدرائية نوتردام . تمشيت قليلا حولها متأملا النقوش على جدرانها و أبوابها ثم دخلت حديقة صغيرة خلفها ... ص89)
و هذا التغييب للجانب الفرنسي من باريس  يجعل الرواية تقف عند حدود رحلة في الواقع العربي و الإفريقي الموجود في باريس ،  وسيتدعّم هذا بالتركيز على الشخصيات العربية و الإفريقية و لا يتحدث الكاتب عن  الشخصيات الفرنسية لذاتها بل من خلال علاقاتها  مع الشخصيات العربية في الرواية  .
فضاآت التواصل :
هذه الفضاآت عديدة و لعبت دورا أساسيا  في دفع الحركة القصصية و كانت همزة الوصل بين الشخصيات ، يمرّ بها الراوي لينطلق في رحلته من جديد دفعا لمسار الرواية .
الفندق : رغم كثرة الفنادق في باريس فإن الحبيب السالمي لم يصف إلا واحدا متواضعا أسكن فيه راوي القصة و لكنه بقدر ما  اهتم بتوثيق جوانب عديدة و تفاصيل كثيرة عن المكان الذي تتحرك فيه الشخصيات فإنه لم يذكر اسم الفندق و لم يحدّده إلا بقربه من محطة ليون ، و لعلّه لم يشأ أن يعطي الفندق قيمة توثيقية واكتفى منه بكونه نقطة انطلاق  للبحث و مأوى في أوقات الفراغ . فحين أرادت مدام ميشون أن تربط الصلة معه من جديد كان الفندق نقطة التقاء  و لعب كذلك دورا في جعل الراوي يتقاطع مع شخصيات أخرى كالحارس المغربي و الأمريكيين و المنظفة الجزائرية .
و ركّز على وصف بعض غرف الفندق لإبراز تواضعه من خلال وصف غرفته ثم غرفة امرأة مجاورة :
أ-)   " كانت الغرفة ضيّقة جدّا . كان سقفها واطئا ، و كانت جدرانها مكسوة بورق رمادي تزينه نباتات خضراء . كانت تحتوي على خزانة قديمة و كرسي و طاولة و مغسل تعلوه مرآة مغبرة . كنت أعرف أن الفندق متواضع جدّا لكن لم أكن أتصور أبدا أنه توجد في باريس غرفة إلى هذا الحدّ  ...أخذت أنظر إلى السرير كانت هناك لطخة سوداء على الموكيت تكسوها طبقة خفيفة من الغبار  " (ص31)
ب-) و حين استمع إلى حديث بين رجل و امرأة تسكن إلى جواره خمّن أنها إسبانية ، أدرك أيّ نوع من الفنادق نزل :
" ... لم أحتج إلى كلام آخر كي أكتشف وظيفة المرأة و أعرف نوعية العلاقة التي تربطها بالرجل .انتابني احساس بالخيبة مصحوب بانفعال خفيف ...قلت في نفسي و أنا أغادر الفراش "يبدو أنني أقيم في فندق من نوع خاص ." (ص81)
المقاهي و المطاعم :حرص السالمي على وصف المقاهي بدقة متناهية ، كما في وصف المقهى الأول في باربيس الذي يملكه القبائلي فيستطيع القارئ أن يتصور المقهى بطاولاته و كراسيه  والكونتوار و الصور المعلقة على الجدران ( أم كلثوم و عبد الوهاب و فرق كرة القدم ) ...و قد يفسر هذا التدقيق  بأنه نوع من انشغال الراوي بتتبع التفاصيل و لكنه ليس وظيفيا في كلّ أجزائه لأن هذا المقهى ظلّ آخر الأمر نكرة لم يحمل اسما كما حملته بقية الفضاآت الشبيهة به .
مقهى " لافايوز ": ستكون له أهمية لأنه كان مكان التقاء مدام ميشون بعمّ الراوي .و سيمثل بالنسبة للراوي فضاء يجمعه بنماذج من المجتمع العربي و الفرنسي لا يجمعها إلا فضاء مشترك هو المقهى ، و هذه النماذج تمثلت في:
* النادل :" كان النادل شابا فرنسيا في عمري .كان لطيفا و بشوشا" (ص151)
*الرجل الكهل العنصري :  " قال بصوت رقيق لا يتناسب مع جسده الممتلئ : - تونسي ، جزائري سينغالي ، مغربي ، لا فرق كلّهم أجانب ..فرنسا امتلأت بالأجانب ...السود و العرب غزوا بلادنا فرنسا صارت مزبلة العالم ...تحيا فرنسا حرّة مستقلة ..تحيا جان دارك ..يحيا نابليون ..تحيا جان دارك ..يحيا لويس السادس عشر ...يحيا شارل مارتال ..." (ص153)
* الشاب الجزائري  إنه بربري عائلته من منطقة "  القبائل " وهو لا يفهم العربية لأنه من الجيل الثاني ولد و نشأ في فرنسا وهو الذي سيدله على عمارات السوناكوترا .
أما المطاعم فمثلت نقطة التقاء بعدد وافر من الشخصيات العربية و تكاد لا تختلف عن المقاهي إلا بما تقدّمه لحرفائها .
مطعم السعادة : إنه في حيّ باربيس بعيد عن الشوارع الرئيسية اكتسب أهمية لأنه سيحضر في الأحداث مرّات عديدة و سيكون بحقّ نقطة انطلاق لبحث الراوي عن عمّه عبر شخصيات عرفته و يلعب هذا الفضاء دور مطعم و مقهى في آن واحد :
" كان المطعم صغيرا و قذرا .فوق المدخل علقت لافتة كتب عليها بخط رديء" مطعم السعادة " و على جدرانه التي تناثرت فوقها شقوق كثيرة صور ملونة لفرق تونسية لكرة القدم ." (ص44)
و هذا الوصف له أكثر من دلالة و مع بؤس المكان و قسوة الظروف يحضر الحنين إلى الوطن مجسما في صور نجومه في الرياضة الشعبية وهم  يمثلون البطولات و يحملون راية البلاد دون تعصب لجمعية بذاتها .
مقهى الزنوج :  إنه فضاء منغلق يكاد  خاصا بالزنوج و يلعب وظيفة هامة لأنه يجعل الراوي يكتشف عالم الزنوج  وسيجمع بينه و بين سامبا ومرياما :
"كان المقهى صغيرا و كان يشبه أغلب المقاهي العربية في الغوتدور،  وكنت أنظر إلى وجوه الرواد الذين كانوا كلّهم زنوجا..."  (ص199)
المقهى الفرنسي : لم يتحدث السالمي عن المقاهي الفرنسية و لم يحمل إليها الراوي باستثناء مقهى واحد في باربيس أشار إليه إشارة قصيرة  ولكنها ذات دلالة عميقة تبرز الفارق بينه و بين بقية المقاهي العربية والإفريقية  و رغم أن الانطباع كان من الخارج و سريعا إلا أنه يصدر أحكاما على المقاهي الأخرى :
(في نهاية البولفار توقفت أمام مقهى فرنسي ، بدا لي جميلا و هادئا من الخارج ... - ص55 -)
الفضاآت المنفتحة : (الحدائق و المقبرة ):
مثلت هذه الفضاآت مكانا عموميا مختلفا عن المقاهي لا يلزم المرء بشيء و الحضور فيها غير محدود بوقت  و غالبا ما تجمع الشيوخ و العجائز و المحرومين الذين يبحثون عن الألفة أو عن اللذة كما فعلت الروسية نينا مع على الجندوبي  أو كما فعلت البرتغالية فرناندا مع الراوي و قد يشعر الانسان في هذا الفضاء المنفتح بجمال الطبيعة على خلاف ما يشعر به في المحلات
الفضـــاآت الحمـــيمـة ( المنازل و الشقق):
تختلف هذه الفضاآت عن بقية الأماكن لأنها ارتبطت ببعض الشخصيات و جعلت الراوي يوغل في المكان و يعرفه عن قرب في أدق تفاصيله الحميمة التي لا تتيسر لسائح يقضي أيامه في الفندق و الشوارع و المقاهي . فالعمارات و الشقق تترجم نمط الحياة الحقيقي بعيدا عن أقنعة الشارع و الأماكن العمومية ، و هذه الرحلة في البيوت ستقود الراوي إلى شقق عربية و فرنسية و إفريقية .
شقة مدام ميشون :  تتصف أغلب العمارات بالبؤس وتقع في باربيس و بلفيل و وحدها العمارة التي تقيم فيها مدام ميشون كانت خارج هذين المكانين و تبدو أحسن حالا مجهزة بالأنترفون : "عندما وصلت إلى العمارة توقفت قليلا و اخذت أتطلع إليها . كانت واطئة فهي تتكون من ثلاثة طوابق فقط و كان بابها الخشبي مدهونا بلون كستنائي . سويت ربطة عنقي ثم انحنيت على الأنترفون و أخذت أقرأ الأسماء ." (ص15)
و في وصفه بيت هذه السيدة الفرنسية ركّز السالمي على ما فيه من اتساع لأنه سيتقابل مع ما في بيوت العمال المهاجرين من ضيق  ومظاهر بؤس : " دفعت الباب و اجتزت ممرا ضيقا و قصيرا يفضي إلى صالون واسع ...كان المكان يعبق برائحة غريبة، مزيج من رائحة التبغ المحترق و رائحة أثاث لم يعرض للشمس و الهواء منذ فترة طويلة و كان الصالون غارقا في العتمة..." (ص17-18)
ومع هذا لم يتردد الراوي في الاعتراف برهبته من المكان وهو إحساس  يتجاوز الموقف من  المكان ليشمل شعوره وهو يواجه  الحضارة الغربية لأول مرة مواجهة حقيقية من الداخل  :
" حين بلغت الطابق الثالث توقفت محاولا أن أتمالك نفسي . كانت تلك هي المرّة الأولى التي أدخل فيها بيتا فرنسيا ..فجأة انتابني إحساس بالخجل ممزوج بقليل من الخوف ..." (ص17)
شقة خليفة الخياري : كل‎ الأوصاف التي جاءت عنها وعن العمارة التي تقع فيها تشير إلى البؤس و الإهمال و القتامة ، وتوحي تالتفاصيل بأنها قطعة من عالم عربي مغترب ، وهي تقع في الطابق الخامس من إحدى العمارات :
" كانت العمارة قديمة جدّا و كان بابها الخشبي مفتوحا عبرت ممرا ضيقا و معتما ينتهي بباب واطئ يعلوه زجاج مكسور، دفعته ببطء فوجدت نفسي في باحة صغيرة تخترق فضاءها حبال نشر عليها غسيل كثير توقفت للحظات تطلعت خلالها بحذر إلى النوافذ المفتوحة التي كانت تنبعث منها روائح أطعمة و أغنيات عربية ثم أخذت أتسلق درجا خشبيا تناثرت عليه أعقاب سجائر و علب كرتونية و أكياس بلاستيكية و قوارير فارغة ، ..." (ص64)
و يركز السالمي على غياب الإحساس بالأمن و الأمان بين سكان العمارة رغم انتمائهم إلى حضارة واحدة و تجمعهم روابط الماضي و الحاضر :   " في الطابق الرابع  انفتح فجأة أحد الأبواب و أطلت منه امرأة خمنت أنها مغربية ، تفرست في وجهي بعينين واسعتين كأنها تستغرب وجودي هناك ثم أغلقت الباب بقوة ...استدرت فشاهدت رجلا يطل برأسه من أحد الأبواب تفحصني بنظرة حذرة ثم سألني بلهجة بدت لي حادّة : - ماذا تريد ؟ ...إلخ
بعد أن دخلت أغلق الباب بالمفتاح و بقفلين كبيرن ثم قال قبل أن يستلقي على سرير واطئ تكدّست فوقه أغطية ولحافات ومخدات كثيرة : ـ هنا كلّ  شخص يحمي نفسه بما يستطيع ..الحي خطر جدّا.. أعيش في هذا البلد منذ ثمانية عشر عاما و أعرفه جيّدا ...هنا يسرقونك و يقتلونك في وضح النهار..." (ص64-65)
و على خلاف شقة مدام ميشون فإن شقة خليفة الخياري ليست إلا غرفة واحدة تلعب أكثر من دور : " جلت بنظري في المكان ، كانت الغرفة التي يقيم فيها واسعة نظيفة في ركن قريب من النافذة الوحيدة مطبخ صغير و في ركن آخر طاولة عليها جهاز تلفزيون و مسجل كبير و بالقرب من الباب صندوق خشبي تراكمت فوقه حقائب قديمة و أمام السرير منضدة مستطيلة عليها قداحة و غليون و منفضة سجائر و مقلمة أظافر ." (ص66)
السوناكوترا : " هي عمارات يقيم فيها العمال المهاجرون "(ص159)
وهذه العمارات التي يبدو أنها تؤلف تجمعا سكنيا لا تختلف عن بقية منازل العمال المهاجرين : " قضيت وقتا طويلا أتنقل من عمارة إلى أخرى و من طابق إلى آخر عابرا ممرات هادئة و أخرى ضاجة ، متسلقا أو نازلا أدراجا ضيقة و قذرة كتبت على جدرانها بألوان  وخطوط و أحجام مختلفة كلمات بذيئة و عبارات جنسية فاحشة وشعارات سياسية . قابلت عربا و سودا و أتراكا و برتغاليين وبولونيين و فيتناميين ..." (ص160)
بيت مارياما : " ألقيت نظرة داخل البيت ، كانت هناك طاولة واطئة عليها جهاز تلفزيون كبير و فوقه علقت على الجدار صورة ملونة لشاطئ مهجور و على الأرض حوض كبير ممتلئ بالماء ...كان البيت عبارة عن غرفة واحدة .." (ص189)
بيت رحمتو : " كان البيت عبارة عن غرفة واحدة ذات سقف مائل و كان أثاثه إفريقيا و كان مرتبا بذوق وعناية  ..."(ص207)
هذه الفضاءات تعكس الفوارق الاحتماعية القائمة بين العمّال المهاجرين و أبناء البلد و هي و إن تعرّبت أو تأفرقت بفعل الديكور  ونظام الحياة و الأكل و صارت عالما عربيا أو افريقيا مصغّرا نزل في عمارات شاهقة ،  فإنها تميّزت بالضيق والإهمال وكأن السكان لا ينوون الاستقرار فيها فلا يولونها اهتماما كبيرا لذا كانت في حالة سيئة ، تترجم المستوى الحضاري وعقلية اللامبالاة والاهمال،  وتوحي بالخطر وانعدام الأمن .
و الذي يجمع بين مختلف الفضاءات المغلقة سواء تلك التي تسكنها شخصيات عربية أو أخرى يتمثل في حضور القتامة بصفة كبيرة  فالنوافذ قليلة والشمس غائبة و كلّ هذه الأجواء توحي بالكآبة و العزلة التي تعيش فيها مختلف الشخصيات ( مدام ميشون - خليفة الخياري - فرناندا ...إلخ )
و قد تتقابل هذه الأجواء الكالحة و رائحة الرطوبة و ضيق المكان  بصفة واعية من الكاتب أو غير واعية مع شدّة الحرارة والحياة في الطبيعة في العلا كما جاء في أول الرواية مع ما في اسم العلا من الدلالات الإضافية : " ذلك الصباح مقترن في ذهني بالحرارة ، حرارة لاهبة و ثقيلة ...تجولت قليلا بين الحقول و لما لم أعدج أحتمل وطأة الحرارة  فككت أزرار قميصي و انبطحت على الأرض تحت شجرة التوت التي أمام بيتنا ..." (ص5)
إن المكان في رواية الحبيب السالمي " متاهة الرمل " تجاوز كونه إطارا للأحداث و فضاءا تتحرك فيه الشخصيات ليصبح فاعلا في الرواية و محدّدا لتفاصيل صغيرة و كبيرة  و لو كان المكان غير المكان لجاءت الأحداث مختلفة و كذلك تفاعل الشخصيات معها لأن هذا المكان بأبعاده الجغرافية والحضارية أعطى لمسيرة الراوي أبعادا هامّة   وجعل الرواية تتجاوز مجرد البحث عن شخصية انقطعت أخبارها في فرنسا  و لو انتهت الرواية بالعثور على العمّ لفقدت أغلب دلالاتها العميقة و لكانت قصة اجتماعية عادية جدّا . فهل سيكون للزمن في الرواية و للشخصيات نفس الدور و الأهمية ؟
محمد البدوي

إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html


Saturday, February 1, 2014

مروان البرغوثي - ألف يوم في زنزانة العزل الإنفرادي


الدار العربية للعلوم, بيروت  2011 |  سحب وتعديل جمال حتمل  | 258 صفحة | PDF | 16.4 Mb

http://www.4shared.com/office/a4riXL9Ace/__-______.html
or
http://www.mediafire.com/view/4j1okgnig734i1d/مروان%20البرغوثي%20-%20ألف%20يوم%20في%20زنزانة%20العزل%20الإنفرادي.pdf

زاهي وهبي: وعدُ الحُر... والحُريّة
  تقديم كتاب "ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي" للمناضل الأسير مروان البرغوثي.
July 4, 2011 at 5:23pm
 
الإهداء:
 
إلى حارسة حلمي ورفيقة دربي وشريكة عمري...
إلى حبيبتي وزوجتي وأمّ أولادي الأستاذة المحامية المناضلة فدوى البرغوثي التي قدّمتْ نموذجاً ومثالاً رائعيْن للمرأة الفلسطينية والعربية...
إلى أولادي الأحبّة: القسّام، رُبى، شرف وعرب...
إلى أبناء الشعب العربي الفلسطيني العظيم...
إلى أبناء الأمة العربية والإسلامية...
إلى كلّ المناضلين والمقاومين للاحتلال والاستعمار والاستبداد والظلم والقهر في كل مكان...
إلى أخوة القيْد والزنزانة والأسر والاعتقال
 
مروان البرغوثي
 
 
ثمّة وعدٌ يجمعُني بمروان البرغوثي. وعدٌ خاصّ، يُضاف إلى مُشتركات وأحلام كثيرة. وعدُ حريةٍ آتيةٍ لا مَحال واستضافة مُنتظرة في برنامج "خليك بالبيت". سبق لي أنْ تمنيتُ الأمرَ نفسه لسهى بشارة، أنور ياسين، نبيه عواضة، عبد الكريم عبيد، سمير القنطار والعشرات من الأسرى، وتحققت الأمنية.
نعم، تحققت الأمنية، خرج أولئك المناضلون من زنازين أسْرهم الطويل، تحرروا من قبضة الاحتلال الإسرائيلي البغيض، وانطلقوا في فضاء الحرية التي استحقوها بجدارة بعد أن منحوها زهرة العمر ونضارة الأحلام، وحلّوا ضيوفاً استثنائيين في برنامج حملَ صوتهم وقضيّتهم على مدار الأيام.
والأمنيات لا تتحقق بسحر ساحر، أو بمصادفاتٍ قدريّة. إنها حتميّة الأمل. لا يستطيعُ سجّانٌ مهما أوتي من مقدرة على الظلم والعسف والجور كسرَ إرادة مناضل حرّ، ولا يقوى سجنٌ مهما بلغتْ قضبانه الحديدية من صلابة أن تحجبَ شمسَ الحرية المُشرقة حتماً في سماء مروان البرغوثي ورفاقه الأسرى الذين تزجّ بهم دولة الاغتصاب الإسرائيلي بالآلاف في سجونها وزنازينها وهي تحاول عبثاً اعتقالَ الحلمَ الفلسطينيّ بالحرية والاستقلال.
طبعاً، ليست الأمنياتُ وحدها التي تصنعُ الحرية، ولا الأمل الذي نعتصمُ بحبله يكفينا شرَّ القتال. فالحرية دونها تضحياتٌ تُكتَبُ بالدم والدمع والحِبر وكل ما نستطيعُ إليه سبيلاً من أشكال مقاومة المُحتلّ الذي لا يفهمُ لغة أخرى ولا يرضخُ للقوّة. وأمثال مروان البرغوثي من المناضلين والقادة هم مَكْمَنُ القوة وصُنّاعها، لذا، فإنهم يغدُون هدفاً ثميناً لعدوّ شرس مُتغطرس لكنه مهزومٌ حتماً في نهاية المَطاف.
لا يستطيعُ الحِبرُ مجاراةَ الدم أو الدمع، وليس مطلوباً منه ذلك. لكنه على الأقلّ يستطيعُ المساهمة في التصدّي لعمليّات الطمْس والنسيان، و"قرع جدران" الخزّان كي لا يصيبَنا ما أصابَ رجال غسان كنفاني، فلا نعطي ذريعة لمُتخاذلٍ أو مُتآمرٍ أو لامُبالٍ ليسألنا بعد فوات الأوان: "لماذا لم تدقّوا على الخزّان". لنرفعْ الصوتَ عالياً دفاعاً عن قضية عادلة نبيلة هي قضية الشعب الفلسطيني في جُلجلته المتواصلة لأجل قيامة الحرية ودولة الاستقلال، ومن ضمن هذه القضية تتفرّع قضايا لا يجوز إهمالها أو تجاوزها، ومنها بل وفي مقدّمتها، قضية آلاف الأسرى القابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي ومعتقلاته، من دون أن تحظى ولو بالحدّ الأدنى من الاهتمام الأدبي والإعلامي، والسؤال المُحيّر، هو التالي: إذا كنا قد بتنا يائسين من "الواقع الرسمي" العربي، فما الذي يمنع الأدباء والفنانين والإعلاميين من إيلاء هذه القضية السامية بعضَ ما تستحق؟ أم أنّ هناك "استقالة" جماعية من كلّ ما يمتّ للضمير بِصِلة؟! إنّ الخزّان الذي لم يدقّ على جدرانه أبطال غسان كنفاني في روايته الفريدة رجال في الشمس في ترميز بالغ الدلالة، يغدو هنا الصمتُ المُريب الذي نشاركُ فيه جميعاً حيال قضية أخلاقية/ثقافية بامتياز قبل أن تكون فقط وطنية أو قومية وهي قضية الأسرى التي تكادُ تجلعنا جميعاً أسرى عجزنا أو لامبالاتنا.
بدأتُ هذا التقديم بالإشارة إلى وعد استضافة مروان البرغوثي في "خليك بالبيت"، لأنّ هذا البرنامج كان صلة الوصْل الأولى بيني وبين مروان، ليس فقط من خلال استضافة زوجته المناضلة الفاضلة المحامية فدوى البرغوثي والعلاقة الأسَريّة التي نشأتْ بين أُسرتي وأُسرته، بل من خلال تبنّي البرنامج لقضيّة الأسرى وتسليط الضوء عليها مراراً وتكراراً منذ انطلاقته قبل عقد ونصف العقد من السنين. ولعلّ خَوْضي التجربة نفسَها ذات اجتياح (صيف العام 1982) في المُعتقلات الإسرائيلية في "عتليت" (فلسطين المُحتلّة) و"أنصار" (جنوب لبنان) جعلني أكثر إدراكاً لأهميّة حضور قضية الأسرى في رفع معنوياتهم. خصوصاً إذا ما تسنّى لهم مشاهدة التلفزيون كما يحصل في بعض سجون الاحتلال، لا بفضْل "الديمقراطية الإسرائيلية" المزعومة، بل بفعل النضال المَرير الذي خاضتْه "الحركة الأسيرة" عير عقود من الزمن في سبيل تحقيق بعض الإنجازات وتحصيل بعض الحقوق المشروعة دافعةً في مشوار كفاحِها لأجْل ذلك العديدَ من الشهداء والجرحى.
في هذا الكتاب الذي راجعتُهُ من دون تدخّل كبير في صياغته أو ما يتضمّنه من مواقف وآراء هي ملكُ صاحِبها، وتركتُهُ ينسابُ بلغة التجربة الحارّة وعفويّة السَرْد التلقائي، لأنّ المُتحدّثَ هنا هو القائد والمناضل السياسي والميداني وليس الأديب أو الشاعر، فعلى الرغم من الثقافة العالية وسِعة الاطلاع اللتين يتمتّع بهما مروان، يظلّ لكلٍّ من لغتُه وأسلوبُه، في هذا الكتاب الذي يأتينا من خلف القضبان الحديدية ليُنيرَ بحِبره عتمة الزنزانة، يروي البرغوثي الذي لا يزال حتى الآن قابعاً في سجنه تجربةَ العزل الانفرادي خلال الفترة الممتدّة من العام 2002 إلى العام 2005 ليقدّم شهادة مناضل استثنائي أمضى جُلّ عمره في الميدان، لم يكتفِ من النضال بالتنظير أو التحريض، بل نزل إلى الساحة وخاض كسواه من أبناء شعبه صراعاً يوميّاً مع الاحتلال، ومارسَ المقاومة بأشكالها كافّة وعاش الاعتقال والتحقيق والإبعاد، قبل أن "يعودَ" مجدداً إلى زنزانة العزل الانفراديّ التي لم يستطعْ جلاّدوها، كما يتّضح في الصفحات التالية، كسرَ إرادة قائد فرضَ احترامَهُ على خصومه قبل مؤيّديه. وهي شهادة مكتوبة بحِبر الصبر والصمود، مثلما هي مكتوبة بحِبر الوعي والمعرفة وثقافة التجارب الكبرى التي خاضها أسوة بشعبه الجبّار، وسيستشفّ قارىء الكتاب مدى الإدراك الذي يتمتّع به هذا المناضل لكلّ ما يحيط به ويجري حوله، كما سيكتشف الأبعادَ المُتعدّدة لشخصيّته الفذّة: القائد، المناضل، السياسي، المُثقف، الزوج، الأب، وكلها صفات مسبوقة بصفة أنبل وأهمّ هي صفة الإنسان التي يجسّدها مروان البرغوثي.
يُعرّي مروان البرغوثي في كتابه الوحشيّة الإسرائيلية كاشفاً الطبيعة "النازيّة" لمُعتقلات الاحتلال الإسرائيلي وأساليب التعذيب الهمجيّ التي يمارسُها ضبّاط الاحتلال وجنودُه بحقّ الأسرى والمُعتقلين. ولئن كان قائدٌ سياسيّ وعضو برلمان مُنتخب من قبل شعبه قد تعرّض لكل هذه الوحشيّة، فما بالُنا ببقيّة الأسرى والمُعتقيلن ممّن لم يحظوْا بفرصة اهتمام إعلاميّ أو سياسيّ... أو حتى بمجرّد محاكمة باطلة بطلان الاحتلال نفسه كما أكّدَ مروان في مُرافعته أمام التاريخ لا أمام المحكمة؟!
لا تكتملُ كتابة عن مروان البرغوثي من دون إشارة – غير مُنصفة مهما بلغتْ لأن "أمّ القسّام" تستحقّ أكثر دائماً – إلى المناضلة فدوى البرغوثي أو "حارسة الحلم" كما يسمّيها مروان في الكتاب، وإلى نضالها المُستمرّ كي تبقى قضية زوجها ورفاقه الأسرى حيةً في الضمير والوجدان. فهذه المناضلة التي جالتْ أكثر من أربعين دولة – وكان لي شرف مشاركتها إحداها واستضافتها ثلاث مرّات في "خليك بالبيت" – تمثّل نموذجاً حيّاً للمرأة الفلسطينية: حبيبةً وزوجةً وأمّاً مناضلة على كل الجبهات، مثلما يمثّل مروان نموذجاً حياً، لا للمناضل فحسب بل أيضاً للزوج والأب كما نستشفّ من رسائله إلى زوجته وأبنائه الذي خاض أكبرثهم كما أبيه تجربة الأسْر والاعتقال.
أكتبُ هذه الكلمات مشحوناً بقوة الأمل التي تؤكّد لي أنّ اليومَ الذي سيكسر فيه مروان البرغوثي أبوابَ سجنه آتٍ لا ريبَ فيه، مثلما هو آتٍ يومُ إعلان الدولة الفلسطينية الحُرّة المُستقلّة وعاصمتها القدس وسكون لقاؤنا – كما كتب لي في إحدى رسائله – "في القدس المُحرّرة حيث ستحظى بمُتعة الجلوس على أسوار القدس لتشعر أنكَ تتربّع على عرش حضاريّ يمتدّ آلاف السنين، وحيث نحتسي فنجان قهوة في البلدة القديمة على أصداء أذان المسجد الأقصى وصوت أجراس كنيسة القيامة، ومن ذلك البهاء تقدّم برنامجاً بعنوان "خليك بالقدس"..."
كلّي ثقة أنّ هذا سيحصل، لا لمجرّد الحماسة ورفع المعنويّات، ولا لمجرّد المجاز والاستعارة والإنشاء اللغوي، بل لأنّ لديّ إيماناً عميقاً راسخاً أخضر مُثمراً بأنّ تضحيات الشعب الفلسطيني ستُزهر يوماً في رايات النصر اليانعة وفي بيارق الحُريّة السمراء كوجوه أبناء التراب الذين ملّحوا الأرضَ بأجسادهم ووسّعوا الفضاءَ بأرواحهم الحُرّة المُحلّقة رغم قيد السجّانين وكيْد المُحتلّين.
 
غداً
لن يبقى من الجدار سوى أثر الجدار
لن يبقى من الحصار سوى حكايات الحصار
لن يبقى من النار سوى بقايا النار.
غداً
تتهاوى غربانُ الفولاذ
تصيرُ مُصفّحاتُهم خُردة
وعلى نجمة الضغينة يدوسُ طفلٌ من فلسطين
 
من الآن وإلى حينه، تحيّة لمروان البرغوثي وأسرته (فدوى، ربى، القسّام، شرف، عرب) وإلى شعبه الذي يجعلنا بصبره وصموده، كلّما ازداد الاحتلالُ الإسرائيليّ بطْشاً وضراوة، نزدادُ إيماناً بأنّ هذا الاحتلال إلى زوال محتوم، وبأنّ الصبح قريبٌ مهما طال الليل، والاتّكالُ ليس فقط على حتميّة التحرير، وهذا ما نستشفّه بكلّ عذوبة وسلاسة من هذا الكتاب – رغم قساوة التجربة – الذي يعلّمنا أمثولة في الصبر والصمود في مواجهة أساليب التعذيب الدنيئة التي يمارسُها السجّان الإسرائيلي، فضلاً عن معاناة الأسْر وصلابة المُناضل حين يكون "بصيغة" مروان البرغوثي. ويشكّل وثيقةً هامّة من الذاكرة النضاليّة للشعب الفلسطيني وهي ذاكرة للمستقبل الحامل معه لا مناصّ، الحرية الساطعة في قسَمات أبي القسّام وفاقه.
زاهي وهبي

إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html

 

Friday, January 31, 2014

هام.........محمد شحرور - القصص القرآني, قراءة معاصرة -2 من نوح إلى يوسف



دار الساقي, بيروت  2012 |  سحب وتعديل محسوبكم أبو عبدو | 288 صفحة | PDF | 8.12 Mb

http://www.4shared.com/office/YtonSqIjba/__-_____-2____.html
or
http://www.mediafire.com/view/rpq38o1rjs87ieo/محمد%20شحرور%20-%20القصص%20القرآني%2C%20قراءة%20معاصرة%20-2%20من%20نوح%20إلى%20يوسف.pdf

إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html



هام.........محمد شحرور - القصص القرآني, قراءة معاصرة -1 مدخل إلى القصص وقصة آدم



دار الساقي, بيروت  2012 |  سحب وتعديل محسوبكم أبو عبدو | 368 صفحة | PDF | 10.8 Mb

http://www.4shared.com/office/SHrQGLPwce/__-_____-1_____.html
or
http://www.mediafire.com/view/wmr07ygpqzd63fd/محمد%20شحرور%20-%20القصص%20القرآني%2C%20قراءة%20معاصرة%20-1%20مدخل%20إلى%20القصص%20وقصة%20آدم.pdf

إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html

Thursday, January 30, 2014

بوعلي ياسين - شمسات شباطية


شكرا للأخ فادي الطويل على تنبيهنا إلى هذا الكتاب


http://www.4shared.com/office/yVkIe15pba/__-__.html
or
http://www.mediafire.com/view/0zqjek3at5wya2a/بوعلي%20ياسين%20-%20شمسات%20شباطية.pdf

إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html



بوعلي ياسين - عين الزهور, سيرة ضاحكة



دار الحصاد, دمشق  1993 |  سحب وتعديل جمال حتمل  | 240 صفحة | PDF | 18.8 Mb

http://www.mediafire.com/view/heup0s5601x5i3g/بوعلي%20ياسين%20-%20عين%20الزهور%2C%20سيرة%20ضاحكة.pdf
or
http://www.4shared.com/office/jX4GeO5_ba/__-____.html

لقد تقصدت أن تكون السيرة ضاحكة، غير متحرج من الضحك حتى على نفسي. ذلك لأنني رغبت مرة أن لا يزيد مع الزائدين بؤسي وغمي على بؤس القراء وغمهم. فللحياة، كيفما كانت، وجهان: وجه عابس طاغي الصورة والصوت، ووجه باسم خجول. في الأحوال العادية لحياتنا يختفي الوجه الباسم وراء الوجه العابس، بقدر ما تتغلب العلاقات الطبقية الكريهة على علاقات التعاون والتضامن والتآلف الإنسانية. فإذا كانت الأمور هكذا، قلت لنفسي، لماذا لا أقوم –على مبدأ السحر- بقلبها ثقافياً؟ وهكذا فعلت، فقمت قسرياً بإبراز الوجه المشرق الضحوك ما منع قط معرفة ولا قصّر في تقديم فائدة، ومع ذلك فهو الجميل والأليف والمحبوب. أردته أن يضحك تيّمن الإيحائي بالخير وتسلّح العلمي بما يعينه على صنع حياة أفضل.
نبذة الناشر

تاريخ من العصيان .. "بو علي ياسين" مثقف سوري نقدي غيبه الإقصاء
ولد بوعلي ياسين عام 1942 في قرية عين الجرب التابعة لمدينة اللاذقية، ولد وأسمته امه عدنان لكن والده المنحدر من أسرة متدينة فضل تسميته اسما دينيا فكان "ياسين الحسن"، لقب نفسه "بو علي ياسين" في دلالة واضحة على قربه من البيئة الشعبية التي أولاها اهتماما خاصا .
تأثر بعبد الناصر إثر تأميم القناة والعدوان الثلاثي علي مصر، فانتمي الي حزب البعث الذي كان يسعي الي التلاقي مع عبد الناصر آنذاك.
ومن فطرته كمثقف نقدي بدأ بانتقاد عبد الناصر ونظامه القمعي، قبل أن يغادر صفوف الحزب.
بُعيد الانفصال. ذهب الي ألمانيا الغربية في بعثة تعليمية لدراسة الإحصاء التطبيقي، فقرأ ماركس بلغته الأم. وشارك في الحركة الطلابية في ألمانيا عام 1968.
لم يلتحق بالحركة الشيوعية التقليدية، بل غاص في بحار الاشتراكية العلمية كما صاغها ماركس وآنجلز والتي رآى فيها تمثيلا للديمقراطية الثورية التحررية.
عارض فكرة الدولة اللينينية /الستالينية وهيمنة الحزب الواحد واستقى تجاربه من مشاركات ميدانية ك كومونة فرانكفورت ومن الماركسيين الأوائل كروزا لوكسمبورغ والتي أثرت فيه حتى سمّى ابنته الكبرى "روزا".
ويعتبر ما مر به من مراحل لتكوين وعيه السياسي دليلا على أنه تعامل مع الفكر السياسي بعقل نقدي جريء.
انتسب بوعلي في ماركسيته إلى ماركس وليس إلى الماركسية بطبعاتها المختلفة. وانطلق في ذلك من قوله أن ما تحتاجه البشرية من الماركسية هو علميتها وليس تعاليمها. ورفض اعتبار ماركس صاحب تعاليم دوغمائية.
و حاول دوماً نقل الفكر الماركسي من القيد الإيديولوجي إلى الفضاء الدلالي، ومن الخانة السياسية الضيقة إلى حقل الفكر النقدي.
شكل بو علي ياسين على الصعيد الشخصي والثقافي مثالاً أخلاقياً في زمن كثر فيه المثقفون الرسوليون .
وصبّ اهتمامه على نقد الظواهر الاجتماعية والتقاليد الفكرية التي ينتمي إليها، وأهمها تعاقب التشكيلات الاجتماعية الخمس (المشاعية البدائية، العبودية، الإقطاع، الرأسمالية، الاشتراكية) التي قدّمها السوفييت على أنها أساسية في مادّية ماركس التاريخية.
وسبق أبناء عصره في القول أن نظرية تعاقب التشكيلات الاجتماعية الخمس نظرية فرضها ستالين وأنها غير صحيحة على الأقل بالنسبة لنا في آسيا وإفريقيا التي لا تخضع لهذا التعاقب الحتمي.
وسبق "الأنتروبولوجيين" المختصين بالثقافة الشعبية، واهتم بوضع المرأة وقضاياها واعتمد لغة بسيطة قريبة من العموم حيّد ذاته عنها حيث نفر دوماً من أوهام «الفرادة» في كل مستوياتها.
 ينتمي الكاتب السوري بوعلي ياسين إلى طراز خاص من المثقفين النقديين. وعلى الرغم من تعدد الحقول المعرفية التي كتب فيها فإن السمة النقدية كانت مرافقة له في كل حقل دخله.
و حاول دوماً الغوص إلى عمق الثنائيات الحادة التي تطبع الثقافة العربية، لينتج منظومات تحرر لا منظومات سيطرة.
وتأثر بالمدرسة الفرانكفورتية ومحاولتها في دمج علم النفس بالماركسية ليخوض في سنوات بحث عن المرأة والجنس والدين.
ابتعد كمثقف نقدي عن الأسر في نتاجه الفكري فمس بأعماله وأبحاثه الأحزاب السياسية والأجهزة الأمنية والقوالب المجتمعية الجامدة والمؤسسات الدينية الأمر الذي جعل جزءاً كبيراً من نتاجه الفكري والثقافي مغيباً وبحاجة إلى إعادة قراءة جدية وتفكيك ونقاش.
كتب في بداية مشواره "الثالوث المحرم": )الدين والجنس والصراع الطبقيّ): كتاب فكريّ يعالج قضايا فكرية، وحقّق نجاحا هائلا، وما زال يطبع ويعتبر من أهمّ الكتب والمراجع في تاريخ الفكر العربيّ ليخط لاحقا كتبا تتعلق بالثقافة الشفهية، بعيدا عن الثقافة الأكاديمية كمثال "بيان الحدّ بين الهزل والجد: دراسة في أدب النكتة".
وهو ما يبين لنا خروجه على قيود الإيديولوجيا ودوغمائيات النظرة السكونية وهو ما يتوقع منه كمثقف يدفعه هم العالم والمنظور الوطني الشخصي لا المنظور المتخشب المدفوع من أيديولوجيات جزبية أو سياسية مفروضة.
وذلك انطلاقا من فكره وبحثه الصادق عن جذور النقدية الحقيقية. وسبق الكثيرين إلى الاهتمام بالثقافة الشعبية والذاكرة الجمعية، انطلاقا من نظرته العميقة لأهميتها.
توفي بو علي ياسين عام 2000 ولم ينته من هاجسه وهو تدقيق الطبعة العربية من ماركس عن لغته الأصلية الألمانية، فقد راودته شكوك كثيرة في صحة بعض ترجمات ماركس، الأمر الذي أدى إلى سوء فهمه.
توفي وقد حظي في حياته بقسط وافر من التغييب والتهميش في الإعلام العربي، تاركا وراءه أكثر من 20 مؤلفا في الفكر والسياسة والاقتصاد والثقافة والفن إضافة إلى ترجمات أغنت المكتبة العربية.
 

إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html



Wednesday, January 29, 2014

محمد برادة - ودادية الهمس واللمس



نشر الفنك, الدار البيضاء  2004 |  سحب وتعديل جمال حتمل  | 110 صفحة | PDF | 5.14 Mb

http://www.4shared.com/office/dEZ9giI5ba/__-___.html
or
http://www.mediafire.com/view/8cm6w27drpe1san/محمد_برادة_-_ودادية_الهمس_واللمس.pdf


بمجموعته القصصية الجديدة «ودادية الهمس واللمس» الصادرة حديثا عن «دار الفنك»، يدشن الكاتب المغربي محمد برادة، مغامرة سردية أخرى، عبر اضمومة مكونة من عشرة نصوص تقدم مشاهد ولقطات قصصية يربط بينها خيط واضح يتجلى في رصد تغيرات القيم وتحولات المدينة المغربية وأهلها عبر العقود الثلاثة الأخيرة.
يبدو محمد برادة إذن منشغلا هنا بغير ما ركز عليه في خطاطات رواياته ونصوصه السردية الأخرى («الضوء الهارب»، مثل «صيف لن يتكرر» و«لعبة النسيان»). فبدلا من الانكفاء على الذات وسيرتها وثناياها ومراحل تطورها النفسي، يبدو الكاتب هذه المرة مهتما اساسا بالشأن العام، بالتطور الاجتماعي والاقتصادي لبلده، وانعكاسات ذلك على المفاهيم والقيم والأفكار والأخلاق في مجتمع مغربي عاش العقود الاخيرة من وجوده في ظل الصراع بين القديم والحديث، الاصيل والوافد، الركود والاصلاح.
وينعكس هذا الانشغال بالشأن العام، وبتطور المجتمع، على بنية معظم قصص المجموعة الواقعة في 114 صفحة من القطع المتوسط، الى درجة ان معظم شخصياتها لا تحمل اسماء معروفة، بل يبرز لنا السارد فقط انتماءها الطبقي وخلفياتها الثقافية، لتتحول من شخصيات فردية الى كائنات ذات وظيفة رمزية تمثل فئات معينة في المجتمع، ومراحل متوالية لتطور أفكار وقيم هذه الفئات حسب ما يستجد في الواقع الاقتصادي والاجتماعي المغربي من احداث
على مستوى الاماكن التي تدور فيها اللقطات القصصية. اختار محمد برادة ان يوزع حبكات نصوصه على مدن مثل فاس وطنجة والرباط التي يستعرض بعضا من معالمها المشهورة قبل ان يرسم تحركات بعض الشخصيات بين ضواحيها الراقية وأحيائها الشعبية، خاصة في نصوص مثل «حالة سفر» و«امرأة، شاي، ومدينة»، فيما تحفل نصوص أخرى بإشارات لمدن مغربية ) أخرى وأماكن لا يسميها السارد لكنه يدفع القارئ لتخمينها.
على مستوى الشخصيات اعتمد صاحب «لعبة النسيان» على بنية التضاد والحوار بينها في معظم نصوصه، وعلى الجمع بين مصائر أناس يقطنون اجزاء متناقضة من فضاء المدينة، بشكل يحيل على التناقضات الاجتماعية التي تحفر الهوة بين الشخصيات وتجعلها تعيش في اطار نوع من الاغتراب عن بعضها البعض من جهة، وعن المكان الذي تعيش فيه من جهة أخرى. لذا يمكن اعتبار فضاء الأحداث جزءا اساسيا من الحبكة في هذه المجموعة. والدليل على ذلك هو السؤال المركزي الذي تطرحه بطلة إحدى القصص بقولها: «هل نستطيع الاستمرار في حبنا للمدينة بعد ان نكتشف طبقاتها المستترة ووجوهها وأصباغها؟». وهو سؤال ستتجه كل النصوص لمحاولة تقديم الجواب عليه، بطريقة أو بأخري.
القصة الاولى، التي تحمل عنوان «محطة»، تصلح لتوضيح هذا البعد، فهي تقدم لقطة سردية ترصد شخصيات بلا أسماء، ينحصر وجودها في أدائها لمجموعة من الأدوار في مجتمع القاع: متسولين، عمال بسطاء، شباب فقير يجرفه الانحراف في اطار مكاني بالغ الرمزية، فاللقطة تدور في محطة حافلات موجودة قرب مقبرة، بشكل يجسد التضاد بين وظيفتي المكانين: المحطة المعدة للعبور. وهكذا يصبح هذا التضاد عنوانا لتصوير كناية المدينة في عيون أبنائها الذين يظلون أسرى هذه الاماكن، وتنتهي القصة بتدخل السارد لإنهاء وضعية التردد والانتظار.
القصة الثانية «خلف جدار من زجاج»، تتخذ من نفس المدينة مجالا للتفكير بواسطة تداعيات شخصية رجولية لا وجه لها، شخصية تحاول في احلام اليقظة، استعادة طفولتها في المدينة التقليدية القديمة، طفولة الاحتشام والحلم والقيم الواضحة المعالم، التي تدخل في تناقض مع مدينة اليوم التي يعيش فيها البطل ـ السارد: مدينة الاستهلاك والدعارة وتضخم القيم المادية والكثافة السكانية. ويتم هناك كذلك استحضار تدخلات شخصيات تنتمي لعالم الماضي، شخصيات باحثة عن الحكمة وعن معنى للحياة من خلال التساؤل عن جدوى الانجاب. وبحكم كون الانجاب امتدادا للفرد والمجتمع عبر الزمن، فالسؤال حول جدواه والتخوف على مصير الذرية، يجعل الحلم الصباحي بمثابة كابوس يحيل على سؤال الوجود في مجتمع منذور للأزمات ولصعوبة الحياة.
«امرأة، شاي ومدينة»، قصة تحمل علامات متعددة على ان مكانها هو فضاء مدينة طنجة، بطلتها تحمل اسم «حنان» تشتغل مدرسة للغة الفرنسية وتنظر للمدينة عبر زاوية قراءاتها باللغة الأجنبية. انها فتاة متحررة تمارس تجارب الحياة من دون رقابة، هاجسها معرفة قاع المدنية وطبقاتها المستترة الغامضة بالنسبة لذوي النظرة السطحية. لكن مجهود المساءلة ينتهي باستسلام البطلة لتجربة الرقص على ايقاع موسيقى البوب الاميركية. تمر حنان من استلاب الى آخر، مجددة تيهها وغربتها بمدينة طنجة، رغم استحضار السارد لبعض المعالم السياحية المعروفة عالميا بهذه البلدة (الكورنيش، فندق ، المنزه).
تصبح حنان الشابة الحائرة وهي في مقتبل العمر، شخصية اشكالية توجد خارج القوالب النمطية، شخصية تائهة لا تدري على أي قيم ترسو، امرأة تعيش بين ثقافات متعددة في مدينة كوسموبوليتية تقدم نماذج متناقضة للحياة، نماذج فكرية وحسية ذات أفق غربي يحبل بالتضاد مع الواقع المغربي، وتتحول البطلة في الأخير الى شخصية مقتلعة تماما من جذورها بالمقارنة مع شخصيات باقي قصص المجموعة.
وبعد مدينة طنجة يعود محمد برادة لاستلهام فضاءات الرباط في «ودادية الهمس واللمس»، حيث يؤاخذ العاصمة على استغراقها في ايقاع يشبه البيات الشتوي باستمرار. ويفرد مجالا واسعا لوصف المدينة وشوارعها ومقاهيها ووضعية العلاقات الاجتماعية بها بين الماضي والحاضر، هاته العلاقات التي تتكلس وتغرق في الرتابة قبل ان يقترح البطل مشروعا يقع بين الواقع والخيال، ويقدم وصفة سحرية لتجديد طعم الحياة بالنسبة لموظفي المكاتب المكتبيين.
قصة «حالة سفر» تدور كذلك في مدينة الرباط في سنة 2001، إبان تولي حكومة التناوب (اليسار المغربي) تسيير مقاليد الحكم. غير ان هذه القصة تصور التناقض بين الأحياء الراقية للمدينة ومناطقها الشعبية البسيطة. البطلة تحمل الاسم الدال «أحلام»، فتاة في مقتبل العمر، بنت محام ثري اختارت الاقتران بمختار، الشاب الطموح الذي درس الاقتصاد، بعدما نشأ بحي «العكاري» الشعبي المعروف بالرباط، وعندما ترفض أسرة أحلام مصاهرة مختار القادم من فضاء اجتماعي فقير، يفضل العاشقان الهجرة الى كندا والانطلاق هناك من الصفر. فهل يحل السفر نحو مكان قصي وأجنبي التناقضات المكانية والاجتماعية للعاصمة المغربية ولشبابها؟ وهل يشكل السفر مهربا ومخرجا من هذه الحالة المستعصية التي تحيل على تناقضات أكبر تنخر جسد المجتمع؟ وهل بإمكان التطور السياسي للمدينة/ الدولة ان يحل معضلة الانسجام الاجتماعي؟
وعلى النقيض من «حالة سفر» يرسم النص الذي يحمل عنوان «قصة تقليدية»، نمطا اجتماعيا ثابتا للبورجوازية المغربية: نمط المقاولة الفلاحية العائلية، الأسرة الكبيرة ذات الثروة الزراعية المتطلعة لتوسيع علاقتها ونشاطها التجاري مع الغرب، مع الحفاظ على الطابع التقليدي الموروث لعاداتها وتقاليدها وأساليب تفكيرها. في هذا النص يستسلم الجميع لخدر العادة ورتابة القيم والبنيات الاجتماعية المتوارثة. وما يضمن الحفاظ على هذه القيم هو الطبيعة الفلاحية لنشاط الأسرة في ميدان زراعة الزيتون وعصره، لكن، أمام أعين الزوار الاميركان، يتحول هذا النمط من الحياة الى مجرد فولكلور مفرغ من كل مضمون انساني، فولكلور ينخره الخواء والتفاهة. والشخص الوحيد الذي تلقى تكوينا علميا عاليا في الاقتصاد يتم اقصاؤه من طرف الأب المحتضر الذي يرتب انتقال الثروة والسلطة الى يد نجله الاكبر. لكن سهولة وسلاسة هذا الانتقال تثير الشك في مستقبله، بسبب ضعف الحس النقدي لدى الشخصيات الى حد البلادة، مما يوحي بجمود البنية الاجتماعية الموصوفة هنا رغم كل مظاهر التمدن، ويجعلها معرضة للاضطراب بسبب الإفراط في التفاؤل المشوب بالغباء!
وإذا كنت النصوص المذكورة تشكل لوحات مفصلية لما يعتمل في كنف المجتمع المغربي، من تحولات فإن كلا من قصة «مثل أيام آتية» و«أي صورة ستشبهين هذا المساء؟»، تطرحان معا اشكالية العلاقة مع الزمن، فهما قصتان عن الماضي، وعن الحاضر المتعلق بخيط من الماضي. في النص الاول يعيش البطل اغترابه داخل مدينته الساحلية الصغيرة التي يقصدها السياح، ويعود سبب ذلك لتعرفه على السائحة الفرنسية، شانتال، ذات صيف، ثم لاستمرار العلاقة بالمراسلة وبالهاتف بينه وبينها رغم زواجه، لذا يظل مشدوها منجذبا الى حلم زيارتها في بلدها البعيد حتى بعد بلوغه السبعين من العمر. انها اشكالية العلاقة بالآخر التي تحول الوجود العادي الى حياة اشكالية.
أما في «أي صورة ستشبهين هذا المساء؟»، فيتلقى البطل المجهول الملامح دعوة لحضور حفل زفاف ابنة حبيبته السابقة، مما ينتشله من زحمة الحياة وايقاع الزمن ويذكره بالتقدم في السن، بزحف الحاضر على الماضي الجميل، برهافة وخفة هذا الماضي، وبهشاشة الحياة البشرية في مجملها، هذه الحياة التي تصبح رهينة خيوط غير مرئية من الذكريات، ذكريات تصنع المستقبل بشكل من الاشكال.
الرباط : رشيد مرون

محمد برادة - حيوات متجاورة



نشر الفنك, الدار البيضاء  2009 |  سحب وتعديل جمال حتمل  | 196 صفحة | PDF | 11.5 Mb

http://www.4shared.com/office/ZJ0USV_5ba/__-__.html
or
http://www.mediafire.com/view/4ml25l0ecamyqe4/محمد%20برادة%20-%20حيوات%20متجاورة.pdf

في عمل محمد برّادة الأخير «حيوات متجاورة» ما يوحي بمحصلة مسار كتابي وبقول إنساني «أخير». تصرّح المحصلة بخبرة كتابية عمرها أربعون عاماً تقريباً، مرّ فيها هذا المثقف المغربي على المقالة والرواية والنقد الأدبي، وتآلف مع «جيل الستينيات»، كما يقال واندفع أماماً..
بحرص شديد، إلى كتابات الأجيال الأدبية المتلاحقة. وجاء القول الأخير من إنسان تمكّنت منه الشيخوخة، وأجبرته على معاينة ما عاش وتسجيله في «رواية» ، حيث لما كان حنين يلتفت إليه، وأسئلة لم تصبح متاحة إلا بعد حين. يجعل هذا من رواية برّادة سيرة ذاتية كتابية، تكشف عمّا تعلمه وتحاول السيطرة عليه، بقلق نجيب واستسلام حزين معاً، وسيرة ناقصة الفصول لإنسان « بطل الرواية» صنع سيرته من سير متقاطعة، فالإنسان المكتفي بسيرة ذاتية محضة لا وجود له. ولعل هذا التقاطع، الذي يأتي إلى الإنسان ولا يذهب الإنسان إليه، إلا صدقة، هو الذي يحوّل حياة الإنسان إلى مرايا ، فيها حيّز خاص ومساحات لشخصيات حملها إليه القدر.
أقام برّادة عمله على المفارقة، فهو يستهل بذات واضحة الاسم، تريد أن تكتب سيرتها الذاتية، موكلة ما أرادت القيام به إلى حرفة محددة لا ينقصها الرضا تدعى الكتابة. بيد أن الحرفة السعيدة المشدودة إلى «ذات نرجسية»، لا تلبث أن تصطدم بما لم تتوقعه تماماً، لأن الذات المفترضة، التي تشهر اسمها عالياً، محتشدة بذوات داخلية وخارجية: فما كانه الإنسان طفلاً محاه زمن الشيخوخة، وما أصبحه في أزمنة «الاغتيال والرصاص» يغاير ما سيكونه، وما بدا متعة عارضة في زمن الطموح واللهب، يصير متعة جوهرية في أوان الرماد. بيد أن خيبة «الذات النرجسية»، التي تستنجد بالكتابة وتهزمها الكتابة، تتكشف في جموع الشخصيات التي تتسلل إليها، أو تدخل إليها عنوة، مبرهنة لها أنها قائمة في غيرها وأن غيرها قائم فيها، وأن مركز الأنا والغير لا وجود له فهو ينصاع، شاء أم أبى، إلى مركز الحياة الوحيد، الذي يأخذ أسماء مختلفة، ليس آخرها: الصدفة، التي هي ليست بالصدفة تماماً.
تفشل الذات الكاتبة، وبفضل الكتابة، مرّتين: مرة أولى حين تبدأ بذاتها وتنتهي إلى شخصيات الحياة»، ومرة ثانية حين تحاول القبض على «الحياة» وتخرج بكِسر محدودة. لن تكون الكتابة الروائية، بالمعنى الذي مارسه برّادة، إلاّ إعلاناً عن محدودية الإنسان وانزياح الكتابة، ومرآة لإخفاق موجع نبيل، يجبر الإنسان على خلع تميّزه المتوهم والسير وراء الجموع التي تقودها الحياة. وبسبب ذلك تكون الشخصية الروائية، الساردة والمسرود لها في آن، شخصية عادية، قابلها الإنسان لبرهة بين الجموع وانسلت، أو قابلها طويلاً في طائرة وفندق وبيت مريح، أو سيقابلها ذات مرة في مكان لا يزال محتجباً. لهذا يعود الراوي، حداثياً كان أم بعد حداثي أم تائهاً بينهما، إلى بلزاك وديكنز: «كثيراً ما كنت أصادف رجالاً ونساء أحسبهم خارجين من ثنايا روايات لبلزاك أو ستندال أو ديكنز،…. ص : 45» ، مصرّحاً بأن التقنية الروائية «المعقّدة» لا تهمّش «عالم الإنسان»، بل تقوله بشكل مختلف، وبأن الفضاء الروائي والفضاء الواقعي وحدة لا تقبل الانقسام. ولعل هذه الوحدة التي لا سبيل إلى تبيّن حدودها، هي التي تجعل الراوي شخصية تختلط بالشخصيات الواقعية والمتخيلة، وتحوّل الشخصيات الواقعية إلى شخصيات متخيلة قادرة على السرد الروائي، ما دامت الحدود النهائية بين المتخيّل والمعيش لا وجود لها، وأن للبشر تجارب تختلط بغيرها ومتخيلاً، قادراً على الحذف والاقتراح والإضافة. أعلن محمد برّدة، وهو يلتفت بحذق كبير، إلى أطلال ملوّنة مختلفة الأعمار، عن تصور ديمقراطي روائي، أوعن «ديمقراطية الفعل الروائي»، الذي يساوي بين البشر ويلغي المراتب.
مقادير أربعة
كيف قدّم محمد برّادة ذاته الكتابية في روايته «حيوات متجاورة» ؟ فعل ذلك بمقادير أربعة متكاملة، تتداخل وتتخارج، وتخبر عن كاتب يتأمل صنعته الروائية، ويتأمل فيها حياته، التي تسبق الكتابة وتتلوها. فهو الناقد الذي يتابع النظريات النقدية ويتعلّم منها، محاولاً أن يكون مجدداً، وهو الروائي الذي يمارس في نصه فلسفته الروائية، وهو المثقف الذي يختلف إلى كتب الشعر والفلسفة والرواية والفلسفة السياسية ويستخلص منها ما يلبي أفكاره، وهو الإنسان الذي عاش تاريخ المغرب، في النصف الأول من القرن الماضي، والشيخ الذي جلس فوق رابية عالية تشرف على قطارات صدأ بعضها وتداعى بعض آخر ووصل حديثاً وأنيقاً لا جلبة ولا عويل. جمع برّادة بين البكاء ونشيد الحياة وبين التجربة ولوعة كتابتها . ومع أن الناقد الروائي المثقف محا المسافة بين المقادير المختلفة، مستجيراً بالصنعة الكتابية ، فإن القارئ يستطيع أن يفككها إلى أجزاء، متجاورة ويعيد توحيدها. يسفر الناقد عن وجهه في ترتيب مادته الروائية: ما يسبق عتبة النص، الذي يرشد القارئ إلى القول الروائي الذي ينتظره، والقائل بأن في أقدار كل إنسان مقادير من أقدار غيره من البشر. لم يعط الناقد الاستهلال عنواناً، اكتفى بجملة ماكرة معابثة: «كاتب سها البال عن اسمه»، الذي يمكن أن يكون «برّادة» نفسه، فلا إنسان يذكر دائماً ما هجس به، أو كاتباً آخر، أعجب به الكاتب ـ القارئ ونسي اسمه. يتلو العنوان، الذي لا وجود له، عنوان «نقدي» أكثر وضوحاً: «على عتبى النص»، ويحيل مباشرة على «نظريات» نقدية، تحتفي بالاستهلال وتنسى، غالباً، النهاية. استفاد الكاتب من «عتبته» وقال بأمرين: يتخفّى الكاتب وراء السارد، بحثاً عن قول أكثر حرية وهروباً من مصيدة «الحقيقة»، ويتواطأ الكاتب والسارد في شبه قسمة عادلة، تدع للسارد حرية تصنيف «الوقائع» وتقنعه بالاستفادة مما تركه الكاتب بين يديه، من مذكّرات متقطعة الكتابة وحكايات ، واقعية أو مختلفة. تعقب هذا إضاءة عن معنى الرواية والزمن عنوانها «تقول نعيمة»، تفصل بين طبائع البشر وتمحو الانفصال بسطوة الزمن، التي تلقى، في نهاية المطاف، بالراوي وسارده ومخلوقاتهما في مكان يتوّجه الأسى. يأتي بعد ذلك عنوان تقني لا تخطئه عين المهتم بالنقد الأدبي: السارد ـ المسرود، حيث الشخصية الروائية تسرد حياتها وهي تسرد حياة غيرها. يتكئ الراوي، أو السارد، هنا على كلام واضح مأخوذ من بول فاليري: «إذا لم يستطع كل واحد أن يعيش كمية من حيوات أخرى غير حياته، فإنه لا يستطيع أن يعيش حياته». أخذ الروائي بفلسفة بول فاليري، وصيّر عتبة النص والعتبة الصامتة والسارد والمسرود له ولعبة الوجوه والأقنعة تقنية كتابية، تشرح معنى «الحيوات المتداخلة»، التي يضع فيها «التجاور» أسئلة متشابهة.
سرد الروائي محمد برّادة تصوّره الروائي، القائل بالمتعدد والمتنوّع والنسبي، وبالعجز عن الوصول إلى الحقيقة، مقرراً التعدد المتنوع آية على اللايقين. خلق شخصيات متباينة الظروف والمصائر: الأنثى التي عرفت أكثر من مكان ومهنة، وتعرّفت على أنواع من البشر لهم أحوال اجتماعية غير متساوية، وانتقلت من الطائرة «مضيفة» إلى المصرف إلى تجارة المخدرات، فسجينة تلتمس الدفء لدى غيرها من النساء… والمثقف التقليدي، الذي يحترم السلطة ويهابها، ويدفعه الاحتفاء بـ «الجسد» إلى منظور ديني ـ دنيوي يوحّد بين إيمان موروث والقدرة على التساؤل والتجدد . والسارد والمسرود له، مختلفان ومتكاملان، يطلب ثانيهما من الأول أن يعطي روايته «حيوات متجاورة» عنواناً آخر أكثر ملاءمة. وهناك الشاب الفقير، الذي لا يحسن التعامل مع القراءة والكتابة ويعمل بما أتيح له أن يعمل به. وطّد الروائي تعددية البشر بتعددية الأمكنة والأزمنة : باريس ومدريد وألمانيا وأكثر من مدينة وقرية في المغرب، وأزمنة متعاقبة ، تبدأ من منتصف خمسينات القرن الماضي وتعبر، متقطعة، العقود المتلاحقة، التي تتضمن هزيمة 1967 وسبعينات القمع والاعتقال وانفراً ينكمش ويتسع، وتترجم مسار المجتمع المغربي وأطوار إنساني يخشى الزمن ويحب الحياة. وتأكيداً لتعددية المنظور الروائي، وضع الروائي في عمله أكثر من أسلوب: العاميّ تماماً المسرود بلهجة مغربية حرة وطليقة، لا تعرف كلام المثقفين ولا تريد أن تعرفه، والأسلوب الأدبي المصقول، ولغة التأمل النظري التي تقرأ في صدر الإنسان آثار إزميل الزمن، ولغة تقريرية تسرد أطوار الأنثى الجميلة، التي عرفت حياة السجن وحياة الأغنياء، سارقين كانوا أو لصوصاً محدودي الموهبة. وإذا كان في الأساليب مرايا لـ «حيوات متجاورة»، لم تعش المساواة، فإن الشكل الفني المتعدد من اختصاص الروائي وحده، الذي جمع في عمله بين الرواية والمسرحية و «الوثائق» والبوح الفكري المشدود إلى قطار الحياة.
اضاء برادة نصه بـ «استشهادات ثقافية» ، تنسب ما قال به إلى غيره وتنسب إلى نصه ما قال به غيره محوّلاً، بعفوية، الأقنعة التي نسجها السارد والمسرود له إلى غلالات شفافة، تعلن أن في القول الروائي قولاً آخر، وأن حكمة الإنسان تأتي بالجمع وتنهى عن المفرد. ولهذا يلتقي القارئ بالعناوين والكتب والأسماء التالية: حزن وجمال للياباني يوسوناري كواباتا، وبعض أفكار ماشادو دو أسيس، حياتي لإزادورا دينكان، توريني لندكرين ، بول فاليري وصلاح جاهين …. يبني الإنسان سيرته بسير الآخر، وثقافته بثقافة الآخرين، ويبني رؤاه برؤى من جاؤوا وسيجيئون، لأن تغيير الطبيعة الإنسانية الجوهرية يستعصي على الأزمنة، فهي موزّعة على ما تحقق وبقي ناقصاً، وعلى المتبقي الأخير، الذي لا يسمح الزمن بتحقيقه.
ماذا يقول الخطاب الذي أنتجه عمل محمد برادة؟ صعوبة الاقتراب من الحقيقة، وأولوية الإحساس والرأي والبصيرة على الواقع، ومأساة الإنسان المعلنة، التي تبدأ بشيء يشبه اللعب وتنفتح على الموت. سرد الروائي سير بشر روّضهم الزمن،ونظروا إليه بعتاب أسيان ، وسيرة مثقف اختبر أحوال المغرب ومذاق الحياة في عقود متلاحقة، وأغلق قوله بالكلمة التي تحاشها منذ البداية: الموت. استهل نصه بالشكل التالي: «في البدء تطالعنا حيرة الراوي الذي لا يعرف كيف يشرع في حكي الرواية التي تجمعت خيوطها لديه.. ص : 7». عالج الروائي حيرته بترحيل أسئلته إلى غيره، وعثر على إجاباته الناقصة في فضاء قوامه البشر والكتب والصدف والنوادر، وفي حنين يتقاسمه البشر إلى «حالة أولى» نورها أكثر من عتمتها. وواقع الأمر أنه لم يعثر إلا على الجواب المتاح، فقد نظر إلى المجموع الإنساني بصيغة «المفرد»، وأدرك أن المفرد الإنساني لهو أمر مستحيل. وهذا ما حمله على أن يستنجد في الإجابة الأخيرة بالتنويري الفرنسي ديدرو: «ليس هناك سوى فضيلة واحدة هي العدل، وسوى واجب واحد هو إسعاد النفس، واستنتاج مفرد ألا نشتط في الحياة ولا نخشى الموت. ص 239». بعد صفحات طويلة، أجرى الروائي فيها سيلاً من الحكايات، جاء الأمر الوحيد الذي لا يقبل بالتعدد: الموت . كتب الروائي عمله بهذا المعنى، من وجهة نظر الموت المنتظر، الذي يضيء مسرات الحياة المتوالدة ويلقي عليها نظرة أخيرة.
تصدر جمالية «حيوات متجاورة» ، وهي نص روائي بامتياز، عن «سردية المعنى» ، التي تحتفل بجماليات الحياة متوسلة تقنيات فنية متعددة ، نافذة إلى الجوهر الإنساني موحّدة بين القارئ والكاتب وأنماط البشر المتنوعة، بعيداً عن المراتب وإعلاء إنسان فوق آخر. ولعل هذا التصوّر، الذي يمحو المسافة بين الذين يحسنون الكتابة وهؤلاء الذين لا يحسنونها ، هو الذي أفضى إلى قول متسامح شفاف وبسيط، لا يبشّر ولا يلتفت إلى الموعظة، التي لا تأتلف مع التصوّر الروائي للعالم.
الحياة هي الجمال المتاح للبشر، الذي يعي الإنسان دلالته متأخراً، والرواية وجه من وجوه الحياة، تبدأ بقضايا كبيرة وتأوي أخيراً إلى القلب الإنساني.
عن جريدة السفير

إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html



محمد برادة - الضوء الهارب



نشر الفنك, الدار البيضاء   1995 |  سحب وتعديل جمال حتمل  | 199 صفحة | PDF | 11.5 Mb

http://www.4shared.com/office/z-ZZJ_G3ce/__-__.html
or
http://www.mediafire.com/view/wygc0x8ais8d93a/محمد%20برادة%20-%20الضوء%20الهارب.pdf

لا تشكل هذه القراءة إحاطة كلية بالوقائع المسرودة والموصوفة في هذا النص، كما لا تدعي تقديم تأويل شامل ونهائي له. إنها قراءة جزئية. وهي كذلك لأنها لا ترغب في الوصول إلى دلالة كلية ونهائية للنص (ولن تصل إلى ذلك ولو أرادت). إنها تقف عند حدود بعينها : يتعلق الأمر بمساءلة مجموعة من "الوقائع النصية" وتحديد موقعها ووظيفتها ضمن البناء العام للنص الروائي.

إنها قراءة جزئية، لأن تأويل هذه الوقائع تأويل "متحيز". فلقد ولدت لدينا القراءات المتعددة لهذا النص فرضية تأويلية قادتنا إلى التركيز على عناصر بعينها ومساءلتها باعتبارها تشكل نسقا فرعيا ضمن النسق العام للنص الروائي. ولسنا في حاجة إلى الدفاع عن تصور من هذا النوع، فكل قراءة تنطلق -بشكل حدسي في غالب الأحيان- من تصور أولي للمعنى في أفق تحيين مجموع الإمكانات الدلالية، أو البعض منها وفق تصور معين، وهو ما يشكل نقطة إرساء بدئية داخل مسار تأويلي تتحدد وفقه سبل وآفاق القراءة.

وبالفعل، فإن التأويل هو في نفس الآن سيرورة في التكوين وفرضية للقراءة وإجراء تحليلي. فلا حديث عن تأويل جاهز، بل يعود الأمر إلى فرضيات للتأويل، وليس هناك تأويل مطلق، بل يتعلق الأمر بمسارات تأويلية. فالوحدات (الوقائع) لا تدرك إلا ضمن نسق بعينه، ولهذا فهي لا يمكن أن تؤول معزولة. وبناءعليه، يمكن القول إن تعدد الأنساق وتداخلها مرتبطان بتعدد المسارات التأويلية وتنوعها. فإذا كانت "الواقعة النصية" الواحدة قابلة لأن تدرج ضمن أنساق متنوعة وقابلة للقراءة وفق أسنن متعددة، فإن التأويل لا يأتي إلى هذه الوقائع من خارجها، إنه يتخللها ويتعقب أنماط وجودها ويطاردها ليمسك بالبؤر التي تلوذ بها. إن كل تأويل هو استحضار لسياق، وكل سياق هو ذاكرة خاصة "للواقعة"و"للملفوظ" و"للوحدات المعجمية". 

وليس الهدف من هذه القراءة إعادة وصف للكون الممثل سردا ووصفا في النص الروائي، ولن تكون غايتنا هي الكشف عن معنى جاهز كوجه تجريدي لعالم مشخص. إننا نطمح فقط إلى تتبع الآثار التي تتركها الذات (أوالمحافل المتحكمة في السرد) التي يفيض عنها النص في الفعل السردي وفي الفعل الوصفي : تركيبا ودلالة وصياغات للأوضاع التي تشكل معقولية هذا الكون ومقبوليته.

في ضوء هذه المبادئ العامة، نحاول قراءة هذا النص الضوء الهارب. وسنحاول قراءته باعتباره سردا للجسد الإنساني في أوضاعه وحالاته المتنوعة : لحظة "استرخائه" ولحظة "توهجه" ولحظة "انصهاره" في فعل يمتص مجموع "انفعالاته". 
1- الجسد أفق سردي
إن الجسد في بعده الإيروسي هو البؤرة التي تتجلى فيها وعبرها الذوات والأشياء التي تكون عالم النص الروائي. إنه الشكل الذي تنطلق منه وتلتقي عنده كل الأشكال، وهو أيضا وأساسا الشكل القار القابل لاستيعاب سلسلة من الأفعال والأوصاف التي تحيل، بهذا الشكل أو ذاك، على قيمة (قيم) هي الأساس الذي تقوم عليه ممكنات الكون الدلالي وسبل تحققه.

إن الجسد حاضر في كل شيء : إنه حاضر في الرسوم وفي الكلمات وفي الصور(الموديلات التي أنجزها العيشوني لنساء كثيرات) وفي الأحلام والسياسة والأخلاق والسلطة. كل شيء يدور حول الجسد، ولا شيء يوجد خارج ما تثيره الكلمات والأوضاع، أوترسمه الأفعال من صور "للذة " لا تنتهي عند نقطة بعينها.

إنها لا تنتهي عند نقطة بعينها، لأن الرواية تستعصي على الضبط المسبق، فهي لا تبني نفسها انطلاقا من "تراكمات نصية" قد لا تقود -بشكل آلي- إلى نهاية بعينها، إلا أنها، على الأقل، ترسم خطوط مسار سردي (ودلالي أيضا) قابل لأن يُستوعب وينصهر في نقطة ما يمكن اعتبارها نهاية. إن وقائع الرواية، على العكس من ذلك، تخرج من دائرة السرد الكرونولوجي العادي لتضمحل في "أوراق" يكتبها العيشوني بعد أن غابت غيلانة وفاطمة وكنزة والأخريات. وهكذا، فكل "ورقة" قد تشكل منطلقا لرواية جديدة. إن الأوراق هي "خريف" في الحكي وخريف في العمر وخريف في السرد أيضا؛ إنها انتكاسة للسرد وجنوحه إلى الخروج من دائرة الحاضر (تحتوي الأوراق على مجموعة من الوقائع التي تم سردها في الفصول السابقة).

إن "التلاقي" و"الانفصال" و"الاتصال" و"الحدود" و"المسافات" و"البعد" و"القرب"، كل مواقع القياس هاته، التي تحدد حجم ما يفصل بين الشخصيات بعضها عن بعض، وما يفصل بين الشخصيات وبين الكون الذي يحتوي الأشياء، تنطلق من جسد يشكل نقطة البدء ونقطة النهاية لمسار سردي ما، أو مرتكزا للحظات تأمل وصفي. فمن الجسد تنبثق حركة الحدث وتنمو الدلالات وتتناسل الإمكانات السردية. ومن الجسد أيضا يمتح السرد موضوعاته ويحدد اتجاهات انتشاره، وفي الجسد أيضا تُصب كل التوترات المصاحبة للوصف والسرد والتعليق والاستبطان.

وينتج عن غياب الجسد غياب الرواية لسببين اثنين : يكمن الأول في أنه إذا كان بالإمكان التخلص من بعض الشخصيات الرجالية دون الإخلال ببناء النص، فإنه يستحيل فعل ذلك مع شخصية نسائية واحدة دون أن تنهار الرواية. ويعود الثاني إلى أن الخطاب في كليته مؤسس على "دورة كلامية" تقود من "أنا" مذكرة تؤسس عالمها انطلاقا من "أنتِ" مؤنثة. إن أي إخلال بهذا "النظام التلفظي" هو إخلال بنظام القيم المبثوثة في النص.

من هنا كان الجسد موضوعا للسرد، وموضوعا للوصف وموضوعا للاستذكار والاستباق والاستيهام، وموضوعا للغة أيضا، فمنه تخلق لنفسها تركيبا جديدا لا يدرك إلا في علاقته بما يتولد عن هذا الجسد من "هزات" و"إيماءات" و"آهات" حيث يصبح للكلمات قضيب وفروج. وهذا ما نعاينه في بعض المشاهد التي تقدمها الرواية حيث تتخلى اللغة عن تركيبها العادي لكي تتزيى بتركيب يخلط بين اللفظي والبدني، ليُقرأ اللفظي انطلاقا من التركيب الذي يقدمه البدني.

وبما أن كل سرد هو تداول للمعنى، فإن كل تداول يترك في المعنى شيئا نسميه الوقع الإيديولوجي (لا تشكل الإيديولوجيا مضمونا قارا، إنها طريقة في تداول المضامين وتوزيعها وطريقة في إنتاجها وتصورها أيضا)، فالوقائع لا تدل من خلال خصائصها فحسب، بل تدل أيضا من خلال طريقة عرضها ومن خلال علاقاتها ومن خلال فضائها وزمانها. إن هذا "الفائض" في المعنى هو ما يشكل بالنسبة لنا نقطة البداية وغاية التحليل : البحث في هذه "الأنماط الوجودية" للجسد وأوضاعه عن "الشظايا " التي يتركها التمثيل التشخيصي (العرض السردي) للكون المجرد وإحالته على نفسه من خلال عناصر لا توجد في التمثيل المباشر، أي غائبة في التمثيل "الموضوعي". فلنترك جانبا مضامين "الوقائع"، ولنركز على السَّنن الذي تُبنى وفقه هاته المضامين. 

إن أساس البناء الرمزي للعالم القصصي الذي تقدمه الضوء الهارب يقوم -كباقي النصوص التخييلية- على تسريد قيمة أو قيم دلالية من خلال سنن خاص : إن حركة السرد تبني نفسها انطلاقا من "عالم العيشوني"، الرسام الذي يعيش على وقع أجساد اللوحات وأجساد النساء. ويتعلق الأمر هنا بالسنن الذي يحكم المخيال الذكوري ويحدد طريقة إنتاجه للمعنى. فمن خلال هذا السنن يبدو الجسد عنصرا ضمن نسق رمزي تُكثف داخله مجموع الاستيهامات التي ولدتها ذكورة قدمت -ولازالت تقدم نفسها- على أنها منبع التاريخ ومنتهاه. فكل شيء يمر عبر وعي مركزي يشتغل كمصفاة ثقافية تتحكم في كل المعطيات التي ستوصف في النص وتحدد آفاقها. إن السرد والوصف والتعليق، أوبعبارة دقيقة وشاملة، إن الوعي المعرفي الكلي الذي يتحكم في النص ينساب من عين ذكورية تقيس الأشياء والأوضاع انطلاقا من قوانين عالمها الخاص. 

من زاوية النظر هاته، تتبدى معالم الوقع الإيديولوجي، ومن خلال فعل السرد وفعل الوصف، وكذا من خلال التركيب الخاص بالأحداث والشخصيات يمكن الكشف عن لاشعور نصي يختفي في "القصصي" و"الحدثي" و"الأماري" (من الأمارة)، وكل طموحنا هو الوصول، عبر هذا المنظورإلى تحديد الصـورة الـكـلية التي يظهر من خـلالها الجسـد، والجســد النســائي في المقـام الأول. فمـن أيـــــن ستكون البدايات؟ 
2- الاسترخاء : حالة الجسد قبل تسريده
الاسترخاء لحظة بين النوم والصحو
الغروب لحظة بين النهار والليل
والمدينة تودع يومها لتحلق في سماء المتع. 

تلك هي البدايات الأولى للفصل الأول من الرواية :

مسترخيا، كان على اللحاف العريض داخل الشرفة الفسيحة المواجهة للبحر ... صوت المؤذن ما يزال يعلن غروب شمس هذا اليوم وهو منجذب لفكرة... (ص11).**

وينتهي هذا الفصل بفقرة تقدم الوجه النقيض للحالة الاولى (حالة الاسترخاء):

ديالي ..اعطني ديالي ...ألعزيز ... ديالي ... كله ألعزيز ديالي أنا .. آه .. ياك ؟ ديالك.. ديا ... عبر الهذيان والعيون الغائمة والحركات المتناغمة والجسدين المتشابكين كانا يبدوان لمن يطل من الشرفة البحرية لزائر يأتي مثلا من مملكة الماء الغائصة في أعماق المحيط الاطلسي أنهما في لحظة صلاة، منفصلان عن الزمان والمكان راحلان نحو أصقاع ضياؤها لا يخفت لا يغيب (ص 44).

إنه السكون المؤسس للكلام والإيماءات والفعل ولمشروعية الحكي. فكما كان السكون نقطة انطلاق لسيرورة سردية (سكون في الجسد تقابله وضعية بدئية لا تحيل إلا على سكون في السرد)، تشتغل توترات الجسد وصراخه وهذيانه كنقطة إشباع لدورة سردية استكملت حلقتها الأولى من خلال تجسيد حركة الفعل السردي في لحظة تشكل موته وذوبانه عبر "استغاثة" و"تأوهات" الجسد كما يتم وصف ذلك وعرضه في النص الروائي (ص 44). 

إنها لحظة استرخاء في جسد النهار وفي جسد المدينة وفي جسد البطل. ومن الاسترخاء، أي لحظة الخروج من الوظيفي واللوذ بالمُتَعي، ولحظة التخلص من قيود النفعية والبحث عن متعة في النوم أو الجنس أوالخمر، تتحدد النقطة الأولى للسرد، وعلى أساسها يجب أن نقيس حركة السرد وأشكال انتشاره. 

وبما أن السرد هو دائما انزياح عن زمنية عادية من أجل تأسيس زمنية جديدة تهيئ للتجربة التي ستروى بؤرتها وإطار وجودها، فإن لحظة الاسترخاء هي عودة بالجسد إلى سكون واعد بحركات آتية، أو مُنهيا لحركات سابقة. ذلك أن السكون هو الأصل المولد لكل الأفعال السابقة منها واللاحقة. وكما سيتضح ذلك فيما بعد، فإن العودة بالجسد إلى لحظة سكونه معناه تحديد الحالة التي سيكون عليها الفعل الصادر عنه استقبالا. إن أجزاء هذا الفعل ستحدد من خلال توجيه أوَّلي عبراستكناه لطبيعة السرد والوصف؛ وسيقود هذا التوجيه إلى وضع الجسد داخل النص باعتباره الشخصية الرئيسية التي تتحدد عبرها وفيها كل الشخصيات القاطنة للعالم الروائي. 

في البداية يعلن السرد نواياه ويقوم بعملية فصل بين أبعاد الجسد ووظائفه ويلوح بإمكانية واحدة ووحيدة للتحيين والتشخيص : إنها إلغاء البعد الوظيفي وتحديد الجسد كماهية في ذاتها أولا (مسترخيا) وكوعاء لتجارب جنسية لا تنتهي ثانيا. تتحدد فحوى "حالة الاسترخاء" الأولى من خلال الخطاب اللاحق للسارد، ويتحدد، في الوقت نفسه، موقعها ضمن مجموع حالات الاسترخاء التي يصفها ويسردها النص. إن العودة بالجسد إلى حالة سكون حبلى بالرغبات وأوهام اللذات هي التي تفسر الصياغات الحبلى بالالتباسات الدلالية والمرجعية. 

وهكذا إذا كان هناك من تناظر يجمع بين أجزاء الأشياء والكلمات (الفرشاة والقلم والقضيب والفراش والكوب والماء والبحيرة والاسترخاء والتمدد ...) ضمن أوضاع متعددة الدلالات، فإنه يعود إلى الجسد وإلى الأفعال الصادرة عنه:
... أقلام الرصاص وفرشاة مغطوسة داخل كوب ممتلئ إلى منتصفه. منذ أيام وهو يحاول أن يفتض بياض القماش المشدود. كل التفاصيل واضحة في مخيلته لكن أنامله لا تقوى على الانطلاق ... (12).

عبر هذه الصياغات تنبثق كل المضامين التي تم تخزينها -لاشعوريا- لتبدو كإمكانات لا حد لها للفعل. إنها تُنشط لتدخل في علاقات مع الوحدات الخاصة بالتجربة الموصوفة مباشرة. وعلى هذا الأساس، فإن التدليل لا يقف عند حد بعينه يمكن تصوره كـ "وضع دال في مقابل مدلول" ضمن بناء يقود إلى دلالة نقول عنها إنها المعادل التّصَوري لوضعية غير لغوية. إن أساس بناء الدلالة في النص يقوم على "إخفاء" مدلول معين (ما يحيل على الجسد الجنسي) وراء سلسلة من الدوال التي لا تنتمي إلى نفس البنية التي يحددها المدلول الجنسي. فكل الدوال قابلة، ضمن وضعية سردية تتسم بالغموض والإبهام، لأن تحيل على وضع يمكن أن يؤول كفعل جنسي أو كأداة تشير إلى الجنس.

وقد يفسر هذا الالتباس بطبيعة الظاهرة التي تحيل عليها مجموعة التجارب المعروضة في النص. فالظاهرة -وكذلك الأشياء والحركات والإيماءات- عندما تقع ضمن دائرة المحظور والممنوع والمحرم والذي "يخدش الحياء" تتحول إلى شكل رمزي ينتعش ضمن الوضعيات المبهمة والفاقدة لأية هوية؛ وهي لهذا عرضة لاستعمالات استعارية متنوعة (انظر الأمثلة المتعددة التي يقدمها النص : البحيرة والأنهار والبراري والكوب والأنامل والفرشاة). إلا أن النص -وهذه إحدى مزاياه- يخلق الإبهام من خلال عملية الوصف، ليتحول هذا الوصف إلى طاقة سيكشف السرد عن وظيفيتها داخل البناء الروائي من خلال الزج بها داخل سيرورة سردية تقود إلى فعل ينزع عنها بعدها الرمزي ليجعل منها عنصرا يدرك باعتبار حقيقته لا باعتبار مجازه.

وهكذا، فإن الحالة الجنسية المسقطة كحلم عبر سلسلة من الأشياء والكلمات والأوضاع ستكون هي الممر المباشر نحو نقل الوضعيات من حالتها البسيطة (الوصف المجزء والمبهم لمعطياتها) إلى حالتها المركبة (إنتاج دلالات قابلة لاستيعاب مجموع ما هو موصوف بشكل جزئي ومبهم ضمن بنية "حقيقية"واحدة)، أي نقل القارئ من حالة الاستيهام اللفظي أو "الشيئي" إلى حالة "الفعل الحقيقي".

إن هذا النسيج الرمزي للأشياء والكلمات والتراكيب وصياغة الوقائع هو الذي يدفع بالمتلقي إلى استحضار سلسلة من الصور الجنسية (صور لأوضاع جنسية ) قائمة على نوع من التماهي أو التناظر بين الفعل الجنسي ومجموع الأفعال الأخرى من جهة، وبين " أدوات" الجنس و"أماكنه" وبين الأشياء من جهة ثانية. إن ما تقدمه الرواية هو سلسلة من التناظرات الناتجة عن وصف مبهم لواقعة أو لفعل يحيل حتما على فعل غائب هو الفعل الجنسي.
3- الجسد /المحفل الأسمى للفعل 
بنفس المنطق ووفق نفس التصور يؤثث الكون الروائي، وتلج الشخصيات مسرح الأحداث. إن تقديم الشخصيات (الشخصيات النسائية أساسا) عبر التركيز على جوانب بعينها معناه توجيه النص (والقراءة أيضا) وجهة خاصة لن تحتفظ من هذه الكائنات إلا بالجانب الذي سيشكل محورا مركزيا للأحداث، ونعني به الجسد : 
- العيشوني : مسترخيا كان ( ص11)
-فاطمة قريطس : ... كان وجهها يكتسي غلالة ناعمة ومثيرة، العينان عسليتان مضيئتان بالتماعة ملتبسة وقصة شعرها الكستنائي على طريقة الغلمان، والجلباب منسدل على جسد تبدو ملامح رشاقته عبر نتوءات الصدر والخصر .... ( ص 13).
- غيلانة : نظراتها لا تخلو من تحرش ، وشقرتها ممتزجة بصهبة خفيفة ...فضلا عن جرأة في الحركة يسندها دلال تلقائي (ص.55). هذا بالإضافة إلى أن غيلانة ستكون موديلا عاريا للعيشوني. 
- كنزة : أخذت تحكي بانطلاق عن انطباعاتها وإعجابها بالموديلات العارية "لأنها تبرز جمال المرأة المغربية المبخوسة الحق" وأضافت كلاما آخر على عواهنه (ص 69).

إن المرأة الوحيدة التي سيذكرها النص خارج إطار الجنس والوصف الغرائزي المثير هي الأم (سيذكرها النص مرتين فقط وبشكل عابر جدا)، حيث تتحرك آلة الأخلاق والقيم لتجعل من "الأم" كائنا يتحرك داخل خطاب الحشمة والنفعية والوظيفية :

كانت أمي قوية الجسد ذات طبيعة صلبة لا تجد راحتها إلا في العمل. كانت تأخذني معها إلى "سوق برّة " ... تنهمك في بيع الجبن والبيض والعسل والزيتون ... ولا تتعب من "مهاودة" المشترين وإبراز جودة بضاعتها (ص 49)

إننا أمام اللحظات الأولى لفعل السرد وفعل الإغراء، والإغراء سيرورة بالغة التنوع في التحققات وأنماط الوجود، إنها فعل سردي، وككل الأفعال فإنها تستدعي تداخلا في مستويات الوجود : تلعب اللغة دورا هاما في إنجاز فعل الإغراء (وليس غريبا أن تطلق العامة على الممارسة الجنسية " لْكْلامْ "). 

ولقد ضحى السارد في أحيان كثيرة بالسَّنن المؤسس للمظلة الثقافية التي تُدرك وتُقرأ وتُؤول عبرها التجربة الفنية وذلك في سبيل خلق عالم ينزاح كثيرا عن قوانين التجربة الواقعية وكذا عن الأشكال الرمزية التي تحكمها. فلن يتقبل القارئ بسهولة ما نقرأه في الصفحة 13 : >وجهها أليف وكلامها ينساب في تلقائية ومودة. تتحدث في الرسم والأدب وتنتقل إلى ما شاهدته في الشوارع وتستشهد بما حكته لها صديقتها عن أبيها الذي يعلو خواره كلما ضاجع أمها وتسأله في عفوية : هل هناك تفسير علمي أوطبي لهذه الظاهرة<. فاطمة تتحدث بهذه الطريقة ولم يمض على لقائها بالعيشوني الذي لم يسبق لها أن رأته، إلا بضع دقائق. 

إن الأمر يتعلق بقراءة خاصة للشخصية. فالسرد، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، لا يعرض لأفعال شخصية ما إلا إذا كانت تدخل إلى الأحداث بجسدها. فمن خلال هذا الجسد ستتحدد ممكنات السرد والوجهة التي سيسلكها وطبيعة الفعل الذي سيتم تمثيله.

إن هذه العناصر هي التي تفسر نمط البدايات الأولى للنص.

يفتتح السارد عالمه بصيغة تعبر عن "الحال" : >مسترخيا كان ...<. إن"الاسترخاء " حالة للجسد الإنساني بعد "لحظة تعب" أو "لحظة انتشاء" أو "لحظة تأمل". إن حالته هاته تعد تعطيلا لبعده الوظيفي، والعودة به إلى ذاته، أي منظورا إليه في نفسه خارج حدود النفعية والامتداد في شيء آخر غير "أشيائه"؛ إن النص يقدم الجسد باعتباره خزانا للمتعة واللذة ولحظة للتخلص من إرغامات "المتعدي" والنفعي.

وعلى هذا الأساس، فإن الجسد لا يقدم في النص إلا عبر ما يثير الشهوة، إنه مجزأ : إنه نهد وصدر وخصر وساق وتفاصيل أخرى لا يكف النص عن التلميح إليها. إنه الأجزاء التي تحتضن الشهوات وتثير اللذة وتوقدها. إن الوظيفية تُلغى لأنها تعد، في جميع التعاريف، فعلا متجاوزا لنفسه؛ إنها فعل لا يدرك من خلال أدوات تمظهره، بل يدرك من خلال منتوجه؛ إن الوظيفية تشير إلى ما يُنجز لا إلى الأداة المُنجزة، إنها تمجد المنتوج لا المنتج. 

وبعيدا عن الوظيفية في الجسد تكون بدايتا الفصل الثاني والثالث أيضا :

لعلك تستغربين كيف أظل الساعات الطوال هنا في الشرفة أمام البحر، بدون أن أمَلَّ ... تخرجين إلى المدينة وتعودين وتجدينني في نفس الوضعة (ص 47).

وستبدو الأمور أكثر وضوحا في الفصل الثالث حيث يدخل العيشوني هذه المرة إلى الأحداث مسترخيا ومستلقيا على ظهره وعاريا أيضا : 

العيشوني مستلق على ظهره فوق لحاف من البونج، عار تماما تحت شمس لافحة تغمر الشرفة، الساعة تقترب من الخامسة وهو لم يتغذ بعد ( ص 83).

فكيف يتحدد مسارالعرض والوصف والسرد لهذه الأوضاع؟ ومن أي منبع تُستقى المبادئ المنظمة لتوزيع المادة القصصية من جهة، وكيف تتحدد طبيعة المضامين الدلالية المتولدة عن هذه المادة من جهة ثانية؟.

إن بداية كل فصل من فصول الرواية (أو أغلبها)، تحدد لفعل القراءة سبل وأنماط التحيين الخاصة بالنواة السردية. فهذه النواة يُنظر إليها في علاقتها بمجموع النوى الأخرى من خلال موقع الجسد داخلها. فانطلاقا من هذا الجسد ستُبنى كل الأفعال الموصوفة في كل نواة، وعلى أساس نوعية المعرفة التي تُنتج حوله وحول"حامله" يتحدد الموقع الفكري الذي تنتج عنه هذه المعرفة (الأمر يتعلق بوقع إيديولوجي)، ويتأسس المركز الدلالي المولد والمتولد عما يحيط به. 

إن كل نواة هي في نفس الوقت مُكَون لوضع إنساني ونتاج له، وذلك وفق النظرة التي يتم تبنيها من أجل "فهم ما يجري" : تحتاج كل وضعية، لكي تدرك، إلى أن تصب في قالب تجريدي يعمم ماهيتها ويجعلها قابلة لأن تستوعب من طرف متلقي قادر -بحكم الانتماء أوالتعرف- على تحيين وحداتها وتأويلها. إن هذا الموقع هو الذي يحدد الطريقة التي يتم بها تسريد أفعال النص وعرضها والإحالة على "بقاياها" في أجزاء سردية صغرى. وتحيل كل وضعية من هذه الوضعيات على "حد أدنى دلالي" يدرك من خلال عنصرين على الأقل : ما يتم العرض له كمادة للسرد أولا، والطريقة التي تتم عبرها عملية العرض ثانيا.

ومن جهة ثانية، فبما أن كل نواة سردية تبنى انطلاقا من "حد أدنى من الشخصيات" يتمثل في وجود شخصية واحدة على الأقل (دون اعتبار لطبيعة هذه الشخصية : إنسان أو غير إنسان)، فإن النواة في هذا النص الضوء الهارب تُبنى انطلاقا من بنية تتكون من شخصيتين تحددان في كل مرحلة من مراحل النص لحظة سردية لها خصوصيتها وموقعها. وبطبيعة الحال، فإن هذه البنية خاضعة للامتداد في وحدات كبرى، إلا أن الأمر لا يعدو كونه محاولة لتنويع الوضعيات الإنسانية وضمان توزيع أكبر "للكلام" السردي. وقد تضاف إلى هذه النواة الدائمة شخصية ثالثة (ليست فردا بالضرورة، فهي قد تكون رواد مقهى أو مدعوين لسهرة أو سكارى في حانة ما) تغني المشهد.

وهكذا، رغم حديث السارد عن سهرات جماعية في أماكن عمومية أو بارات أو فيلات، فإن المحور الثابت المحدد "للحد الأدنى الحدثي" يتمثل في وجود ثنائية قارة "امرأة / رجل" تعد أصل ومنطلق كل بناء. فلا يمكن تصور مشهد سردي أوحدث أو واقعة خارج إطار ما تقدمه هذه الثنائية. وانطلاقا منها يمكن الحديث عن "التخصيص" السردي الذي يقلص من إمكانات التأليف ويحدد الدائرة في عنصر ثابت في هذه الثنائية : العيشوني، ويجعل من كل النساء العنصر الذي يغير من الوضعيات وينوعها :
 - العيشوني/فاطمة يضاف اليهما الدحماني
- العيشوني/فاطمة المدعوون (حلم فاطمة)
 - العيشوني/غيلانة يضاف اليهما الزلالي  
- العيشوني/فاطمة يضاف اليهما ماتياس أو الياباني أو الخليجي وكل الرجال الذين عرفتهم في فرنسا (فاطمة تحدث العيشوني)
 - العيشوني/فاطمة فاطمة تحدث العيشوني عن الياباني
- العيشوني/فاطمة العيشوني يحدث فاطمة عن كنزة
العيشوني/فاطمة فاطمة تحدث العيشوني عن الداودي
ضمن هذه الوضعيات إذن، يتم وصف الجسد وسرد أفعاله وتحديد الحالات الناتجة عن التحام جسدين في أفق "توحيد الفعل" انطلاقا من عين مذكرة لا ترى في الأفعال إلا صورتها. فهذه العين هي التي "ترى" وهي التي "تحس " وهي التي "تستبطن" وهي التي "تستبق" الأحداث وتسترجعها. 

وسواء تعلق الأمر بعين السارد أو بعين العيشوني (الأمر سيان، فمن الصعب الفصل بينهما، فكثيرا ما يتحول العيشوني إلى سارد، وكثيرا ما يندمج السارد في خطاب انفعالي يجسد التحامه بملفوظه)، فإن الأمر لا يخرج عن نطاق تقديم المشهد السردي (أوالوصفي) انطلاقا من أحاسيس ذكورية. وسنورد مجموعة من الفقرات التي توضح ما ذهبنا إليه (وهذه الأمثلة لا تشكل إلا عينة فقط): 
- ... وداخل سرير العيشوني ارتعش جسدها بقوة، بحرية، كأنما استرجع نوابضه المعطلة منذ أشهر، كانت تغرس أصابعها في ظهره تستحثه أن يغوص في بحيرتها الدافئة... وكانت أطياف غائمة الملامح تلوح لها كأنها قدود مياسة في مهرجان الشهوة وقد تألق، مهيمنا، وجه أمها المهللة لما جرى (ص 27)
- تستيقظ بأعماق العيشوني تلك الرغبة الشرهة تجاه الحياة على إيقاع حضور فاطمة إلى جانبه ودغدغتها لجسده وأحلامه. (ص 35)
- ينظر إليها ويتيه، يتذكر ويستعيد، راكبا مهرة الرغبة الجموح التي تقوده عبر براري القرى ومسالك الأودية فيبدأ يشيد المدائن (ص 36)
- كانت قد تجردت من ثيابها دون أن يلحظ هو ذلك، مدت نحوه يديها في نداء صارخ لا ترافقه كلمات، عيناها ملتمعتان ببريق خاص وضوء الصباح الناعم يسربل الجسد الفتي الفوار بغلالة لها ألوان الحلم (ص 43)
- إيه معاك الحق ألالة رقية احنا جبناهم باش يعملو سطاج عندكم، وهما مطيحات على وذنين الغياط (ص 119)
- الكؤوس تملأ وتفرغ والضحكات تتوالى وفاطمة مستأنسة بالحكايات والنكت، تتبادل نظرات دافئة مع العيشوني (ص27). 
- تقول فاطمة عن الداودي : كلماته ولمسات يديه الحاذقتين، وجسدي الملتهب الفوار المشدود إلى الانعتاق من محرمات وهمية (ص 118)
- نساء جميلات لهن حلاوة اللسان وذكاء الفؤاد (ص 36)
 - الجو الذي تستأنس إليه : النكت والحكايات
- لم يرتح لذلك الجانب من شخصيتها الذي يعرف كيف يمضي بتصميم واطمئنان إلى هدفه (ص35)
- فاطمة الملهمة (ص 35)
- هي تنزع عنه منامته وهو يغوص في التيه عبر عينيها المثقلتين بحنان وشبق يطابقان ما كانت مخيلته تنسجه في لحظات الوحدة والملالة. أخذت شفتاها تجوسان بإيقاع دافئ عبر الجبهة والصدغ والوجنتين والعنق والصدر ... تطوف بجميع مناطق الجسد ويداها تسعفان في فك الحصار عن الشهوة المتوارية خلف هموم التفكير والخلق وفهم العالم للآخرين، وخلف الوساوس والهواجس (ص 43)
- يقول الداودي لفاطمة العارية في الفراش : لقد حررنا الجسد وعلينا الآن أن نعمل لتحرير الشعب (ص 120)

إنها لحظات مثيرة حقا حيث نجد أنفسنا أمام تناظرات تجمع بين الجنس والفن ، بين الجنس والفكر، بين الجنس والترويح عن النفس، بين الجنس واللذة الأصلية حيث ينتفي الزمان/المكان وتغيب الفصول في الجنس والانتشاء بالنفس التي تخلصت من إرغامات الحياة اليومية.

ضمن هذه التناظرات -وهي تناظرات ممتعة في ذاتها ولذاتها- ينتصب المذكر كنقطة ارتكاز أساسية في بلورة وتحيين ونشر القيم التي تشكل عالم النص الدلالي وسبل قراءتها. ويبدو، عبر نقطة الارتكاز هذه، وريثا شرعيا لمتاع البشرية المادي والمعنوي حيث تقوم النساء بـ"حلاوة اللسان وذكاء الفؤاد " بـ "فك الحصار عن الشهوة المتوارية خلف هموم التفكير والخلق وفهم العالم للآخرين".

بناء على هذه المعرفة تتحدد زاوية النظر : في كل لقاء ترمي الحركة السردية خيوطها في اتجاه إلغاء نفسها في فعل جنسي يكون خاتمة لجزء سردي ما. وداخل هذا الجزء السردي يتحدد الطرف "المستفيد" الذي "يفهم" و"يعي" ما يدور ويجري، إنه المذكر، العنصر الفاعل الذي يتحرك الآخر من أجله. ويتحدد الطرف "المانح" و"المستكين"، إنه الطرف الذي لا ندرك عنه إلا ما يحدث تأثيرا عند المذكر. 

وهكذا يمكن أن نقرأ هذه المقاطع السردية التي تعرض في أغلبها لمشاهد جنسية صريحة (أي وجود "تغطية لغوية" لأفعال جسدية تؤول عبر فك رموز الوحدات اللسانية في شكلها الطباعي كفعل جنسي يثير عند المتلقي رد فعل ما) من زاويتين : الأولى خاصة بنمط عرض هذه المشاهد، أي خاصة بالزاوية التي تتم انطلاقا منها عملية تسريب وتحيين وإدراك الأحداث، والزاوية الثانية خاصة بالصياغة المضمونية للقيم التي يشتمل عليها النص والخاصة بكل ما يعود إلى العلاقة رجل/امرأة . 
4- عين المذكر تروي جسد الأنثى 
إن العين التي ترى تقدم ما ترى عبر الطريقة التي بها رأت ما رأت، وليس انطلاقا مما رأت. إنها قاعدة ذهبية في الإدراك. إن المسألة تتعلق بمشكلة التمثيل الرمزي في مفهومه الواسع : تحديد ماهية كل التصورات التي نخلقها ونغذيها ونحتكم إليها في فهمنا لأنفسنا وللآخرين انطلاقا من زاوية نظر معينة. فأن تنطلق حركة السرد من العيشوني أو من فاطمة لعرض العالم القصصي، فإن هذا لا يشكل في هذه الحالة أو تلك خرقا لقوانين الكون وأحكامه. ولكن أن يقدم العالم القصصي ويعرض من خلال خصوصية هذه العين أو تلك، أي أن تسمى الأشياء وتوصف انطلاقا من جهة نظر العيشوني (العين المذكرة) أو من جهة نظر فاطمة (العين المؤنثة )، فإن الأمر سيكون مختلفا. 

إن الانتقال من هذه العين إلى تلك هو رصد للهوة الثقافية التي تفصل بينهما. وهذا ما يشكل عمق المشكلة وأصلها. إن العرض تعيين وتسمية وتصنيف وتأويل؛ ولقد كانت التسمية (التعيين) هي دائما الوجه الآخر للامتلاك والتملك (لويس - جان كالفي). إن الحق في التسمية يشير إلى وضع حضاري يتحدد داخله موقع الأفراد وسلوكهم وقيمتهم. >إنه موضوع النقاش الدائم : كيف نسمي أنفسنا وكيف نسمي الآخرين< (مارينا ياغيلو: Les Mots et les femmesص 70). فالتسمية في هذه الحالةوفي جميع الحالات أيضا، (والسرد تسمية للأشياء)، هي وصف لحالات التنويع الثقافي.

وبناء عليه، فإن أي تمثيل إنما يمتح عناصره من سجل خاص ينتمي إما إلى "الذكورية" (إن الأمر يتعلق بإديولوجيا وليس بتعيين نوعي كما قد يتبادر إلى الذهن )، وحينها يصبح العالم "مذكرا"، فالعين التي تقدمه محكومة بقوانين وأسنن السجل الذكوري؛ وإما إلى "الأنوثية"، وسنكون أمام صورة مؤنثة للعالم، أي أمام عالم ينضح بكل الخصوصيات المؤسسة للأنوثة. وفي الحالة الأولى كما في الحالة الثانية، سنكون أمام خطاب تخترقه وتتخلله "إيديولوجيا جنساوية" ( idéologie sexiste ) لاواعية أو واعية، وسيكون هذا الخطاب هو الممر الضروري لإدراك واستيعاب خصوصيات وأنماط التجليات الخاصة بالعالم المعروض.

إن خصوصيات هذا الوضع تكمن في أن العالم المشيد سرديا داخل النص الروائي لا ينزاح كثيرا عما تقدمه التجربة الواقعية بحكم انحيازها إلى لغة المذكر وأحاسيسه وإسقاطاته الثقافية. فعين السارد التي تختفي وراء "هو" من أجل عرض عالم قصصي تخييلي تمتلك في وجداننا وذاكرتنا صورة "مذكرة" تتعايش مع كل الصور التي كوناها عن العالم وعن موقعنا داخله. ولهذا، فإن ما يقدم في النص الروائي قد لا يثير أي رد فعل سلبي (أو إيجابي) عند المتلقي بخصوص نمط العرض هذا، في حدود أنه لا يخرق أي قانون ولا يزعزع دعائم أية " أيديولوجية" (هكذا ).

ليس بريئا أن تأتي "غيلانة" و"فاطمة" و" كنزة" والأخريات إلى النص الروائي عبر وجدان العيشوني وأحاسيسه. وليس بريئا أيضا أن "نحس" بالعيشوني وندرك "ذوبانه" الوجودي والنفسي والإبداعي لحظة امتلاكه للجسد الأنثوي، في حين نجهل كل أحاسيس فاطمــة مثلا. فــــــهي لا تـــأتي (و كذلك الأخريات ) إلى النص إلا كـ "مثيرات فيزيقية" توقد الشهوة في نفوس الآخرين، ولا نعرف عن النار التي تشتعل في داخلها أي شيء. إن كل المشاهد التي نعاين، وكل الأفعال التي ندرك وكل الصياغات المصاحبة لهذه الوقائع تتبلور انطلاقا من وعي وعين ذكوريين.

وبعبارة أخرى، ليس بريئا أن يكون العيشوني نقطة انتشار كل الممكنات السردية ويكون هو أيضا نقطة إرساء لكل الأفعال المنجزة. إن صوت السارد لا يستطيع أن يخفي أن قراءتنا للأحداث تتم انطلاقا مما يتصوره العيشوني كواقع أوحلم، كماضي أو حاضر، كوهم أو حقيقة. فكل فعل يدرك انطلاقا من "وضع ما" يتم فيه وعبره تصور جزئيات أخرى ستشكل حلقة سردية متكاملة، وضمن هذه الحلقة يدخل العيشوني مسرح الأحداث محددا من خلال مجموعة من القيم والصفات، وأيضا من خلال "إمكانات الفعل وطبيعته". انطلاقا من هذا نلاحظ وجود تفاوت في وعي التجربة الحياتية كما تصاغ سرديا وكما ترسم وصفيا وكما تدرك تأويليا. 

ويتضح هذا التفاوت في الصوت والرؤية بين ما ينتمي إلى تجربة "المذكر" وما ينتمي إلى تجربة "المؤنث" من خلال استعادة الفصلين الثاني والرابع من الرواية. ففي هذين الفصلين سيتخلص السارد من عبء السرد ليوكل أمره إلى العيشوني (الفصل الثاني) وإلى فاطمة (الفصل الرابع ). سيحكي العيشوني لفاطمة جزءا من حياته (مغامراته النسائية )، سيحدثها عن البولونيات والإسبانيات وعن غيلانة وكنزة وأخريات. وستقوم فاطمة بنفس الشيء، حيث ستروي له عن "حياتها" التي لم تبدأ إلا عندما تعرفت على الداودي في فاس. وعن جزء من حياتها في فرنسا.وبما أننا لسنا بصدد مناقشة طبيعة المضامين المودعة في هذين الفصلين، فإننا سنتوقف قليلا عند الطريقة التي تصاغ بها التجربتان : تجربة العيشوني وتجربة فاطمة.

إن الارتقاء بفاطمة من وضع شخصية تُدرَك ولا تُدرٍك إلى وضع شخصية تحكي بصوتها عن تجربتها دون وسيط، لن يغير من وضعها "الأنثوي الدوني" شيئا. وفي هذا الصدد يمكن استعادة مجموعة من الوقائع النصية ومحاولة تأويلها وفق التقسيم الثنائي السابق : المذكر/والمؤنث.
- العيشوني يقص في الحضور وتقص فاطمة عبر الكتابة : يصرح العيشوني في بداية الفصل الرابع (وسيعيد كتابة هذه الفقرة في أوراقه) : 
- أثناء إقامة فاطمة معي، كنت متحيرا من أمرها : تقتحم علي حياتي... وتذيقني من شهوات الجسد ألوانا ثم ترفض أن تحدثني عن حياتها، رسالتها إلي، بعد رحيلها، هي التي أضاءت ملامح من ذلك الوجه الهروب< (ص 107).

فحتى في الحالة التي تكون فيها فاطمة في موقع الذي يصوغ قصة، فإن عملية إدراك هذه القصة تمر عبر عين العيشوني، فهو الباعث على الكتابة أولا، وهو الذي تقاس عبره كل التجارب التي ستحكي عنها فاطمة ثانيا.
- إن حكاية فاطمة هي مزيج من التآمر والتحايل والزيف. إنها لا تستطيع مواجهة الحياة انطلاقا من إمكاناتها الخاصة، فهي دائما في حاجة إلى سند : كانت في حاجة إلى الداودي وهي في المغرب، وعندما انهار الداودي سياسيا انهارت هي أيضا، وفي فرنسا كان عليها، لكي تعيش، أن تستعير تجربة امرأة أخرى (الطريف أنها ستستعين بتجربة امرأة تنتمي إلى عالم تخييلي مدوموزيل بونون). إن وسائل عيشها ظلت في جميع الحالات مرتبطة بالجسد : في المغرب منحت جسدها للداودي لأنه مناضل "صلب" ومنحت جسدها للعيشوني لأنه "فنان"، وسيكون جسدها وسيلة عيشها في فرنسا (حتى مشروع تخليص شوارع باريس من براز الكلاب مرتبط بشكل ما بالجسد). وعلى العكس من ذلك، فإن العيشوني يستعيد، عبر رؤية "صاحية " و"واعية " سلسلة من الوقائع يحتل الجسد داخلها موقعا هاما. إنه ثابت في الفضاء، لا يتحرك وإليه تأتي النساء (تعرف على كنزة في طنجة قبل أن يذهب إلى مراكش). إن الوقائع لا تأسره، إنه يمتص منها خلاصات للتأمل. 
- إن حكاية فاطمة (كما يتضح من الرواية) هي أيضا حكاية غيلانة وكنزة ومدوموازيل بونون وأخريات (ستتزوج غيلانة وتلد فاطمة لتتركها وتحترف الدعارة، وستكبر فاطمة وتتزوج وتلد "نادية" لتتركها وتحترف الدعارة). أما حكاية العيشوني فهي فريدة لا امتداد لها في حياة شخصية أخرى. فكل الرجال الذين يذكرهم النص هم على النقيض من العيشوني (الدحماني، الزلالي، الصديق الآتي من مراكش)
- يحكي العيشوني أمام فاطمة عن جزئيات الفعل الجنسي: 

أبدا لم أعرف جسدي مشتعلا كذلك المساء. كنت أحسني سمفونية استيقظت أوتار عازفها حد الجنون (ص 78 ). 

وتتحدث فاطمة عن وقائع جنسية غامضة ومبهمة لا حميمية فيها. إنها وقائع تثير التقزز عند المتلقي (أغلب هذه الوقائع يعود إلى ممارستها للدعارة في باريس )، وقد تصف أحيانا مشاهد كفيلة بإثارة الاشمئزاز عند المتلقي : 
- بدا لي جلده (جلد الياباني) الأملس بصفرته المحايدة ولصوقه المفرط على العظم خاليا من الجاذبية، أمرر يدي من فوق لتحت فلا أحس حروشة تستثيرني ... لكن عري تماثيل رودان وطيف الآنسة بونون يستحثاني على الانطلاق (ص 155) .

ويلاحظ هنا أيضا الحضور الشخصي للعيشوني وكذا الإطارالثقافي الذي يتحرك داخله، وذلك من خلال الواقعتين التاليتين :
+ لا تستقيم " اللذة" لفاطمة إلا باستحضار "الموديلات العارية". لقد كان العيشوني متخصصا في الموديلات العارية.
+ وتخبو جذوة نارها عندما يغيب الجسد الذي تسكنه الحروشة (رؤية "غيبية" عن الجنس تحتقر الجسد غير العربي، أو هي الفحولة العربية بصيغة أخرى). 

إن أهمية "الأنا" التي تخبر عن "عالم ما" تكمن في الموقع الذي تحتله ضمن ما تعرض له. فالتواجد في مركز القصة وليس في محيطها يعد تحديدا مسبقا لطبيعة ما سيروى. ولقد كانت فاطمة -من خلال سردها- جزءا من قصة تتجاوزها، لهذا فهي تحكي عن الآخرين وليس عن نفسها : بدأت حكايتها، على عكس حكاية العيشوني التي تبدأ من الطفولة كنقطة صفر ضمن مسار حياتي طويل، من يوم تعرفها على الداودي . إن الدخول "النسائي" إلى التاريخ يمر عبر الجسد وليس عبر تجربة حياتية متكاملة. من هنا لم تستطع أبدا أن تُكون قصة "يأتي إليها الآخرون ثم يذهبون وتظل هي ممسكة بعالمها" : كانت الأم وسافرت، وجاء الداودي ولم تستقم معه دعائم القصة، وكان الخليجي وابتعد عنها. ولم تبدأ في سرد هذه الأحداث إلا حين قايضت جسدها مقابل " قصة" (لقد بنيت كل القصص داخل النص انطلاقا من الجسد). ستصبح زوجة لماتياس ولحظتها فقط فكرت في الكتابة إلى العيشوني. إن قصتها لم تبدأ في الرواية، إنها بدأت عندما انتهت الرواية.

وبطبيعة الحال، فإن الأمر مختلف مع العيشوني. إنه يروي قصته ويشير إلى موقع الآخرين داخل هذه القصة. إنه يمتلك الأجساد ولا تمتلكه أية امرأة. إنه ثابت في الفضاء والآخرون متحركون. إن منزله قار والآخرون ضيوف. لا نهاية لقصته. إنها بدأت، وعندما "كَلَّ" السارد انتشرت في أوراق لا تحكمها خطية ما. حيث تنشر اللغة المليئة بالصور الشعرية "معرفة سردية" تسير في الاتجاه العمودي، في الاتجاهات المتناقضة لينهار التسلسل الهادئ للحدث وتقرأ عبرها كل القصص السابقة.

وبموازاة ذلك، هناك أحداث لا يمكن فهمها في إطار التسلسل الذي يخلقه النص الروائي. ويعود هذا، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، إلى وجود قطيعة بين الجسد ودلالاته النفعية. فالسرد لا يتعامل مع هذا الجسد من خلال كامل إمكاناته، إنه لا يتوقف إلا عند حالة بعينها. إن الحل الوحيد لاستعادة هذه الأحداث هو إدراجها ضمن خطاب الإثارة. لحظتها تصبح مجموعة الأحداث المتشابهة جزءا من استراتيجية "الغريب" و"المثير" و"المدهش" . ولعل هذا ما يجعل من الفعل الجنسي "الحدث" الوحيد، بالمفهوم اللوتماني للكلمة، الذي يمكن الارتكاز عليه من أجل استعادة البناء العام للنص الروائي. 
5- السرد ومقتضيات "المشهد الجنسي"

إن "الكلام" و" الهذيان" و"الخطابات المنظمة" و"المناجاة" و"الصراخ" وكل أشكال الخروج من الذات والالتحام بالآخر تخفي -بشكل واع أو لاواع، إرادي أو لاإرادي- استراتيجية خطابية منظمة لأنماط الظهور اللفظي للمضامين التي نطلق عليها عادة الإيديولوجيا، أي القيم كما يتم تجسيدها في وحدات أو وقائع سلوكية يحكمها نسق ما. إن هذا التنظيم الخفي للوحدات المرئية، أي الوحدات المدركة عبر الخطية اللسانية، يقودنا من جديد إلى التساؤل عن تجليات موقع كل طرف من أطراف "العملية الجنسية" داخل المشاهد التي تزخر بها الرواية، سواء أتعلق الأمر بوصف "مباشر" للفعل الجنسي أم باستبطان يحيل على أفعال سابقة أو أفعال مسقطة أو قابلة للإسقاط.

إن الرغبة في قراءة الفعل الإنساني عبر "مقتضيات الجسد" الحسية هي التي أدت بهذا الجسد، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، إلى أن يكون هو مادة السرد الأولى والأخيرة. إنه النقطة التي تتولد انطلاقا منها الموضوعات، تماما كما تتولد الآهات والأنات المريضة والصحيحة على حد سواء. 

إن التعامل مع الجسد من هذا الموقع، معناه أننا نسير في اتجاه التعامل مع الوحدات النصية باعتبارها وحدات تندرج ضمن خطاب الإغراء (بمفهومه الإيروسي ). فاللغة التي تصوغ لفظا ما ينتجه الجسد إيماء (حركية) لا تقف عند حدود نقل "ما يجري "؛ إنها تتخلص من "تركيبها" و"حرفيتها" و"مباشرتها" لكي تقود المتلقي إلى الارتكاز على شعرية "ما يجري" من أجل تأسيس "استيهامات الفعل المقبل".

ولعل هذا النمط في الصياغة هوالذي يفسر الطريقة التي يبنى من خلالها "المشهد الجنسي" (تؤدي الصياغة الشعرية للوقائع إلى تنويع في قراءتها). إن هذا المشهد يشتغل خارج الخطية السردية التي تبني أفقها انطلاقا من وقائع صغرى ينضاف بعضها إلى البعض الآخر لبناء قصة ما. إنه لحظة تَوَقف داخل الحركة الكبرى للسرد من أجل بناء حركة سردية أخرى تمتح "وقائعها" من استيهامات الكلمات والتراكيب التي تنضح جنسا ولذة. فعندما يتوقف السرد تتحرك الآلة الوصفية لتنزاح عن الخطية السردية لتقدم هذه الوقائع وصفا. إن الوصف في هذه الحالة يتحول إلى عنصر سردي، وفي الآن نفسه يخرج السرد عن مساره الأصلي ليلتحم بحركة الوصف. فمن خلال وصف العملية الجنسية، يتسلل إلى النص عالم جديد لا تربطه بالعالم الذي تقدمه الحركة السردية، من خلال منطلقاتها الأصلية، أية صلة. إنه عالم آخر لا يمكن أن يدرك إلا من خلال قوانين التجربة الجنسية ذاتها.

إن السرد هو تلبية حاجة أواستعادة نظام، أو جواب عن سؤال. أما اللذة فتحمل غايتها في ذاتها، لهذا فهي نقيض الفعل. ومن هنا فإن السرد يتوقف لحظة بروز اللذة؛ لأن اللذة توقف الحركة وتشلها، ولحظتها لا يمكن تصور أي فعل عدا فعل اللذة. ولهذا أيضا لا ينطلق السرد من لحظة إشباع الفعل الجنسي. إن استعادة الخيط السردي من جديد تتم دائما خارج حدود الفعل الجنسي: إنه إسقاط حلم يتمم الفعل السابق (حلم فاطمة في الفصل الأول) أو إنهاء فصل بحيث يتم التنصيص على استمرارية زمن الجنس وزمن اللذة، وتقطع زمن السرد، وهنا أيضا تبرز الجمالية التي يتمتع بها هذا النص.

وهكذا، فإن "الفعل الجنسي" الذي يعد محطة ضمن محطات متعددة للمسار السردي، يشكل نقطة انزياح دائمة عن الخطية السردية التي تتحكم في مجمل السرد (ولعل هذا ما جعل من الرواية نصا غير قابل للتوجيه انطلاقا من نقطة بعينها، حيث لا وجود لـ "تراكمات نصية" تقود إلى "إشباع" بعينه)، من أجل استشراف آفاق حركة سردية أخرى مبعثها ومصدرها الآثار التي يتركها الجنس كلذة قصوى تقود إلى التخلص من مقتضيات السرد العادي والبحث عن مسار سردي مغاير. إن الأمر يتعلق بإسقاط صورة حياتية تعد نقيضا للصورة التي يرسمها السرد للتجربة الواقعية. 

وهنا تتدخل من جديد عين المذكر لتصوغ هذا العالم المسقط انطلاقا من مخيال المذكر وأحلامه وكذا من المظلة الثقافية التي تفسر سلوكه وكذا سلوك المؤنث، أي الاحتكام إلى الصورة التي نملكها عن المذكر من جهة، والصورة التي نملكها عن المؤنث من جهة ثانية. فكيف تتحد سيرورة الإغراء وكيف يتحدد الخطاب الذي يصوغها ؟.

يقدم النص الروائي لقطات متعددة للفعل الجنسي، تسبقه وتليه لحظات مبهمة لغة وفعلا. وعبر هذه اللحظات ينفذ القارئ إلى عالم الفعل الجنسي. وعبر كل الفصول تُوَحِد الحركة السردية بين أجزائها في فعل جنسي (الاستعمالات الغامضة والمبهمة للكلمات والأشياء التي أشرنا إليها سابقا). إلا أن الإغراء، من خلال مجموع هذه الوحدات، لا يكون إلا أنثويا. إن الرجل الذي "يفكر" لا يستطيع أن يغري، إنه المستمتع بالإغراء، أو الذي لا يستطيع أن يغري إلا من خلال سلطته؛ ففاطمة تستهويها : 
 - سلطة الفـــــــــــــــــن العيشوني 
 - سلطة صورة المناضل الداودي  
- وتأسرها سلطة المال مجموع الذين عرفتهم في فرنسا 
في حين لا تغري المرأة إلا بجسدها. ففي مقابل "الحياد" الذي يظهر به جسد الرجل، وربما أجساد جميع الرجال (لا تشير الرواية مثلا إلى فزيولوجيا معينة للعيشوني، بل لا نعرف عنه أي شيء: هل هو طويل أم قصير، أسمر أم أشقر، الخ )، يبدو جسد المرأة مغرقا في الشهوانية والإغراء والإغواء. 

ولإبراز هذه الطاقة الإغرائية، تسلك اللغة سبيلا يقود إلى تجزيء الجسد وتقديمه على شكل مناطق، كل منطقة لها موقع داخل السيرورة المؤدية إلى "اللذة القصوى". وهكذا في مقابل " كلية" الجسد الرجولي، يركز السرد على "جزئية" الجسد النسائي : إن المرأة "نهد" و"ساق" و"عينان فيهما شبق وحنان" و"نتوءات صدر وخصر تبرز رشاقة الجسد". في حين لا شيء يغري في الرجل سوى "فحولته".

ومن جهة ثانية، فإن نفس اللغة لا تصل إلى حد منح الجسد صوتا "يقول" ما يثيره الآخر فيه. إن الأمر على العكس من ذلك. ففي الوقت الذي "يصيح فيه صوت" المذكر معلنا عن شهوته ولذته "لغة وحلما"، لا يرى السرد في جسد المرأة إلا اهتزازات وإيماءات.

إن امتلاك هذا الصوت هو الذي يجعل من العيشوني قادرا على وصف مباشر للفعل الجنسي مبرزا "مراحله" وسيرورته، في حين لا تفعل ذلك نساء الرواية. في (ص 96) يسأل العيشوني غيلانة : >ألم تحققي ذروة الشهوة بدون حب؟<، وتجيب غيلانة بالإيجاب، وكان من المتوقع أن تصف هذه الذروة، إلا أنها تدع للقارئ حرية استحضار ما يشاء : 
- ...كان يجلس إلى جانبي رجل أسود ... أحسست أنني لو ضاجعته لأدركت ذروة المتعة التي افتقدتها من زمان، فأسرعت أمسك يده ضاغطة عليها في حنان وقد اشتعلت عيناي بذلك البريق الفاضح، بدوره أخذ ينظر إلي بعينين متجاوبتين، فأشرت إليه أنني أدعوه إلى شقتي القريبة من المقهى ... وكان ما توقعه حدسي.

في مقابل فوضى الحواس وعفويتها ولامنطقيتها أيضا، يأتي التفكير كفعل يعي نفسه ويعي موضوعه في نفس الآن. يحس ويعي أحاسيسه، يحس ويتلذذ بأحاسيسه دون "خجل" ، في مقابل "الإحساس الفاضح " و"الحدس " و"الفعل الذي لا يوصف". إن الاغراء الأنثوي لا يعي نفسه إلا في حدود وجود الآخر الذي يحول ما يحتويه هذا الإغراء من طاقة إلى إبداع (كلما كانت هناك عملية وصف للجنس كان هناك خروج من دائرة فضاء الجنس إلى عالم لا تحكمه قوانين فضاء التجربة الواقعية).

وفي هذا الاتجاه يمكن تناول عملية الإغراء والأفعال التي تليها من خلال مجموعة من الوقائع النصية التي تحيل على عالم الذكورة كسجل له موقع خاص ضمن الهرم الثقافي الذي يحكم مرحلة ما، وتحيل من جهة ثانية على تصور معين للأنوثة من خلال الإحالة، عبرالتصوير الذي يعطى للنساء في النص الروائي، على سلسلة من الخصائص والحالات التي تحدد نموذجا أنوثيا خاصا:
1- أ) مؤ : هي تنزع عنه منامته
ب) مذ : وهو يغوص في التيه (ص 43)
2- أ) مؤ : عيناها مثقلتان بحنان وشوق
ب) مذ : تفك الحصار عن رغبته "تتوارى خلف هموم التفكير وفهم العالم للآخرين" (ص 43)
3- أ) مؤ : حلاوة اللسان وذكاء الفؤاد 
ب) مذ : مدائن يصهل في جنباتها الرجال بأصوات آمرة مضحكة، وتضبط إيقاع شهوتها الخفي نساء جميلات لهن حلاوة اللسان وذكاء الفؤاد (ص 36)
4- أ) مؤ : وجسدي الملتهب الفوار
ب) مذ : وكلماته ولمسات يديه الحاذقتين (ص 118)
5 - أ) مؤ : (النساء) مجال العبث والترويح عن النفس
ب) مذ : لا حوار يرضيني إلا مع ما أقرؤه عن تجارب الرسامين والكتاب (ص 65)
6 - أ) مؤ : صوت المرأة العارية 
ب) مذ : جسد الرجل العاري الذي لا يفهم ما تقوله تلك الجائعة (ص 96)
7- أ) مؤ :يصفع بلطف مؤخرتي العارية 
ب) مذ : يقول الداودي : لقد حررنا الجسد وعلينا أن نعمل لتحرير الشعب (ص 120)
( أ و ب يشكلان لحظة سردية واحدة موزعة على حيزين : "حيز نسائي" و"حيز رجالي"، وعادة ما تشكل هذه اللحظة، لحظة ممارسة جنسية).

يتضح من خلال هذه المجموعة من اللقطات السردية، أن هناك موقعين في التعامل مع التجربة الجنسية من حيث وصف جزئياتها وآثارها والوقع الذي تخلفه عند كل طرف من طرفيها.

فداخل كل مشهد (أو نواة سردية صغيرة) هناك ثنائية تقود من المذكر إلى المؤنث عبر عين تقيس القيم والأحاسيس على مقاس الذكورة. فالمرأة "تئن" و"تحن" و"تشتاق" و"تتأوه" و"تنادي وتستغيث"، والرجل يتأمل و"يتيه في البراري" و"يشيد المدائن" و"يركب مهرة الرغبة" . إنه يدخل إلى مسرح الأحداث مدججا بجميع أسلحة الفرد المذكر: "الفحولة" و"القوة" و"الفكر "و"الفن" و"الانتصاب الدائم ".وفي المقابل، فإن المرأة حبيسة الجسد المعذب، وحبيسة الشهوة المحجوزة التي تريد أن تنطق في عينيها. 

تلك هي الصورة التي يقدمها المشهد الجنسي عبر صوت السارد أو صوت العيشوني. صورة تتحدث المرأة من خلالها كجسد لا صوت له، إنها "مثيرات فيزيقية"، والجسد ضمن هذه الصورة أسير سرد لا يسمح للغة أن "تقول" ما يصنعه حضور الرجل في أحاسيس المرأة إلا من خلال صوت السارد. فالقارئ لا يستطيع الولوج مباشرة إلى عالم المرأة وجسدها ونفسها إلا من خلال ما يريده السارد. 

إن الجنس عند العيشوني لحظة إبداعية تقود إلى التخلص من "الأنا" المباشرة (الأنا التي تعيش التجربة القصصية)، ومعانقة "أنا" مبدعة لا تعترف إلا بما فوق التجربة المباشرة، "أنا" تتخلص من الفضاء حيث يتداخل فضاء الجسد المسجى بالشهوات التي لا تنتهي مع فضاءات تخلقها هذه "الأنا" (البراري، البحيرة، المدائن، الأنهار، البحار...)، وتتخلص من الزمان (عادة ما ينتهي المشهد الجنسي دون إشارة إلى وقت انتهائه بحيث يظل زمنها عند المتلقي زمنا مفتوحا).

لقد كانت محاولتنا مقتصرة على تلمس بعض مظاهر التدليل وتجلياته في النص الروائي. وكانت نقطة انطلاقنا هي الجسد : كما يتم وصفه وكما يتم سرده وكما تصوغه اللغة لذة وشهوة لا تنقطعان. وكانت غايتنا هي البحث في مظاهر التدليل هذه عن "الوقع الإيديولوجي" الذي تتركه عملية التمثيل التشخيصي، أي استعادة العناصر التي تحجبها عن القارئ "الوضعيات الكبيرة". ففي هذه "الجزئيات" كنا نحاول البحث عن موقع المذكر وعن موقع المؤنث من اللذة التي يولدها جسد يشتغل وفق ما يشتهيه ويرسمه خيال المذكر. إن متعة القراءة لا يمكن أن يولدها إلا نص ممتع وكانت رواية الضوء الهارب نصا ممتعا حقا. 

*- هذه المقالة هي جزء من دراسة ستصدر قريبا . وتتناول السـرد والايـــديولوجيا وعـــــالم الممكنات
سعيد بنگراد

إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html


Monday, January 27, 2014

محمد كامل الخطيب - بلاد كالزيتون

 

اتحاد الكتاب العرب, دمشق  1987 |  سحب وتعديل ج. حتمل  | 127 صفحة | PDF | 6.18 Mb
 
 
 
إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html

 

عبد القادر الجنابي - مرح الغربة الشرقية



 منشورات, رياض نجيب الريس, لندن  1988 |  سحب وتعديل ج. حتمل  | 102 صفحة | PDF | 3.91 Mb

http://www.4shared.com/office/MqiDrodJce/___-___.html

عبدالقادر ناجي علوان الجنابي (العراق).
◾ولد عام 1944 في بغداد.
◾قصد لندن أواخر يناير 1970 , ومكث فيها أكثر من سنتين, ثم ذهب إلى باريس حيث يقيم الآن, ويحمل الجنسية الفرنسية.
◾أسس عدة مجلات بالعربية والفرنسية والإنجليزية منها مجلات: الرغبة الإباحية, والنقطة, وفراديس.
◾دواوينه الشعرية: كيف أعاودك وهذا أثر فأسك 1973 ـ في هواء اللغة الطلق 1978 ـ مرح الغربة الشرقية 1988 , وديوان شعر بالإنجليزية.
◾مؤلفاته: معارك من أجل الرغبة الإباحية (مختارات من النصوص والبيانات) ـ ثوب الماء ـ شيء من هذا القبيل ـ تدفق ـ انفرادات الشعر العراقي الجديد, كما أن له ترجمات كثيرة من الإنجليزية إلى العربية.
 عنوانه: A. K. El-Janabi 83 Rue Nollet 75017
 Paris - France.


إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html


Thursday, January 23, 2014

صلاح صلاح - كرات الصابون الفارغة



 دار السويدي للنشر والتوزيع, أبوظبي  1992 |  سحب وتعديل ج. حتمل  | 78 صفحة | PDF | 26.1 Mb

http://www.4shared.com/office/rJSFzlr1ce/__-___.html
or
http://www.mediafire.com/view/ge4upsoz7z0i2bb/صلاح%20صلاح%20-%20كرات%20الصابون%20الفارغة.pdf

إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html

جبار ياسين - على ضفاف الجنون



 منشورات الجمل, كولون  1986 |  سحب وتعديل ج. حتمل  | 45 صفحة | PDF | 2.07 Mb

http://www.4shared.com/office/OL1SmFeYba/__-___.html
or
http://www.mediafire.com/view/8fds8bfvvqbun3k/جبار%20ياسين%20-%20على%20ضفاف%20الجنون.pdf

إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html

عبد الغني العطري - إعترافات شامي عتيق



دار البشائر, دمشق  1998 |  سحب وتعديل محسوبكم أبو عبدو | 369 صفحة | PDF | 6.41 Mb

http://www.4shared.com/office/9-ipiinbba/___-___.html
or
http://www.mediafire.com/view/y28pkaiwwgif1bz/عبد%20الغني%20العطري%20-%20إعترافات%20شامي%20عتيق.pdf

نستطيع أن نقول بمنتهى الصدق أن هذا الكتاب من أطرف وأجرأ ما خطته أقلام الكتّاب والمفكرين في العصر الحديث. إنه قبسات من أجمل ما في السيرة الذاتية وأحلى ما في الذكريات الشامية من صور ولوحات وأحداث. في هذه الاعترافات ومضات من أجواء الثورة السورية ولوحات من أيام النضال الوطني والاضطرابات والمظاهرات وقد عاشها المؤلف كلها وشارك بها وكان عنصراً فعالاً فيها.. ويضع صاحب الاعترافات بين أيدينا صورة مشرقة كاملة لأول أعياد الجلاء وفرحة الشعب الكبرى كما عاشها ورآها بنفسه. وفي ثنايا الكتاب صور ناطقة من الحياة الشعبية قبل ظهور الإذاعة والبراد والغسالة... وأحاديث ممتعة عن كندوش القمح والنملية والعجن في البيت وحمام السوق والمعتقدات الشعبية والبيت الشامي... كما ينطوي الكتاب على ومضات عن المجاعة وأيام السفربرلك وما عاناه شعبنا في تلك المرحلة. وفي هذه الاعترافات ذكريات سياسية حول ما شاهده المؤلف الكبير من حوادث وأحداث وما عاناه في حياته الصحافية والعملية والاضطهاد الذي تعرض له والسجون التي دخلها دفاعاً عن حرية الإنسان والكلمة.وفي فصول متعددة يقدم المؤلف اعترافات جريئة سياسية وأدبية وعاطفية وفنية وبعض هذه الاعترافات يتلوها القارئ وهو يحبس الأنفاس ويتمنى لو طالت أكثر وأكثر !.. ويختم المؤلف كتابه القيم هذا بمقطوعات آية في الرشاقة والطرافة تنطوي على معلومات وذكريات وأحداث لا غنى لكل قارئ عن الإلمام بها ومعرفة ما فيها من خفايا وأسرار
نبذة الناشر

إذا كان الرابط لايعمل لسبب ما, فالرجاء البحث في مجلد الكتب المحملة حتى اليوم:
http://www.mediafire.com/#ms1dzyv1tns14
or
http://www.4shared.com/folder/QqJXptBS/_online.html